وضع داكن
18-04-2024
Logo
العقيدة والإعجاز - مقومات التكليف - الدرس : 30 - الاختيار -3- الإنسان مسير ومخير -3- التمييز بين القضاء والقدر
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
أيها الأخوة الكرام، مع الدرس الثلاثين من دروس العقيدة والإعجاز.

من توهم أن الله تعالى أجبره على أعمال سيئة فقد وقع في عقيدة زائغة:

تنقلنا في الدروس السابقة بين مقومات التكليف الكون، والعقل، والفطرة، والشهوة، والاختيار، وفي درسين سابقين تبينا أن الإنسان مخير، وفي اللحظة التي يتوهم أن الله أجبره على أعماله السيئة فقد وقع في عقيدة زائغة، هذه العقيدة الزائغة التي تسمى عقيدة الجبر هي وراء حالة المسلمين الذين توهموا أنه لا حول لهم ولا قوة ؛ مع أن الإنسان في آيات كثيرة جداً واضحة، صريحة، قطعية الدلالة، مخير فيما كلف، وأذكركم ببعض هذه الآيات:

﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3) ﴾

( سورة الإنسان)

﴿ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ (148) ﴾

( سورة البقرة )

﴿ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ (29) ﴾

( سورة الكهف)

﴿ سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ(148) ﴾

( سورة الأنعام )

على كل إنسان أن يقيّم تصوراته في ضوء القرآن الكريم و السنة الشريفة:


أريد في هذا الدرس أن أوضح لكم أنه ما من سلوك يسلكه الإنسان إلا ويسبقه تصور، يصح هذا التصور أو لا يصح، فحينما تتصور أن الهدى ليس بيدك ولكن إلى أن يشاء الله الهدى لك تهتدي، هذا التصور غير صحيح، هذا التصور يقعدك أن تبحث عن الحقيقة، يقعدك عن أن تبحث عن الإيمان الصحيح، فأنا أقول لا بد من مراجعة تصورات الإنسان، لا بد من تقييمها تقييماً في ضوء الموازين القرآنية، والأحاديث النبوية، فإذا بقي الإنسان على تصورات تسربت إليه من دعوة خاطئة، من شرح غير صحيح، من عقيدة ليست سليمة دفع الثمن باهظاً.
طبعاً لا بد من مثل يوضح ذلك، لو توهم طالب في أول العام الدراسي أنه يمكن أن يقدم للمدرّس هدية قبل الامتحان بيومين فيعطيه الأسئلة هل يمكن أن يدرس ؟ أمضى العام الدراسي كله باللعب متوهماً أنه قبل يومين يأخذ السؤال من المدرس، ويحفظ عن ظهر قلب الإجابة، وينجح، وقد كان في تصوره أذكى من كل هؤلاء الطلاب الذين يدرسون، لماذا لم يدرس ؟ لوهم خاطئ، قبل الامتحان طرق باب المدرس، جاء له بالهدية وطلب منه الأسئلة، فتلقى صفعتين على وجهه وركلة بقدمه وطرده، ضيّع العام الدراسي كله بسبب وهم وقع به.

من أراد أن يبني مجده على أنقاض الآخرين لا يعبأ بالقيم بل بالقوة:

أيها الأخوة، دائماً وأبداً وأتمنى أن يكون هذا واضحاً لديكم أن الإنسان أحياناً بعقله الباطن يؤمن ببعض الأفكار لا لأنها صحيحة، ولكن لأنها مريحة، و سآتيكم بالدليل، إنسان يريد أن يشتري سيارة وإنسان آخر كذلك، الأول اشترى والثاني لم يشترِ، سرى في البلد إشاعة أنه سوف يصدر قانون بتخفيض الرسوم الجمركية إلى النصف، الذي اشترى السيارة يكذب هذه الإشاعة من دون بحث ولا درس ولا دليل، تكذيبها يريحه، والذي لم يشترِ يصدقها من دون دليل، فأنت أحياناً تكذب بلا دليل وتصدق بلا دليل.

لذلك آتيكم بمثل دقيق: نظرية دارون التي جاء بها عالم في القرن السابق، هذا العالم يقول: إن لم يثبت العلم نظريتي فهي باطلة، هذا في كتاب أصل الأنواع، هو يرى أنه لا بد من طفرة، معنى الطفرة أن تنشأ خلية حية من مادة جامدة، هو يرى الضفدع تخلق من الطين، يعني الطين وحده كاف لخلق ضفدع، وأن الفئران تخلق من الخرق البالية مع حبات القمح (شيء مضحك)، وأن بعض الديدان تنشأ من اللحم المتفسخ، طبعاً العلم سَخِر من هذه النظرية، ولا أصل لها علمياً وليست مقبولة ولا معقولة أساساً، العالم بأكمله يتمسك بهذه النظرية، أينما ذهبت في كل جامعات العالم، في كل الموسوعات العلمية، في كل البلاد التي على سطح الأرض، لماذا ؟ في شيء دقيق جداً هو يعتقد أن الإنسان كائن متطور من مخلوق وحيد الخلية، ومعنى متطور ليس هناك إله خلق هذا الكون، يعني هذه النظرية تقوم على إلغاء عقيدة وجود الله، لماذا العالم يتمسك بها تمسكاً لا حدود له ؟ لأنها تعفيه من المسؤولية، قضية سهلة، إذا كنت قوياً فأنت على حق (القوي عند الغربيين) الحق مع القوي، أنت قوي فأنت صاحب الحق، وأنت ضعيف أنت لا تملك الحق، هذا الفكر فكر القوة الذي لا يعبأ بالقيم، هذا فكر مريح للذين يريدون أن يبنوا مجدهم على أنقاض الشعوب، أن يبنوا غناهم على إفقار الشعوب، أن يبنوا حياتهم على إماتة الشعوب، أن يبنوا عزهم على إذلال الشعوب، هذا الفكر يتناسب مع الجرائم التي نراها.

ما من تصرف خاطئ إلا وراءه تصور خاطئ ينعكس على استقامة الإنسان:

هناك من يعتقد شيئاً لا أصل له، وهناك من يرفض عقيدة واقعة دقيقة مقنعة مع الأدلة، أنا أريد أن يراجع الإنسان حساباته قبل أن تقول ما بيدي، حتى الله يكتب لنا الهدى نهتدي، هذا كلام ما له أصل، الله عز وجل قال:

﴿ إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى ﴾ 

( سورة الليل )

وحيثما جاء كلمة على مع لفظ الجلالة فتعني أن الله ألزم ذاته العلية بالهدى، الله عز وجل هدانا وانتهى الأمر، هذا الكون كل ما فيه ينطق بوجود الله ووحدانيته وكماله، هذا الكون يشير إلى إله عظيم، إلى إله رحيم، إلى إله حكيم، إلى إله قوي، إلى إله حكيم، هكذا حينما نعتقد اعتقاداً خاطئاً هذا الاعتقاد الخاطئ ينعكس على استقامتنا.
مثل أبسط من ذلك لو أن إنساناً (بقال) دخل إلى المسجد واستمع إلى درس علم وشرح الدرس لم يكن دقيقاً أن شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي، على ظاهر الحديث افعل الكبائر ولا شيء عليك، فإذا فعلت هذه الكبائر تنالك شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم، يعني يمكن أن يغش الحليب، يمكن أن يبيع بضاعة فاسدة اعتماداً على هذا الفهم السقيم للحديث الصحيح، أؤكد لكم مرة ثانية ما من تصرف خاطئ إلا وراءه تصور خاطئ، ما من حركة تتحركها إلا هناك اعتقاد وراء هذه الحركة، طبعاً أوضح شيء لماذا يسرق السارق ؟ لأنه يتوهم أنه يأخذ مالاً كثيراً بلا جهد ولا يصدق أنه سيحاسب أو سيلقى القبض عليه، يقول أنا أعيش حياة هانئة بهذه الملايين المملينة، ثم بعد أسبوع يلقى القبض عليه ويودع في السجن وتأخذ منه الأموال ويلقى شر عمله.

 

عقيدة الجبر شلت الأمة فعلى كل إنسان أن يقيّم تصوراته حتى لا يقع في الوهم:

لذلك أيها الأخوة، أنا أدعوكم بهذا اللقاء الطيب إلى أن تمحص عقيدتك، أن تمحص تصوراتك، ألا تقع في الوهم، عقيدة الجبر شلت الأمة، ما بيدنا شيء، الله عز وجل يقول:

﴿ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ (29) ﴾

( سورة الكهف)

﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3) ﴾

( سورة الإنسان)

وقد يفاجأ الإنسان أنه يعتقد عقيدة أهل الشرك:

﴿ سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ(148) ﴾

( سورة الأنعام )

الله عز وجل هدانا إلى ذاته العلية من خلال:

1 ـ الكون:

الله عز وجل هدانا إلى ذاته العلية من خلال هذا الكون، كل شيء في الكون ينطق بوجود الله ووحدانيته وكماله.

2 ـ القرآن الكريم:

وهدانا إلى ذاته العلية من خلال هذا القرآن الكريم، القرآن يعرفنا بمهمتنا، برسالتنا، بالأمانة التي حملنا الله إياها.

3 ـ الحوادث:

الله عز وجل هدانا بالحوادث: 

﴿ قُلْ سِيرُواْ فِي الأَرْضِ ثُمَّ انظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴾

( سورة الأنعام )

أخطر شيء هو العقيدة إن صحت صحّ العمل وإن صحّ العمل سلم الإنسان وسعد:

الأفعال أفعال الله عز وجل تؤيد ما في القرآن الكريم، وهذا معنى قوله تعالى:

﴿ بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ ﴾

( سورة يونس الآية: 39 ).

معنى التأويل في هذه الآية وقوع الوعد والوعيد، يعني محق مال المرابي تأويل لآية الربا: 

﴿ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ (279) ﴾

( سورة البقرة )

الحياة الطيبة التي يحياها المؤمن تأويل لقوله تعالى: 

﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ﴾

( سورة النحل الآية: 97 ).

الحياة الضنك التي يحياها المعرض هي تأويل لقوله تعالى: 

﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴾

( سورة طه ).

فلذلك أخطر شيء هو العقيدة، قلت لكم سابقاً إذا كان الإسلام هرماً مقطعاً إلى أربع أقسام، القسم العلوي هو العقيدة، إن صحت صح العمل وإن صح العمل سلم الإنسان وسعد وإن فسدت فسد العمل فشقي الإنسان وهلك.

الله عز وجل ما خلق الإنسان إلا ليسعده و يرحمه:

أخطر شيء أن تكون العقيدة صحيحة، فالإنسان مخير والدليل من السيرة أن سيدنا عمر بن الخطاب جاؤوا إليه بشارب خمر قال: أقيموا عليه الحد، قال: والله يا أمير المؤمنين قدر عليّ ذلك، قال: أقيموا عليه الحد مرتين مرة لأنه شرب الخمر، ومرة لأنه افترى على الله، قال ويحك يا هذا إن قضاء الله لن يخرجك من الاختيار إلى الاضطرار.
أنت حينما تتوهم أنك لست مخيراً لكنك مسير ترتاح من مجاهدة نفسك، تتوهم أن الله عز وجل ما كتب لك الهدى، تتوهم أن الله عز وجل ما سمح لك أن تصلي، تتوهم أن الله عز وجل أرادك أن تكون شقياً، هل من عقيدة فاسدة أكثر من أن تتوهم أن الله كتب عليك الشقاء:

﴿ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ﴾

( سورة هود الآية: 119 ).

خلقهم ليرحمهم، خلقهم ليسعدهم.

 

الله عز وجل منح الإنسان حرية الاختيار:

﴿ اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43)

( سورة طه)

الذي قال: 

﴿ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (24)

( سورة النازعات)

﴿ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي (38) ﴾

( سورة القصص)

﴿ اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى(43)فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى(44) ﴾

( سورة طه)

فالإنسان بيده الأمر، ونحن في درسين سابقين بفضل الله عز وجل بينت لكم أدلة قطعية نصية وواقعية ومنطقية وعلمية، أن الإنسان مخير، لو أن الله أجبر عباده الطاعة لبطل الثواب ولو أجبرهم على المعصية لبطل العقاب، ولو تركهم هملاً لكان عجزاً في القدرة، إن الله أمر عباده تخييراً ونهاهم تحذيراً، وكلف يسيراً ولم يكلف عسيراً، وأعطى على القليل كثيراً.

 

حسن الظن بالله ثمنه الجنة:

مرة ثانية لا بد من تصحيح العقيدة، لا بد من تصحيح التصور، لا بد من أن تنفي عنك آلاف الكلمات التي يرددها العوام، الله ما كتب له الهدى، معنى ما له ذنب فكيف يحاسب ؟ كيف يعاقب ؟

ألقاه في اليم مكتوفاً و قال له إيّاك إياك أن تبتل بالماء
***

أنت حينما تتوهم أنك مسير ولست مخيراً شلت حركتك وقعدت ولم تعمل شيئاً، أما حينما توقن أنك مخير وأن الله ينتظرك:

(( لو يعلم المعرضون انتظاري لهم، وشوقي إلى ترك معاصيهم، لتقطعت أوصالهم من حبي، ولماتوا شوقاً إليّ، هذه إرادتي بالمعرضين، فكيف بالمقبلين؟ ))

[ ورد في الأثر ].

إياك أن تردد كلمات العوام، الله ما كتب له الهداية، الله توهه، الله لا يتوه، الله عز وجل يبين، يهدي إلى صراط مستقيم، الله عز وجل ألزم ذاته العلية بالهدى و حسن الظن بالله ثمنه الجنة.
العقيدة الصحيحة ينبغي أن تؤخذ من القرآن الكريم لا من أقوال العامة:

لذلك أنا أدعوك أن تقرأ القرآن الكريم قراءة واعية، وأن تعتقد أن العقيدة الصحيحة ينبغي أن تأخذها من القرآن الكريم لا من أقوال العامة، من كتاب الله الصريح:

﴿ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ (148) ﴾

( سورة البقرة )

هو الإنسان والدليل: 

﴿ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ (148) ﴾

( سورة البقرة )

أنت حينما تشعر أنك مسؤول عن أعمالك وأن الله سيحاسبك وأنك لا تقع تحت سيطرة وهم لا أصل له، يعني: 

﴿ وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ (13) ﴾

( سورة السجدة)

ولكن يا عبادي لو شئت أن ألغي اختياركم، أن ألغي حملكم للأمانة، أن ألغي التكليف الذي كلفتكم به، لو أردت أن أجبركم على شيء ما، لو أردت أن ألغي اختياركم وتكليفكم وحملكم للأمانة وأن أجبركم على شيء ما لما أجبرتكم إلا على الهدى: 

﴿ وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ (13)

( سورة السجدة)

ولكن هذه الأعمال الذي تقترفونها ليست من قضاء الله وقدره بل من اختياركم، من اختياركم أنت وسوف تحاسبون عليه.

 

الإنسان بعقله الباطن يميل إلى أن يعزو أخطاءه إلى غيره أو إلى القضاء والقدر:


أيها الأخوة الكرام، أنت حينما تشعر أنك مخير، وأنه بإمكانك أن تصل إلى أعلى مرتبة في الإيمان لكنك مقصر، لعل هذا الفكر الصحيح المستنبط من كلام ربنا جل جلاله لعله يدفعك إلى البحث عن الحقيقة، وإلى الإيمان بها والعمل وفقها، وإلى بذل الغالي والرخيص والنفس والنفيس، لكن الإنسان أحياناً كما يقول علماء النفس له عقل باطن، العقل الباطن يتجه إلى أن يعزي أخطاءه إلى غيره، الناس جميعاً المتفوق يقول لك ما نمت الليل درست، رسب الله ما كتب لي أن أنجح، لماذا عندما تنجح ما نمت الليل وبذلت جهداً كبيراً والكتاب استوعبته وكنت تتابع المدرس وتؤدي الوظائف وتراجع الأبحاث، أما حينما لم تنجح الله ما كتب لك، لما لا تقول أنا كنت مقصراً ما درست.
فالإنسان بعقله الباطن يميل إلى أن يعزو أخطاءه إلى غيره، ونحن كأمة أيضاً مرتاحون كل مشكلاتنا من الاستعمار والصهيونية، في شعوب لها عمر حضاري كأعمارنا تحررت وتقدمت وتطورت وتفوقت وأصبحت قوية جداً، هذا شاهد لا يؤيد أفكارنا، فالإنسان يريد أن يعزو أخطاءه إلى غيره أو إلى القضاء والقدر.

لا يليق أن يقع في ملك الله ما لا يريد:

بالمناسبة أيها الأخوة، أنا أتمنى أن يكون هذا واضحاً جداً لكم، الاعتقاد بالقضاء والقدر لا يلغي المسؤولية، الدليل الله عز وجل في حديث الإفك يقول:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ ﴾

( سورة النور الآية: 11 )

لماذا هو خير ؟ لأن كل شيء وقع أراده الله، لا يليق أن يقع في ملك الله ما لا يريد، ولا يقبل ولا يعقل بألوهية الإله أن يقع في ملكه ما لا يريد، فكل شيء وقع أراده الله وكل شيء أراده الله وقع، و إرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة، والحكمة المطلقة متعلقة بالخير المطلق.

 

حديث الإفك سمح الله به لحكمة بالغة:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ ﴾

( سورة النور الآية: 11 )

هذا فهم للقضاء والقدر، ما دام الله عز وجل سمح لهذا الحديث حديث الإفك أن تتهم السيدة عائشة، ما دام الله سمح هناك حكمة بالغة بالغة عرفها من عرفها وجهلها من جهلها، لعلماء التفسير لفتات لطيفة لو أن السيدة عائشة لم يقع عقدها في الأرض لما كان حديث الإفك (ذهبت لتبحث عنه)، لو أن الصحابيين الجليلين حينما حملا هودجها شعرا أنه خفيف جداً هي ليست بالهودج فبحثا عنها لما كان حديث الإفك، لو، لو، عدّ العلماء عشر حالات لو وقعت واحدة من هذه الحالات لما كان حديث الإفك لكن لحكمة بالغة بالغة بالغة شاء الله أن يكون سمح به، سمح به ليمتحن النفوس، فالمؤمنون ظنوا بأنفسهم خيراً والمنافقون كشفوا وظهروا، ظهرت شماتتهم وروجوا الخبر وبالغوا به، فالله امتحن هؤلاء وهؤلاء وكشف هؤلاء وهؤلاء: 

﴿ مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنْ الطَّيِّبِ (179) ﴾

( سورة آل عمران)

﴿ إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ ﴾

( سورة النور الآية: 11 )

الاعتقاد بالقضاء والقدر لا يلغي المسؤولية:

بعدها:

﴿ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾

( سورة النور )

يا ترى فهمنا للقضاء والقدر في حديث الإفك هل يعفي من روج هذا الخبر من المسؤولية ؟ مستحيل، يعني كتطبيق عملي طبيب إسعاف جالس مع ممرضة يدير حديثاً لا يرضي الله أخبر أنه في مريض على وشك الموت، قال: انتظر قليلاً ليتابع حديثه فبعد ربع ساعة أبلغ أن المريض مات، إذا قال سبحان الله مات بأجله، ألا يحاسب ؟ يحاسب مع أن الموت قطعي، والموت يكون بأجل الإنسان لكن في هذه الربع ساعة التي قصر فيها الطبيب إسعاف المريض يحاسب بأشد أنواع المحاسبة عند الله.
فاحفظوا هذه الحقيقة الإيمان بالقضاء والقدر لا يعفي من المسؤولية، بناء على الهيكل وفراغ المصعد غير مصان ما في حاجز وشخص سقط ونزل ميتاً لا يقول صاحب البناء قضاء وقدر، لا أنا قصرت ولم أضع الحاجز أمام فتحات المصعد فكان عدم وجود الحاجز سبب موت هذا الإنسان.

 

التمييز بين القضاء و القدر و بين جزاء التقصير:

أيها الأخوة، أنا لا أرى في العقيدة موضوعاً أخطر من القضاء والقدر لكن أن نعزي كل أخطائنا إلى القضاء والقدر، أن نعزي كل تقصيرنا إلى القضاء والقدر، أن نرسل كل حججنا باتجاه القضاء والقدر، هذا كلام لا يقبل ولا يعقل، نحن مقصرون، وأريد أن أؤكد لكم أيها الأخوة، البطل الذي يعترف بخطئه، والبطل الذي يعزي الخطأ إليه لا بادئ ذي بدء أحياناً يكون في خطأ بتربية الأولاد، الناتج لهذه التربية الخاطئة يجب أن يتحملها الأب، الأب مسؤول، وفي خطأ يعزى إلى المعلم، وفي خطأ يعزى إلى أولي الأمر، فالبطولة أن تكون جريئاً وأن تصرح أنك أخطأت، أما كل شيء يعزى للقضاء والقدر، أردت أن أميز بين القضاء والقدر وبين جزاء التقصير.
طالب ما درس أبداً فلم ينجح كلما سئل عن نتيجة هذا العام الدراسي يقول: الله ما كتب لي النجاح، هكذا ترتيب الله ما في إذن بالنجاح، كلام غير صحيح يجب أن يقول أنا لم أنجح لأني لم أدرس، وإياك أن تدخل القضاء والقدر بالموضوع، أما طالب درس دراسة عالية جداً، متقنة جداً، وقبل الامتحان بيومين أصابه طارئ على صحته منعه أن يؤدي الامتحان هذا الطالب بالذات له أن يقول الله عز وجل ما شاء لي أن أنجح.

(( إِنَّ اللَّهَ يَلُومُ عَلَى الْعَجْزِ، وَلَكِنْ عَلَيْكَ بِالْكَيْسِ، فَإِذَا غَلَبَكَ أَمْرٌ فَقُلْ: حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ))

[ أبو داود وأحمد عن عوف بن مالك]

تحرك، اسعَ، قدم طلباً، ابحث عن وسيلة، ابحث عن سفر، اخرج من بيتك راجع إعلانات الوظائف، قابع في بيته لا يتحرك، لا يسأل، ينتظر المعجزة، وهذا حال المسلمين، أعداؤنا الآن يعدون لنا ونحن ننتظر فرجاً من الله، ننتظر معجزة، ننتظر زلزالاً يقضي على أعدائنا، هذه أحلام المجانين والله.

 

نصر الله عز وجل للمؤمنين مقيّد بشرطين هما:

1 ـ الإيمان بالله تعالى:

الله عز وجل قال: 

﴿ وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ ﴾

( سورة الأنفال الآية: 60 )

نحن ما أعددنا لهم، بالمناسبة لما تقرأ القرآن تجد قوانين، النصر له قانون، الله عز وجل قال: 

﴿ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ ﴾

( سورة الأنفال الآية: 10 ).

