وضع داكن
25-04-2024
Logo
الفتوى 42 : هل يجوز لي خلع الحجاب لكي أحصل على دراسات عليا في الجامعات الأوروبية ؟.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

سؤال :

 فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي المحترم
 السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
 عندي سؤال بخصوص الحجاب وأتمنى أن تقرؤا الرسالة كاملة بتمعن، إن لم تكن لكم نية ذلك فاعلموا فقط أنه سؤال مصيري بالنسبة لي. كما أتمنى أن أحصل على جواب شخصي منكم وليس "نسخ ولصق" وإن كان كذلك فلا تضيعوا وقتكم وتتكبدوا العناء.
 وأخيرا جزاكم الله خيرا أعلم أنكم منشغلون كثيرا.
 أعتذر عن ركاكة الأسلوب.
 سيدي أنا طالبة مسلمة في أوروبا في إحدى أرقى جامعات العالم، بشعبة الاقتصاد والمحاسبة. عمري 20 سنة من أصول مغاربية وكل عائلتي في بلدي الأصلي.
 سيدي أنا محجبة منذ 9 سنوات، أي أنني اتخذت هذا القرار بمحض إرادتي بعمر 11 سنة والسبب لم يكن لأنني بحثت عن الأمر أو أن أحدا فرضه علي بل لأنني كنت في مخيم صيفي ورأيت المأطرات يضعن الحجاب فقلت لم لا أضعه كذلك... فقط. وابقيت على وضعه منذ ذلك الحين ارضاء لله أولا.  ولأن كل الناس عهدوني متحجبة لم أكن أفكر أبدا في نزعه في بلدي الأصلي.
 متحجبة = أعني ألبس سروال وقميص وأضع غطاء الرأس، لا أغطي وجهي ولا ألبس جلبابا أبدا ولا أضع مساحيق التجميل ولباسي محتشم لا يظهر عورة.
 المهم: قدمت إلى أوروبا من أجل الدراسة، وأريد أن تعلموا أنني متفوقة جدا بفضل الله فيها. فبفضل الله كنت الاولى على بلدي والآن أنا أدرس في إحدى أحسن الجامعات العالمية يعني كل هذا توفيق من الله ولا أقول أبدا أنه على علم من عندي.
 المشكلة أنه من الصعب جدا جدا الحصول على عمل، أو حتى internship في أي شركة وخصوصا في مجال دراستي.
 عندما قدمت طلب الالتحاق بالجامعة أرسلت صورة من غير حجاب، وكذلك عندما قدمت من أجل الفيزا كان من الواجب علي إرسال صور برأس مكشوف.
 فضلا عن مشكلة الـ visibility، فكمحجبة تمشي في الشارع كل العيون عليك، في أي محل تجاري أدخله أو حتى في المواصلات العامة، الناس تحملق وتبتعد...
 وقد لا يجيبني الناس مثلا إذا سألت عن الاتجاهات إلخ... عكس عندما لا ترتدي الحجاب لا أحد يضايقك، بل لا يرونك إطلاقا.
 المشكلة تكمن في تغطية الشعر؟!! فكشف الشعر مع لباس محتشم ليس بمشكلة، وأجد أنه أصلا لا يوجد من يتحرش بامرأة لباسها مستور وتضع حدودا لتعاملاتها مع الرجال.
 الحمد لله، شخصيا، لم يتجرأ علي شاب أبدا لأنني strict في تعاملاتي.. الحمد لله لست من المائلات المميلات كما وصف عليه الصلاة والسلام.
 وأؤكد لكم والله على ما أقول شهيد، أشعر بالاعتزاز وأنا أمشي في الشارع بحجابي، وكم من مرة التقيت بناس من غير ديني وأحس عندما أراهم بالفخر لأنني مسلمة ومن أمة محمد، وأتعامل بكل احترام مع الآخرين، وأقابل كل شتم أو سب من العنصريين بابتسامة دائمة... لم أرد يوما على أحد شتمني. أبدا.
 فضلا عن أنه من الصعب كذلك الحصول على سكن لأنه في الأول مثلا أتصل بصاحب المنزل، يعطيني موعدا لرؤية المنزل، ولكن عندما يرى أنني محجبة مثلا يعطيني حجج مثل دخلك لا يغطي النفقات أو لقد وجدت شخصا بالفعل يملك الشروط...
 سيدي: أكتب كل هذا لأضع لسؤالي سياقا...
 أنا أومن بأن الله أعطاني الكثير مما طلبت والكثير مما لم أطلب أبدا، يسر لي الكثير من الأمور التي كنت أظنها لن تحل... لا أنكر فضله علي أبدا والحمد لله والشكر لله.. وأحس أنه بيننا رابط قوي وأنه معي دائما ويسمعني، بل ويساعدني دون أن أطلب، ولا أريد لذلك أن يتغير أبدا...لأني أحس بتوفيقه الكامل.
 كما أنني لا أنكر أن الحجاب فرض على كل مسلمة كونه لباس الصلاة ((ولكن، لا أبرر لنفسي)) ليس بسبب الحجاب في حد ذاته وإنما بسبب نظرة الناس له ولمن تلبسه، أجد صعوبات كثيرة في الحصول على معاملة عادلة ومنصفة..
 فمثلا كل طلبات العمل التي أقدمها ترفض تلقائيا من طرف الشركات،مبدئيا وبدون أن يدرسوا ملف ترشيحي حتى... وهذا شيء يكسر العزيمة علما أنني أحب مجال دراستي كثيرا وأود أن أكون امرأة ناجحة، قوية ومستقلة ماديا ونفسيا... أريد أن أساعد أهلي وأرد لهم الدين فنحن أسرة متوسطة الدخل في بلدي، أبواي حرما نفسهما من الكثير من أجلي ومن أجل إخوتي... يكفيني أنهما يرسلان لي شهريا نصف راتبيهما معا (600 يورو وهذا قليييل جدا للعيش هنا فثمن الكراء وحده 550 يورو) علما أنهما يعيلان 2 من إخوتي صغار وخالتي العجوز التي تقيم معنا، وجدي و جدتي و 3 بنات عمتي.
 سيدي: أنا في آخر هذه السنة يجب علي أن أقدم رغبات الماجستير، ولهذا يجب أن أرسل ملفا كاملا مع صورة شخصية ويجب أن أجري مقابلات مع الإدارة والمسؤولين حتى أتمكن من إكمال دراستي والحصول على شهادة...
 أقسم لكم أنني بحثت في كل سجلات شعب الماجستير في تخصصي عن فتاة واحدة محجبة تم قبولها في الماجستير، بحثت في كل الصور لكل الدفعات على 20 سنة الماضية، ولم أجد حتى واحدة... ذهبت لرؤية مسؤولتين عن الشعب كلها وسألتهما إن كانت هناك فتاة محجبة واحدة مرت عليهما وتم قبولها فأخبراني أنه أبدا لم يتم قبول أي محجبة...
 وأنا أتفهم هذا لأن السبب بالنسبة لهم أن المحجبات أصلا صعب عليهن إيجاد عمل في الشركات، عادة المحجبات يكن متزوجات بدون عمل قار (فقط رعاية الاطفال أو أعمال منزلية لدى الناس، شغالات يعني...) أي أنهن دائما في أعمال شاقة لا تتطلب دبلوم.. لذلك فإن تم قبول محجبة في الماجستير رغم ملفها الجيد جدا فكأنهم يضيعون فرصة شخص آخر له الأفضلية في الحصول على تعليم عال... لذلك يفضلون إعطاء الفرصة لغير المحجبات عموما لأنهن بالأخير سيحصلن على شغل.
 لست أبرر الأفعال وإنما أشرح لكم الواقع المر.
 سيدي: أنا حزينة جدا لأنني في هذا الموقف، أبكي كل يوم منذ أشهر لأنني لا أعرف ما أفعل. لا أريد إغضاب ربي، ولا أستطيع حتى مصارحة أهلي بحيرتي لأنني أعرف أنني سأكسر والدي وأحطم آمالهما بي.
 أتمنى أن تقدروا حيرتي و ضعفي.. أفكر دائما أن الله يحب المؤمن القوي على الضعيف... بدون دبلوم ولا منصب جيد لن أكون سوى رقم إضافي على لائحة المحجبات بلا شغل أو صاحبات الأعمال الشاقة في مجتمع وزمن لا يرحم.
سؤالي هو:
 هل الله سيتوقف عن رزقي إذا نزعت الحجاب من أجل أن أدرس وأشتغل؟
 هل الله سيكرهني؟
 هل الله يكره المسلمات الغير متحجبات؟
 هل وضع الحجاب أو نزعه سيحدد إن كنت سأدخل الجنة أم النار والعياذ بالله؟
 أنا أؤمن أننا في قرن آخر وزمن آخر غير الذي تحتاج فيه النساء للرجال من أجل الصمود..
 أنا أومن بأن للمرأة الحق والقدرة على الاعتناء بنفسها، وأننا نريد أن نفرض أنفسنا ك"إنسان" فقط.
 لست متزوجة وليس لدي علاقات محرمة في زمن صارت فيه الزنى هي الأمر العادي، والحمد لله هذا بتوفيق من الله، أصلي والحمد لله، أصوم رمضان وغيره، أقرأ القرآن كل يوم وأقوم بكل الطاعات والحمد لله والشكر لله... أحاول دائما أن أقتدي بالرسول صلى الله عليه وسلم وأساعد الآخرين دائما، لا أكذب ولا أغش ولا أخون... والحمد لله والفضل لله كله.
 مشكلتي كما وصفت لكم أنني في وضع حرج جدا، مثلا كوني الوحيدة المحجبة من بين +1000 شخص...
 هل توافقون على من قال : إذا لم يرزقك الله وأنت تطيعينه (تضعين الحجاب) فكيف تأملين أن يرزقك وأنت تعصينه؟ حاشى لله فهو يرزق المطيع والمذنب، حاشاه ما علمته يظلم أحدا.
 هل حضرتكم توافقون على جواب من قال لي أنك ذهبت لذلك البلد للتعلم، ومقصدك تخالف مع الشريعة والحجاب إذن وجب عليك ترك الدراسة والبحث عن زوج يتحمل مسؤوليتك حتى لا تحتاجي إلى العمل إلخ؟؟ علما أن واقع التعليم في البلاد العربية غني عن التعريف، كلنا نعلم أنه في الحضيض إن لم يكن أسوأ درجة مما نعلم.
 هذا لم يقنعني شخصيا لثلاث أسباب:
 قال صلى الله عليه وسلم "اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد"، "طلب العلم واجب على كل مسلم ومسلمة" وديننا عموما يشجع على طلب العلم.
 ثانيا المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف (ولو أنه يمكن أن يقال لي أن قوتي في فرض ديني وحجابي ولكن هل أنا فعلا في موقف قوة؟)،أرى أن قوتي في دبلوم جيد ورتبة جيدة في العمل.
 ولأنني أخيرا أومن أن للمرأة دورا إن لم يكن أفضل فإنه مكافئ لدور الرجل في المجتمع.
 نيتي من تعلمي أنه في سبيل الله أولا، "من سلك طريقا يلتمس فيه علما، سهل الله له به طريقا إلى الجنة"، ثم لأرد الدين لأسرتي وأهلي، ودائما في دعائي أطلب من الله أن يستخدمني في نصرة الحق (وحال المسلمين والعرب لا يخفى على أحد في كل المجالات لا سياسية ولا علمية...) ولم تنهض الأمة العربية إلا بالاسلام أولا والعلم ثانيا وأظنكم توافقونني الرأي.
 سيدي رسالتي طويلة، اعذروني فهو قلبي من يطلب المساعدة. إن وصلتم إلى هذا المقطع الختامي فأريد أن أعلمكم أنني أكتب هذا ودمع القهر ينهر من عيني... لا أجد الخلاص وهذا وحده كفيل أن يعلمني هول مصيبة نزع الحجاب.
 أرجو أن تقرؤا النصوص عوضا عني، وأن تعلموني بفتواكم آخذين بعين الاعتبار ما يجري في عصرنا الحالي وما حكيت لكم. أتمنى أن سؤالي لم يكن مستفزا لكم، أتمنى أن تتفهموا موقفي كامراة ولا تحكموا علي كرجل (فليس من عاش كمن سمع)... ولكم الأجر بما حكمتم إن شاء الله.
 ادعوا لي والله ولي التوفيق.
 وجزاكم الله عنا كل خير

الجواب :

 بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين وبعد.
 الأخ الكريم / الأخت الكريمة
 السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
 إجابة على سؤالكم، نفيدكم بما يلي:
 السؤال الذي ينبغي أن تسأليه هنا : هل يجوز لي خلع الحجاب للأسباب المذكورة في الرسالة؟
 والجواب : لا يجوز.
 أما هل سيتوقف رزقي فلا أدري إن كان الله سيعاقبك بذلك أو بغيره ، أو ربما تكون العقوبة في الآخرة وليست في الدنيا.
 الموضوع في ترتيب الأولويات فإن كانت الأولوية عندك هي طاعة الله فإنك تجدين لذة عيشك في رضاه وتيقني أنك لن تعصيه وتربحي ولن تطيعيه وتخسري.
 والله تعالى أعلم

إخفاء الصور