وضع داكن
19-04-2024
Logo
حياة المسلم 2 - إذاعة حياة إف إم - مدارج السالكين : الحلقة 47 - بين الدعوة والدنيا
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

المذيع:
  شيخنا الكريم فضيلة الداعية محمد راتب النابلسي مرحباً بكم.
الدكتور راتب :
 بارك الله بكم، ونفع بكم، وأعلى قدركم.
المذيع:
 اللهم آمين يا رب العالمين، شيخنا الحبيب نتحدث اليوم في عنوان مهم جداً يدمج ما بين الدنيا والآخرة، عنوان حلقتنا لهذا اليوم بين الدنيا والدعوة، هل يمكن أن يعيش الإنسان حياته الدعوية مع الله سبحانه وتعالى، وأيضاً أن يعيش منافع هذه الدنيا وأموالها، أم أن هنالك تعارض بين الدعوة وبين الدنيا، هذا هو موضوعنا، نبدأ حلقتنا بقول الخالق سبحانه وتعالى، بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:

﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ﴾

[ سورة القصص: 77]

 نوضح دكتورنا في البداية منطلق هل يمكن للإنسان أن يعيش الدنيا بمكاسبها المادية، وأن يعيش حياته الدعوية فيبتغي ما عند الله، أم أن هنالك تعارض؟

 

عادات المؤمن عبادات :

الدكتور راتب :
 هذا الأصل، لأن الحقيقة أن الإيمان منظومة متكاملة متوازنة، في الأصل الإنسان يكسب رزقه، وكل إنسان يدعو إلى الله، الدعوة عمل صالح، والدعوة قربة إلى الله، والدعوة تألق لكن ذلك لا يمنع أن يكون تاجراً، صحابة كبار كانوا تجار، صحابة أعلام، سيدنا الصديق كان تاجر، وكذلك بعض الصحابة الكبار.
 الحقيقة هناك كلمة دقيقة جداً قد أفاجئ بها الأخوة المستمعين: إذا إنسان دخل جامعة فيها ندوة راقية، فيها حدائق، فيها مكتبة، فيها أصدقاء، لكنه ما درس، نقول له: لا تنس نصيبك من الجامعة؛ الدراسة، الأصل فيها الدراسة، الأصل أن تأخذ شهادة دكتوراه، أما إذا اهتم بمظهره اهتماماً بالغاً، واهتم بالجلوس في الحديقة، واهتم بالمطعم، واهتم بالأناقة، واهتم بسيارته، ونسي علة وجوده في الجامعة؛ وهي الدراسة، هذا المعنى حقيقة قليل الطرح.

﴿ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ﴾

[ سورة القصص: 77]

 الله جاء بك إلى الدنيا كي تعرفه وتعرف منهجه
الله عز وجل جاء بك إلى الدنيا كي تعرف الله، وكي تعرف منهجه، وكي تعبده، وكي تصل بهذه العبادة إلى سلامةٍ وسعادة في الدنيا وجنة في الآخرة، نحن ما عندنا فصل، الفصل شكلي، والفصل يسمونه الدراسي فقط، عادات المؤمن عبادات، تزوج عبادة، أنجب عبادة، ربى أولاده عبادة، درسهم دراسة عالية عبادة، تابع أخلاقهم عبادة، أحضر طعاماً لأهله عبادة، احتفل مثلاً بمناسبة دينية عبادة، الحياة كُل متكامل، لكن نحن فصلنا، يسمى هذا الفصل مدرسياً أحياناً أما القضية فمتكاملة، أما مثلاً أنت أمام أسرة تحتاج إلى طعام، فالعمل عبادة، كلمة دقيقة عادات المؤمن عبادات، بحث عن عمل تجاري، اشترى بضاعة، سافر وباعها، ربح، ربّى أولاده، أطعم أولاده وزوجته، هيأ لهم دراسة عالية، مستقبلاً مشرقاً، فالحياة كُل متكامل، نحن نفصل أحياناً فصلاً مدرسياً أو أكاديمياً، أما:

﴿ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ ﴾

[ سورة القصص: 77]

 هناك فهم عميق لهذه الآية، علة وجودك في الدنيا.
المذيع:
 هل يمكن أن نشرح هذه الآية الكريمة دكتور، حتى يتضح المعنى للناس؟

 

أعمالنا الصالحة هي ثمن مفتاح الجنة :

الدكتور راتب :
 لماذا خُلق الإنسان في الأصل؟

﴿ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ﴾

[ سورة هود: 119]

 العمل الصالح والإيمان مفتاح الجنة
خلقهم ليرحمهم، لكن أين؟ في جنة عرضها السماوات والأرض إلى أبد الآبدين.

(( فيها ما لا عين رأتْ، ولا أذن سمعتْ، ولا خطَر على قلبِ بَشَرْ ))

[متفق عليه عن أبي هريرة]

 ولكن جيء بهم إلى الدنيا ليدفعوا ثمن الجنة، والأصح من ذلك ليدفعوا ثمن مفتاح الجنة، مثلاً قصر كلف مئات الملايين، مع ثلاث سيارات، مع حدائق، مع أشياء تفوق حد الخيال، هذا دفع ثمنه مستحيل فوق طاقة أي إنسان في الأرض، جاء الله بنا إلى الدنيا لدفع ثمن مفتاح الجنة، المفتاح هو العمل الصالح، هذا القصر ليس ثمنه ألف ليرة، الألف ثمن المفتاح فقط.
المذيع:
 أعمالنا الصالحة ليست ثمناً للجنة؟
الدكتور راتب :
 أبداً مستحيل.
المذيع:
 وإنما مجلبةٌ للرحمة.
الدكتور راتب :
 هي ثمن مفتاح الجنة.

﴿ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾

[ سورة النحل: 32]

 باء السبب، بسبب العمل الصالح الذي يصلح للعرض على الله، ومتى يصلح؟ إذا كان خالصاً وصواباً، خالصاً؛ ما ابتغي به وجه الله، وصواباً؛ ما وافق المنهج.
المذيع:
 شيخنا هذه الآية.

 

الإسلام منهج مصمم من قبل الخالق الخبير :

الدكتور راتب :
 مثلاً ليكون الكلام دقيقاً، عندك عمل يحتاج لدوام، عندك وظيفة، عندك تجارة، عندك سفر مثلاً، وعندك صلاة، خمس صلوات، وصوم، وحج، وزكاة، فهو منهج مصمم من قبل الخالق الخبير أي يجمع بين أن تعبده عبادة شعائرية، وأن تعبده عبادة تعاملية في كل حياتك، وأن تعيش لأسرتك أيضاً.
المذيع:
 وهل هذه أيضاً عبادة؟
الدكتور راتب :
 عبادة.
المذيع:
 إذاً أنت تعبده في العبادات الشعائرية، وتعبده في حسن التعامل مع الناس العبادات التعاملية، وتعبده في اهتمامك بنفسك ومصالحك أيضاً؟
الدكتور راتب :
 طبعاً! هذه أول عبادة.
المذيع:
 مصلحتي، عملي.

الأبوة مرتبة عالية جداً :

الدكتور راتب :
 لقمةٌ تضعها في فم زوجتك، خير لقمة، من لها غيرك؟ لي كلمة أقولها للأخوة المستمعين والمشاهدين: الآخرون أنت لهم وغيرك لهم، أما أولادك من لهم غيرك؟ من لهم ليرعاهم إلا أنت؟ من لهم ليحاسبهم إلا أنت؟ من لهم ليتابع دراستهم إلا أنت؟ أخلاقهم، وأمور حياتهم، الأبوة مرتبة عالية جداً.
المذيع:
 الأبوة مرتبة عالية
شيخنا نعود مع فضيلتك.
الدكتور راتب :
 لا، قبل ذلك:

﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ﴾

[ سورة الطور:21]

 أجمل تفسير لهذه الآية، قال علماء التفسير: ألحقنا بهم أعمال ذريتهم، مثلاً إنسان أنجب بنتاً صالحة حجبها، زوجها لإنسان صالح، هذه الأسرة هي إلى يوم القيامة في صحيفته.

﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ﴾

[ سورة الطور:21]

 قال علماء التفسير: ألحقنا بهم أعمال ذريتهم.
المذيع:
 صدقة جارية، سبحان الله! شيخنا الآية السابعة والسبعون من سورة القصص.

﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ﴾

[ سورة القصص: 77]

 الآية تتحدث عن الدار الآخرة في بدايتها ومن ثم عن الدنيا، ممكن أن نفسرها ونوضحها حتى نفهم ما المقصود؟

 

على الإنسان أن يسعى لأن يبني أعمالاً صالحة تنفعه في الدار الآخرة :

الدكتور راتب :
 الدار الآخرة تحتاج إلى صدقات، إلى إنفاق، تحتاج إلى بر والدين، تحتاج إلى بر الأسرة، هذا يحتاج إلى مال، أنت مفتقر إلى طعام لك ولأهلك، ومفتقر إلى ثمن الطعام، ما صفات الأنبياء وهم بشر؟ وصف رائع جداً كانوا:

﴿ يَأْكُلُ الطَّعَامَ ﴾

[ سورة الفرقان: 7]

 ماذا تعني هذه الكلمة؟ طبعاً يأكلون هم ليسوا آلهة، مفتقرون في وجودهم إلى الطعام هذا لا يكفي، ومفتقرون إلى ثمن الطعام، إذاً هناك عمل.

﴿ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ ﴾

[ سورة الفرقان: 7]

 هم مفتقرون في وجودهم لأنهم بشر إلى تناول الطعام، ومفتقرون إلى ثمن الطعام، إذاً يمشون في ذا شأن البشر، أما الله عز وجل فأحدٌ صمد، وجوده ذاتي.
المذيع:
 سبحان الله! إذاً.

﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ﴾

[ سورة القصص: 77]

 أي على الإنسان أن يسعى لأن يبني أعمالاً صالحة تنفعه في الدار الآخرة.
الدكتور راتب :
 ومنها الزواج، تربية الأولاد، تعليم الأولاد.
المذيع:
 هل هذا ما يفهم دكتور.

﴿ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ﴾

[ سورة القصص: 77]

على الإنسان ألا ينسى الوسائل الهامة لتحقيق عمله في الآخرة :

الدكتور راتب :
 معنى الآية كأن الإسلام ما أراد أن تكون في صومعة، أن تكون بعيداً عن المجتمع، بل أن تكسب الأعمال الصالحة وأنت مع الناس، وأنت مع أسرة، مع والدين، مع أقارب، مع أصدقاء، بعمل تجاري، بعمل صناعي.
المذيع:
 شيخنا السؤال الدقيق.

﴿ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ﴾

[ سورة القصص: 77]

 ما هو النصيب الذي علينا ألا ننساه من الدنيا؟
الدكتور راتب :
 الوسائل التي لا بد منها لتحقيق عملك في الآخرة، منها الزواج، تربية الأولاد.
المذيع:
 ألا يقصد فيها المصالح الدنيوية البحتة دكتور، يعني أن تعمل ليكون لك منصباً كبيراً، وبيتاً كبيراً، وشهادة.
الدكتور راتب :
 هذا السؤال حمال أوجه، إذا أردت أن تعتبر الحياة متكاملة، المؤمن حياته متكاملة، الهدف الأول الآخرة، لكن الآخرة تحتاج منه أن يربي من؟ يربي أولاد، من أين يأتي الأولاد؟ يجب أن يتزوج، الزواج يحتاج نفقات، أين سيسكن؟ في بيت، يحتاج ثمن بيت، كُل متكامل.
المذيع:
 دائرة متكاملة، الله يفتح عليكم دكتور.

 

مؤذن وإمام المسجد المتفرغ للدعوة ينال نصيبه من الأجر المالي :

الدكتور راتب :
 ويسمى فصلاً مدرسياً.
المذيع:
 سنستأذن فضيلتكم شيخنا الكريم إلى فاصل قصير ونعود من بعده، وسنطرح عدة تساؤلات عليكم شيخنا هل يمكن للإنسان أن يدمج ما بين الدعوة والمكاسب الدنيوية؟ هل لإمام المسجد أن يكون قدوةً وإماماً وأن يتقاضى مالاً؟ هل الداعية أن يكون له نصيب مالي وأن يكون له دعوة؟ هذه الأسئلة وأكثر نطرحها على فضيلة العلامة الدكتور محمد راتب النابلسي، من بعدها بحول الله تعالى نعود فابقوا بالقرب. شيخنا الكريم مرحباً بفضيلتكم من جديد.
الدكتور راتب :
 بارك الله بكم.
المذيع:
 بين الدعوة والدنيا عنوان نقاشنا لهذا اليوم، شيخنا قبل الفاصل كنا قد طرحنا مجموعة من التساؤلات على فضيلتكم، هل يمكن للإنسان أن يدمج في آنٍ واحد بين دعوته وبين حصوله على المصالح الدنيوية؟ وأضرب هنا مثالاً: إمام المسجد هو إمامٌ للناس، وهو إمامٌ للمتقين، وهو الذي يعطيهم من العلم ما فتح الله عليه، يؤمهم في الصلاة، لكن أن يتقاضى مبلغاً من المال؟
الدكتور راتب :
 نريد أن نفرق بين المتفرغ وبين الذي يعمل حسبةً، هناك متفرغ مؤذن، إمام، خمس أوقات في اليوم هذا متفرغ، ينال نصيبه من الأجر كما يشرب حليب أمه، حلال.
المذيع:
 من الأجر المالي.

الفرق بين المتطوع و المتفرغ :

الدكتور راتب :
 حلال زلال، من أين يعيش؟
المذيع:
 لأنه تفرغ لإمامته ولعلمه.
الدكتور راتب :
 تفرغ كامل، المؤذن، والإمام، والخطيب هؤلاء ما دام تفرغوا ينالون أجورهم أحل من حليب أمهم، أما إنسان متطوع، وله دخل كبير لِمَ يأخذ؟ هناك فرق بين المتطوع وبين المتفرغ.
المذيع:
 هل أئمتنا من الصالحين الذين كان يضربون بحثاً عن الحديث وعن الفقه، هل هؤلاء الذين لم يعرف يوماً دكتور أنهم أخذوا قرشاً، هل كان هنالك من يغطي نفقاتهم ونفقات عائلتهم؟
الدكتور راتب :
 أغلب الظن هناك من يغطي لهم، أو لهم تجارات ليسوا عليها مباشرةً، أولادهم، أقرباؤهم.
المذيع:
 تغطي نفقتهم، أو هنالك أوقاف إسلامية أوقفت لدعم طلبة العلم، وهؤلاء من أهل العلم في هذا الجانب، جميل.
 شيخنا الكريم الآن عندنا أسئلة في بعض التفاصيل ننتقل مثلاً دكتورنا إلى ما كان في القرآن الكريم عن الحج، في قوله تعالى:

﴿ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ ﴾

[ سورة الحج: 28]

 هل يمكن للإنسان أن يدمج بين دعوته وحجه، وبين تجارته والمنافع الدنيوية في موسم الحج؟

 

لا تعارض بين الدعوة وبين الدنيا :

الدكتور راتب :
 لا يمنع، لا يوجد نص يمنع، أنت عندك تجارة في السعودية مثلاً، وأنت تريد الحج، أوقات الحج تفرغ كامل لله عز وجل، بعدما حججت تابعت تجارتك لا يوجد مشكلة.
المذيع:
 إذاً الإخلاص لله ليس معناه دكتور أنه الإنسان ينقطع عن الدنيا؟
الدكتور راتب :
 لا أبداً.
المذيع:
 أنت كما تفضلت في أيام الحج تفرغ لحجك، بعد الحج لا يوجد مانع بذات المكان أن تكون تاجراً.
الدكتور راتب :
 جاءته تجارة مع السعودية تابع زبائنه بمكة وبجدة، وقبض منهم، وأعطاهم مساطر جديدة، ما المانع؟
المذيع:
 جميل، فإذاً لا تعارض بين الدعوة وبين الدنيا؟
الدكتور راتب :
 لا أبداً.
المذيع:
 شيخنا الكريم سأسأل فضيلتكم وسأكون صريحاً نوعاً ما، بعض الأشخاص الذين يشترطون لإيصال دعوتهم مبالغ من المال، مثلاً محاضرة يعطيها، يقول: إذا لم أعطَ هذا الرقم من المال لا أقدم هذه المحاضرة، تعليق فضيلتكم.

هدف الداعية أن يحقق مكاسب كبيرة عند الله ويترك أثراً في الناس :

الدكتور راتب :
 أنا لا أرتاح لهذا الطلب، أبعدني عنه، حلال وحرام، أنا لا أرتاح لهذا الطلب، هدفي الأول الدعوة، أدعو إلى الله، وأحقق عند الله مكاسب كبيرة، وأترك أثراً في الناس.
المذيع:
 لكن لا تشترط المال.
الدكتور راتب :
 إذا إنسان نزل من عينه دمعة في محاضرتي أخذت الأجر، دمعة وحدة، أثرت فيه أقنعته بالدين، هذا أكبر أجر.
المذيع:
 لكن لا تشترط المال؟
الدكتور راتب :
 لا أبداً، في حياتي ما اشترطت.
المذيع:
 أنا أسأل بالعموم وليس عن شخص حضرتكم الكريم دكتورنا الحبيب دكتور محمد.
 شيخنا لو لم يشترط الداعية المال ماذا لو أُعطي، يعني ذهب إلى مكانٍ ما فأهل المسجد أو المركز الإسلامي قدموا له هديةً.
الدكتور راتب :
 أجل سيدي! إذا كان بحاجة له أخذه، ليس بحاجة أعطاه، لأني تملكت المال، تملكته إذا كان حولي أقارب فقراء أعطيهم، إما أنفقه على حاجاتي الأساسية، أو أعطيه لمن حولي.
المذيع:
 جميل، إذاً الفكرة دكتور هنالك عالمٌ أو داعيةٌ متفرغٌ لدعوته فهذا يستحق مبلغاً من المال.

المال الذي يُعطى للداعية إن كان بحاجة له استهلكه وإلا أنفقه على من حوله :

الدكتور راتب :
 هذا أجره كحليب أمه، لأنه متفرغ.
المذيع:
 جميل، وهنالك من يقدم هذا العمل تطوعي لله، وله تجارة أخرى وهذا ما تدعو له فضيلتك.
الدكتور راتب :
 فإذا أعطي هذا المبلغ إذا بحاجة له استهلكه بحاجته.
المذيع:
 هو حلال؟
الدكتور راتب :
 حلال طبعاً، ما دام هبة.
المذيع:
 وإذا أراد أن يتصدق به.
الدكتور راتب :
 ما دام أوهب هذا العمل، أو أعطي أجر هذا العمل، أخذ مبلغاً إن كان بحاجة له استهلكه حلال، ليس بحاجة له أنفقه على من حوله.
المذيع:
 أو يرده للمؤسسة التي قدمته، يرفض استلامه.

الداعية هو أكبر رابح عند الله :

الدكتور راتب :
 المؤسسة إن كان دفعته ضمن برنامجها الاقتصادي لا مشكلة إن أخذه.
المذيع:
 أنت الرابح الأكبر إن اهتدى أحد على يديك
الله يفتح عليكم يا رب العالمين، كلام طيب وكلام جميل شيخنا الحبيب، وإن شاء الله ربنا سبحانه وتعالى يفتح عليك يا شيخ، هذا الشيء، لكن رأي فضيلتكم شيخنا من يشترط لإيصال دعوته أو علمه أو درسه للناس، فيشترط على الآخرين اشتراطاً أن يحصل مبلغاً من المال، وإلا لا يقدم دعوة، هنا في خلل.
الدكتور راتب :
 إذا ابتعدت عن الأحكام الشرعية الدقيقة لا أرتاح لهذا إطلاقاً، ولا أصدق أن أحداً من الدعاة مخلصاً يفعلها.
المذيع:
 نعم، في المقابل دكتور قد تأتي الأطماع.
الدكتور راتب :
 أنا يسمح لي أن أخاطب عشرة آلاف إنسان، إذا أثرت بمئة أنا أكبر رابح عند الله، وما أعطوني شيئاً، سُمح لي أن أخاطب ألف إنسان بقاعة، لم يعطوني قرشاً واحداً، لكن تمكنت أن أقنع عشرة في المئة بالدين وعظمته، أنا أكبر رابح عند الله.
المذيع:
 أحياناً دكتور يستغل الداعية، لأنه لا يأخذ مبلغاً من المال فيؤتى به إلى بلدٍ ما، ويقومون بمحاضرات ويحصلون على تمويل وبيع تذاكر، وباسمه يجنون الأموال، وهو لله.
الدكتور راتب :
 هذا أجاب عنه سيدنا عمر: لستُ بالخَب ولا الخُب يخدعني.
المذيع:
 معناه؟

الابتعاد عن المتاجرة بالدين :

الدكتور راتب :
 لستُ من السذاجة بحيث أُخدع، ولا من الخبث بحيث أَخدع، موقف دقيق جداً، لستُ من السذاجة بحيث أُخدع، ولا من الخبثُ بحيث أَخدع، أما أن يتاح لي أن أخاطب آلاف الأشخاص بخطاب ديني صحيح، مركز، معتمد على أدلة صحيحة، أن أقنع الآخرين بالدين ولأنك ما أخذت المبلغ الذي تريده تعتذر، أنا أعتقد لا يفعلها إنسان صادق في دعوته.
المذيع:
 إذاً أنت بالنسبة لك دكتور الداعية عليه ألا يأخذ شيئاً، إن قُدمت له هبة دون اتفاقٍ ولا اشتراطٍ فهي حلالٌ له، جميل.
 شيخنا في العبارة التي تنسب للإمام الشافعي: لئن أرتزق بالرقص خيرٌ لي من أرتزق بالدين، ما المقصود فيها في ظل هذا السياق؟
الدكتور راتب :
 هو إذا اتخذ الدين أداة رزق، وكلامي دقيق.
المذيع:
 بمثال دكتور حتى توضح.
الدكتور راتب :
 طُلب منه أن يلقي محاضرة بخلاف قناعاته لشيء غير صحيح، بمبلغ كبير، ارتزق بالدين، طُلب منه إلقاء محاضرة بمشروعية أشياء محرمة أعطها فتوى، هو الآن تاجر بالدين.
المذيع:
 هنا نتحدث عن حرام دكتور، يبيع دينه.
الدكتور راتب :
 طبعاً.
المذيع:
 ليس المقصود فيها أن أرتزق بالدين؟
الدكتور راتب :
 ليس بهذا المعنى أنت طُلب منك أن تلقي موضوعاً بشيء شائع ومربح للدولة، لكن ليس له تغطية شرعية.
المذيع:
 مثلاً كأن يبيح ربا البنوك، هنا يصبح خلل.
الدكتور راتب :
 سيدي شخصية كبيرة جداً اعتبر أن الربا مكافأة من الدولة، بأعلى منصب ديني في البلد، مكافأة من الدولة أنت قدمتها قرض للدولة وهي كافأتك، وهو على فراش الموت حضر عالم من علماء الشام موته، رفع يديه إلى الأعلى وقال: يا رب أنا بريء من فتاوى المصارف لكن كلامه لا يفيد، لا ليس بريئاً، أنا بريء أمام عالم في الشام، توفي رحمه الله، سمعتها من فمه إلى أذني، حضر وفاة عالم كبير في مصر قال له: يا رب أنا بريء من فتاوى المصارف، لكنه كلام لا معنى له إطلاقاً، بعدما أفتى فيها، وعندما أفتى فيها أحدث هزة دينية في العالم كله.
المذيع:
 لا حول ولا قوة إلا بالله، كلام واضح.
 نستأذنك شيخنا بفتح الباب لاستقبال مجموعة من مشاركات واستفسارات مستمعينا الكرام، أبو معن معنا باتصال هاتفي تفضل.
الدكتور راتب :
 دقيقة لو سمحت.
المذيع:
 تفضل دكتور طبعاً.

مزلقان كبيران في الدين هما الفتاوى والتأويل :

الدكتور راتب :
 عندنا مصدران كبيران في الدين، النصوص ثابتة، القرآن ثابت، النصوص ثابتة كلها، التأويلات كلها ثابتة، يوجد مزلقان كبيران في الدين هما الفتاوى والتأويل، أعداء الدين أرادوا أن يعطلوا قيمته إما بالفتاوى أو بالتأويلات الباطلة.
المذيع:
 للتوضيح دكتور مثال.
الدكتور راتب :
 يعني:

التأويلات الباطلة تهدف لهدم الدين من الداخل

﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ﴾

[ سورة الكهف: 46]

 إنسان مبتدع، أعطى تفاسير مذهلة، الحجاب للمرأة ثيابها الداخلية فقط، وكلامه رائج الآن، الحجاب ثياب داخلية، شيء لا يحتمل، لذلك سيدي عندما العالم أيقن أن الدين لا يلغى، عمد العالم الذكي المتآمر إلى تفجيره من الداخل، باصطناع علماء يتكلمون لا قناعتهم بل الأجندة التي يطبقونها، عندما يتكلم إنسان كلمة خلاف الواقع، خلاف البديهيات، خلاف المسلمات يكون قد قبض مبلغاً ضخماً جداً عليها حتى قالها، هذا إذاً أصبح عميلاً، أو شريكاً، أو إنساناً معه أجندة يطبقها.
المذيع:
 الله المستعان، الله يفتح عليكم يا دكتور، أبو معن معنا بمشاركة هاتفية تفضل.

 

أسئلة المستمعين :

المستمع:
 السلام عليكم، دكتور معن.
المذيع:
 دكتور معن حياك الله أهلاً وسهلاً، أهلاً يا دكتور حياك الله، تفضل يا دكتور بسؤالك.
المستمع:
 والله أنا بالنسبة لي أول شيء أجمل تحياتي للدكتور العلامة المخضرم الدكتور محمد راتب النابلسي، ومقدم البرنامج أيضاً أخي وحبيبي الشيخ نديم حسن.
المذيع:،
 أطال الله عمرك يا دكتور لكن حتى نكسب الوقت، تفضل بسؤالك دكتور.
المستمع:
 إني أحبكم في الله، والله أنا بالنسبة لي أنا أتكلم عن الدعوة الإسلامية، طبعاً الدعوة الإسلامية هي طريق النجاح من أجل نشر الدعوة الإسلامية سؤالي للدكتور محمد راتب النابلسي: ما هي الأساليب التي نلجأ إليها من أجل الدعوة الإسلامية؟ ما أساليب الدعوة الإسلامية؟
المذيع:
 سؤال واضح تماماً شكراً جزيلاً لك يا دكتور، دكتورنا الكريم إذا أمكن نريد من فضيلتكم الإجابة؟

أساليب الدعوة الإسلامية :

الدكتور راتب :
 الأساليب أن تنطق بكلام معتمد على الكتاب والسنة، وما تعارف عليه العلماء أنه من الدين هذا أسلوب، والمعاملة دعوة، الصادق صدقه دعوة، والأمين داعية بأمانته، والذي يبين حقيقة المستهلك إن كان فيه مشكلة مثلاً، أن يخبر المستهلك أن الذي كتب عليه لا ينطبق على مضمونه، نصحه.

((الدِّينُ النصيحة))

[الترمذي عن أبي هريرة]

 يوجد أشياء لها ظاهر فخم جداً، لكن مضمونها خلاف ظاهرها، هذه قضية تجارية، لو قال لك أحدهم انصحني أقول له: هذه المادة غير صحيحة، مادة مسرطنة.

(( الدِّينُ النصيحة ))

[الترمذي عن أبي هريرة]

المذيع:
 الله يفتح عليكم يا دكتور، شيخنا في موضوعنا لهذا اليوم وحديثنا بين الدعوة والدنيا في قضية، وأنطلق للسؤال فيها من قول النبي صلي الله عليه وسلم:

(( من كتم علماً ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار ))

[ابن حبان والحاكم عن عبد الله بن عمرو بن العاص]

 أنا دكتور إذا كان لي مؤلف أو وصلت إلى نظرية فأنا حريص على أن أحتفظ فيها من خلال توثيق حقوقها، ونشرها في كتاب، أو طريقة مرئية، ومردودها المالي لي، هل هذا لجمٌ لهذا العلم، أم حفاظٌ على الحقوق المادية؟
الدكتور راتب :
 لا، لو أنت أردت نشر هذا الحق وتقاضيت عليه أجراً لا مشكلة إطلاقاً، لو بإمكانك أن تقنع الملايين بهذا الكتاب، لأنك ما تقاضيت عليه المبلغ الذي تتمناه، فلم تنشره هنا المشكلة.
المذيع:
 نوضحها أكثر سيدنا.

 

مفهوم كتم العلم :

الدكتور راتب :
 كلامي دقيق، أنت عندك كتاب مؤلف فيه حقائق مهمة جداً يحل بها بعض مشكلات الناس.
المذيع:
 سواء دينية أو دنيوية؟
الدكتور راتب :
 لا أنا أتكلم الآن عن الدينية، فإذا أنت ما تقاضيت على المؤلف المبلغ الذي تطمح به فلم تنشره إطلاقاً وكتمت هذا العلم عن الناس هنا المشكلة.
المذيع:
 أما لو نشرته على شكل كتاب وجاءني ربح من هذا الكتاب؟
الدكتور راتب :
 لا مانع، أما ألا تنشره لأنك لم تأخذ المبلغ الذي تتمناه، حجبت هذا العلم عن الناس، هذا هو كتم العلم.
المذيع:
 لكن لا يقدم هذا الكتاب إلا لمن يدفع ثمنه مالياً دكتور؟
الدكتور راتب :
 لا مانع.
المذيع:
 لا يعتبر لجماً للعلم؟
الدكتور راتب :
 لا أبداً.
المذيع:
 لأنه متاح، والمبلغ المالي مردود مقابل التعب والتحصيل العلمي الذي تعبت فيه.

حكم حقوق البيع والنشر :

الدكتور راتب :
 الآن ممكن تصوير الكتاب، أنا أقول: أنا ألفت كتاباً وتم بيعه، وإنسان ليس معه ثمنه فصوره هذا ممكن.
المذيع:
 هذا دكتور فيه.
الدكتور راتب :
 أو استعاره ممكن.
المذيع:
 وقد يكون فيه أخذ لحقوق الجهة التي نشرته.
الدكتور راتب :
 والله سيدي أنا لي كلمة أقولها بكل مؤلفاتي، ويصعب تصديقها: حقوق الطبع غير محفوظة، خذ ما شئت وانشر ما شئت، أحتسب هذا عند الله، والله مكتوب حقوق الطبع غير محفوظة.
المذيع:
 هل هذا السبب لعدم توفيق الدكتور محمد راتب النابلسي لقناة حصرية له على مواقع كبيرة مثل اليوتيوب دكتور، يعني عشرات القنوات تنشر دروس لحضرتك.
الدكتور راتب :
 والله مجاناً، ثلاث وسبعون قناة تأخذ دروسي، إلا إذا نشروا شيئاً أنا ما قلته هنا أوقفها، أنا معي حصر باليوتيوب والفيس بوك، معي حصر، هذا عليه إشارتين، لقد عملتها وكلفتني مبلغاً فلكياً، ما دام ينشر من كتبي لا أقول له شيئاً.
المذيع:
 حتى لو استفاد منها.

تشريع التعامل مع أهل الكتاب :

الدكتور راتب :
 ثلاث وسبعون محطة تنشر دروسي، أحدهم وضع أشياء لا ترضي الله ونسبها لي هذا أوقفه، واضحة تماماً.
المذيع:
 عدا ذلك لو نشرها واستفاد مالياً منها؟
الدكتور راتب :
 لا مشكلة، ولا أطالب بشيء، ما دام يوجد نشر صحيح، لا أريد شيئاً.
المذيع:
 الله يفتح عليكم يا دكتور، نسرين معنا باتصال جديد تفضلي يا أختي.
المستمعة:
 يعطيك العافية، سؤالي عن الدعوة للدكتور محمد: الإنسان يكون هو داعية بتصرفاته أحياناً طبعاً، فإذا كان الإنسان مثلاً يعمل في مجتمع كله أناس من ديانة ثانية بغض النظر لا نريد أن نتكلم عن الديانات، الآن هو يتعامل معهم وهو يعرف تشددهم في دينهم، وهو طبعاً من المستحيل أن يستفيدوا منه بشيء بالعكس دائماً يتهكموا عليه دائماً يضعوه بمواضيع سخرية، أو مثلاً يقوموا بأي تصرف يضايقه، ودائماً ينتقدوه، هل هو إذا تصرف مثلاً لا أقول بتكبر بل أظهر للمحيطين به أن دينه أعلى من كل شيء، وما رضي أن يجاملهم في بعض الأشياء التي تخالف دينه، هل عليه ذنب، كيف يكون هذا الشيء؟
المذيع:
 شكراً لك أخت نسرين نقطة مهمة.
الدكتور راتب :
 النبي الكريم رهن درعه عند غير مسلم، علماً أنه يوجد بين الصحابة أناس معهم ملايين يعطوه روحهم، لمَ فعل هذا؟ ليشرع التعامل مع أهل الكتاب، رهن درعه عند غير مسلم، وعنده صحابة لو طلب مليوناً يعطونه ويتمنوا، لِمَ فعل هذا؟ لأنه مشرع، بهذا العمل شرع التعامل مع أهل الكتاب، هذه هي الحكمة.
المذيع:
 في السؤال الذي طرحته الأخت نسرين دكتور لو كان إنسان بين بيئة غالبيتهم غير مسلمين وينتقصوا قليلاً من شأن هذا الإنسان المسلم، فلو أشعرهم بأنه هو ودينه متفوق عليهم هل في هذا خلل؟

على المؤمن أن يعرف الشرين ويفرق بينهما ويختار أهونهما :

الدكتور راتب :

﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ ﴾

[ سورة النحل: 125]

 خيركم من عرف الشرين واختار أهونهما
إذا صرح أن دينكم غير صحيح، ونشأت فتنة طائفية، يجب أن تأخذ كلمة سيدنا عمر المذهلة: ليس بخيركم من عرف الخير، ولا من عرف الشر، ولكن من عرف الشرين وفرق بينهما، واختار أهونهما.
 إذا هو وبخهم على دينهم، ونشأ تحزب ديني غير متوازن، وقاموا بمهاجمته، وآذوه يكون ما فعل خيراً، ما دام من الممكن أن ينصحهم، وتقبل نصيحته، ينصحهم.
المذيع:
 جميل، لو تفوق عليهم دكتور في المنصب، في المال، ونسب هذا التفوق وهذا التميز لدينه، هل هناك خلل في مثل هذا التصرف؟
الدكتور راتب :
 لا؛ ممكن أن ينسبه لدينه بشكل أو بآخر، أحياناً يسافر إنسان لأوروبا فيجدوه أميناً بشكل غير معقول، ومتقناً لعمله، هذا مما يمليه عليّ ديني، لا شيء فيها أن تعزو نجاحك، وإتقان عملك، واستقامتك، أحياناً الشاري جاهل، هل تطلب منه مئة ألف؟ تقول له: لا أريد غير خمس ليرات، هذا سعرها، يوجد حالات كهذه.
المذيع:
 يقول له: أنا ديني علمني أن أكون أميناً، هذا ليس فيه إساءة للطرف الآخر؟

 

امتهان الدعوة يجوز شرعاً ولا خلل فيه :

الدكتور راتب :
 بالعكس دعاه إلى دينه.
المذيع:
 الله يفتح عليكم يا دكتور، سنستأذن فضيلتكم شيخنا الكريم ومستمعينا إلى فاصل قصير، ومن بعده نعود لنواصل هذه الحلقة الإذاعية مع فضيلة العلامة الدكتور محمد راتب النابلسي، ونقاشنا بها تحت عنوان بين الدعوة والدنيا.
 رائد تفضل أخي باتصال جديد.
المستمع:
 السلام عليكم، أريد أن أسأل عدة أسئلة لو سمحتم، يعني هل يجوز امتهان الدعوة والتكسب منها؟ وهل إذا أخذ أجره الداعية في الدنيا ينتقص من أجره في الآخرة؟ وهل يجب على المسلم أن يكون ملماً بجميع أمور دينه حتى يكون داعية في سبيل الله؟ وهل ترتيب الخروج في سبيل الله مع رجال التبليغ بدعة؟
المذيع:
 سنجيبك على الأسئلة الأولى فقط رائد حتى نكسب الوقت لأننا في الدقائق الأخيرة من البرنامج، شكراً لك وللأسئلة المهمة التي شاركتنا فيها، شكراً جزيلاً لك.
 دكتورنا الكريم إذاً أخونا رائد طرح عدة أسئلة: الأول موضوع امتهان الدعوة، أن تصبح وظيفة للإنسان يكتسب منها، هل فيه خللٌ شرعي؟
الدكتور راتب :
 لا يوجد أي خلل إطلاقاً، مؤذن خمس أوقات، إمام جامع خمس أوقات، هذا تفرغ للدعوة، فيتقاضى الأجر كحليب أمه تشريعاً.
المذيع:
 شيخنا إذا أخذ الداعية أجراً في الدنيا هل هذا ينقص من أجره عند الله؟

الغرور مقبرة الناجحين :

الدكتور راتب :
 لا ينقص، وهناك نصوص تؤكد ذلك.
المذيع:
 حسب نيته في هذا الجانب، جميل الله يفتح عليك يا رب.
 الغرور مقبرة الناجحين
لننتقل إلى اتصال جديد معنا سنان تفضل يا أخي.
المستمع:
 السلام عليكم، يا مرحباً بك، تحياتنا للدكتور محمد راتب النابلسي، شيخ سؤال لو سمحت بخصوص الدعاة: بعض الدعاة يصبح مشهوراً ويصبح له متابعون كثر، وقد يغتر بنفسه، أو يتفاخر بأنه مشهور، فما هي التوجيهات بالنسبة للدعاة الذين يمكن أن يشعروا بهذا الشيء؟
الدكتور راتب :
 يوجد كلمة واحدة جامعة مانعة: الغرور مقبرة الناجحين.
المذيع:
 وهل هو محبطٌ للأجر دكتور؟
الدكتور راتب :
 طبعاً، أجر وأُجرة، الغرور شرك بالله، رأى قوته، رأى نجاحه، رأى ذكاءه، رأى معلوماته.

﴿ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ ﴾

[ سورة هود: 88]

 اللهم إني أفتقر إليك، أفتقر بحولي وقوتي، أنا مفتقر بحولي وقوتي إليك.
المذيع:
 نعم، شيخنا الكريم في علم التسويق شيء يسمى صناعة النجوم، تصنع أحياناً ممثل، فنان، أو مطرب، رجل أو امرأة، ويكون هنالك شركات تقوم بتسويقه، وبالتالي قبض المبلغ المالي لها وله، هل يمكن أن يتم هذا الأمر للدعاة، أم أن الدعوة ملف منفصل؟

 

أكبر مكافأة من الله للدعاة أن يكتب لهم القبول عند الناس :

الدكتور راتب :
 لي جواب آخر: إذا علم الله منك إخلاصاً في دعوتك، وصدقاً في تطبيقها، كتب الله لك القبول، أكبر مكافأة من الله للدعاة أن يكتب لهم القبول عند الناس، فإذا علم منك أنك مطبق لما تقول، دقق مطبق لما تقول، وأنك مخلص فيما تقول، يكتب الله لك القبول، التطبيق والإخلاص، إلقاء المحاضرات فيه وجاهة، فيه تألق، إذا فيه تألق، وفيه وجاهة، فيه مكانة، والذي تقوله لا تطبقه تسقط من عين الله، والإنسان إذا سقط من السماء إلى الأرض، فتحطمت أضلاعه أهون من أن يسقط من عين الله، فإذا تكلم بشيء لا يفعله، كأن الله يقول له: أنت عبدي كذلك أما تستحي مني؟! إلا أنه يوجد استثناء واحد لو سألك أحدهم عن قيام الليل، وأنت لا تقوم الليل يجب أن تحدثه عن فضائل قيام الليل، إذا أجبت عن سؤال أجبه بالأفضل، أما أن تتكلم ابتداءً عن أحوالك وهي غير صحيحة، الإنسان عندما يقول شيئاً لا يفعله يضعف مركزه الدعوي، تضعف قوة صدقه، يخجل من الله، كأن الله يخاطبه أنت كذلك أما تستحي مني؟
المذيع:
 شيخنا في الدقيقة الأخيرة المتبقية.
الدكتور راتب :
 عفواً.

﴿ وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا ﴾

[ سورة آل عمران: 188]

 قرآن، هذا الله وصفهم وصفاً سلبياً.
المذيع:
 صحيح؛ والعياذ بالله.
 استعمل النبي صلى الله عليه وسلم، رجلاً على صدقات بني سليم، فلما جاء حاسبه قال الرجل: هذا مالكم، وهذا هدية، فقال النبي عليه الصلاة والسلام:

(( فهلا جلست في بيت أبيك وأمك حتى تأتيك هديتك إن كنت صادقاً ))

[البخاري عن أبي حميد الساعدي]

 هنا دكتور هو كان في عمله الديني إن جاز التعبير، بتكليف من النبي صلى الله عليه وسلم، لكن أحد الأشخاص أهداه هدية النبي لم يقبل هذا، لِمَ؟
الدكتور راتب :
 لا، إذا كانت الهدية له شخصياً لا يوجد مشكلة، أما هو في الحقيقة فالهدية لم يحددها.
المذيع:
 هنا لأنه في منصب بولاية عامة دكتور يمكن أن يؤثر على عدله بين الناس؟
الدكتور راتب :
 طبعاً، ولاية عامة له راتب يتقاضاه، فالهدية مظنة رشوة، دائماً الرشوة تقدم هدية، الآن لها اسم ثان: ثمن فنجان قهوة.
المذيع:
 الله يكرمكم يا دكتور! نختم حلقتنا بالدعاء، ونسأل الله القبول.

 

الدعاء :

الدكتور راتب :
 اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر مولانا رب العالمين، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك وبفضلك عمن سواك، اللهم لا تؤمنا مكرك، ولا تهتك عنا سترك، ولا تنسينا ذكرك، أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، ارضنا وارضَ عنا، اجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً وسائر بلاد المسلمين، واحقن دماء المسلمين في كل مكان.

خاتمة و توديع :

المذيع:
 الحمد لله رب العالمين، بارك الله بكم فضيلة العلامة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي لهذه الكلمات الطيبة. حلقتنا هذه كانت تحت عنوان بين الدعوة والدنيا.
 سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.
 والسلام عليكم و رحمة الله و بركاته

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور