وضع داكن
25-04-2024
Logo
أحاديث قدسية - الحلقة : 27 - الصيام عبادة الإخلاص
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

 أخوتي الكرام ؛ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم ، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم ، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم ، لكن العلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك ، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً ، ويظل المرء عالماً ما طلب العلم ، فإذا ظن أنه علم فقد جهل ، طالب العلم يؤثر الآخرة على الدنيا فيربحهما معاً ، بينما الجاهل يؤثر الدنيا على الآخرة فيخسرهما معاً ، لذلك هذه الحلقات إن شاء الله تتمحور حول الأحاديث القدسية .
 بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم .

الصوم سرّ بين العبد و ربه :

 أيها الأخوة الأحباب ؛ لا زلنا في الأحاديث القدسية ، والحديث اليوم عن الصوم والإخلاص معاً ، فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم :

(( كلُّ عملِ ابنِ آدمَ له إلا الصيامُ فإنه لي وأنا أجْزِي به ))

[أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي ومالك عن أبي هريرة]

 فيا ترى ما معنى :

(( كلُّ عملِ ابنِ آدمَ له ))

[أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي ومالك عن أبي هريرة]

 الإنسان إذا ترك السرقة ، تركها عائد له بوضوح جلي ، إذا ترك الكذب ، ترك الكذب عائد له بشكل واضح ، إنه يكسب ثقة الناس ، فالأمين معزز مكرم ، والصادق معزز مبجل ، وأي أمر إلهي أُمرنا به في علاقاتنا ، وحياتنا الشخصية ، في علاقاتنا الاجتماعية ، في بيعنا ، في زواجنا ، في شرائنا ، في الدين ، في أي شيء أمرنا الله به أن الثمار التي يجنيها الناس من تطبيق هذه الأوامر واضحة جلية ، ولكن الإنسان قد يتساءل : ما هي الحكمة من ترك المباح ؟ من ترك الطعام والشراب ؟ إنك في هذا الشهر الكريم تترك الطعام والشراب الذي أحله الله للناس، إنك في هذا الشهر الكريم تترك شرب الماء الذي أحله الله للناس ، فالصيام كما قال الله عز وجل :

(( فإنه لي وأنا أجْزِي به ))

[أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي ومالك عن أبي هريرة]

 في هذا الحديث القدسي الذي رواه النبي الكريم عن رب العالمين يستنبط منه هذه العبادة ، نسبت إلى الله وحدها ، من دون العبادات الأخرى .
 فما أسباب ذلك ؟ أسباب ذلك أن العبادات كلها ظاهرة جلية للناس ، فالذي يدخل إلى المسجد ، ويتوضأ ، ويصلي ، هذه صلاة ظاهرة للناس ، والذي يزمع السفر إلى الديار المقدسة لأداء الحج أو العمرة له حفل توديع ، وحفل استقبال ، ويسمى الحاج الفلاني ، عبادة ظاهرة بينة جلية ، يعرفها الناس جميعاً ، والذي يؤدي زكاة ماله ، إن هذه الزكاة تؤدى على مرأى ومسمع من الناس ، ولكن الصوم ، هذه العبادة كما قال بعض العلماء : سر بين العبد وربه ، لا يعرفها إلا الله ، فلك أن تدعي أنك صائم ، ولكن الله وحده يعلم ما إذا كنت كذلك ، أو لم تكن كذلك ، إن هذه العبادة من بين العبادات كلها سرّ بين العبد وربه ، هذا هو الذي استنبطه العلماء من قول الله تعالى :

(( كلُّ عملِ ابنِ آدمَ له إلا الصيامُ فإنه لي وأنا أجْزِي به ))

[أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي ومالك عن أبي هريرة]

 تقريباً يوجد خمسمئة ألف بند من الشرع هذه كلها أوامر تعبدية ، تعاملية ، لكن لو أن طعام الغداء قد حضر ، والطعام طيب جداً ، والابن يكاد يموت من الجوع ، وقال الأب له : لا تأكل ، هذه ليست لها معنى إطلاقاً ، الابن جائع ، والطعام طيب ، وطعام والده حلال، وهو في بيت والده ، فإذا قال الوالد لابنه هذا الكلام فقال له ابنه : سمعاً وطاعة يا أبتِ ، معنى ذلك أن هذا الابن على أعلى مستوى من الثقة بأبيه ، ومن التأدب معه ، هذا الأمر بالذات له معنى آخر ، هذا ليس أمراً نفعياً ، ليس أمراً يقطف الابن ثماره ، ولكن هذا الأمر سوف نسميه أمراً تعبدياً ، لأن الله منعنا في رمضان أن نشرب الماء ، الذي خلقه الله لنا ، ونحن عطشى والدنيا حر ، لا تشرب الماء ، منعنا أن نأكل ما هو مباح ، الثلاجة ملآنة بالطعام الطيب، زوجاتنا ملكنا محللة لنا ، في رمضان هناك أمر تعبدي أن تبتعد عنهن .

(( كلُّ عملِ ابنِ آدمَ له إلا الصيامُ فإنه لي وأنا أجْزِي به ))

[أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي ومالك عن أبي هريرة]

الصيام عبادة الإخلاص :

 الصوم ؛ سماه العلماء عبادة الإخلاص ، هذا خطر في بال بعض العلماء ، لو أن ليس هناك في الدين صوم ، ولكن هناك قرار دولة ، ارتأت أن نصوم جميعاً من أجل صحتنا ، المرسوم صدر ، والمواطنون ملزومون بالصيام ، كم إنسان من شعب بمئة مليون يصوم ؟ دخل بيته من يراقبه ؟ لذلك قالوا : هذا الصيام عبادة الإخلاص ، لكن في الطريق لا يمكن أن يشرب الماء ، هناك من يحاسبه .
 لذلك أمرنا خالق الأكوان أن نصوم هذا الشهر ، قد تدخل للبيت بشهر آب ، في الساعة الرابعة ، وقد تعبت من شدة العطش ، هناك كأس بارد لا تستطيع أن تضع نقطة ماء في فمك ، كيف أن غض البصر عبادة الإخلاص أيضاً كذلك الصوم عبادة الإخلاص ، ولحكمة أرادها الله هناك قوانين وضعية في كل بلد ، وهناك قوانين إلهية ، في الأعم الأغلب تلتقي القوانين الوضعية مع الإلهية في موضوعات كثيرة ، السرقة مثلاً في القوانين محرمة وعند الله محرمة ، فالذي لم يسرق يا ترى خوفاً من القانون أو من عقاب الله عز وجل ؟ لا نعلم الله وحده يعلم .
 لذلك الموظف ما سرق يا ترى هل هو خائف من العقاب أم من الله ؟ لا نعرف ، أما القانون فيمنع السرقة ، والشرع يمنع السرقة ، لكن لا يوجد في الأرض قانون يمنعك أن تطلق بصرك في النساء ، ولا يوجد مكان بالعالم في هذا القانون ، أينما ذهبت لك أن تنظر ، لكن القرآن ينهاك عن النظر بآية صريحة :

﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ ﴾

[ سورة النور : 30]

 هذه العبادة لو طبقتها هي عبادة الإخلاص ، هناك حالات الإنسان جالس في بيته، الأبنية متلاصقة ، والشرفة المقابلة فيها أسرة غير منضبطة ، وهذه المرأة خرجت بثياب متبذلة وأنت جالس لوحدك ، وهناك ظلام ، وهي في نور ، لا يمكن أن يضبطك أحد على وجه الأرض بالنظر، ولو ضبطت ما عليك من شيء لأنه ليس هناك قانون في الأرض يمنع فعل ذلك، فغض بصرك عن امرأة حسناء لا تحل لك ماذا يؤكد ؟ إخلاصك لله عز وجل ، هل تذوقتم قول الله عز وجل :

(( كلُّ عملِ ابنِ آدمَ له إلا الصيامُ فإنه لي وأنا أجْزِي به ))

[أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي ومالك عن أبي هريرة]

رمضان فرصة سنوية لمحو الذنوب :

 بالمناسبة أخواننا الكرام : نحن أمام فرصة سنوية ، كل ما علينا من تقصيرات ، من ذنوب ، من مخالفات ، يمكن أن تمحى في هذا الشهر ، تصور إنساناً يوجد عليه عشرون مليوناً، بيته محجوز ، محله محجوز ، مركبته محجوزة ، الدّيَّانة ، سندات ، مهدد بالسجن ، قيل له : افعل هذا الشيء ثلاثين يوماً ، وكل هذه الديون تسامح بها ، شيء لا يصدق ، هذا معنى محو السيئات في رمضان ، وقد قال النبي الكريم :

(( من صام رمضانَ إيماناً واحتساباً غُفِرَ له ما تقدَّم من ذَنْبِهِ ))

[أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي عن أبي هريرة]

(( من قام رمضان إيماناً واحتساباً غُفِرَ له ما تقدَّم مِنْ ذَنْبِهِ))

[أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة ]

(( كلُّ عملِ ابنِ آدمَ له إلا الصيامُ فإنه لي وأنا أجْزِي به ))

[أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي ومالك عن أبي هريرة]

مستويات الصيام :

 قال بعض العلماء : الصيام على ثلاثة مستويات ، صوم العوام ، وصوم المؤمنين ، وصوم المتقين ، فصوم العوام عن الطعام والشراب ، وصوم العوام جوع وعطش ليس غير، وقد قال النبي الكريم :

(( وكم من صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش ))

 صوم العوام عادة من عوائدهم ، يصومون ولا يدرون لماذا يصومون ، يقيمون على مخالفاتهم ، على معاصيهم ، على اختلاطهم بالنساء المحرمات ، على حفلاتهم المشتركة ، على سماعهم ما يغضب الله عز وجل ، على اجترائهم على الله ، مقيمون على المعاصي ، ومع ذلك هم يصومون ، فهذا الصيام صيام العوام ، صيام الطعام والشراب ليس إلا جوعاً وعطشاً ، ولا يقدم ولا يؤخر لصاحبه أبداً إلى المطلوب ، إن هذا الصيام لا يقع على النحو الذي أراده الله الله عز وجل من الصيام ، هذا صيام العوام .
 لكن صيام المؤمنين عن المعاصي والآثام ، أنت حينما تمتنع عن الطعام والشراب ، عن المباحات ، فلأن تمتنع عن المعاصي والآثام من باب أولى .
 أراد الله تعالى من الصيام أن يشدك إليه ، أن يحملك على التوبة ، أن يحملك على الطاعة ، أراد الله سبحانه وتعالى بالصيام أن تكون كما يريد ، لا كما تريد .

(( عبدي كن لي كما أريد أكن لك كما تريد ، أنت أريد وأنا أريد ، فإذا سلمت لي فيما أريد كفيتك ما تريد ، وإن لم تسلم لي فيما أريد أتعبتك فيما تريد ثم لا يكون إلا ما أريد))

[ حديث قدسي ]

 لذلك الصيام يربي الإرادة ، ولأنك في الصيام تترك المباحات فلأن تترك المحرمات من باب أولى ، هذا صيام المؤمنين ، ترك المعاصي والآثام .
 فما صيام المتقين ؟ ترك ما سوى الله ، لذلك كل إنسان حينما يصوم رمضان له حال ، له مستوى ، له مقام ، له مرتبة عند الله تعالى ، فهناك إنسان ينتقل في شهر الصيام من المعصية إلى الطاعة ، هذا شيء جميل جداً ، هناك إنسان ينتقل من طاعة غير مخلصة إلى طاعة مخلصة ، هذه درجة أعلى ، هناك إنسان ينتقل بالصيام من العبودية إلى مرتبة العلم، وهذه درجة أعلى ، هناك إنسان ينتقل بالصيام من مرتبة الإسلام إلى مرتبة الإيمان ، هناك إنسان ينتقل بالصيام من مرتبة الإيمان إلى التقوى ، هناك إنسان ينتقل بالصيام من مرتبة التقوى إلى مرتبة الإحسان ، فالصيام نقلة نوعية سنوية للمؤمن .

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

إخفاء الصور