وضع داكن
23-04-2024
Logo
أحاديث قدسية - الحلقة : 16 - فضل الإنفاق
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

 أخوتي الكرام ؛ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم ، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم ، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم ، لكن العلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك ، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً ، ويظل المرء عالماً ما طلب العلم ، فإذا ظن أنه علم فقد جهل ، طالب العلم يؤثر الآخرة على الدنيا فيربحهما معاً ، بينما الجاهل يؤثر الدنيا على الآخرة فيخسرهما معاً ، لذلك هذه الحلقات إن شاء الله تتمحور حول الأحاديث القدسية .
 بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين .

المال مال الله و الإنسان مستخلف فيه :

 أيها الأخوة الكرام ، مع الأحاديث القدسية ، والحديث اليوم متعلق بفضل الإنفاق ، قال الله عز وجل :

(( يا بن آدم أنفقْ أُنفِقْ عليك ))

[أخرجه البخاري ومسلم والترمذي عن أبي هريرة]

 مما أُثر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان جواداً ، وكان أجود ما يكون في رمضان ، فهو كالريح المرسلة .
 الحقيقة الأولى في هذا الموضوع هي أن المال الذي تملكه هو مال الله ، ويدك عليه هي يد الأمانة ، وأن الله سبحانه وتعالى مستخلفك فيه لينظر ماذا تعمل ، من أين اكتسبته ؟ وفيمَ أنفقته ؟
 والحقيقة الثانية : أن هذا المال الذي بين يديك ليس نعمة ، وليس نقمة ، إنما هو حيادي ، إنما هو موقوف على طريقة كسبه ، وطريقة إنفاقه ، يقول الله عز وجل :

﴿ فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ * كَلَّا ﴾

[ سورة الفجر : 15 ـ 17]

 إنها أداة نفي ، وردع ، أن يا عبادي ليس عطائي إكراماً ، ولا منعي حرماناً ، عطائي ابتلاء ، وحرماني دواء ، المال حظ من حظوظ الدنيا ، موقوف على طريقة كسبه ، وطريقة إنفاقه ، ليس نعمة ، وليس نقمة ، فإذا أُنفق في طاعة الله ، وفي وجوه الخير أصبح نعمة وأي نعمة ، أما إذا أنفق في معصية الله ، وعلى الشهوات التي لا ترضي الله عز وجل فهو نقمة وأية نقمة ، وتأكيداً لمعنى أن المال مال الله ، وأن الإنسان مستخلف فيه ، يقول الله عز وجل :

﴿ آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ ﴾

[ سورة الحديد : 7]

 وإنما سمّى الله الزكاة صدقة ، لأن إنفاق المال يؤكد صدق الإنسان .

 

الصدقة تطهر الغني من الشح و الفقير من الحقد والمال من تعلق حق الغير به :

 هناك عبادات لا تكلف الإنسان شيئاً ، وهناك عبادات تتناقض مع طبعه ، طبع الإنسان أن يأخذ المال ، والتكليف أن ينفقه ، إذاً سميت الزكاة صدقة ؛ لأنها تؤكد صدق الإنسان ، فكلٌ يدعي وصلاً بليلى ، ولكن هذا يحتاج إلى دليل ، كل يدّعي أنه مؤمن ، وهذا يحتاج إلى دليل ، هذا الإدعاء يحتاج إلى دليل من أدلة الإيمان ، إنفاق الأموال في سبيل الله ، الآية :

﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾

[ سورة التوبة : 103 ]

 الأمر معلل ، تطهرهم ، المعنى ثلاثي ؛ تطهر الغني من الشح ، وتطهر الفقير من الحقد ، وتطهر المال من تعلق حق الغير به .

﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا ﴾

[ سورة التوبة : 103 ]

 تزكيهم بمعنى تنمو نفس الغني فيرى عمله الطيب ، ويرى دوره الخطير في المجتمع، تزكي نفس الفقير ويرى أنه ليس هيناً على الناس ، والناس يهتمون به ، فتنشأ هذه العلاقات الاجتماعية المتينة من هذا التواصل بالمال ، وتنمي المال نفسه بأن الله عز وجل يطمئن المنفقين أن كل شيء ينفق يخلفه الله عز وجل .

 

ثمن الجنة هو الصراع بين كنز المال وإنفاقه :

 أيها الأخوة :

﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى ﴾

[ سورة النازعات : 40 ]

 يبدو أن الهوى أن يكنز الإنسان المال ، هوى الإنسان في تجميع الأموال ، وقد قال تعالى :

﴿ وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾

[ سورة الزخرف : 32 ]

 هوى الإنسان في قبض المال ، والتكليف في إنفاقه ، فهذا الذي ينشأ في نفس الإنسان من صراع بين كنز المال وإنفاقه هو ثمن الجنة .

 

الإنفاق صفة أساسية من صفات المؤمنين :

 من الصفات الأساسية جداً للمؤمنين أنهم :

﴿ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾

[ سورة البقرة : 3 ]

 وكلما وردت آيات الإنفاق توهم القارئ أنها تعني إنفاق المال ، والحقيقة الرزق واسع ، فالعلم رزق ، والمال رزق ، والجاه رزق ، والخبرة رزق ، فالمؤمن من خصائص إيمانه أنه ينفق مما رزقه الله ، بل إن حقيقة الإيمان لا يمكن أن تستقر في نفس المؤمن إلا وتعبر عن ذاتها بذاتها بحركة نحو الخلق ، أي إسلام سكوني لا يوجد ، تنفق من علمك إذا أقامك الله في حقل العلم ، تنفق من مالك ، تنفق من جاهك ، تنفق من عضلاتك ، تنفق من وقتك ، تنفق من خبرتك ، أي شيء آتاك الله إياه بإمكانك أن تنفق منه ، فالمؤمن في الأصل من صفاته الأساسية أن ينفق مما أعطاه الله عز وجل ، وقد يقول قائل : الله جلّ جلاله قادر على أن يغني الفقير من دون أن يسأل أن يعطوه ، لذلك :

﴿ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ ﴾

[ سورة محمد : 4 ]

 ليمتحن الفقراء بالأغنياء ، ليمتحن الأغنياء بالفقراء ، وقد ينجح الفقير في امتحان الفقر ، يتجمل ، ويتعفف ، ويصبر ، ويحتسب هذا عند الله ، وقد ينجح الغني في امتحان الغنى فيتواضع وينفق ، وقد يسقط الغني في امتحان الغنى ، فيتكبر ، ويحجب ماله عن المستحقين ، وقد يسقط الفقير في امتحان الفقر ، فيضجر ، ويكذب ، ويتضعضع أمام الأغنياء ، ومن جلس إلى غني فتضعضع له ذهب ثلثا دينه ، يعوض الله عليه أضعافاً مضاعفة .

 

نقطتان في الإنفاق مضمونتان في كتاب الله عز وجل :

 كأن الله عز وجل حينما قال :

﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾

[ سورة البقرة : 245 ]

 أيها الأخوة ؛ هذا الذي ينفق ماله في سبيل الله عنده حاجتان ، الحاجة الأولى أن يعلم أن الله يعلم ، والحاجة الثانية أن يعوض الله عليه الذي أنفقه ، وهاتان النقطتان في الإنفاق مضمونتان في كتاب الله عز وجل :

﴿ يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ﴾

[ سورة البقرة : 215 ]

﴿ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ ﴾

[ سورة البقرة : 270 ]

 حتى لو أنفقت ليرة واحدة ، لو أطعمت لقمة واحدة ، حتى لو أطعمت نصف تمرة قال تعالى :

﴿ وَلَا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِياً إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾

[ سورة التوبة : 121 ]

 فالمؤمن يطمئن أن هذا الذي أنفقه وقع في يد الله قبل أن يقع في يد الفقير ، وأن هذا الذي أنفقه يعلمه الله ، لا يحتاج إلى إيصال ، ولا إلى تصريح ، ولا إلى يمين ، علاقته مع الله ، فكل الذي أنفقه سُجل بنص الآيات الثلاثة .
 المعنى الثاني الذي ضمنه القرآن الكريم :

﴿ لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ ﴾

[ سورة البقرة : 272 ]

 وكل واحد منكم أيها الأخوة له مع هذه الآية تجربة ، كل واحد منكم أنفق نفقة صغيرة أو كبيرة ، ربنا عز وجل شجعه على الإنفاق ، فعوض عليه أضعافاً مضاعفة .

(( وما نقص مال من صدقة ))

[أخرجه مسلم والترمذي ومالك عن أبي هريرة ]

 والآية الثانية :

﴿ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ ﴾

[ سورة البقرة : 272 ]

 فالله عز وجل طمأن المنفقين بأنه يعلم ، وطمأنهم بأنه سوف يخلف عليهم ما أنفقوا .

 

للجنة ثمن و ثمنها العطاء :

 لكن في القرآن الكريم آية دقيقة يقول الله عز وجل :

﴿ وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾

[ سورة البقرة : 195 ]

 هل تصدقون أن الإنسان إذا لم ينفق يهلك ، ليس له عمل يعرض على الله يوم القيامة ، أتاه صفر اليدين ، ليس له عمل يجعله في رحمة الله عز وجل ، ليس له عمل يكون له سبب في دخول الجنة ، والإنفاق بمعناه الواسع لا بد من أن تتحرك ، لا بد من أن تعطي ، أنت في الدنيا من أجل أن تعطي ، قال تعالى :

﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى* فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ﴾

[ سورة البقرة : 5 ـ 7 ]

 صدق بالحسنى ، اعتقد اعتقاداً جازماً أنه مخلوق للجنة ، وأن الجنة لها ثمن ، وثمنها العطاء .

﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى* فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ﴾

[ سورة البقرة : 5 ـ 7 ]

 أيها الأخوة الكرام ؛ أرجو الله لكم النجاح والتوفيق .
 والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

إخفاء الصور