النصر حصراً وقصراً من عند الله لكن له ثمن، ثمنه أول ثمن: 

﴿ وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾

( سورة الروم ).

هل أنت مؤمن ؟ هل أنت مؤمن الإيمان الذي ينجيك ؟ 

﴿ إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾

( سورة غافر الآية: 51 ).

النصر حصراً وقصراً من عند الله و لكن ثمنه الإيمان بالخالق سبحانه:

أي إيمان ينبغي أن يكون ؟ الإيمان الذي يحملك على طاعة الله، الإيمان الذي يمنعك من أن تعصي الله، الإيمان الذي يحمل على طاعة الله هو الإيمان الذي يعد أحد شرطين من شروط النصر:

﴿ وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ 

﴿ إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾

( سورة غافر الآية: 51 ).

2 ـ الإعداد:

الشرط الثاني الإعداد: 

﴿ وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ ﴾

( سورة الأنفال الآية: 60 )


قدم ثمن النصر، الثمن ليس سهلاً استقامة وانضباطاً والتزاماً وإقامة للإسلام في النفس وفي البيت وفي العمل ثم إعداد العدة أعدوا لهم، أما لا نقيم الإسلام في البيت ولا في العمل ولسنا متمسكين بأهداف هذا الدين ولا نفعل شيئاً، ننتظر معجزة هذه أحلام الجهلاء، هذا القانون، كل شيء له سبب وكل شيء له قانون.

 

معظم مشكلات المسلمين من سوء تصورهم:

أيها الأخوة، أنا أرى معظم مشكلاتنا من سوء تصورنا، العقيدة غير صحيحة يعني مثلاً:
لما أرسل النبي عليه الصلاة والسلام عبد الله بن رواحة ليقيّم تمر خيبر أغروه بحلي نسائهم كرشوة ليخفف تقييم التمر (في اتفاقية)، فقال هذا الصحابي الجليل: والله جئتكم من عند أحبّ الخلق إلي، ولأنتم أيها اليهود أبغض إليّ من القردة والخنازير، ومع ذلك لن أحيف عليكم، فقال اليهود بهذا قامت السماوات والأرض، وبهذا غلبتمونا.
واضح والآن مؤامرة على المسلمين طبعاً العدو شأنه أن يتآمر ماذا تفعل أنت ؟ لماذا سهلت له هذه المؤامرة ؟ لماذا لم تمنعه منها ؟ والله على مستوى فرد وعلى مستوى جماعة وعلى مستوى أمة يسهل علينا أن نعزي أخطاءنا إلى طرف آخر ونرتاح، هذا خطأ كبير وبهذه العقلية وبهذا الفهم لن نتقدم ولن نقوى ولن نحقق أهدافنا الكبرى.

العقيدة أخطر موضوع في الإيمان:

لذلك أيها الأخوة، الخطأ يبدأ من التصور، في تصور خطأ، من هنا كانت العقيدة أخطر موضوع في الإيمان، إن صحت العقيدة صحّ العمل.
مثلاً كم إنسان يتوهم أنه إذا حجّ بيت الله الحرام عاد من ذنوبه كيوم ولدته أمه، يكون عليه حقوق لم يؤدها، مغتصب بيتاً، مغتصب شركة، مغتصب إرثاً، كان الأخ الأكبر أخذ كل شيء له وحرم أخوته الصغار يقول لك: أنا أحج أعود من الحج كيوم ولدتني أمي، نقول له كلامك غير صحيح، لا يغفر في الحج إلا ما كان بينك وبين الله لكن ما كان بينك وبين العباد لا يغفر ولا يسقط إلا بالأداء أو المسامحة والدليل:

﴿ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ (4) ﴾

( سورة نوح ).

لذلك الأحاديث من مثل:

(( من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ))

[ متفق عليه عن أبي هريرة].

ما تقدم من ذنبه الذي بينه وبين الله فقط لكن الذنب الذي بينه وبين العباد لا يسقط إلا بالأداء والمسامحة:

(( من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ))

[ متفق عليه عن أبي هريرة].

الذي بينه وبين الله حصراً، أما الذي بينه وبين العباد لا يغفر إلا بالأداء والمسامحة هذه الحقيقة، مثلاً:

(( يغفر للشهيد كل ذنب إلا الدين ))

[ أخرجه أحمد في مسنده وصحيح مسلم عن ابن عمرو ].

في عطاء أكبر من أن تقدم حياتك في سبيل الله ومع ذلك لو قدمت حياتك في سبيل الله وعليك دين الدين لا يغفر، 

(( يغفر للشهيد كل ذنب إلا الدين ))

الجاهل من بنى اعتقاده على أوهام ما أنزل الله بها من سلطان لا على كتاب الله:

لذلك دخل النبي الكريم بيتَ أحد أصحابه، وقد توفاه الله، وكان صحابياً جليلاً، فقبل أن يصلي عليه سأل:

(( أعليه دين ؟ قالوا: نعم، قال: صلوا على صاحبكم، ولم يصلِ عليه، إلى أن قال أحدهم: عليّ دينه يا رسول الله، فصلى عليه، في اليوم التالي سأل هذا الذي تعهد الدين: أأديت الدين ؟ قال: لا، سأله في اليوم الثالث: أأديت الدين ؟ قال: لا، سأله في اليوم الرابع: أأديت الدين ؟ قال: نعم، قال: الآن بردت عليه جلده ))

[أحمد عن جابر ]

كم مسلم يتوهم أنه إذا حجّ أو صام أو تاب توبة نصوحة ذهبت عنه كل ذنوبه ؟ ملايين مملينة كلهم في خطأ كبير، العبادات التي تؤديها والتي وعد النبي صلى الله عليه وسلم عليها بالمغفرة لا تصل إلى الذنوب التي بينك وبين العباد، هذه الحقوق لا بد من أن تؤدى في أوهام كثيرة جداً، أنا أتمنى أن نصحح تصوراتنا، أن نراجع عقائدنا، أن نعتقد اعتقاداً وفق الكتاب والسنة، أن نستنبط عقائدنا من كتابنا، من قرآننا، أما أن نعيش من أوهام ما أنزل الله بها من سلطان فهذا جهل وغباء.
 

قضية الماء من الموضوعات العلمية التي أمرنا الله عز وجل أن نتفكر بها:

أيها الأخوة الكرام، من الموضوعات العلمية التي أمر الله عز وجل أن نتفكر بها قضية الماء، قال في بعض الآيات:

﴿ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ (22) ﴾

( سورة الحجر )

أي جزيرة فيها نبع ماء والنبع مستودعه في مكان أعلى منها وأوسع منها:


مستودعات الماء من صممها ؟ نحن في هذه المدينة نشرب من نبع، حوض هذا النبع يصل إلى منتصف لبنان، ويصل إلى حمص تقريباً، ويتسع شرقاً إلى نصف سيف البادية، يعني من سيف البادية إلى منتصف لبنان إلى مدينة حمص هذا حوض هذا النبع الذي تشرب منه دمشق، هذه المياه من خزنها ؟ من جعل هذا النبع يمد هذه المدينة بماء على مدى العام ؟ في أيام الفورة ستة وثلاثين متراً مكعباً بالثانية، مياه معدنية هذه مستودعات المياه فيها ضمن الجبال، والجبال هي في الأصل لها مهمات كثيرة أحد مهماتها أنها مستودعات للمياه.
جزيرة متواضعة جداً في سوريا أرواد إلى جانب طرطوس فيها نبع مياه عذب يا ترى أمطار الجزيرة هل تكفي لهذا الماء ؟ لا تكفي، من أين ؟ من جبال طرطوس المستودع في طرطوس، وهذا المستودع موصول بتمديدات تحت البحر إلى هذه الجزيرة واعتقد يقيناً أنه ما من جزيرة إلا وفيها نبع ماء عذب، يوجد بإندونيسيا ثلاث عشرة ألف جزيرة ولكل جزيرة مياه عذبة، ومساحة الجزيرة الواحدة لا تكفي أمطارها لهذا النبع الذي يتفجر طوال العام، فلا بد من مستودع في مكان آخر في جبل آخر، بل هناك في بعض جبال همالايا ينابيع مياه في قمم الجبال من أجل الوعول في حيوانات تعيش بالجبال من أجل أن تشرب هناك ينابيع مياه في قمم الجبال، أين مستودعاتها ؟ يقيناً في جبل آخر أعلى منه، هذا شيء يؤكده موضوع خصائص المياه، الاستطراق في المياه، لا ممكن تشرب مدينة إلا من مستودع مرتفع ؟ في جميع بلدان العالم أحياناً بالقرى ترى مستودع ماء عالٍ جداً لا بد من مسافة، من فارق بين مكان الماء المغذي وبين مكان استخدمه، إذاً أي جزيرة فيها نبع ماء والنبع مستودعه في مكان أعلى منها وأوسع منها، الله عز وجل قال:

﴿ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ (22) ﴾

( سورة الحجر )

تخزين الله عز وجل الماء في الجبال ليريح الإنسان من عناء تخزينه:

تخزين الماء: لو كل إنسان يحتاج إلى خزان لمياه العام لاحتاج كل إنسان إلى مساحة مكعبة تساوي مساحة بيته، أنت تستهلك ماء تقريباً ما يساوي حاجة بيتك المساحة الكاملة الله عز وجل قال:

﴿ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ (22) ﴾

( سورة الحجر )

أراحك من تخزين المياه وخزنه لك في الجبال، ترى أي مدينة فيها نبع ماء هذا النبع له مستودع بجبال، بجبل مرتفع من أجل التفاضل حتى الماء أن يسير من مكان إلى مكان فلذلك الله عز وجل جعل.

 

التفكر في آيات الله الكونية تكشف للإنسان عظمة الخالق سبحانه:

أيها الأخوة الكرام، لما الله عز وجل قال:

﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾

( سورة آل عمران ).

الآن موضوعات التفكر لا تعد ولا تحصى:

وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد
* * *

لكن الله عز وجل ذكر في القرآن الكريم عدداً كبيراً جداً من الآيات الكونية، لو جعلنا هذه الآيات القرآنية التي تتحدث عن الكون، لو جعلنا من هذه الآيات منهجاً لنا فمثلاً الله عز وجل قال: 

﴿ أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ ﴾

( سورة البلد ).

العين موضوع للتفكر، قال تعالى: 

﴿ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ (22) ﴾

( سورة الحجر )

الماء وتخزين الماء موضوع للتفكر، لو كل واحد منا قرأ القرآن الكريم ووقف عند الآيات الكونية وجعلها موضوعاً للتفكر لرأى عظمة الله عز وجل.

 

الماء من آيات الله الدالة على عظمته:

هذا الماء مثلاً فيه خاصة أنه في الدرجة زائد أربعة إذا بردناه يزداد حجمه، ولولا هذه الظاهرة ما كانت حياة على وجه الأرض، الماء العنصر الوحيد من بين كل العناصر في الكون إذا بردناه بدل أن يزداد انكماشه يزداد حجمه، لولا هذه الظاهرة ما كان في حياة إطلاقاً هذه شرحتها في دروس سابقة فهذه الخاصة بالماء، لا لون له، لا طعم له، لا رائحة له، تبخر الماء، سيولة الماء، ينفذ في أدق المسام، يتبخر بدرجة أربع عشرة، لو درست خصائص المياه، لو تعطلت خصيصة لكانت حياة الإنسان جحيماً لا يطاق، لو تبخر في درجة مئة لا يجف شيء إطلاقاً، أما يتبخر الماء في درجة أربع عشرة، لو له لون لكانت كل الطعوم التي نأكلها بهذا اللون، لو له رائحة كل شيء نأكله داخل فيه الماء بهذه الرائحة لخرجنا من جلدنا، لا لون له لا طعم له لا رائحة له، شديد النفوذ يتبخر في درجة أربع عشرة، هذا الماء قوام حياتنا:

﴿ وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ﴾

( سورة الأنبياء الآية: 30 ).

من خزنه لنا ؟ الله عز وجل: 

﴿ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ (22) ﴾

( سورة الحجر )

موضوعات التفكر لا تعد ولا تحصى علينا الوقوف عندها متأملين متفكرين:

أردنا أن نهيئ مستودعاً للماء لدمشق كم عمق المستودع ؟ تصوروا أربعمئة متر تحت سطح الأرض نقلد بهذا المستودع المستودع الطبيعي في الجبال حتى الماء ما يفسد، المستودع الذي يغذي دمشق تحت الأرض بأربعمئة متر هذا مشروع ضخم جداً، يعني هذا المستودع بهذه الصفات كي يبقى الماء صالحاً للشرب، كي ينجو الماء من الفساد، من الطحالب، من أن يكون سائلاً مؤذياً للإنسان، فنحن إذا قرأنا آية قرآنية وقفنا عندها متأملين متفكرين لعل الله عز وجل ينفعنا بهذه الآيات لأن الله عز وجل يقول:

﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾

( سورة آل عمران )

التفكر يساعد الإنسان على اكتساب معرفة تعينه على طاعة الهَ و القرب منه:

كلما مررت بآية في كتاب الله تشير إلى آية كونية كالطعام والشراب:

﴿ فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ {24} ﴾

( سورة عبس ).

﴿ فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِن مَّاء دَافِقٍ ﴾

( سورة الأعلى ).

فلينظر الإنسان إلى ما حوله: 

﴿ قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ﴾

( سورة يونس الآية: 101 ).

ليأخذ هذه الآية موضوعاً للتفكر وليتأمل في هذه الآية فلعل الله عز وجل يرزقه معرفة تعينه على طاعته وعلى القرب منه. 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور