وضع داكن
29-03-2024
Logo
أحاديث قدسية - الحلقة : 03 - أركان التوبة.
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

  أخوتي الكرام ؛ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
 إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم ، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم ، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم ، والعلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك ، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً، ويظل المرء عالماً ما طلب العلم ، فإذا ظن أنه قد علم فقد جهل ، طالب العلم يؤثر الآخرة على الدنيا فيربحهما معاً ، بينما الجاهل يؤثر الدنيا على الآخرة فيخسرهما معاً .
 لذلك هذه الحلقات إن شاء الله تتمحور حول الأحاديث القدسية .
 بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين ، وعلى صحابته الغر الميامين، أمناء دعوته ، وقادة ألويته ، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين .

 

أنواع الذنوب :

 أيها الأخوة الأكارم ؛ أيها الأخوة الأحباب ؛ نتابع اليوم شرح الحديث القدسي :

(( يا عبادي إنكم تُخطئون بالليل والنهار ، وأنا أَغْفِرُ الذُّنوبَ جميعاً ، فاستغفروني أغفِرْ لكم ))

[ أخرجه مسلم والترمذي عن أبي ذر الغفاري]

لذلك هناك ذنب يغفر وهو ما كان بينك وبين الله ، وذنب لا يترك وهو ما كان بينك وبين العباد ، لأن حقوق الله مبنية على المسامحة ، بينما حقوق العباد مبنية على المشاححة ، إذاً هناك ذنب لا يغفر وهو الشرك بالله ، لقوله تعالى :

﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ﴾

[ سورة النساء : 48]

 لذلك نضرب هذا المثل : لك مبلغ كبير في مدينة بعيدة ، ركبت القطار ، وقطعت الدرجة الأولى ، لكن ركبت في مركبة ليست لك ، جماعة كثيرة ، وصخب ، وضجيج ، وقد ركبت في كرسي عكس سير القطار ، هناك أخطاء كثيرة ارتكبت في هذه الرحلة ، إلا أن هذا القطار سيصل إلى الهدف ، وستأخذ المبلغ الذي وعدت به ، لكن الخطأ الذي لا يغفر ، ولا حل له ، أن تركب قطاراً آخر لجهة أخرى .
 لذلك هذا هو الشرك الذي لا يغفر ، يقول الله تعالى :

﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ ﴾

[ سورة النساء : 48]

 أما ما سوى الشرك فالله عز وجل يقول :

﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾

[ سورة الزمر : 53]

 لذلك ورد :

(( لله أفرح بتوبة عبده من الضال الواجد ، والعقيم الوالد ، والظمآن الوارد ))

[ذكره السيوطي في الجامع الصغير عن أنس]

فرح الله عز وجل بتوبة عبده :

 لذلك ما من موقف أروع من وصف النبي الكريم لفرح الله عز وجل لتوبة عبده ، عن أنس بن مالك قال : 

(( لَلّهُ أشدُّ فْرَحا بتوبةِ عبده حين يَتُوبُ إليه من أحدِكم كان على راحلته بأرضٍ فلاةٍ فَانْفَلَتتْ منه ، وعليها طعامُه وشرابهُ فَأَيسَ منها ، فأتَى شَجرة فاضطَجَع في ظِلِّها قد أيسَ من راحلته فبينا هو كذلك ، إذا هو بها قائمةٌ عنده ، فأخذ بخِطامِها ، ثم قال من شِدَّة الفرح : اللهم أنت عَبْدي وأنا ربكَ ، أخطأ من شدة الفرح ))

 

 لذلك الله عز وجل أفرح بتوبة عبده من هذا البدوي بناقته ، اللهم أنت عبدي وأنا ربك أخطأ من شدة الفرح ، لذلك : إذا رجع العبد إلى الله نادى منادٍ في السماوات والأرض أن هنئوا فلاناً فقد اصطلح مع الله ، وإذا تاب العبد توبة نصوحة أنسى الله حافظيه ، والملائكة ، وبقاع الأرض كلها خطاياه وذنوبه .
لذلك الله عز وجل يريد أن يتوب علينا ، بل ويحب أن نتوب إليه ، ويحبنا إذا تبنا إليه .

أركان التوبة :

1 ـ طلب العلم :

 الحقيقة أن التوبة لها أركان ، أركانها ثلاث ، علم ، وحال ، وعمل .
فلابد من مثل لكل ركن : ضغط الدم المرتفع هذا اسمه : القاتل الصامت ، لأن أعراضه غير موجودة ، وقلّما يكون الضغط المرتفع له أعراض ، لكنه فجأة يصيب الإنسان بفقد البصر أحياناً ، بخثرة في الدماغ ، بالشلل ، فتكون هي القاضية ، أقول : متى نعالج الضغط المرتفع ؟ بحالة واحدة ؛ حينما نعلم أن الضغط مرتفع إذاً لا بد لنا من مقياس للضغط .
 إذاً ما لم نطلب العلم حتى نعرف الحلال والحرام ، وما ينبغي وما لا ينبغي ، ما لم نطلب العلم نحن في خطأ كبير ولن نعرف أخطاءنا ، وفي الحديث الشريف :

(( وإن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالاً ، من سخط الله ، يهوي بها في جهنم سبعين خريفاً في النار ))

[ أخرجه الترمذي عن أبي هريرة ]

 لذلك طلب العلم فريضة على كل مسلم ، لأن يبدأ الإنسان بمشروع التوبة ، وأنا أقول دائماً : إذا طلب الإنسان العلم تأتيه القناعات ، كأن شهوته لها وزن كبير عشرة غرام ، سمع خطبة ، سمع درساً ، قرأ كتاباً ، سمع شريطاً ، كلما ازدادت قناعاته بدأت الكفة الأولى كفة الإيمان تزيد ، فإذا بلغت قناعاته خمسة كيلو ، الوزن بالكفة الأخرى بدأ في الصراع ، أفعل، لا أفعل ، فإذا أصبحت قناعاته أكثر بكثير من شهواته استقام على أمر الله ، فلابد من طلب العلم حتى تكتشف الخطأ ، وما لم أطلب العلم فلن أصل إلى الصواب .
 لذلك أحياناً يكون الكسب غير مشروع ، وأنت لا تعلم ، أو فيه علاقة ربوية ، أو علاقة آثمة ، أو لقاء آثم ، أو فرح غير إسلامي ، هناك أعمال كثيرة تقطعنا عن الله عز وجل عن شعور ، وعن غير شعور .
 لذلك سيدنا عمر نهى من لم يتفقه في الدين أن يدخل في السوق ، لأنه يأكل الربا شاء أم أبى ، إذاً من أركان التوبة طلب العلم .
 فلو قلت لرجل : على كتفك عقرب شائلة ، ثم بقي هادئاً ، متوازناً ، مبتسماً ، والتفت نحوك وقال : جزاك الله خيراً على هذه النصيحة الثمينة ، وأرجو الله أن يمكنني أن أرد لك الجميل ، هل فهم ما قلت له ؟ قطعاً لا ، لو فهم ما قلت له لخرج من جلده ، وخلع ثوبه ونفضه ، هذا أول ركن العلم .

2 ـ الندم :

 الثاني : الندم ، إذاً إن لم يكن هناك ندم ليس هناك إدراك للذنب ، ذنب المنافق كأنه ذبابة ، وذنب المؤمن كأنه جبل جاثم على ظهره ، فإذا صح إدراك الذنب وعرف مع من أخطأ ، أخطأ مع خالق السماوات والأرض ، فلا تنظر إلى صغر الذنب ، ولكن انظر على من اجترأت ، إذاً أدرك أنه أخطأ ، وهذا الخطأ سيسبب له متاعب كثيرة في الدنيا والآخرة ، أخطأ مع من ؟ مع العظيم ، مع الله عز وجل ، الله الذي وصف أهل الدنيا الذين لم يقوَ إيمانهم يوم القيامة :

﴿ إِنّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ ﴾

[ سورة الحاقة : 32]

 فالتركيز على العظيم ، آمن بالله إيماناً محدوداً ، لم يحمله إيمانه على الطاعة ، لكن :

﴿ إِنّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ ﴾

[ سورة الحاقة : 32]

 فهذا المؤمن حينما يدرك حقيقة الذنب الذي وقع فيه إذاً يضطرب ، يتألم ، يبكي أحياناً ، قال تعالى :

﴿ لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ * وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ ﴾

[ سورة القيامة : 1 ـ 2]

 أقسم الله بها ، إذاً صحة الانفعال والندم دليل إدراك للذنب ، إذاً : 

(( الندم توبة )) 

[أخرجه البزار وابن حبان والحاكم عن أنس بن مالك ]

 قال شراح الحديث : الندم لا بد له من علم هو سببه ، ومن عمل عقبه - جاء بعده- وكأن النبي أشار إلى أركان التوبة بشكل موجز وهي الإقلاع ، والإصلاح ، والعمل الصالح ، وعدم العودة ، هذا الندم ، هذا الألم النفسي إلى ماذا يفضي ؟ يفضي إلى ثلاثة مواقف ، موقف متعلق بالماضي ، موقف متعلق بالحاضر ، موقف متعلق بالمستقبل ، أما الموقف المتعلق بالماضي فهو الإصلاح ؛ تكلم كلمة يستسمح من الذي قالها فيه ، له دخل حرام يوقف هذا الدخل ، يجعل ما مضى صدقة ، فأي ذنب وقع في الماضي فلابد من إصلاحه ، إذا كان متعلقاً بحقوق العباد ، إذاً الإصلاح ، تابوا ، وآمنوا ، وعملوا الصالحات .

﴿ إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ اللَّوَّامَةِ ﴾

[ سورة الأعراف : 153]

 بعد التوبة ، والعمل الصالح ، وإصلاح الخطأ الذي ارتكب :

﴿ إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ اللَّوَّامَةِ ﴾

[ سورة الأعراف : 153]

الاستماع للدرس

00:00/00:00

إخفاء الصور