- محاضرات خارجية
- /
- ٠23ندوات مختلفة - الأردن
النصر الحقيقي أن نكون مؤمنين طائعين لله عز وجل :
أيها الأخوة المؤمنون في دنيا العروبة والإسلام ؛ إن الأحداث التي وقعت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ذاتها ، ليقف النبي منها الموقف الكامل .
فخباب رضي الله عنه معذور جداً في هذا الموقف ، كان عبداً للعاصي بن وائل ، وكان العاصي جباراً متسلطاً يعذبه أشد العذاب ، حتى أن كتب السيرة تروي لنا أنه كان يشعل الجمر فيرميه على ظهره ، حتى لا يطفأ الجمر إلا وقد احترق ظهره ، وكان لا يزال شاباً يانعاً ، دخل على عمر بن الخطاب رضي الله عنه في خلافته ، فقال له عمر : اجلس فما أحق منك بهذا المجلس إلا عمار ، ذلك لأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه تأخر إسلامه ، فكان يعتقد أن ما لقيه خباب أقل مما لقيه عمار رضي الله عنه ، فكشف له خباب ظهره ، فأراه آثار التعذيب التي ما زالت باقية على جسمه إلى وقت خلافة سيدنا عمر رضي الله عنه ، وحينما مرّ علي رضي الله عنه على قبر خباب بكى وقال : رحم الله خباباً أسلم راغباً ، وهاجر طائعاً ، وعاش مجاهداً ، وابتلي في جسمه أحوالاً ، ولن يضيع الله أجره .
العبرة أن نكون مؤمنين ، وأن نكون صابرين ، وأن نوقن بيوم الدين ، وأن نوقن أن النصر الحقيقي أن تموت مؤمناً ، وأن تموت صابراً وطائعاً لله عز وجل .
على الإنسان ألا يتعجل الشيء قبل أوانه :
هناك حقيقة دقيقة أرجو أن أمكن من توضيحها : نحن نستعجل :
﴿ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولاً ﴾
حينما يغيب عنا البعد الزمني ، غياب البعد الزمني مشكلة كبيرة في تفكيرنا ، قبل أن تكون في مواقعنا ، ومواقفنا ، المواقف والأعمال نتيجة لقرار مبني على التطور ، فإذا غاب عنا البعد الزمني للحوادث وقعنا في مشكلة كبيرة ، تعودنا أن ننظر دائماً إلى ما تحت أقدمنا ، ولا ننظر النظرة البعيدة ، وتظهر هذه النظرة في آثار مفجعة ، ونتائجها في أقوالنا ، وأفعالنا ، ومواقفنا ، يعلمنا النبي الكريم عليه أتم الصلاة والتسليم من خلال سنته المطهرة دروساً بليغة في أن نأخذ بالاعتبار البعد الزمني في كل شيء ، فمن تعجل الشيء قبل أوانه أوكل بحرمانه، ومن طبيعة الإنسان أن يكون عجولاً ، لأن الله عز وجل يقول :
﴿ خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ ﴾
فإذا اختار الشيء الآجل ارتقى ، ولو أنه خُلق بفطرة تبحث عن البعيد ، واختار البعيد لا يرقى عند الله ، هذا ضعف في أصل خلقه ، وبه يرقى .
﴿ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولاً ﴾
أيها الأخوة ؛ سبب غياب البعد الزمني والعجلة التي نلاحظها عند كثير من المؤمنين ولا سيما بعد الأحداث هو ضغط الواقع الشديد ، الواقع له ضغط شديد ، وهذا الضغط قد يفقد الإنسان توازنه ، ويعمي بصيرته ، ويدفع لمواقف غير معقولة ، وغير مدروسة ، هذا من ضغط الواقع .
القوانين الإلهية واقعة لا محالة :
أيها الأخوة ؛ عامل آخر لعله من التربية التي تلقيناها : أن طريقة تفكيرنا غرست عندنا أنماطاً ، غرست عندنا النمط المتعجل ، تفكيرنا دائماً بسيط ومحدود ، والعمق من تفكيرنا غائب سواء على المستوى العام أم الخاص ، نحن في أمس الحاجة إلى أن نؤمن أن لكل شيء أواناً ، وعلينا أن نعمل بصمت ، إليكم آيات من كتاب الله :
﴿ وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ ﴾
ماذا يقول الله بهذه الآية ؟ إذا رأوا النبي استهزؤوا واستخفوا به ، ولم يحسنوا قدره ، يقول الله عز وجل :
﴿ خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ ﴾
لا تستعجل ، يقول الله عز وجل :
﴿ أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ ﴾
أتى فعل ماض .
﴿ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ ﴾
أي أنه لم يأتِ بعد ، أي أن القوانين الإلهية واقعة لا محالة ، عدل وجزاء ، وحكم وقضاء من رب العالمين واقع لا محالة ، ينبغي أن نؤمن وكأنها وقد وقعت ، وكأن عدل الله وانتقام الله وجزاءه واقع لا محالة ، ولكن بعد حين .
﴿ أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ ﴾
في آيتين أخريين ربنا يعلمنا كيف نكون من الصابرين ، قال تعالى :
﴿ الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ﴾
ماذا قال الله بعد هذه الآية ؟ قال :
﴿ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ * يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ﴾
إذا نقلت اهتماماتك إلى الآخرة فأنت رابح ورب الكعبة ، ولكن ما بال معظم المسلمين يقينهم في الدنيا وهدفهم الدنيا فإن لم تأتِ كما يتمنون اختل توازنهم ؟!
نماذج من سيرة النبي الكريم تدل على تفاؤله و ثقته بوعد ربه :
إليكم بعض النماذج من سيرة النبي الكريم عليه أتم الصلاة والتسليم ، كيف علمنا النفس الطويل ، وكيف علمنا أن نأخذ البعد الزماني على أوسع مدى ، حينما كان في الطائف ، وكذبه أهل الطائف ، وبالغوا بالإساءة إليه حتى أغروا صبيانهم أن يلحقوا الأذى به عليه الصلاة والسلام ، وكيف أنه التجأ إلى الله جل جلاله ، وقال : يا رب إن لم يكن بك غضب عليّ فلا أبالي ، ولك العتبى حتى ترضى ، لكن عافيتك أوسع لي ، جاء ملك الجبال وقال : يا محمد لو شئت لأطبقت عليهم الأخشبين - أي الجبلين - فقال النبي الكريم - يبدو أن الأمل قد فقد منهم، لكنه عقد الأمل على الجيل الذي يأتي بعدهم - : لعل الله يخرج من أصلابهم من يوحده .
وأنت حينما تفقد الأمل من المسلمين ينبغي أن تعقد الأمل على أبنائهم ، ينبغي أن تعقد على أبناء المسلمين ، كما كنت أقول كثيراً : ينبغي أن نعقد على أبناء المسلمين لأنهم الورقة الرابحة في أيدي المسلمين ، هم المستقبل ، فحينما نعلق على تربية أولادنا ، وغرس العقيدة الصحيحة ، وعلى أن يتخلقوا بخلق المسلمين ، وأن نغذيهم نفسياً ، وفكرياً، واجتماعياً ، التغذية الصحيحة الاجتماعية ، نكون قد عقدنا الأمل عليهم ، على هذا الجيل الذي يأتي بعد هذا الجيل الأول ، لعل الله يخرج من أصلابهم من يوحده .
كان عليه الصلاة والسلام متفائل النظرة ، وينبغي أن يكون المؤمن أيضاً متفائلاً في أصعب الأحوال ، إن كان في حياته خط بياني ، فخطه البياني نزل في أثناء الهجرة إلى النهاية الصغرى ، لأن مئة ناقة وعد بها من يأتي بالنبي حياً أو ميتاً ، وطمع بهذه المئة سراقة ، تبعه سراقة ، فقال له النبي الكريم - وهو في محنة ما بعدها محنة ، مهدور دمه ، ملاحق من قبل خصومه ، من يأتي به يأخذ مئة ناقة ، ثمنها مئة ألف ، مئة ناقة بعشرة ملايين ، جائزة كبيرة جداً - قال : يا سراقة ! كيف بك إذا لبست سواري كسرى ؟ أين كسرى ؟ أي أنا سأصل إلى المدينة ، وسأنشئ دولة ، وأعد جيشاً ، يذهب الجيش لفتح التخوم البعيدة ، وسينتصر هذا الجيش ، ويأتي بكنوز كسرى ، كيف بك يا سراقة إذا لبست سوار كسرى ؟
يا أيها الأخوة ؛ أرأيتم إلى تفاؤل النبي ؟
الآن هذا المشهد كان في حياة النبي ، وفي غزوة الخندق .
﴿ إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً ﴾
الحقيقة الدقيقة كان الإسلام قضية ساعات ويستأصل من جذوره ، حتى أن أحداً مع النبي الكريم يقول : أيعدنا صاحبكم أن تفتح علينا بلاد قيصر وكسرى وأحدنا لا يأمن أن يقضي حاجته ؟ أمر عليه الصلاة والسلام بحفر خندق ، وعرضت لنا صخرة - كما يقول أصحاب النبي الكريم- لا تأخذ فيها المعاول ، فشكونا إلى النبي الكريم ، طبعاً عشرة آلاف جندي مدججون بالسلاح ، جاؤوا ليستأصلوا الإسلام ، وحاصروا المدينة ، وفيها يروي المؤرخون أنه ما اجتمع جيش في الجزيرة كهذا الجيش ، قضية ساعات ، الصخرة عُرضت لم تفتت في أثناء حفر الخندق ، فعن البراء بن عازب قال : أمرنا رسول الله الكريم بحفر خندق ، فعرض علينا ردم صخرة في مكان من الخندق ، لا تأخذ فيها المعاول ، فشكونا إلى النبي الكريم ، فجاء النبي الكريم ، وقال عوف وأحسبه قال : وضع ثوبه ، ثم هبط إلى الصخرة ، فأخذ المعول ، وقال : بسم الله ، فضرب ضربة فكسر ثلث الحجر ، وقال : الله أكبر أعطيت مفاتيح الشام ، والله إني لأبصر قصورها الحمر في مكاني هذا ، ثم قال : بسم الله وضرب أخرى ، فكسر ثلث الحجر ، فقال : الله أكبر أعطيت مفاتيح فارس ، والله إني لأبصر المدائن ، وأبصر قصرها الأبيض في مكاني ، ثم قال : بسم الله ، وضرب الضربة الآخرة فقطع بقية الحجر ، وقال : الله أكبر ، أعطيت مفاتيح اليمن ، والله إني لأبصر أبواب صنعاء في مكاني .
معنى ذلك أن النبي كان متفائلاً جداً ، واليأس ينبغي ألا يتسرب إلى قلوب المؤمنين، ينبغي أن تؤمن أن الله لا يتخلى عن المؤمنين ، لكنه يؤدبهم أحياناً ، ويمتحنهم ، ويضعهم في موقف صعب ، وزاوية ضيقة ، فإما أن يصطلحوا ويتوبوا ، ويقلعوا عن معاصيهم وتقصيرهم ، وإما فالنتيجة معروفة .
هذا مشهد رابع من سيرة النبي الكريم ؛ جاء عدي بن حاتم إلى النبي ، فقال له النبي: يا عدي ، لعله ما يمنعك الدخول في هذا الدين ما كان من حاجتهم ؟ - من فقرهم - والله ليوشكن المال أن يفيض فيهم حتى لا يوجد من يأخذه ، ولعله يا عدي إنما يمنعك من دخول في هذا الدين ما ترى من كثرة عدوهم ، وأيم الله ليوشكن أن تسمع بالقصور البابلية البيض في أرض بابل مفتحة لهم ، ولعله يا عدي إنما يمنعك من الدخول في هذا الدين أنك ترى أن الملك والسلطان في غيرهم ، وأيم الله ليوشكن أنك تسمع بالمرأة البابلية تحج البيت على بعيرها لا تخاف ، وعاش عدي بن حاتم حتى شهد القصور البابلية مفتحة للمسلمين ، ورأى الأمن مستتباً في كل الجزيرة .
النبي كان متفائلاً ، واثقاً بوعد الله ، ولكن وعد الله لا يحقق في ساعات ، أو في أشهر ، ليس هذا من اختصاصنا .
العبرة أن نكون مؤهلين لتحقيق وعد الله :
أيها الأخوة الكرام ؛ حتى الأنبياء ماذا قال ربنا عنهم ؟
﴿ حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ ﴾
سيدنا نوح متى دعا ؟ قال :
﴿ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِراً كَفَّاراً ﴾
أيها الأخوة :
﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ ﴾
سيدنا يوسف كان طفلاً صغيراً .
﴿ إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ * قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾
ما الذي جاء وحدث بعد هذا ؟ دخل عليه أخوته ، وكان عزيز مصر ، وخضعوا له ، وتحققت رؤياه ، وعد الله حق ، والعبرة أن نكون مؤهلين لتحقيق وعد الله بنا .
﴿ وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً ﴾
يجب أن يكون نفس المسلمين طويلاً ، أن يعدوا العدة لأعدائهم إعداداً مدروساً قوياً ، متيناً ، عميقاً ، ويجب أن يربوا أبناءهم ، مسؤولية كل واحد منكم أن يربي أولاده التربية الإيمانية، والعلمية ، والنفسية ، والاجتماعية ، والخلقية ، وأن يعد مواطناً صالحاً ، معطاءً ، مستقيماً ، متوازناً ، هذا الذي أنتم مكلفون به ، وقد يقطف أبناؤنا الثمرة .
فعن أنس بن مالك قال النبي الكريم : " إذا قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة فإن استطاع ألا يقوم حتى يغرسها فليفعل ".
حاجة الأمة إلى نفس طويل وعمل دؤوب وتخطيط بعيد لاستعادة مكانتها :
أخواننا الكرام ؛ ألا ترى رجلاً مكتمل الرجولة ، نشيطاً ، قوياً في مكانٍ مرموق ، ألم يكن طفلاً صغيراً ، لا يستطيع أن يضبط نفسه ، ولا يستطيع أن يأكل إلا عن طريق أمه وأبيه ؟ ألم يكن لا يستطيع أن يتكلم كلمة إلا عن طريق البكاء ؟ كيف أصبح طليق اللسان ؟ قوي البنيان ؟ رفيع الشأن هكذا ؟ لكل شيء أجل ، الواقع الذي نعيشه مؤلم ، الذي يسحق المسلمين ويقض مضاجعهم ليس وليد ساعة أو ساعتين ، ولا شهر أو شهرين ، ولا سنة أو سنتين ، بل وليد قرن أو قرنين ، الوضع الذي نعيشه وليد مئات السنين ، وليس من المقبول أو المعقول أن يصحح في يومين ، لابد من نفس طويل ، وعمل دؤوب ، وتخطيط بعيد ، هذه الأمة أمة محمد عليه الصلاة والسلام ، إن استجابت لقول الله عز وجل :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ﴾
عندئذٍ غدت :
﴿ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾
فإن لم تستجب فهي أمة تعامل كبقية الأمم ، ولا شأن لها عند الله ، حينما يسقط الإنسان من عين الله سقوطه من السماء إلى الأرض أهون من سقوطه من عين الله ، لذلك حينما تسقط أمة من عين الله لانصرافها إلى الدنيا ، ولأكل حقوق بعضها بعضاً ، ولانحرافها عن منهج الله ، وتعلقها بالشهوات ، هذه أمة كما قال الله عز وجل :
﴿ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ ﴾
ليس لكم ميزة ولا درجة ، إن كان هناك معاص وذنوب .
﴿ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ ﴾
على المسلم أن يتمتع بوعي عميق و يهتم بالأولويات :
حينما يغيب البعد الزمني في حياتنا ، حينما نعيش لحظتنا ، وننظر إلى أقدامنا ، ونعيش لإطفاء الحرائق ، وتكون أفعالنا ردود فعل فقط ، فيأتي الفعل فنحتار به ، فنرد رداً عشوائياً
هذا الوضع لا يبشر بخير ، لكن الذي يبشر بالخير أن نعد إعداداً طويلاً ، المهمة الأولى أن ننشئ أولادنا تنشئة إيمانية ، أن نحرص على أخلاقهم ، على عقيدتهم ، على التغذيات التي يتغذونها ، لعلها تغذيات إلحادية أو إباحية من خلال ما يتلقون من الإعلام ، مسؤولية المؤمن من تربية أولاده تبلغ الدرجة القصوى ، لأن مظاهر غياب البعد الزمني نحن نبتعد كثيراً عن أعمال ذات أثر بعيد ، نريد عملاً له أثر قريب ، وهذا خطأ أساسي من أخطائنا، أن نعد إعداداً بعيداً ، مثلاً هذا الفقير الذي تساعده ، تعطيه مبلغاً ، لكن هذا الأمر لا ينتهي ، المحسن قد يفتقر ، لو أنك أنشأت عملاً ، واستوعبت الفقراء ، لانتقلوا من أناس يأخذون الزكاة إلى أناس يدفعون الزكاة ، انقل الإنسان الفقير من مستهلك إلى منتج ، هذا العمل البعيد هو كل أعمالنا الخيرية ، أساسها مساعدات المحسنين ، وهذه مضطربة ، فكل مشاريعنا ليست مستمرة ، الإمداد متقطع وغير ثابت ، لو كان هناك توظيف لثرواتنا ، ومواردنا في مشاريع إنتاجية هذا التفكير الصحيح ينبغي أن نعد العدة لأن أعداءنا أقوياء جداً ، وأذكياء ، وأغنياء ، فلابد من أن نقابلهم بتخطيط ، وذكاء ، وإعداد ، غنينا قد يبادر أحياناً لمساعدة الفقراء ، لكن لا يبادر إلى تنشئة الجيل تنشئة إيمانية ، يحتاج إلى مدارس ، ووسائل ، فقد يبادر إلى إطعام الفقير ، ويتعامى عن تنشئة جيل ، هذا نظر قصير من غياب البعد الزمني ، تغيب الأولويات ، كما أن المسلمين يهتمون بأشياء من الدرجة العاشرة ، والمئة ، ويتغافلون عن أشياء من الدرجة الأولى ، لابد لكل مسلم أن يتمتع بوعي عميق
استيعاب الحق لأن الباطل متعدد جداً :
أخوتنا الكرام ؛ كنت أقول دائماً : إن استيعاب الباطل مستحيل ، لأن الباطل متعدد جداً ، ولا يكفي عمر واحد ولا ألف عمر لاستيعاب الباطل ، أما إذا استوعبنا الحق كنت أنت مع الميزان ، من الذي يستوعب الحق وما ورد في الكتاب والسنة ؟ من الذي يجلس على ركبتيه ليتعلم كلام الله عز وجل ؟ من هذا الذي يراجع كل المعتقدات ويصححها ؟ هذا الذي نقوله أولاً أن نستوعب الحق ، فإذا استوعبناه تمايز عندنا الباطل من الحق ، وإذا بدأت بالباطل ينتهي العمر كله ، ولا ننتهي من الباطل .
مراجعة النفس و التوبة إلى الله :
كنت أقول : إن ما يطبع باليوم الواحد بلغة واحدة لا تستطيع أن تقرأه بمئتي عام ، لكن القرآن الكريم وسنة النبي الكريم هما الكتابان المقرران اللذان سوف نمتحن بهما ، هذا الذي ينبغي أن ننصرف إليه ، واليوم هذا الفيروس الذي جعل الحياة ابتلاءً للبشرية نحن المسلمين لابد من أن نتفاءل بزواله ، ونتخذ الأسباب الصحيحة ، وأن نتوب إلى الله عز وجل ، وأن نراجع أنفسنا .