وضع داكن
23-04-2024
Logo
أحاديث قدسية - الحلقة : 19 - فضل الصلاة على النبي ﷺ
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

 أخوتي الكرام ؛ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم ، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم ، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم ، لكن العلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك ، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً ، ويظل المرء عالماً ما طلب العلم ، فإذا ظن أنه علم فقد جهل ، طالب العلم يؤثر الآخرة على الدنيا فيربحهما معاً ، بينما الجاهل يؤثر الدنيا على الآخرة فيخسرهما معاً.
 لذلك هذه الحلقات إن شاء الله تتمحور حول الأحاديث القدسية .
 بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين .

النبي صلى الله عليه وسلم قرآن يمشي :

 أيها الأخوة الكرام ؛ لا زلنا في الحديث عن الأحاديث القدسية ، والحديث اليوم حول " فضل الصلاة على النبي الكريم ":

(( جاء ذات يوم والبشرى ترى في وجهه فقلنا : يا رسول الله إنا لنرى البشرى في وجهك ؟ فقال : إنه أتاني الملك فقال : يا محمد إن ربك يقول : أما ترضى ما أحد من أمتك صلى عليك إلا صليت عليه عشر صلوات ولا سلم عليك أحد من أمتك إلا رددت عليه عشر مرات ؟ فقال : بلى ))

[أخرجه الحاكم عن أبي طلحة الأنصاري]

 لذلك موضوع الحديث اليوم عن فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم .
 بادئ ذي بدء ؛ حينما يوجد في كتاب الله الذي أنزله على نبيه ، والذي تعبدنا الله في قراءته ، وفهمه ، وتدبره ، والعمل به ، حينما تشغل الصلاة على النبي بضع آيات في كتاب الله فهذا أمر كبير جداً ، يقول الله جل جلاله :

﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ﴾

[ سورة الأحزاب :56]

 فقبل أن نمضي في الحديث عن فوائد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم لابد من ذكر حقيقة خطيرة وهي أن المبادئ مهما تكن عظيمة لا تعيش إلا بالمثل الحقيقي ، وبالمثل العليا ، والمبادئ بلا أبطال لا قيمة لها ، فمفهوم الأمانة يمكن أن تستمع إلى محاضرة رائعة جداً في الحديث عن الأمانة ، وعن أبعادها ، وعن دقائقها ، وعن حدودها ، وعن فضائلها ، وعن أخطارها ، أما حينما تجد إنساناً أميناً فتشد إليه ، والناس يتعلمون بعيونهم لا بآذانهم ، فالقدوة قبل الدعوة ، والإحسان قبل البيان ، والأصول قبل الفروع ، والمبادئ لا الأشخاص ، والمضامين لا العناوين ، والتدرج لا الطفرة .
 سمعت عن سائق سيارة أجرة ، وجد في سيارته مبلغاً كبيراً جداً ، ظل يبحث عن صاحبه عشرين يوماً ، طبعاً يحوم حول هذا المكان الذي ركّب فيه صاحب هذا المبلغ إلى أن عثر عليه وقدمه له ، فهذا السائق قد تكون قلامة ظفره أفضل عند الله من مئة ألف إنسان يتحدث عن الدين ولا يعمل به ، لأنه بحث عن صاحب هذا المبلغ .
 فأنت لا تعجب بالمفهوم النظري للأمانة ، هكذا أمانة مجردة ، مفهوم نظري ، كلام، قراءة معلومات ، كتب ، أما حينما ترى إنساناً أميناً فتعجب به ، تشد إليه ، فرق كبير جداً بين أن تتعرف إلى مفهوم الأمانة ، وبين أن ترى أميناً ، إنسان أمين .
 ما الذي فعله النبي الكريم بأصحابه ؟ لأنهم رأوا قرآناً يمشي ، تواضع إلى أعلى درجة، إنصاف إلى أعلى درجة ، صدق إلى أعلى درجة ، لذلك قيل : القرآن الكريم كون صامت، والقرآن كون ناطق ، والنبي صلى الله عليه وسلم قرآن يمشي ، وأنا أقول : ما لم ير الناس اليوم إسلاماً يمشي أمامهم لا يقنعوا بهذا الدين .

(( كنا قوماً أهل جاهلية ، نعبد الأصنام ، ونأكل الميتة ، ونأتي الفواحش ، ونقطع الأرحام ، ونسيء الجوار ، حتى بعث الله إلينا رسولاً منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه ))

[ابن خزيمة عن جعفر بن أبي طالب ]

الإسلام الآن لا ينهض بالأفكار المجردة بل بشخص مسلم صادق أمين :

 أنا قناعتي أن الإسلام الآن لا ينهض بالأفكار المجردة ، ولا بالكتب المؤلفة ، الإسلام ينهض بشخص مسلم ، صادق ، أمين ، عفيف ، متواضع ، ورع ، مبدئي ، يركل قدمه مبلغاً ضخماً إذا كان فيه شبهة ، لا تأخذه في الله لومة لائم ، يقول ما يفعل ، يفعل ما يقول ، عنده صدق اعتقادي ، لا يقول إلا ما يعتقد ، ولا يفعل إلا ما يقول ، نحن بحاجة ماسة إلى مسلم متحرك ، والله كل إنسان مسلم عنده معلومات ما لو طبق واحد بالألف منها لكان صديقاً ، فالمعلومات غزيرة جداً ، أما التطبيقات فقليلة جداً .
 إذاً حينما تجد في كتاب الله آية تدعوك إلى أن تصلي على النبي الكريم ينبغي أن تأخذ هذه الآية منك مأخذاً كبيراً ، أي وجود المثل الأعلى ضروري جداً في حياتنا ، وهو النبي الكريم صلى الله عليه وسلم .

 

مهمة النبي مهمتان :

 بعضهم يقول : ما مهمة النبي الكريم ؟ مهمته مهمتان ، واحدة كبيرة ، والثانية كبيرة جداً جداً ، الكبيرة إبلاغ .

﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ﴾

[ سورة المائدة :67]

 فمهمة النبي التبليغ ، فأي إنسان ذكي وعنده ذاكرة قوية ، وعنده نصوص ، وهو طليق اللسان ، يسمونه في علم النفس متحدثاً لبقاً ، يجذب الآخرين ، هذا يبلغ ، ولكن المهمة الكبرى أن النبي الكريم قدوة لنا ، لذلك هناك من يعتقد وأنا من هؤلاء أن معرفة سنة النبي القولية فرض عين على كل مسلم ، وكذلك كل شيء يكون فرضاً كان سبباً لفرض آخر ، فالوضوء فرض لأنه سبب الصلاة ، كيف نعرف أفعال النبي ؟ لا بد من قراءة سيرته ، لذلك الصلاة فرض ، هذا الفرض العظيم لا يتم إلا بالوضوء ، فما لا يتم الفرض إلا به فهو فرض ، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ، وما لا تتم السنة إلا به فهو سنة .

 

وجوب أن يكون النبي أسوة حسنة لنا :

 إذاً حينما قال الله عز وجل :

﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ﴾

[ سورة الحشر : 7]

 من لوازم تطبيق هذا الأمر أن تعرف ماذا آتاك النبي الكريم ، وعن أي شيء نهاك ، هذه واحدة ، وحين قال الله عز وجل :

﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً ﴾

[ سورة الأحزاب : 21]

 كيف يكون النبي أسوة حسنة لك إن لم تعرف سيرته ؟ إذاً شهادة الإسلام تقول : أشهد أن لا إله إلا الله ، هذه شهادة التوحيد ، وأشهد أن محمداً رسول الله ، هذا المنهج الواقعي للإسلام ، والدليل أن إنساناً طبقه بأكمله ، وقطف ثماره ، وأن هذا الكمال ينتظره الله من بني البشر هو كمال في مقدورهم أن يطبقوه ، وفي إمكانهم ، لذلك النبي الكريم هو هذا الإنسان المثل الأعلى في الكمال .

 

الصلاة على النبي الكريم هي أن نتجه لمعرفة هذا الإنسان الكامل :

 الموضوع الآن هو الصلاة على رسول الله ، إلا أن هذا الأمر عند عامة المسلمين ليس له معنى ، ففرغ من مضمونه ، فأما هذا الأمر عند كبار المؤمنين له معنى كبير ، وهو دور القدوة في حياة المؤمن ، كيف إذا دخل النبي بيته ، كيف يعامل أهله ، كيف يعامل بناته ، كيف يعامل أولاده ، كيف يعامل جيرانه ، كيف يعامل أصحابه ، كيف كان متواضعاً ، كيف كان رحيماً ، كيف كان في بيته كواحد من أهل البيت ، كان يضع الإناء للهرة ، يحلب شاته ، يخصف نعله ، يرفو ثوبه ، وكان في مهنة أهله ، كيف كان حليماً ، كيف كان يخاف الله عز وجل .
 أرسل غلاماً بحاجة ، هذا الغلام تأخر كثيراً ، مع النبي سواك ، فغضب ، قال : لولا خشية القصاص لأوجعتك بهذا السواك ، لكن لم يستخدمه ، خاف من الله .
 هذه رحمة النبي ، كيف كان يعامل زوجته ، يا رسول الله ! كيف حبك لي ؟ - السيدة عائشة - قال لها : كعقدة الحبل ، تقول : كيف العقدة من حين لآخر ؟ يقول : على حالها ، زواج الرجل أحد فصول حياته ، فصل واحد ، هناك فصل عمله ، وفصل دينه ، وفصل إخوانه ، وفصل جامعه ، فصول كثيرة ، أحد هذه الفصول زواجه ، أما زواج المرأة فهو كل فصول حياتها ، فإذا خاب أملها أو شعرت بالإحباط دمرت .
 لذلك النبي الكريم علمنا أن نتكلم كلاماً يطمئن الزوجة ، أتحبني ؟ نعم أحبك ، هذا كلام ، لو فرضنا خلاف الواقع لا يوجد مانع ، مسموح به ، وبالمقابل طبعاً ، لو أن الزوج سأل زوجته : أتحبينني ؟ تقول له : نعم ، وهل لي أحد غيرك ، وقد تكون خلاف ذلك ، في هذا الموضوع بالذات لا ينبغي أن تكون صريحاً ، لأنه ينتج عنه تدمير إنسان .
 إذاً موضوع الصلاة على النبي الكريم أن تتجه لمعرفة هذا الإنسان الكامل ، إذاً الله عز وجل ندبنا إلى ذلك ، قال :

﴿ أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ ﴾

[ سورة المؤمنون : 69]

 أي ينبغي أن نعرف رسولنا ، فصلاة الله عز وجل على نبيه صلاة تجلّ وتكريم وتنوير ، وصلاتنا على النبي الكريم صلاة اقتباس وتطهير .

﴿ وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ﴾

[ سورة التوبة : 103]

 يا محمد :

﴿ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ ﴾

[ سورة التوبة : 103]

 اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً .

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

إخفاء الصور