- محاضرات خارجية
- /
- ٠23ندوات مختلفة - الأردن
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى أصحابه الغر الميامين، أمناء دعوته، وقادة ألويته ، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
التربية أخطر شيء بحياتنا :
أيها الأخوة الكرام ؛ أيها الأخوة الأحباب ؛ أحدث معطيات علم التربية أن كل ما تتمناه من ابنك من عادات ، من مفاهيم ، من رؤى ، من أخلاق ، من انضباط ، لا يتكون إلا في السنوات الخمسة الأولى ، وهذه المدة مهملة في العالم الإسلامي ، لذلك كبار العلماء والمربين يربون الصغار ، عاداته ، تقاليده ، مفاهيمه ، أخلاقه ، قيمه تبدأ من الصغر.
أي لو أن أماً ذهبت مع ابنتها إلى بيت الجيران وتأخرت ، فجاء الأب وقت الظهيرة ، والطعام غير جاهز ، فغضب قال : أين كنتم ؟ قالت : لم نذهب إلى أي مكان ، هذه البنت الصغيرة شربت الكذب من أمها دون أن تشعر.
فلذلك التربية أخطر شيء بحياتنا ، التربية تعني إنشاء أجيال قادمة ، أجيال تتولى قيادة الأمة ، لذلك ورد : لاعب ولدك سبعاً - حتى يحبك - وأدبه سبعاً ، وراقبه سبعاً ، ثم كن صديقاً له ، مقولة أخرى : لاعبه سبعاً ، وأدبه سبعاً ، وراقبه سبعاً ، ثم اتخذه صديقاً .
الإنسان أحياناً يلتقي مع أناس كثيرين، أنا أعرف الأم من ابنها في المدرسة ، كاتب وظائفه ، ثيابه أنيقة ، مضبوط ، جاء بوقت مناسب ، أقول : وراء هذا الطفل أم عظيمة، لا أعرفها إطلاقاً، قطعاً وراء هذا الابن أم عظيمة، وأنا من عادتي كمدرس آخذ السير الذاتية لكل الطلاب، إن رأيت هندامه لا يرضي أفتح إلى سيرته أمه مطلقة ، أربط بين حالة الطفل وبين وضعه العائلي ، لذلك أية أمةٍ تعتني بالأسرة تتفوق، وأية أمةٍ تفكك الأسرة تتأخر ، العالم الغربي هدفه الأول تفكيك الأسرة.
أخواننا الكرام؛ مثل لعله محرج ، أم تحب الله ورسوله محبةً تفوق حدّ الخيال ، استيقظت الساعة الثانية ليلاً ، و صلّت قيام الليل ، ودموعها سالت على الأرض ، الساعة السادسة تعبت ، آوت إلى فراشها، وطلبت من أولادها أن يعتنوا بأنفسهم ، أحد أولادها لم يكتب الوظيفة ، فعاقبه الأستاذ ، والثاني كان حذاؤه غير جيد ، فعاقبه الأستاذ ، الأولاد الخمس تلقوا عقوبات من أم تحب الله كثيراً ، من الساعة الثانية للساعة السادسة قيام ليل ، أنا أقول اجتهاد مني وقد أخطئ : لو استيقظت بعد الفجر بربع ساعة، وصلّت ، هيأت الغرفة دفأتها ، هيأت طعاماً لأولادها ، راقبت وظائفهم ، راقبت هندامهم ، أقرب إلى الله مليون مرة من الأولى ، لماذا؟ لأن الأم الثانية عبدت ربها فيما أقامها ، أقامك امرأة ؟ العبادة الأولى رعاية الزوج والأولاد ، أقامك قوياً ؟ العبادة الأولى إحقاق الحق ، أقامك غنياً ؟ العبادة الأولى إنفاق المال ، أقامك عالماً العبادة الأولى أن تذكر الله حق ذكره ، وألا تأخذك في الله لومة لائم ، كلمة الحق لا تقرب أجلاً ، ولا تفقد حياةً .
صفات الداعية إلى الله :
لذلك:
﴿ الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ ﴾
كم صفة لهم ؟ مئات الصفات ، اكتفى القرآن بواحدة :
﴿ الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ ﴾
لو أن هذا الداعية لا يدعو إلى الله ، خشي غير الله ، سكت عن الحق خوفاً ، وتكلم بالباطل تملقاً ، انتهت دعوته .
مثلاً : هذه السيارة لها مئات الصفات ، لو وصفناها بصفة واحدة ، السيارة تسير إن ألغي سيرها بطلت مهمتها، صارت وقافة ، لذلك:
﴿ الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ ﴾
العناية بالأولاد أكبر مهمة للأسرة :
لذلك كنت مرة في بلدة ازرع في محافظة حوران
دخلت إلى هذه القرية ، إلى مدرسة ابتدائية ، أوقفت طفلاً عمره خمس سنوات أو ست ، قلت له : هل تعلم أن أكبر عالم بالأمة الإسلامية ترك ثلاثمئة مؤلف ابن القيم الجوزية من ازرع ؟ كان من ازرع .
أنت أمام طفل قد يكون قائداً كبيراً ، قد يكون فاتحاً كبيراً، قد يكون عالماً كبيراً ، العناية بالأولاد أكبر مهمة للأسرة .
كنت أقول بأمريكا- قصة قديمة جداً- كان كلينتون هو الحاكم، لو بلغت منصباً ككلينتون، وثروة كأونسيس ، وعلماً كأنشتاين، ولم يكن ابنك كما تتمنى فأنت أشقى الناس.
أخواننا الكرام ؛ الإنسان لا يمكن أن يسعد وابنه شقي ، إن اعتنيت بابنك ، تعتني بنفسك ، الحالة التي وصفها القرآن قرة العين ، لا يعرفها إلا من فقدها ، أو من ذاقها ، أن ترى ابنك صالحاً ، مؤمناً ، مصلياً ، مجتهداً ، كل الجهود الجبارة التي تبذلها من أجل أولادك تقطفها أنت في حياتك قبل الموت ، لذلك العناية بالأولاد أكبر مهمة للأسرة.
التعليم صنعة الأنبياء :
الشيء الآخر : المعلم أحياناً يرى أن الدخل أقل مما ينبغي بالعالم كله ، لكن يوجد شيء ينسيك هذا الشعور المؤلم، إذا أردت أن تعرف مقامك فانظر فيما استعملك ، التعليم صنعة الأنبياء .
(( إنما بعثت معلماً ))
(( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ))
لذلك إن عرفت رسالتك لا تقبل أن تدع التعليم إلى عملٍ آخر ، أما كحرفة والله دخلها قليل ، ومتعبة كثيراً ، ممكن موظف يقعد ساعة يقرأ مجلة في دائرته ، وساعة ثانية مع صديقه ، أحضر قهوة وأحضر شاياً ، المعلم يركز ستين دقيقة، إذا لم يركز التعليم لا يحتمل .
الفرق بين الفطرة و الصبغة :
الآن الله عز وجل قال :
﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ﴾
ما معنى فطرة ؟ كلام دقيق ، أي أمر أُمرت به ، أي نهي نهيت عنه ، أنت جبلت وبرمجت وفق هذا الأمر ، لذلك الإنسان لو أطاع الله عنده راحة كبيرة جداً .
آتي بمثل دقيق : دخلت إلى البيت الساعة الثانية ليلاً ، قالت لك أمك : أريد هذا الدواء يا بني ، قلت لها : الصيدليات كلها مغلقة الآن ، سكتت ، لكن لا تنام مرتاحاً ، معك سيارة يوجد صيدليات مناوبة ، لو ذهبت ودرت على كل الصيدليات المناوبة وكان الدواء غير موجود ، ترجع تنام مرتاحاً ، الأم بالحالتين الدواء لم تأخذه ، لكن أنت عندما تتحرك وفق منهج الله عندك راحة نفسية ، الراحة النفسية لا يعرفها إلا من فقدها ، أو من ذاقها .
لذلك الفطرة - انظر معناها الدقيق - أن تحب الحق ، لا أن تكون على حق ، أن تحب العدل ، لا أن تكون على عدل ، الفطرة أن تحب الكمال ، أما الصبغة فأن تكون كاملاً ، أحياناً بعض اللصوص يسرقون بيتاً ، يقتسمونه بالعدل ، لأن الفطرة هكذا ، أما الصبغة فأن تكون كاملاً، لذلك الله قال:
﴿ فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ﴾
وفي آية أخرى:
﴿ صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً ﴾
الصبغة أن تكون كريماً ، الفطرة أن تحب الكرم ، الفطرة أن تحب العدل ، أما الصبغة فأن تكون عادلاً .
التفكر في آيات الله القرآنية و الكونية و التكوينية :
لذلك الإنسان أحياناً يحب التفاصيل ، وهناك حالات يحب الأشياء الموجزة ، القرآن كونٌ ناطق ، والكون قرآنٌ صامت ، والنبي الكريم قرآنٌ يمشي ، التعليق : ما لم يرَ المسلمون اليوم إسلاماً يمشي أمامهم ، إن حدثك فهو صادق ، إن عاملك فهو أمين ، إن استثيرت شهوته فهو عفيف ، لذلك شيء يحير ! الله عز وجل يقول:
﴿ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ ﴾
آياته ، الله عز وجل له آياتٌ كونية ، وله آياتٌ تكوينية ، وله آياتٌ قرآنية ، الآيات الكونية الموقف منها التفكر، الدليل:
﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ ﴾
فعل مضارع ، المضارع يفيد الاستمرار.
﴿ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾
واحدة من هذه اللفتات ، هذا كأس الماء ، الماء فيه خاصة ، لولا هذه الخاصة ما كان هذا المجلس ، ولا هذا اللقاء ، ولا كانت عمان ، ولا كان الأردن ، ولا كان مكان بالعالم ، ممكن ! هذا الماء عنصر كأي عنصر بالحرارة يتمدد ، بالبرودة ينكمش ، الأجسام كلها الصلبة؛ حديد، فولاذ ، السائلة ؛ ماء ، الغازية ؛ هواء، بالحرارة تتمدد ، بالبرودة تنكمش ، إلا الماء ، حرارته عشرون ، خمسة عشر ، عشر ، تسع ، ثمان ، سبع ، ست ، خمس ، أربع يزداد حجمه، لولا هذه الخاصة ما كان هناك مكان بالعالم يسكن ، لأن الماء إن ازداد تابع انكماشه ، تزيد كثافته يغوص ، بعد حين تتجمد البحار كلها ، ينعدم التبخر ، تنعدم الأمطار ، تنتهي النباتات ، يموت الحيوان ، يموت الإنسان ، كل حياة أهل الأرض مبنية على استثناء لهذا الماء بدرجة زائد أربع يزداد حجمه ، ما قولك ؟ هذه بالآفاق .
بالنفس ؛ الطفل ببطن أمه لا يوجد تنفس، ولا هواء ، لكن يوجد رئتان ، الرئتان معطلتان ، لكن وجدوا بقلب الطفل ثقباً بين الأذينين ، الدم ينتقل من أذين إلى أذين ، بدل أن ينتقل إلى الرئتين ليطرح غاز الفحم ، ويأخذ الأوكسجين ، يتولى تأمين الأوكسجين بطرح غاز الفحم الغشاء العاقل ، عند الولادة تأتي جلطة تغلق هذا الثقب ، إذا لم يغلق هذا الثقب يكلف خمسمئة ألف عملية قلب مفتوح لطفل الصغير ، تقريباً كل خمسمئة ألف إنسان يبقى واحداً ثقبه مفتوح ، اسمه داء الزرق ، لونه أزرق ، لأنه الدم لم يتصفّ ، يد من تسد هذا الثقب ؟ يد من ؟ رحمة من ؟ الطفل الآن ولد يضع فمه على ثدي أمه ، يحكم الإغلاق يسحب الهواء ، يأتيه الحليب ، هذا منعكس معقد جداً ، يخلق مع الصغر، ولولا هذا المنعكس لما كان هذا اللقاء ، ولا كانت الأردن ، ولا أي مكان بالعالم ، منعكس المص شيء لا يصدق :
أتحسب أنك جرمٌ صغير وفيك انطوى العالم الأكبر
***
لذلك الآيات الكونية : الكون ، والإنسان.
﴿ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ ﴾
أي هذه الآيات ، الموقف الكامل منها التفكر ، والآيات التكوينية : الموقف النظر.
﴿ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا ﴾
والآية الثانية :
﴿ ثُمَّ انْظُرُوا ﴾
أحياناً يأتي العقاب مباشرةً ، أحياناً بعد حين ، والآية الثالثة القرآنية : التدبر، الكونية تفكر ، والتكوينية ؛ نظر، والقرآنية ؛ تدبر .
لذلك تبقى واحدة ، الشمس تكبر الأرض بمليون وثلاثمئة ألف مرة ، أي يدخل في جوف الشمس مليون وثلاثمئة ألف أرض ، وبينهما مئة وستة وخمسون مليون كيلو متر ، يقطعها الضوء في ثماني دقائق ، الموضوع طويل ، لكن لفتة صغيرة جداً ، الله قال:
﴿ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ ﴾
الأرض في دورتها حول الشمس تمر باثني عشر برجاً ، أحد هذه الأبراج برج العقرب، رأيت أحد نجومه في بلد متقدم جداً بمرصد فلكي ، برج العقرب لأننا إن وصلنا خطوطاً بين نجومه كالعقرب تماماً ، يوجد نجم صغير، صغير متألق أحمر اللون اسمه قلب العقرب ، دققوا الآن ، هذا النجم الصغير أحمر اللون المتألق قلب العقرب يتسع للشمس والأرض مع المسافة بينهما ، قلب العقرب يتسع للشمس والأرض مع المسافة بينهما ، هذا الإله العظيم يعصى ؟ ألا يخطب وده ؟ ألا ترجى جنته ؟ ألا تخشى ناره ؟
أخواننا الكرام ؛ إن هذا الدين عظيم، كونٌ ناطق ، وقرآنٌ صامت ، وإسلامٌ يمشي ، وما لم يرَ الناس إسلاماً يمشي لن يحفزهم هذا على تطبيقه .
خاتمة و توديع :
حفظ الله لكم إيمانكم جميعاً ، وأهلكم ، وأولادكم ، وصحتكم ، ومالكم ، بقي السادسة ، هذه نعمةٌ لا يعرفها إلا من فقدها ، حفظ لكم استقرار بلادكم ، اشكروا الله على هذه النعمة .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته