- ندوات تلفزيونية
- /
- ٠57برنامج أحاديث قدسية - قناة قطر
مقدمة :
أخوتي الكرام ؛ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم ، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم ، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم ، لكن العلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك ، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً ، ويظل المرء عالماً ما طلب العلم ، فإذا ظن أنه علم فقد جهل ، طالب العلم يؤثر الآخرة على الدنيا فيربحهما معاً ، بينما الجاهل يؤثر الدنيا على الآخرة فيخسرهما معاً ، لذلك هذه الحلقات إن شاء الله تتمحور حول الأحاديث القدسية .
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين ، المبعوث رحمةً للعالمين .
الجنة مطلب كل مؤمن وهي محض فضلٍ لله على عباده :
أيها الأخوة الأحباب ؛ لا زلنا في الأحاديث القدسية ، والحديث اليوم قال عليه الصلاة والسلام :
(( لمَّا خلَق الله الجنة والنار ، أرسل جبريل إلى الجنة ، فقال : انظر إليها ، وإلى ما أعددت لأهلها فيها ، قال : فجاءها ، ونظر إليها وإلى ما أعدّ الله لأهلها فيها ، فرجع إليه وقال : وعزتك لا يسمع بها أحد إلا دخلها ، فأمر بها ، فحفت بالمكاره ، فقال : ارجع إليها فانظر إلى ما أعددت لأهلها فيها قال : فارجع إليها فإذا هي قد حفت بالمكاره ، فرجع إليه وقال : وعزتك لقد خفت ألا يدخلها أحد ، قال : اذهب إلى النار ، فانظر إليها وإلى ما أعددت لأهلها فيها ، فإذا هي يركب بعضها بعضاً ، فرجع إليه وقال : وعزتك لا يسمع بها أحد فيدخلها ، فأمر بها فحفت بالشهوات ، فقال : ارجع إليها ، فرجع إليها فقال : وعزتك لقد خشيت ألا ينجو منها أحد إلا دَخَلَها))
أيها الأخوة ؛ الجنة هي مطلب كل مؤمن بالله ورسوله ، الجنة محض فضلٍ لله على عباده ، الجنة كما ورد :
(( فيها ما لا عين رأتْ ، ولا أذن سمعتْ ، ولا خطَر على قلبِ بَشَرْ ))
ولكن الجنة تحتاج إلى ضبط ، ضبط كسب المال ، ضبط إنفاق المال ، ضبط العين ، ضبط الأذن ، ضبط اللسان ، ضبط اليد ، ضبط المواقف ، أن تختار زوجة صالحة ، أن تربي أولادك تربية صحيحة ، أن تعطي مما أعطاك الله ، أن تصلي ، أن تجاهد نفسك وهواك ، الجنة رائعة ، لكن حفت بالمكاره ، والإنسان أميل إلى الأشياء المريحة ، إلى الاسترخاء، إلى الطعام والشراب ، والشهوات ، والمتع ، والكسل ، فقال :
(( وعزَّتك لقد خشيتُ أن لا يدخلها أحد ))
لأنها حفت بالمكاره .
((وعزتك لقد خفت ألا يدخلها أحد ، قال : اذهب إلى النار ، فانظر إليها وإلى ما أعددت لأهلها فيها ، فإذا هي يركب بعضها بعضاً ، فرجع إليه وقال : وعزتك لا يسمع بها أحد فيدخلها ، فأمر بها فحفت بالشهوات ))
النساء جميلات ، والطعام طيب ، المركبات فارهة ، المناصب رفيعة ، السيطرة على العالم كما تسمعون ، والعنجهية ، والغطرسة ، وإذلال الآخرين ، والقوة على صعيد الإعلام من أجل الشهرة ، انظر إلى الذين يأكلون الربا أضعافاً مضاعفة ، انظر إلى الذين يتاجرون بأعراض النساء ، انظر إلى من يفتتح الملاهي ، ودور اللهو ، والنوادي الليلية ، انظر إلى المقامرين ، من يفتتح دور القمار ، هناك دخول فلكية من المعاصي والآثام ، دور القمار ، والملاهي ، والربا ، هذه كلها طرق إلى النار .
(( حُفّت الجنَّةُ بالمكارِهِ ، وحفَّتِ النار بالشهوات ))
لذلك العاقل هو الذي يصل إلى الشيء قبل أن يصل إليه ، والقاعدة كما قال صلى الله عليه وسلم :
(( أَلا إِنَّ عَمَلَ الْجَنَّةِ حَزْنٌ بِرَبْوَةٍ ، إِنَّ عَمَلَ النَّارِ سَهْلٌ بِسَهْوَةٍ ))
تلتقي مع من تشاء ، تلتقي بمن تشاء ، تكلم من تشاء ، تعطي كل شهواتك حظوظها ، لا تتقيد بشيء ، أنت حر واقعي ، تحب أن ترى كل شيء ، أن تستمتع بكل شيء ، أن تنظر إلى كل شيء ، أن تجرب كل شيء ، هذا ليس من عمل من يطلب الجنة .
(( أَلا إِنَّ عَمَلَ الْجَنَّةِ حَزْنٌ بِرَبْوَةٍ ، إِنَّ عَمَلَ النَّارِ سَهْلٌ بِسَهْوَةٍ ))
لذلك بالعاقبة :
﴿ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾
المال قوام الحياة و على الإنسان توظيفه بطاعة الله :
لما خرج قارون على قومه بزينته قال :
﴿ فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴾
لن تكون مؤمناً إلا إذا كان شعورك بالفوز بطاعة الله لا بأموال الدنيا ، المال قوام الحياة ، لكن إذا وصلك المال لا يختل به توازنك ، بل توظفه في طاعة الله ، طاعة ربك ، قال النبي الكريم :
(( إنَّ الله عز وجل يقول لأهل الجنة : يا أهلَ الجنة ، فيقولون : لبَّيْكَ ربَّنا وسَعدَيك والخيرُ في يديك ، فيقول : هل رضيتم ؟ فيقولون : وما لنا لا نرضى يا ربَّنا وقد أعطيتَنا ما لم تُعْطِ أحداً مِنْ خَلْقِكَ ؟ فيقول : ألا أعطيكم أفضلَ من ذلك ؟ فيقول : وأيُّ شيء أفضل ؟ فيقول : أُحلُّ عليكم رضواني ))
مستويات الجنة :
يوجد في الجنة ثلاثة مستويات ، يوجد في الجنة طعام وشراب وفواكه .
﴿ وَهُمْ مُكْرَمُونَ ﴾
فيها :
﴿ قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ ﴾
فيها :
﴿ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ ﴾
فيها :
﴿ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى ﴾
فيها :
﴿ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ ﴾
فيها :
﴿ وَحُورٌ عِينٌ﴾
هذا مستوى ، أما المستوى الأعلى فهو النظر إلى وجه الله الكريم ، قال تعالى :
﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ ﴾
الزيادة النظر إلى وجه الله الكريم في الجنة ، أن تستمتع بما فيها من طعام وشراب .
﴿ وَحُورٌ عِينٌ * كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ ﴾
في الجنة نظر إلى وجه الله الكريم ، فقال تعالى :
﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ﴾
إنسان دخل إلى بيت فيه طعام وشراب نفيس جداً ، أكل حتى شبع ، استمتع بكل شيء ، لكن صاحب البيت ليس موجوداً ، فلما دخل صاحب البيت ، رأى له قامة بهية ، ومنظراً جميلاً ، لكن عندما رحب له ترحيباً بالغاً ، هذا الترحيب أبلغ من كل شيء ، لذلك الإنسان في الجنة :
(( فيها ما لا عين رأتْ ، ولا أذن سمعتْ ، ولا خطَر على قلبِ بَشَرْ ))
يضاف إليها النظر إلى وجه الله الكريم ، يضاف إلى الاثنتين ترحيب الله بهذا المؤمن الذي أطاعه في حياته ، المعنى ؛ استمتاع ، ثم إكرام ، ثم ترحيب ، هذه مستويات الجنة لذلك النظر إلى وجه الله الكريم أعلى شيء ، ثم إن الله عز وجل يحيي عباده المؤمنين :
﴿ سَلَامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ ﴾
يسلم على عباده المؤمنين ، ينظرون إليه ، يسلم عليهم ، ويحفهم بعنايته .
لذلك في الجنة ثلاثة مستويات : الأول مستوى المتع ، ثم مستوى النظر إلى وجه الله الكريم ، ثم مستوى الرضوان من الله عز وجل ، بقي ألم يقل الله عز وجل في الحديث القدسي :
(( أعددت لعبادي الصالحين فيها ما لا عين رأتْ ، ولا أذن سمعتْ ، ولا خطَر على قلبِ بَشَرْ ))
أبواب الجنة مفتحة على مصارعها في الدنيا :
ولكن :
(( حُفّت الجنَّةُ بالمكارِهِ ، وحفَّتِ النار بالشهوات ))
فقد ورد عن النبي الكريم :
(( اللهم لا عيش إِلا عيش الآخرة ، فأكرم الأنصار والمهاجرة ))
كلما وقعت عينك على شيء جميل ، على قصر منيف ، على مركبة فارهة ، على امرأة جميلة ، فغضضت عنها البصر وقلت :
(( اللهم لا عيش إِلا عيش الآخرة ))
هذه الدنيا تنتهي بالموت ، وهذه الآخرة إلى أبد الآبدين ، الله عز وجل يقول :
﴿ وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى * وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ﴾
طريق الجنة وأنت في البيت يمكن أن يكون هناك طريق إلى الجنة ، إذا كنت أباً صالحاً ، أو كنت زوجة صالحة ، أو كنت ابناً باراً ، أو كنت بنتاً بارة ، أو كنت أخاً رؤوفاً بأختٍ ، وأنت في البيت هناك طرائق إلى الجنة ، وأنت في عملك إذا أتقنت عملك ، ودافعت عن الناس ، وخففت عن الناس همومهم ، ورحمتهم ، وآويتهم ، فهذا طريق إلى الجنة ، إذا أديت عبادتك في المسجد ، إذا طلبت العلم ، إن تكلمت بالكلمة الصادقة ، هذا طريق إلى الجنة ، أبواب الجنة مفتحة على مصارعها في الدنيا .
أسأل الله جل جلاله أن يلهمنا سبل الجنة ، والنبي الكريم عليه أتم الصلاة والتسليم من أدعيته :
(( اللهم أسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل ، وأعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل ))