وضع داكن
16-04-2024
Logo
برنامج ربيع القلوب 2 - الحلقة : 01 - مكانة الدعاء في الإسلام
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

الدكتور راتب :
  بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
المذيع :
 حياكم الله مستمعينا الكرام عبر إذاعة القرآن الكريم من الدوحة ، في هذه الحلقة الأولى من برنامج : " ربيع القلوب ".
 مستمعينا الكرام في هذه الحلقة الأولى المحور العام الذي تدور عليه سورة طه ويجمع بين موضوعاتها هو رعاية الله للمختارين لحمل الدعوة من الرسل وأتباعهم ، والرفق بالمدعوين ، والعناية بهم ، وإن المتتبع لهذه السورة يجد في ثنياها عبارات ، وإشارات تبين مدى عناية الله تعالى بالرسل وأتباعهم من المؤمنين ، وبالمدعوين ، وبغير المؤمنين أيضاً .
 ومن أهداف سورة طه إثبات سورة محمد صلى الله عليه وسلم ، وتأييده بالمعجزات، وأنها رسالة تماثل رسالة أعظم رسول قبله شاع ذكره في الناس ، موسى عليه السلام ، وأيضاً التعريض بما خصه الله من شأن موسى بأن مآل بعثة محمد صلى الله عليه وسلم صائر إلى ما صارت إليه بعثة موسى عليه السلام من النصر على معانديه .
 وفي حلقة اليوم من برنامج " ربيع القلوب " نتناول عدة آيات من هذه السور قال تعالى :

﴿ قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي * وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي ﴾

[ سورة طه : 25 ـ 30]

 نرحب بضيف البرنامج الدائم فضيلة الداعية الإسلامي الدكتور محمد راتب النابلسي حياكم الله فضيلة الدكتور ، وأهلاً وسهلاً بكم في هذه الحلقة الأولى من برنامج : " ربيع القلوب " الموسم الثاني .
الدكتور راتب :
 بارك الله بكم ، ونفع بكم ، وأعلى قدركم ، وحفظ لكم بلدكم .
المذيع :
 وإياكم .
 فضيلة الدكتور ؛ بداية مع الآيات ، أو المعنى الإجمالي لهذه الآيات التي تحمل معنى الدعاء ، لكن قبل أن نبدأ بمكانة الدعاء في الإسلام من خلال هذه الآيات لو نشرح للمستمع الكريم المعنى الإجمالي في هذه الآيات :

﴿ قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي * وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي ﴾

[ سورة طه : 25 ـ 30]

بطولة الإنسان معرفة الله و الاستقامة على أمره :

الدكتور راتب :
 بارك الله بك على هذه المقدمة الرائعة .
 الشيء الدقيق : إذا كان الله معك فمن عليك ؟ وإذا كان عليك فمن معك ؟ ويا رب ماذا فقد من وجدك ؟ وماذا وجد من فقدك ؟
 الأصل هو الله عز وجل ، البطولة ، والذكاء ، والنجاح ، والفلاح ، والتوفيق أن تعرفه ، وأن تعرف منهجه ، وأن تستقيم على أمره ، وأن تقبل عليه ، فإذا فعلت هذا كان الفلاح، والفلاح أبلغ من النجاح ، النجاح أحادي ، أما الفلاح فشمولي ، النجاح قد تنجح في جمع الأموال ، بيل غيتس يملك ثلاثة وتسعين ملياراً ، جوبز سبعمئة مليار ، أن تنجح في شيء أحادي أما الفلاح فشمولي ، أن تنجح مع الله معرفة ، وطاعة ، وعبادة ، وتقرباً ، أن تنجح في بيتك ، أن تنجح مع أسرتك ، أن تنجح في عملك ، وأن تنجح في صحتك ، فإذا اجتمعت النجاحات شكلت فلاحاً ، والفرق كبير بين النجاح والفلاح ، ولم ترد كلمة نجاح إطلاقاً في القرآن الكريم بل وردت كلمة الفلاح .
المذيع :
 شيخنا ؛ الدعاء واضح في معنى الآية :

﴿ قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي ﴾

[ سورة طه : 25 ـ 28]

 محور هذه الآيات الدعاء ، لو تحدثنا عن مكانة الدعاء في الإسلام ؟

 

مكانة الدعاء في الإسلام :

الدكتور راتب :
 أنت حينما تدعو الله ماذا يستنبط من دعائك ؟ أنك مؤمن بوجوده ، وأنك مؤمن بأنه يسمعك ، وإذا سكت فهو يعلم ، وأنك مؤمن أنه قادر على أن يلبي دعاءك ، وأنك مؤمن أنك محبوب له ، قادر على تلبية طلبك ، ويحب أن يلبي طلبك ، فكلمة دعاء وحدها فيها أربعة أو خمسة شروط أساسية في الإيمان ، آمنت بوجوده ، ووحدانيته ، آمنت بقدرته ، آمنت بعلمه ، آمنت بمحبته ، لذلك الدعاء هو العبادة ، والدعاء مخ العبادة ، والحقيقة العبادة دعاء ، وكل العبادات تنطلق من الدعاء ، ومن التلبية .
المذيع :
 فضيلة الشيخ قال :

﴿ قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي ﴾

[ سورة طه : 25 ـ 28]

 انشراح الصدر ، تيسير الأمر ، عقدة اللسان ، كلها حتى يفقه القول ، من هنا نفهم هذا الدعاء ، أهمية هذه العناصر ربما في إيصال الخطاب ، أو في الدعوة إلى الله .

 

الدعوة إلى الله تخاطب النفوس وتحملها على طاعة الله :

الدكتور راتب :
 الحقيقة العلم شيء ، والدعوة شيء ، العلم معلومات ، نصوص ، أدلة ، براهين ، موازنات ، مقاربات ، تعليقات ، شرح ، أما الدعوة فتخاطب النفوس ، تحملها على طاعة الله ، فالدعوة كبيرة جداً ، لذلك :

﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾

[ سورة فصلت : 33]

 يوجد بالآية دقائق عميقة جداً ، دعا إلى الله إما بلسانه ، أو بعمله ، وبعمله دعوة صامتة ، وهذه أبلغ من الدعوة الناطقة ، هناك دعوة صامتة ، ودعوة ناطقة ، دعا إلى الله ، الآن دعوته بالحياة :

﴿ وَعَمِلَ صَالِحاً ﴾

[ سورة فصلت : 33]

 أي كسب ماله ، إنفاق ماله ، علاقاته ، اختيار حرفته ، اختيار زوجته ، تربية أولاده، بأيام الفرح ، بأيام الحزن ، بأيام القوة ، أيام الضعف ، مع الطرف الآخر ، مع الأقوياء ، مع الأغنياء ، يوجد مليون علاقة .

 

الدين منهج تفصيلي :

 والحقيقة الدقيقة أن الدين من عظمته أنه منهج تفصيلي ، يبدأ من أخص خصوصيات الإنسان ، من فراش الزوجية ، وينتهي بالعلاقات الدولية ، منهج تفصيلي ، أما الصلاة ، والصوم ، والحج ، والزكاة فهذه عبادات شعائرية ، أنت تأتي إلى المسجد كي تتلقى أمر الله من الخطيب ، أو من درس ديني ، وتعود إلى المسجد كي تقبض الثمن ، أما الدين الحقيقي ففي بيتك ، في عملك ، في صناعتك ، في تجارتك ، في سفرك ، في إقامتك ، في حضرك ، في بيعك ، في شرائك ، هذا الدين ، الدين منهج تفصيلي يبدأ من فراش الزوجية وينتهي بالعلاقات الدولية ، وما لم يخضع الإنسان لهذه التفاصيل لن يقطف العبادة الشعائرية .

(( يؤتى برجال يوم القيامة لهم أعمال كجبال تهامة يجعلها الله هباء منثوراً ، قيل: يا رسول الله جلهم لنا ؟ قال : إنهم يصلون كما تصلون ، ويأخذون من الليل كما تأخذون ، ولكنهم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها ))

(( مَن لم يَدَعْ قولَ الزُّورِ والعمَلَ بِهِ ، فَليسَ للهِ حاجة فِي أَن يَدَعَ طَعَامَهُ وشَرَابَهُ ))

[أخرجه البخاري وأبو داود والترمذي عن أبي هريرة ]

 انتهى الصوم .

(( من حج من مال حرام ، ووضع رجله في الركاب وقال : لبيك اللهم لبيك ، ينادى أن لا لبيك ولا سعديك ، وحجك مردود عليك ))

 الزكاة :

﴿ قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فَاسِقِينَ ﴾

[ سورة التوبة : 53]

 بقي الشهادة :

(( من قال لا إله إلا الله بحقها دخل الجنة، قيل : وما حقها ؟ قال : أن تحجزه عن محارم الله ))

 فهذه الأركان مبنية على الاستقامة ، وما لم نستقم على أمر الله لن نقطف من ثمار الدين شيئاً ، يبقى الدين عندئذٍ فولكلوراً ، يبقى عادات ، تقاليد ، طقوساً ، أو بالمصطلح الحديث خلفية إسلامية ، أرضية إسلامية ، توجهات إسلامية ، مشاعر إسلامية ، قوس إسلامي ، بطاقة معايدة إسلامية .
المذيع :
 شكليات ، شيخنا في قول موسى عليه السلام :

﴿ قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي ﴾

[ سورة طه : 25 ـ 28]

 هنا ربما فيها إشارة لمن يعتمد على نفسه ، أو يبالغ في الاعتماد على نفسه ، أنه أنت مهما بذلت من جهد ، أو من عمل ، أو باتخاذ للأسباب لم ييسر لك الأمر ، فلن تنال ما كسبت .

 

عدم تحقيق أي شيء في الكون إلا بإرادة وتوفيق الله :

الدكتور راتب :
 آية واحدة في كتاب الله :

﴿ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ ﴾

[ سورة هود : 88]

 هذه ما وإلا تفيد الحصر والقصر ، لا يتحقق شيء في الأرض ، في القارات الخمس من آدم إلى يوم القيامة إلا بتوفيق الله ، هذا التوحيد ، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد ، هذا هو التوحيد .
المذيع :
 إذاً في قوله تعالى :

﴿ وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي ﴾

[ سورة طه : 27 ـ 28]

 هنا شيخنا ، الفصاحة في بيان الحق وتبليغه أهمية كبرى ، واضحة معاني هذه الآيات ، كيف نفهم هذا المعنى من قول موسى عليه السلام ربما فاده ذلك في الدعوة إلى الله ؟

 

أهمية الأسلوب وفصاحة اللسان في الدعوة إلى الله :

الدكتور راتب :
 الحقيقة الدعوة في النهاية كلام ، فالكلام إن لم يكن واضحاً ، إن لم يكن قوي البناء، إن لم يكن بليغاً لا يتأثر المستمع ، تقريباً بالضبط ماء صاف زلال ، إذا وضع في وعاء ليس جيداً فسد ، أما الماء الصافي بكأس كريستال فيزداد تألقاً ، فالبطولة المضمون الاستقامة ، والعمل الصالح ، والوقوف عند حدود الله ، وضبط الدخل حلال وحرام ، ومعرفة بالله ، وتأتي الأمور الشكلية تؤكد هذا المضمون القوي فلابد من مضمون وشكل ، الشكل مطلوب ، والشكل مطلوب .
المذيع :
 وأنتم فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي كداعية إسلامي ربما أكثر من تدرك أكثر أهمية الأسلوب والتسليم وفصاحة اللسان .
الدكتور راتب :
 للتقريب الإمام الشافعي يقول : من دعا إلى الله- أي يوجد مأساة كبيرة وحدثهم بالحيض والنفاس- فقد خان الله ورسوله ، فالبطولة أن تعالج الموضوع الساخن ، الموضوع الذي يهتم له الإنسان ، الموضوعات الساخنة ، الموضوعات الحساسة ، الموضوعات المصيرية ، ما لم يجعل الداعية من دعوته حداً لما نعاني ، لمشكلاتنا ، لأزماتنا ، لمطامحنا ، لأخطارنا ، ما لم تضع يدك على الموضوع الساخن ، فهذا الداعية بتعريف الإمام الشافعي : خان الله ورسوله .
المذيع :
 فضيلة الدكتور ؛ نحن كأمة كيف ممكن أن ننجح في نقل هذا الرسالة ؟ في الدفاع عن ديننا ؟ وأنت تعلم حجم ربما الهجمة الإعلامية ، والهجمة الفكرية على الأمة الإسلامية الشرقية بشكل عام ، ما دورنا كأمة في مجابهتها ؟

دور الأمة في مواجهة الهجمة الإعلامية والهجمة الفكرية على الإسلام :

الدكتور راتب :
 كدور حينما نؤمن إيماناً قطعياً أن الله بيده كل شيء ، وأن الله لا يتخلى عن عباده المؤمنين دائماً وأبداً ، فإذا اقتربنا من المقاييس الأرضية وحدها دخل إلى قلبنا اليأس ، لأن التشاؤم ، والسوداوية ، واليأس ، والإحباط ، هذه تقترب من الكفر .

﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾

[ سورة الأنفال : 33]

 ما معنى : وما كان ؟ أنا قد أسأل إنساناً : هل أنت جائع ؟ يقول لي : لا ، لا فقط، أما إنسان محترم جداً سألته : هل أنت سارق ؟ يقول : لا فقط ؟ يقول : ما كان ليس أن أسرق ، أول جواب نفي الحدث ، ثاني جواب نفي الشأن ، ما كان لي ، لا أفعل ، ولا أصدق ، ولا أوافق، ولا أغطي ، ولا ، ولا ، عد علماء البلاغة كلمة وما كان كذا تنفي الشأن ، تنفي اثني عشر فعلاً .

﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾

[ سورة الأنفال : 33]

﴿ مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ﴾

[ سورة آل عمران : 179]

 وردت في القرآن وما كان الله تفيد نفي الشأن ، أي هذا مستحيل وألف مستحيل .

﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾

[ سورة الأنفال : 33]

 أي يا محمد ما دامت سنتك قائمة في حياتهم هم في مأمن من عذاب الله ، لذلك قالوا : ما نزل بلاء إلا بذنب ، ولا يرفع إلا بتوبة ، وسميت المصيبة مصيبة لأنها تصيب الهدف، يوجد كبر ، إذلال ، إسراف ، تقتير ، أي مرض نفسي يقابله علاج إلهي ، الله غني عن تعذيبنا .
المذيع :
 فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي لو عدنا لما أشرت إليه من الأسلوب في الدعوة والخطاب ، في حال نجحت الأمة ، ونجح الدعاة في إتقان لغة الخطاب ، ما هو الأثر الإيجابي لإتقان لغة الدعوة إلى الله .

الأثر الإيجابي لإتقان لغة الدعوة إلى الله :

الدكتور راتب :
 صحوة دينية ، عودة إلى الله .

﴿ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ ﴾

[ سورة الأنفال : 19]

 والله جميع وعود الإله للمؤمنين تتحقق كلها من دون استثناء ، المشكلة الله عز وجل ذات كاملة ، كمال ، وجمال ، وجلال ، فإذا عرفته وأقبلت عليه ، فمن سابع المستحيلات ألا تكون في أعلى عليين ، أنت في أعلى عليين ، والأمر بيد الله عز وجل .
 عفواً ؛ لو أن إنساناً واقف على الشاطئ ، قد تأتي موجة عاتية تأخذه إلى البحر ، فإذا كان يقف على رأس جبل وهناك موجة ؟ فالمؤمن بإيمانه القوي ، وثقته بالله ، وإيمانه أن الله هو الفعال ، ما معنى لا إله إلا الله ؟ لا فعال إلا الله ، لا معطي ، ولا مانع ، ولا رافع ، ولا خافض ، ولا معز ، ولا مذل إلا الله ، هذا التوحيد ، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد ، التوحيد ألا ترى مع الله أحداً ، التوحيد أن ترى أن يد الله وحدها تعمل في الخفاء .
المذيع :
 في الآية التاسعة والعشرين فضيلة الدكتور من سورة طه :

﴿ وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي ﴾

[ سورة طه : 29 ـ 30]

 برأي فضيلة الدكتور ما الحكمة من طلب موسى عليه السلام مؤازرة أخيه في هذه المهمة ؟

 

الحكمة من طلب موسى عليه السلام مؤازرة أخيه في مهمته :

الدكتور راتب :
 الجماعة رحمة ، والفرقة عذاب ، ونحن نحتاج إلى فريق عمل ، الآن هذا مصطلح معاصر ، نحن بحاجة إلى فريق عمل ، دائماً رأي الفرد وحده لا ينجح ، النبي الكريم استشار استشارة حقيقية ، اختار الموقع في معركة ، جاء صحابي بأعلى درجة من الأدب والشفافية قال له : هذا الموقع وحي أوحاه الله إليك أم هو الرأي والمشورة ؟ قال له : هو الرأي والمشورة ، قال له : ليس بموقع ، يخاطب سيد الخلق وحبيب الحق ، يخاطب المعصوم الذي يوحى إليه ، قال له : ليس بموقع ، قال له : أين الموقع ؟ قال له : هنا ، أعطى النبي أمراً فانتقل الناس إلى هذا المكان .
 لذلك كلمة :

﴿ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ﴾

[ سورة طه : 159 ]

 مشاورة حقيقية ، أما النبي الكريم بكل شيء يتعلق بالعلاقة بالله فقد ذكره ، أما أنتم فأعلم بأمور دنياكم ، نريد أن ننشئ سداً ، نحتاج إلى خبراء ، مساحة السد مثلاً ، شكل السد ، احتياطات السد ، كلها تحتاج إلى خبراء .

(( أنتم أعلم بأمر دنياكم ))

[أخرجه مسلم عن أنس وعائشة رضي الله عنهما]

 أما كل شيء متعلق بالدين واحد من مليار من أثر إيجابي بالدين أو سلبي من الذي ذكره فما ترك شيئاً متعلقاً بالله عز وجل ما ذكره ، أما في الدنيا الآن تحتاج إلى خبراء ، إلى أناس عندهم إتقان بالصناعة ، بالتجارة ، بالزراعة .

(( أنتم أعلم بأمر دنياكم ))

[أخرجه مسلم عن أنس وعائشة رضي الله عنهما]

المذيع :
 شيخنا ؛ إذاً هنا اختيار موسى عليه السلام لهارون ألا ترى فيه اختيار من هم كفء وثقة أيضاً ، أي يجب على الداعية أن يختار ؟

 

الكفء و الثقة صفتان على الإنسان التمسك بهما عند اختيار من حوله :

الدكتور راتب :
 قال له :

﴿ وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي ﴾

[ سورة القصص : 34 ]

 إذاً هي رسالة ليست مع الفصيح ، ليست مع المتكلم ، رسالة مع القريب من الله عز وجل ، هارون أفصح من سيدنا موسى ، نحن عندنا فصاحة قلب وفصاحة لسان ، الذي يرقى عند الله فصيح القلب ، الموصول بالله عز وجل ، أو أكثر وصولاً إلى الله .
المذيع :
 شيخنا ؛ أنا كان سؤالي هنا عن اختيار الثقة ، أي الداعية ، ونحن هنا بدأنا موضوع الدعوة والدعاة بالإسلام ، الداعية ما أهمية أن يختار من حوله أو فريق عمل كما أشرت ؟
الدكتور راتب :
 سيدي هذا اسمه فريق عمل .
المذيع :
 أنت قلت : فريق عمل ، أنت سميته ، أن يكون من الثقات ، من أهل الخير لكن من الثقات ، ويتحلى بالفصاحة.

 

أكبر نعمة أن يكون من حولك على شاكلتك :

الدكتور راتب :
 الجواب دقيق جداً ، النبي الكريم قال :

(( إن الله اختارني واختار لي أصحاباً ))

[رواه الطبراني عن عويم بن ساعدة رضي الله عنه]

 معنى ذلك لكرامة الإنسان عند الله يجعل له أصحاباً على مستواه .

(( إن الله اختارني واختار لي أصحاباً ))

[رواه الطبراني عن عويم بن ساعدة رضي الله عنه]

 إذاً الإنسان كلما اقترب من الله هيأ الله له فريق عمل قريباً منه ، بفكره ، وأدبه ، واستقامته ، وهذه نعمة كبيرة ، أنا أقول لك كلمة : لا يوجد نعمة تفوق أن يكون الذين حولك على شاكلتك .

(( إن الله اختارني واختار لي أصحاباً ))

[رواه الطبراني عن عويم بن ساعدة رضي الله عنه]

 وهذا شيء للمستقبل ، أي داعية صادق ،حوله أناس صادقون ، أي داعية يبتغي وجه الله وحده حوله أناس موحدون ، نعممها أكثر ؛ والزوجات نفس الشيء ، واختار الله لنبيه زوجات صالحات .
 واحدة تخطب لتكون السيدة الأولى في المجتمع فتعتذر كيف ؟ خطبها النبي الكريم، سيد الخلق وحبيب الحق ، وسيد ولد آدم وتعتذر ؟ قالت له : لي أولاد خمس أخاف إن قمت بحقهم أن أقصر بحقك ، وأخاف إن قمت بحقك أن أقصر بحقهم ، ما هذه المرأة التي أتيح لها أن تكون السيدة الأولى في المجتمع فاعتذرت ؟
 هكذا ربى النبي أصحابه ، علماء ، حكماء ، كادوا من فقههم أن يكونوا أنبياء .
المذيع :
 شيخنا في معالجة الهموم الكبيرة والعقبات الشديدة في الدعوة إلى الله كيف يمكن أن نفهمها من هذه الآيات ، ونحن نعلم سياق هذه الآيات ، وقصة موسى عليه السلام ، وكم حجم الكرب والهم الذي كان فيه ؟

 

للصابر عطاء إلهي بغير حساب :

الدكتور راتب :
 إذا إنسان أعطاك شيكاً بمليون دولار ، الرقم محدد ، شيكاً آخر بنصف مليون ، شيكاً بمليونين ، فإذا أعطاك شيكاً موقعاً والرقم متروك لك .
المذيع :
 شيك مفتوح .
الدكتور راتب :
 شك مفتوح ، هذا اسمه :

﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾

[ سورة الزمر : 10 ]

 الصابر وحده له عطاء إلهي بغير حساب .

﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾

[ سورة الزمر : 10 ]

 والصبر مفتاح الفرج ، والصبر هو السعادة ، لكن الوقت ليس بيدي ، بيد الله عز وجل ، أما أنا أطلب من الله بوقت معين فهذا شيء لم يرد إطلاقاً .
المذيع :
 طلب الدعاء هنا شيخنا بعد قول موسى عليه السلام :

﴿ قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي ﴾

[ سورة طه : 25 ـ 28]

 كأن هذا الدعاء والطلب لا لحاجة شخصية لنفسه بل إنما فقط ليبلغ الدعوة إلى الله.

 

صحة انفعالك من صحة إدراكك وصحة سلوكك من صحة انفعالك :

الدكتور راتب :
 أعطيك مثلاً دقيقاً : لو شخص قلنا له : على كتفك عقرب شائلة ، بقي هادئاً ومبتسماً وقال : أنا شاكر لك هذه الملاحظة ، وأرجو الله أن يمكنني أن أكافأك عليها ، هل فهم ما قلت له ؟ طبعاً لا ، لو فهم لقفز ، وخلع معطفه .
 لذلك عندنا قانون دقيق جداً ؛ الإدراك ، الانفعال ، السلوك ، إن لم تنفعل فلم تدرك، وإن لم تتحرك فلم تنفعل ، إدراك تمشي بالبستان ، وجدت أفعى ، والأفعى شائلة وكبيرة ، إن لم تدرك خطورة سمها لن تنجو إطلاقاً ، إدراك ، وإن لم تنفعل لم تدرك ، وإن لم تتحرك لم تنفعل ، إدراك ، انفعال ، سلوك ، قانون ، صحة انفعالك من صحة إدراكك ، وصحة سلوكك من صحة انفعالك ، فكل شيء نراه خطيراً لا بد من أن ننفعل ، ثم نتحرك ، فإذا اكتفينا بالتنديد ، والتعليق، والمداخلة الفارغة ، هذا لا يقدم ولا يؤخر.
المذيع :
 في الآية التي قلت فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي :

﴿ اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى﴾

[ سورة طه : 24 ]

 ثم أتت هذه الآيات بطلب شرح الصدر ، وتيسير الأمر ، وحل العقدة ، وأيضاً طلب الوزارة من الله .

 

معية الله عامة و خاصة :

الدكتور راتب :
 قال :

﴿ إِنَّنِي مَعَكُمَا ﴾

[ سورة طه : 46 ]

 يا الله !

﴿ إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى ﴾

[ سورة طه : 46 ]

 إذا كان الله معك فمن عليك ؟ وإذا كان عليك فمن معك ؟ ويا رب ماذا فقد من وجدك ؟ وماذا وجد من فقدك ؟
 المعية لها معنيان ، معية عامة ، ومعية خاصة ، المعية العامة :

﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ َ﴾

[ سورة الحديد : 4]

 العلماء قالوا : معكم بعلمه فقط ، الله مع فرعون حينما فعل ما فعل ، مع موسى ، مع أعدائه ، مع أوليائه ، مع النبيين ، مع الصديقين ، مع الشهداء ، معية علم فقط .

﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ َ﴾

[ سورة الحديد : 4]

 مع الكافر ، مع الفاسق ، مع المجرم ، معه بعلمه ، لكن إذا قال الله عز وجل :

﴿ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ َ﴾

[ سورة الأنفال : 19]

 يا الله ! هذه معية خاصة ، معهم بالنصر ، معهم بالتأييد ، معهم بالتوفيق ، معهم بالحفظ ، المعية الخاصة هي هدف كل مؤمن .

﴿ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ َ﴾

[ سورة الأنفال : 19]

 وإذا كان الله معك فمن عليك ؟ من يجرؤ أن ينال منك ؟ وإذا كان عليك فمن معك؟ ويا رب ماذا فقد من وجدك ؟ وماذا وجد من فقدك ؟
المذيع :
 جزاك الله خيراً شيخنا .
 آخر سؤال لهذه الحلقة قوله تعالى :

﴿ اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى َ﴾

[ سورة طه : 24]

 دعاء موسى عليه السلام هل فيه إشارة إلى أهمية اتخاذ الأسباب والاستعداد وتقدير الموقف بخطورته ؟

 

بطولة الإنسان أن يجمع بين الأخذ بالأسباب و التوكل على رب الأرباب :

الدكتور راتب :
 بارك الله بك على هذا السؤال ، هذا أهم سؤال باللقاء كله .
 البطولة أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ، ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء ، الغرب أخذ بالأسباب ، واعتمد عليها ، وألهها ، وقع في الشرك ، والشرق لم يأخذ بها أصلاً ، وقع في المعصية ، أما البطولة فأن تجمع بينهما ، أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء ، هذه ليست سهلة ، الأخذ بالأسباب .
 أنت عندك سفر للعقبة ، لأي مكان جميل ، تراجع المحرك ، والزيت ، والعجلات ، وكل شيء بالسيارة ، وبعدئذٍ تقول : يا رب أنت وحدك الحافظ ، القضية ليست سهلة ، إن أخذت بالأسباب بدقة بالغة ضعف التوكل ، وإن تواكلت ضعف الأخذ بالأسباب ، البطولة أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ، ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء .

خاتمة و توديع :

المذيع :

﴿ قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي ﴾

[ سورة طه : 25 ـ 28]

 شكراً جزيلاً لكم فضيلة الداعية الإسلامي الدكتور محمد راتب النابلسي على هذا اللقاء ، وعلى هذه الكلمات الطيبة في الحلقة الأولى من برنامج : "ربيع القلوب" .
 حياكم الله شيخنا وأهلاً وسهلاً بكم ، تحية لكم مستمعينا الكرام ، نلتقي إن شاء الله تعالى في حلقة جديدة من ربيع القلوب .
 والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور