وضع داكن
23-04-2024
Logo
دروس جامع التقوى - الجزء الثاني : الدرس 010 - ماذا ينتظر المؤمن إذا آمن بالله عز وجل؟
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته الغر الميامين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.

اليأس والقنوط والتشاؤم يقرب الإنسان إلى الكفر :

 أيها الأخوة الكرام؛ موضوع دقيق نحن كمجتمع إسلامي يوجد حالة اسمها في علم الاجتماع: كتابة التاريخ، كيف؟
طالب ينجح من السابع للثامن، عادي، من الثامن للتاسع، من التاسع للعاشر، من العاشر للحادي عشر، التوجيهي يحدد مصيره، طبيب، مهندس، محام غير ناجح، هناك صف بمعظم البلاد الإسلامية، والعربية، هذا الصف هو الدراسة الثانوية في بلادنا، وفي الأردن التوجيهي، هذا الصف يحدد مصيرك، بعلامات عالية جداً طبيب، بعلامات أقل طبيب أسنان، أقل مهندس، أقل، أقل، أقل، آخر شيء اختصاص، يوجد خمسة آلاف شخص عاطل عن العمل مع الاختصاص، فهذا الصف يحدد مصيرك، يسمى في علم النفس، أو في علم الاجتماع: حدث مصيري يحدد مصيرك.
 لذلك نحن الآن كأمة إسلامية نمر بظروف مصيرية، إما أن ينتهي الإسلام، أو أن يقوى الإسلام، لا يوجد حل وسط، لكن الذي يحصل في الأعم الأغلب أن عامة الناس ينصهرون في مشاكلهم، تجد أشخاصاً يائسة، لا يوجد أمل منها، هذا اليأس قاتل.
 بالمناسبة يا أخوان؛ اليأس، والقنوط، والتشاؤم، يقرب الإنسان إلى الكفر، الله موجود لا يتخلى عن عباده المؤمنين، زوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين.

﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ﴾

[ سورة النحل: 97]

 زوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين، فالمؤمن لا يقلق، لا يتشاءم، لا ييئس، أكبر صفة فيه التفاؤل، التفاؤل إيجابي، الله عز وجل بيده كل شيء، الأقوياء بيده، الضعفاء بيده، الأغنياء بيده، الدول العظمى بيده، قيادات الدول العظمى بيده، بيده كل شيء، فإذا كانت علاقتك معه طيبة انتهى كل شيء.
 مثلاً: تصور حوالي عشرين وحشاً كاسراً، ضباع على أسود على نمور، ومن شهر لم تأكل، فإذا أُلقيتَ في حوزتهم ماذا سيحصل؟ هؤلاء الضباع والوحوش، الكواسر الجائعة مربوطون بيد الله، مصيرهم بيد الله، حركتهم بيد الله، أنت كمؤمن علاقتك مع الوحوش أم مع من بيده الوحوش؟ الفكرة دقيقة، ليس مع الوحوش، مع من بيده الوحوش، فإذا الله عز وجل أرخى حبل وحش أرخاه وصل لعندك، وإن أبعده عنك فأنت في مأمن.

المؤمن وحده من يتمتع بالأمن :

 المؤمن يتمتع بحالة اسمها الأمن، لا يتمتع بها آخر، الدليل:

﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ ﴾

[ سورة الأنعام: 81]

الأمن، ما معنى الأمن؟ غير السلامة، قد تعيش خمسة أعوام لا يوجد عندك ولا مشكلة، لا بصحتك، ولا ببيتك، ولا بأولادك، ولا بزوجتك، لكن في قلق دائم، هذا حالة الغرب.

﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾

[ سورة الأنعام: 81 ]

 الجواب:

﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ ﴾

[ سورة الأنعام: 82 ]

 يوجد سؤال لغوي: لو أن الله قال: أولئك الأمن لهم، نفس المعنى، لكن لم يعد هناك حصر ولا قصر، إذا قال: الأمن لهم ولغيرهم، إذا قلت: نعبد إياك الصلاة باطلة، إذا قلت نعبد إياك لا تمنع أن نعبد غيرك أيضاً، يوجد بوذا، والمال، إله المال.

﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ ﴾

[ سورة الفاتحة: 5 ]

 عندما قدمنا إياك على نعبد صار عندنا قصر وحصر.

﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ ﴾

[ سورة الفاتحة: 5 ]

 لذلك لو الله قال: الأمن لهم ولغيرهم.

﴿ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ ﴾

[ سورة الأنعام: 82 ]

 وحدهم، أي لا يتمتع بنعمة الأمن إلا المؤمن، الوحوش الذين حوله بيد الله، فإذا كانت علاقته مع الله طيبة جداً أبعدهم عنه.

﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا ﴾

[ سورة الأنعام: 81 ـ 82 ]

 لكن أي مؤمن؟

﴿ وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ ﴾

[ سورة الأنعام: 82 ]

انتشار الظلم في الأرض :

 يوجد أربع عواصم عربية محتلة من فئات ضالة، أربع عواصم، وهناك كلمة أخرى مؤلمة: المسلمون يملكون نصف ثروات الأرض، النصف بالتمام والكمال، من بترول، إلى فوسفات، إلى معادن، إلى ألماس، زرت بلداً إفريقياً، أول بلد بالألماس بالعالم، أفقر شعب بالعالم، فيه ثروات لا ينالهم منها ولا شيء، أول بلد بالعالم غينيا بالألماس، أفقر بلد، إذا أنت تأكل برتقالة، وتلقي قشرتها في الطريق تؤكل القشرة من الفقر، هذا الغرب وحش، ببلادنا يوجد عوائد بترول، هناك لا يوجد شي أبداً، لذلك هذا الكافر، الله ماذا قال؟

﴿ سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا ﴾

[ سورة آل عمران: 151 ]

إن كنت قوياً، أو غنياً، أو مسيطراً، عندك قلق قاتل.

﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ ﴾

[ سورة الأنعام: 81 ـ 82 ]

 الآخر:

﴿ سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا ﴾

[ سورة آل عمران: 151 ]

 ماذا أقول لكم؟! يوجد كلمة دقيقة: إن لم يكن هناك أسلحة مصنعة وغالية جداً لكانت الموارد لو وزعت على أهل الأرض، على ثمانية مليارات إنسان، لكان نصيب الإنسان مئة دولار كل يوم، ثمانية مليارات، لو الأموال الطائلة التي تنفق على التسليح لم تكن لكان نصيب الإنسان من ثروات الأرض مئة دولار كل يوم، ماذا أقول لكم؟ لذلك الغرب يعيش على تطوير الأسلحة، مرة قنبلة ذرية، مرة قنبلة هدروجينية، مرة قنبلة كيمائية، أسلحة فتاكة، تكلف مليارات، وكلها مخزنة، وكلها فاسدة، لذلك هناك ظلم شديد، تمتلئ الأرض ظلماً وجوراً.
 لذلك عامة الناس ينصهرون بهذه الأحداث القاسية، لكن المؤمنون وحدهم ولا أبالغ لا ينصهرون في الأعم الأغلب، أنت لك هدف واضح، هناك رب قال لك: الأمر بيدي يا عبدي لا تقلق، أقول كلمة دقيقة: لا تقلق على هذا الدين أبداً، إنه دين الله، ولكن اقلق ما إذا سمح الله أو لم يسمح أن تكون جندياً له، اقلق على نفسك فقط، إنه دين الله.

هدف المؤمن الأول الإيمان بالله ثم القيام بالأعمال الصالحة :

 هذه الأحداث القاسية، عشنا عمراً إذا تمّ إعدام شخص بمركز المدينة تزحف دمشق لترى إعدام هذا الشخص، الآن كل يوم يوجد مئة قتيل، كل يوم، صار خبراً عادياً، مئة، مئة وخمسون كل يوم، والناس في أتم الراحة، نحن في عصر تفكك، وليس عصر تلاحم أو عصر تعاون، كل واحد أسألك نفسي يا رب، بيته تام، دخله معقول، سيارته أمام بيته، لم يعد يهمه أحد من الناس، هذا الموقف موقف تفكك إسلامي، إن لم تقلق على مصير المسلمين فلست مسلماً، ما لم تنتمِ إلى مجموع المؤمنين، في بلده هو آمن، لا يهمه البلد الآخر الذي يذبح من الوريد للوريد، لا يهمه ستة ملايين بيت مهدمة، مليون شهيد، الأسعار عشرون ضعفاً، أبداً ما دام دخله جيداً، هذا الانتماء الفردي سبب هلاكنا جميعاً، الانتماء الفردي، ما دامت أمورك جيدة من بعدي الطوفان، قالها نيرون فدمره الله.
لذلك هذه الأحداث الخطيرة يمكن أن تأكل الناس، ويمكن للتاريخ أن يدوس عليهم وينهي حياتهم كسقط المتاع، إلا أن المؤمن وحده ولا أبالغ معه مشروع، معه منهج، معه هدف، هدفه أنه آمن إيماناً صحيحاً، هدفه يعمل عملاً صالحاً.

﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾

[ سورة الشعراء: 88 ـ 89]

﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴾

[ سورة طه:124]

 كان عندنا أستاذ في الجامعة من كبار علماء النفس، قال لنا كلمة، قال: نسبة الكآبة بأوروبا مئة و اثنتان وخمسون بالمئة، والله ما فهمنا هذه النسبة، مئة بالمئة أي جميعهم، كيف مئة و اثنتان و خمسون بالمئة؟ قال: كلهم معهم كآبة، واثنتان وخمسون يوجد معهم كآبتان، كآبة، قلق.
 يوجد كتاب أول كتاب طُبع منه مليون نسخة، دع القلق، وابدأ الحياة "لديل كارنيجي" القلق مرض العصر، قلق على مصيره، على ثروته، على بيته، على سيارته، يأتي التأمين، أكبر شركات بالعالم، أكبر دخل بالعالم شركات التأمين من قلق الناس.
 والله أنا كان لي عمل يقتضي التأمين، أشتري البضاعة وأدفع ثمنها، والتأمين أدفعه للفقراء ببلدي، نفس الرقم، عشرون سنة ما صار معي أي حادث، نفس التأمين أدفعه لفقراء بلادي، شركات التأمين أغنى شركات بالعالم، أي يوجد ترف عندهم يفوق حدّ الخيال، ويخوفك، أحياناً الطرف الآخر يخوفك، يخوفك حتى يبتزك، دقق، يخوفك حتى يبتزك، إذا كنت مع الله كان الله معك، لذلك:

كن مع الله تـرَ الله معك  واترك الكل وحاذر طـــــــــمعك
وإذا أعطاك مـن يـمنعه؟  ثم مـــن يعطي إذا ما منعك؟
***

 هذا البيت للشاعر عبد الغني النابلسي، كبار علماء الأمة، طبعاً جعلنا الله على هذا المنهج.
 الله عز وجل يقول:

﴿ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ ﴾

[ سورة آل عمران:79]

 كونوا فعل أمر، ربانيين، ثق بالله، ثق بعدل الله، ثق برحمة الله، ثق بتوحيد الله، ثق أنه لن يتخلى عنك أبداً.
 مثلاً؛ النبي الكريم أعطي دواء ذات الجنب، أي هذا دواء الورم الخبيث، اسمه ذات الجنب، فغضب، لِمَ غضب؟ قال: ذاك مرض ما كان الله ليصيبني به، مطمئن إلى حفظ الله له.

أي صفة يتصف بها رسول الله لكل مؤمن منها نصيب :

 أنا أقول لكم أنتم أيضاً: أنتم مؤمنون إن شاء الله جميعاً، ونحن معكم، الله ممكن أن يعالجنا معالجة لطيفة، لكن لا يوجد دمار، أنت غال على الله، الله عز وجل - يوجد نقطة دقيقة - أي صفة يتصف بها رسول الله لكل مؤمن منها نصيب، من الصفات المهمة:

﴿ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا ﴾

[ سورة الطور:48]

مثل شخص تزوج ولم ينجب، عشر سنوات لم ينجب، ثم أنجب طفلاً آية في الجمال، تعلق به تعلقاً مذهلاً، فأخذه للحديقة، من شدة تعلق الأب بابنه لم يبعد عينه عن ابنه ولا ثانية.

﴿ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا ﴾

[ سورة الطور:48]

 وكل مؤمن له من هذه الصفة نصيب، أنت غال على الله، تأتي مشكلات خفيفة لكن أنت غال على الله، حالة الأمن التي يتمتع بها المؤمن لا يتمتع بها معظم الناس.

﴿ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ ﴾

[ سورة آل عمران:79]

 هناك إله، لذلك الأحداث الخطيرة التي يوقعها أعداء المؤمنين بالمؤمنين، أحداث يتابعها المؤمنون، لكن أنت محصن، هذه ليست أنانية أبداً، لكن يقين بحفظ الله لك.

﴿ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾

[ سورة يوسف:64]

 وقل:

﴿ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ ﴾

[ سورة إبراهيم:5]

 لا يوجد مؤمن إلا أذاقه الله ببعض الحالات والظروف الحفظ الإلهي، نجاه.

﴿ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا ﴾

[ سورة الطور:48]

 بالتعبير الدارج؛ غال على الله، لا تقلق، لا تقلق على هذا الدين، إنه دين الله ولكن اقلق ما إذا سمح الله لك أو لم يسمح أن تكون جندياً له.

عبادة الله و التوكل عليه :

 أخواننا الكرام؛ لذلك اسمع الآية ما أدقها:

﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ﴾

[ سورة هود: 123 ]

هذه أل الأمر، ما إعرابها؟ قالوا: هذه أل الجنس، هناك أل التعريف، وأل العهد، وأل الجنس، الإنسان أل التعريف، أما الأمر فأي أمر في القارات الخمسة من آدم إلى يوم القيامة يرجع إليه، فإذا لم يكن كذلك لم يعد الله إلهك، إله بيده كل شيء.

﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ﴾

[ سورة هود: 123 ]

 أل الجنس، أي أمر بالقارات الخمسة من آدم ليوم القيامة يرجع إلى الله، إذا أنت علاقتك مع الله طيبة، أنت في أمن، واستقرار، وراحة نفسية، ولذلك:

﴿ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ ﴾

[ سورة آل عمران:79]

 الرباني ينظر إلى الله، وإلى قدرته، وعلمه، وحفظه، ومحبته، العلماء قالوا: الدعاء مخ العبادة، والدعاء هو العبادة، لماذا؟ إنك إن دعوت الله مؤمن بوجوده أولاً، مؤمن بقدرته، مؤمن بحكمته، مؤمن بمحبته، أربع نقاط أو خمس مهمة جداً تشتق من دعائك له، الدعاء هو العبادة، الدعاء مخ العبادة، لذلك:

﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ ﴾

[ سورة هود: 123 ]

 متى قال لك: فاعبده؟ بعد أن طمأنك.

﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ﴾

[ سورة هود: 123 ]

 التوكل قضية شائكة، هناك توكل وتواكل، التوكل الشرعي الصحيح الذي أراده الله أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء، ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء.
 مثلاً؛ عندك بالعيد سفر للعقبة مثلاً، أنت كمؤمن تراجع السيارة مراجعة دقيقة جداً، العجلات، المحرك، الزيت، والقشط، تراجعها كلها.
 أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء، ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشي، هذا المنهج الإسلامي، أما الله ينصرنا، ولا يوجد أية حركة إعدادية فهذا تواكل، والمتواكل لا ينصر.

الاستقامة على أمر الله :

 ماذا أقول لكم؟ نحن أقوى أمة بالأرض، معنا ثروات، أقوى أمة، هناك علاقات موحدة بيننا، ومع ذلك نحن أضعف أمة، أربع عواصم محتلة من فئات ضالة، هذه مشكلة كبيرة جداً، فأنت كمؤمن عندك مشروع، هذه عبارة حديثة، عندك مشروع تعرف الله، مشروع تطبق منهجه في نفسك، وبيتك، وعملك، ثلاث دوائر أنت محاسب عنها، أنت محاسب عن نفسك، صليت أم لم تصلّ؟ هل غضضت البصر أم أطلقت البصر؟ هل أوقعت بين اثنين أم وفقت بينهما؟ نفسك، بيتك إسلامي؟ الشاشة مضبوطة أم مفتوحة على ثلاثمئة وخمسين محطة وربعهم إباحيات، وابنك شاب بأول حياته، وابنتك شابة؟ ضبط الشاشة الآن أحد لوازم الاستقامة، تضبط ضبطاً كلياً، فقط مواقع إخبارية، ومواقع دينية، لا يوجد غيرهم، أما إذا كانت الشاشة مفتوحة فهناك مشكلة كبيرة جداً، تتفاجأ بأشياء العقل لا يصدقها، ضبط الشاشة، ضبط اللقاءات، هل هناك اختلاط؟ طبعاً يوجد اختلاط، طبعاً عينك على نساء من حولك، وتقول: والله أنا ما توفقت بزوجتي، الله أعمى قلبي وأخذتها، لأنك ترى غيرها، بمعنى التفلت.

أكبر عقاب إلهي أن يكون بأسنا بيننا :

 أخواننا الكرام، ألم يأتك تساؤل لكنه مزعج لماذا الله لا ينصرنا؟ والله عندنا ميزات تفوق حدّ الخيال، أمرنا ليس بيدنا، هذه حقيقة مرة، صدقوها لا يوجد غيرها، ليس بيدنا بيد غيرنا، أين وعود الله؟ اسمعوا الآية:

﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ ﴾

[ سورة النور: 55]

 سؤال مزعج، والحقيقة المرة أفضل ألف مرة من الوهم المريح: هل نحن الآن مستخلفون في الأرض؟ لا والله.

﴿ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ﴾

[ سورة النور: 55]

 هذا قانون.

﴿ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ ﴾

[ سورة النور: 55]

 أي دين وعد بتمكينه؟ الدين الذي ارتضاه لنا.

﴿ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً ﴾

[ سورة النور: 55]

 باقي كلمة واحدة بالآية:

﴿ يَعْبُدُونَنِي ﴾

[ سورة النور: 55]

فإن لم نعبده فالله عز وجل في حل من وعوده الثلاث، أكبر عقاب إلهي أن يكون بأسنا بيننا، أقول لكم كلمة مزعجة؟ أعداؤنا يتعاونون فيما بينهم تعاوناً مذهلاً وبينهم خمسة بالمئة قواسم مشتركة، والمسلمون يتقاتلون وبينهم خمسة وتسعون بالمئة قواسم مشتركة، قالتها ميركل، قالت: عجيب! نحن بأوروبا أديان، ملل، ونحل، وطوائف، واجتمعوا وعملوا سوقاً مشتركة، اليورو عملة وحيدة بكل أوروبا، ونحن مع كل هذه القواسم المشتركة نتقاتل.
 أخواننا الكرام؛ الحقيقة لو أنك أعطيت طفلاً بالعيد عشرة دنانير، وأخذ من خاله الثاني عشرة دنانير، ومن عمته عشرة، ومن خالته عشرة، جاء لعنده خاله، قال له: أنا معي مبلغ عظيم، دقق، مبلغ عظيم من طفل كم تقدره؟ مئة دينار بالعيد، هذا أقصى شيء، إذا قالت أمريكا: أعددنا لحرب العراق مبلغاً عظيماً، هذه نفس كلمة عظيم، معنى هذا أنهم أعدوا مئتي مليار، فإذا قال خالق الأكوان، ورب الأرباب:

﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً ﴾

[ سورة النساء: 113]

 هذا قرآن يا أخوان.

﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً ﴾

[ سورة النساء: 113]

 من قائل هذا الكلام؟ خالق الأكوان.

ضرورة طلب العلم :

 لذلك إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم، والعلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً، ويظل المرء عالماً ما طلب العلم، فإذا ظن أنه علم فقد جهل، طالب العلم يؤثر الآخرة على الدنيا، فيربحهما معاً، بينما الجاهل يؤثر الدنيا على الآخرة فيخسرهما معاً.
هذا خيار مصيري، خيار مهم جداً، فلابد من طلب العلم، الدنيا تنتفع بها إذا كنت على علم بالله عز وجل، تأخذ الحلال وتدع الحرام، أطمئن الشباب ما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا جعل لها قناة نظيفة طاهرة تسري خلالها.
 صفيحة البنزين، هذا سائل متفجر، هذه الصفيحة إذا وضعت في المستودع المحكم وسال البنزين في الأنابيب المحكمة، وانفجر في المكان المناسب بالبستونات، والوقت المناسب، ولّد حركة نافعة، أقلتك إلى مكان جميل في العيد، صفيحة البنزين نفسها صبها على المركبة، أعطها شرارة أحرقت المركبة ومن فيها، فالشهوات إما أنها قوة دافعة، أو قوة مدمرة، من الأخير.

(( أَلا إِنَّ عَمَلَ الْجَنَّةِ حَزْنٌ بِرَبْوَةٍ، وإِنَّ عَمَلَ النَّارِ سَهْلٌ بِسَهْوَةٍ ))

[ رواه أحمد عن ابن عبَّاس ]

 غلطة واحدة، أغمض عينك عملت حادثاً، فيها قضاء سلمت، فلابد من السلامة والسعادة، السلامة سلبية، والسعادة إيجابية، السلامة لا يوجد مرض خبيث يهد أركان الإنسان، لا يوجد شقاق زوجي، لا يوجد أولاد عاقون، لا يوجد فقر مدقع.

﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ﴾

[ سورة النحل: 97]

 هذه الحياة الطيبة، يقابلها:

﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴾

[ سورة طه:124]

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور