وضع داكن
20-04-2024
Logo
حياة المسلم 1- إذاعة حياة إف إم- الحلقة : 072 - روحٌ تحج.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

المذيع:
  بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وأتم الصلاة وخير التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، أهلاً ومرحباً بكم مستمعينا الكرام على الهواء مباشرةً، نتواصل في حلقة جديدة من حلقات برنامجكم مع الدكتور محمد راتب النابلسي، وباسمكم نرحب بفضيلة العلّامة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي، حياكم الله دكتور.
الدكتور راتب :
 بارك الله بكم، ونفع بكم.
المذيع:
 حفظكم الله دكتورنا العزيز، أحبتنا في الله حديثنا لهذا اليوم عن الركن الخامس من أركان الإسلام روح تحج، بإذن الله عز وجل سوف نتحدث مع دكتورنا...

العبادة علة وجود الإنسان في الدنيا :

الدكتور راتب :
 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد، وعلى آله وأصحابه الطيّبين الطاهرين، أمناء دعوته، وقادة ألوِيَتِه، وارضَ عنّا وعنهم يا ربّ العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وُحول الشهوات إلى جنّات القربات.
 في المقدمات دائماً يجب أن يبين المتكلم موضع هذا الموضوع من الكليات، فبادئ ذي بدء الإنسان هو المخلوق الأول عند الله، والمكلف، والمكرم، جيء به إلى الدنيا لعلة واحدة هي العبادة، قال تعالى:

﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾

[ سورة الذاريات: 56]

 والعبادة ليست كما يتوهمها معظم الناس عبادات شعائرية، عبادات تعاملية وشعائرية، التعاملية الصدق، والأمانة، والإخلاص، والإتقان، بنودها كثيرة جداً، شاهدها الوحيد في القرآن الكريم، سيدنا جعفر رضي الله عنه حينما سأله النجاشي عن الإسلام، فقال:

(( أيها الملك كنا قوماً أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف، فكنا على ذلك، حتى بعث الله إلينا رسولاً منا نعرف نسبه، وصدقه، وأمانته، وعفافه...))

[ ابن خزيمة عن جعفر بن أبي طالب ]

هذه الإشارة الدقيقة جداً والوحيدة للعبادة التعاملية.
 الآن أنا أرى أن العبادات الشعائرية على عظم شأنها هي لا معنى لها، ولا تقطف ثمارها، ولا وزن لها، إلا إذا صحت العبادة التعاملية، كأني وضعت يدي على مشكلة المسلمين الأولى، مادام الصحابة الكرام أتقنوا العبادة التعاملية قبل الشعائرية، نحن أهملنا التعاملية، أي إنسان عنده في البيت صورة الكعبة، والمصحف في السيارة، لكن الإسلام لا أبالغ خمسون ألف بند، كسب الأموال، إنفاق الأموال، قضاء العطل بطريقة إسلامية أو غير إسلامية، العلاقة مع من حولك، مع من دونك، مع من فوقك، العلاقة مع الأسرة، مع الوالدين، مع الجيران، موضوع طويل ولا أبالغ قد يكون خمسين ألف بند، افتح كتب الفقه، منهج تفصيلي يبدأ من أخصّ خصوصيات الإنسان من فراش الزوجية وينتهي بالعلاقات الدولية، أما العبادة الشعائرية فخمسة بنود، صوم، وصلاة، وحج، وزكاة، وشهادة، بالدليل القطعي الذي لا ريب فيه أن هذه العبادات لا وزن لها، لا شأن لها، ولا تقدم ولا تؤخر إذا اختلت العبادة التعاملية..
المذيع:
 مع أنها أركان الإسلام.

 

العبادة الشعائرية لن نقطف ثمارها إلا إذا صحت العبادة التعاملية :

الدكتور راتب :
 لا وزن لها، الأدلة، بالدين لا يوجد رأي شخصي، لولا الدليل لقال من شاء ما شاء...

(( يؤتى برجال يوم القيامة لهم أعمال كجبال تهامة، يجعلها الله هباء منثوراً، قيل: يا رسول الله جلهم لنا؟ قال: إنهم يصلون كما تصلون، ويأخذون من الليل كما تأخذون، ولكنهم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها))

[ ابن ماجه عن ثوبان]

 انتهت الصلاة، الآن الصيام:

(( مَن لم يَدَعْ قولَ الزُّورِ والعمَلَ بِهِ، فَليسَ للهِ حاجة فِي أَن يَدَعَ طَعَامَهُ وشَرَابَهُ))

[البخاري وأبو داود والترمذي عن أبي هريرة ]

ما قول الزور؟ الغش قول الزور، بضاعة وطنية تضع على القماش صنع في انكلترا، مع مكواة وشريط ذهبي تبيعها على أنه إنكليزي، قال النبي صلى الله عليه وسلم:

(( مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنَّا ))

[ الترمذي عن أبي هريرة]

 الحج:

(( من حج بمال حرام ووضع رجله في الركاب، ونادى لبيك اللهم لبيك، نودي أن لا لبيك ولا سعديك وحجك مردود عليك))

[الأصبهاني في الترغيب عن أسلم مولى عمر بن الخطاب ]

 الزكاة، قال تعالى:

﴿قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فَاسِقِينَ﴾

[ سورة التوبة: 53]

 بقي الشهادة، قال النبي صلى الله عليه وسلم:

((من قال لا إله إلا الله بحقها دخل الجنة، قيل: وما حقها؟ قال: أن تحجبه عن محارم الله))

[ الترغيب والترهيب عن زيد بن أرقم بسند فيه مقال كبير ]

 بالآيات القرآنية والأدلة القطعية أكدت لك بهذا اللقاء الطيب أن العبادة الشعائرية لا وزن لها ولا قيمة لها ولن تقطف ثمارها إلا إذا صحت العبادة التعاملية، وقيل:

(( ركعتان من ورع خيرٌ من ألف ركعة من مخلط))

[ الجامع الصغير عن أنس]

 خلط عملاً صالحاً وآخر سيئاً..

((من لم يكن له ورعٌ يصده عن معصية الله إذا خلا لم يعبأ الله بسائر عمله شيئاً))

[ مسند الشهاب عن أنس]

المذيع:
 كلنا نخطئ، كل ابن آدم خطاء.

 

لا صغيرة مع الإصرار ولا كبيرة مع الاستغفار :

الدكتور راتب :
 وخير الخطائين التوابون، سيدي الخطأ يقع أما أن تصر عليه.

(( لا صغيرة مع الإصرار، ولا كبيرة مع الاستغفار ))

[ أخرجه الحارث عن أبي هريرة وعبد الله بن عباس ]

 كيف؟ طريق عرضه حوالي ستين متراً، على اليمين واد سحيق، وعلى اليسار واد سحيق، أنت راكب مركبتك، المقود حركته سنتمتراً واحداً لو ثبت هذا السنتمتر على الوادي، لكن ليس فوراً تحتاج إلى دقيقتين، أما لو حركته كانت تسعين درجة وأرجعته تلحق نفسك..

(( لا صغيرة مع الإصرار، ولا كبيرة مع الاستغفار ))

[ أخرجه الحارث عن أبي هريرة وعبد الله بن عباس ]

 اسأل الأخوة الكرام من يستمع إلى هذا اللقاء الطيب كم أسرة عندها ألف بند عليه إشكال؟ نصلي، نحج، نضع ماء زهر في الشراب، هذا جاء من الكعبة، هذا كله لا يقدم ولا يؤخر عند الطاعة، لذلك أن يجدك حيثُ أمرك، ويفتقدك حيثُ نهاك، هذا الورع..

(( ركعتان من ورع خيرٌ من ألف ركعة من مخلط))

[ الجامع الصغير عن أنس]

 مخلوق أول، مكرم، مكلف، مكلف بالعبادة.

 

ذكر الله علة الصلاة الأولى :


العبادة بندان كبيران عبادة شعائرية، عبادة تعاملية، الشعائرية على عظمها لا وزن لها إلا إن صحت العبادة التعاملية، الشعائرية الصلاة، لا خير في دين لا صلاة فيه، الصلاة الفرض المتكرر الذي لا يسقط بحال من الأحوال، تستطيع أن تصلي برمش عيونك، تستطيع أن تصلي بهز رأسك، هذا الفرض الوحيد المتكرر، أما الصيام فيسقط عند المرض، وعند السفر، لكن يعوض، الحج يسقط عن غير المستطيع، الزكاة تسقط عن الفقير، الشهادة مرة واحدة، الكلام الأدق إعلان الشهادة من أجل الصلاة، والزكاة للصلاة، والحج للصلاة، كل العبادات هدفها الأول أن تتصل بالله، الصلاة شيء والصلة شيء، لا بد من أن تتصل، لأن الإله العظيم خالق السماوات والأرض قال:

﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي﴾

[سورة طه:14]

 إذاً علة الصلاة الأولى ذكر الله.

 

من ثمار الصلاة السكينة و الحكمة :

 آية ثانية:

﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ﴾

[سورة البقرة:152]

إذا أديت الصلوات الخمسة أديت واجب العبودية تجاه الله، لكنه إذا ذكرك ماذا يكون؟ هذا أخطر شيء في هذا اللقاء، إذا ذكرك منحك الحكمة، أثمن عطاء إلهي على الإطلاق الحكمة، أن تتصرف بالشكل المناسب في الوقت المناسب في المكان المناسب مع الشخص المناسب، هذه الحكمة، قال تعالى:

﴿ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيراً ﴾

[ سورة البقرة: 269 ]

 من ثمار الصلاة السكينة، تسعد بها ولو فقدت كل شيء، وتشقى بفقدها ولو ملكت كل شيء، هذه السكينة من أصعب الكلمات تعريفاً، هي سعادة؟ سعادة، طمأنينة، توازن، رؤية ثاقبة، قرار حكيم، موقف شجاع، سعادة في المنزل، سعادة في العمل، سعادة في الصحة، ثمار الدين كلها في السكينة، وهي تتنزل على قلب المؤمن، ليس بإمكانه أن يأخذها باختياره، هي تأتي مكافأة من الله، هناك شيء يعطى ولا تؤخذ كنعمة الأمن تعطى ولا تؤخذ، إذاً نحن دخلنا موضوع العبادات التعاملية والشعائرية، العبادات الأربعة الشعائرية تؤدى في بيتك، في بلدك، في مكان إقامتك، إلا عبادة واحدة هي الحج يجب أن تؤتى بمكان محدد، وزمان محدد.
المذيع:
 لا يوجد حج إلا في مكة..

الحج هو العبادة الوحيدة التي تؤدى في بلد آخر :

الدكتور راتب :
 مرة مسؤول كبير من مصر أدى الحج، وهو في الطائرة قال: والله أنصح أخواننا كلهم إذا أرادوا أن يحجوا أن يحجوا بمكة. لذلك الحج هو العبادة الوحيدة التي تؤدى في بلد آخر، الحقيقة الفقير لا حج عليه.
المذيع:
 ما الحكمة أنه فريضة لمرة واحدة؟ الصلاة متكررة، والصيام متكرر في كل عام؟

الصلاة شحن مستمر مع الله :

الدكتور راتب :
 أنت معك هاتف خلوي، هذا الهاتف مهما كان غالياً، لو ثمنه فلكي، ومهما كان رخيصاً يحتاج إلى شحن، إذا لم تشحنه ينقلب من هاتف إلى قطعة بلاستيكية لا معنى لها، الصلاة شحن، شحن مستمر، و هي شحن مستمر مع الله، قال تعالى:

﴿ الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ ﴾

[سورة المعارج: 23]

 الدعاء شحن، الاستعانة يا رب تبرأت من حولي وقوتي، التبرؤ شحن، والدعاء شحن، والاستغفار شحن، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم شحن، ألف قضية هي شحن للإنسان، هذا الشحن الروحي، الإنسان عندما يكون له صلة بالله فهو مشحون، عنده كمال اشتقه من كمال الله عز وجل، وهذا أخطر شيء، الله عز وجل أسماؤه حسنى وصفاته علا، أي إنسان يتصل به يشتق من رحمته رحمة، من علمه علماً، من حكمته حكمة، من محبته محبة، فالمؤمن يختلف عن غير المؤمن ليس اختلافاً بالدرجة بل بالنوع، مثلاً يقول لي: أنا عندي ذهب عياره أربعة وعشرين، أو ذهب عياره واحد و عشرين أقل، أو ثمانية عشر، أو ستة عشر، أو اثني عشر، هذا كله ذهب، فالتفاوت بالنسبة، أما التنك فهو غير الذهب، فالفرق بين المؤمن وبين غير المؤمن فرق بالطبيعة لا بالدرجة.
المذيع:
 وبين المؤمن والمؤمن بالدرجة.
الدكتور راتب :
 بالدرجة، والمؤمن وغير المؤمن إنسان آخر، لا يرعى ديناً، ولا وعداً، ولا عهداً، يلحق شهوته، مصلحته فوق كل شيء، هناك صفات كلها مقرفة، لذلك المؤمن باستقامته يصبح محبوباً، وجدوه أميناً صادقاً متواضعاً، فالإيمان قيم راسخة بأعماق الإنسان.
المذيع:
 ما الحكمة بأن الحج فريضة لمرة واحدة، ولماذا لم تفرض على الفقير؟

 

الحج كفريضة مرة واحدة و هو لمن استطاع إليه سبيلاً :

الدكتور راتب :
 هي ليست لمرة واحدة، تسقط كفريضة لمرة واحدة.
المذيع:
كنا نتحدث قبل قليل أن الروح تحج، ونحن اليوم نتحدث في هذه الشعيرة العظيمة، وهذا الركن من أركان الإسلام ركن الحج، وقد توقفنا عند أن الحج يسقط عن الفقير، من استطاع إليه سبيلاً، وأن الحج فريضة لمرة واحدة لو سمحتم التوضيح..
الدكتور راتب :
 الحقيقة أن الله عز وجل دعانا إلى بيته، حينما تقول: لبيك اللهم لبيك، معنى ذلك إجابة عن سؤال أليس كذلك؟ هناك سؤال ضمني تعال يا عبدي وذُقْ طعْم القرب مني، تعال يا عبدي وذُقْ حلاوة مناجاتي، تعال يا عبدي وانظر إلى ملكوت الأرض والسماوات، تعال يا عبدي كي أذيقك طعماً لم تذقه من قبل، إله يدعوك إلى مكان معين، هل يعقل أن يقول مدير مؤسسة إلى أحد موظفيه الكبار اذهب إلى المكان الفلاني واجلس دقيقتين وعد إلى هنا بلا سبب وبلا معنى؟ لا يفعله إنسان عادي، إله يدعوك إلى بيته الحرام معقول لا تجد شيئاً، يجب أن تجد كل شيء، لذلك النقطة دقيقة جداً: من وقف في عرفات ولم يغلب على ظنه أن الله غفر له فلا حج له، من لوازم الحج أن الله عز وجل يلقي بروعك أنه قبلك، وأنه تاب عليك.
المذيع:
 دكتور يوجد وقفات في عرفات غريبة عجيبة، فلان يشرب الأركيلة على عرفات، فلان يضيع الوقت.

العبادة صلة بالله تنعكس معاملة طيبة :

الدكتور راتب :
 هذا كله جهل كبير..
المذيع:
 هل يغفر لهم؟
الدكتور راتب :
 والله هذا من شأن الله وحده، لا أستطيع أن أتكلم، أما الحقيقة فليس من المعقول أن تقابل مسؤولاً عالياً ببلدك وتلف رجل على رجل أو تدخن أمامه؟ هذا ليس معقولاً، لو استحضرت عظمة الله عز وجل لاختلف الوضع كلياً، يوجد بعد عن معاني الحج، الحج عندما مسخناه إلى طقوس، وحركات، وسكنات، وتمتمات، انتهى الحج، الحج لقاء مع الله، ذكر لله، تلبية لدعوة الله:

((إن بيوتي في الأرض المساجد، وإن زواري فيها هم عمارها، فطوبى لعبد تطهر في بيته ثم زارني، فحق على المزور أن يكرم الزائر))

[أبو نعيم عن أبي سعيد الخدري]

فالإكرام الإلهي، إنسان أحياناً يعطيك بيتاً، سيارة، مبلغاً من المال، لكن الله عز وجل عندما يكرمك إكراماً يفوق حدّ الخيال، يكرمك بأنك عرفته، إن عرفته عرفت كل شيء، لذلك الحج عرفة، بالمعنى الواسع لا تعني حصراً أن تقف في عرفة، المعنى الواسع أن تعرف الله، وإن عرفت الله عرفت كل شيء، وإن لم تعرفه لم تعرف شيئاً، ابن آدم اطلبني تجدني، فإذا وجدتني وجدت كل شيء، وإن فتك فاتك كل شيء، وأنا أحبّ إليك من كل شيء. تعال يا عبدي وذُقْ طعْم القرب مني، ذُقْ حلاوة مناجاتي، ذُقْ حلاوة الإقبال علي.
 العبادات إذا مورست بلا فهم، ولا حكمة، تنقلب إلى طقوس لا معنى لها إطلاقاً، أما العبادة فيجب أن ترى أثرها في حياتك، في سلوكك، في بيعك، في شرائك، في مجاورتك لفلان، في علاقتك بزوجتك، بأولادك، بمن حولك، بوالديك، العبادة صلة بالله تنعكس معاملة طيبة، لذلك ابن القيم الجوزية، قال: الإيمان هو الخلق، فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك في الإيمان.
 إذا لم ترجع من الحج إنساناً آخر كلامي دقيق تقول زوجته: والله لم يكن هكذا، إنسان آخر بقيم جديدة، بأهداف جديدة، بمقاييس جديدة، الإنسان بالجاهلية مقياسه المال فقط، يدخل إلى بيت فخم يعجب بصاحبه، إذا بلغه أن هذا المال مأخوذ من مال حرام لا يعجب به، عندئذ الإنسان جزء من إيمانه تقييمه الآخرين، أنا أقول: الإيمان ثلثه معرفة الله، وكلامه، وتفسير كلامه، والثلث مواقف تقفها من الآخرين، والثلث تقييم الآخرين تقييماً صحيحاً.
المذيع:
 دكتور هذا الكلام لمن يحج، لمن يلبي هذا النداء، ولمن يستمع إلينا ولم يستطع أن يلبي هذا النداء.

 

أعمال لمن لم يكتب له الحج :

الدكتور راتب :
 العشر الأخير لغير الحجاج، هو مناسبة ليقتربوا من أجر الحجاج، إما بالصيام، أو بإطعام الطعام، أو بالتصدق، أو بأداء بعض الأموال، أو بمضاعفة قيام الليل، الذي لم يحج عليه بالعشر الأواخر، وكأن هذا الذي لم يكتب له الحج عنده أعمال إذا فعلها يصل إلى بعض ثمار الحج.
المذيع:
 هذا لمن لم يستطع أن يحج، والحج لمن استطاع إليه سبيلاً، هل ما يحدث في هذه الأيام أن الحجيج يجب أن يكونوا في سن معين أو تمنع الفيزا عن البعض وتؤخذ للبعض الآخر هذا من موضوع الاستطاعة؟

لا تؤدى طاعة بمعصية :

الدكتور راتب :
 أنا أحب أن أطمئن أخوانا الذين خضعوا لمنهج حكومي، الاستطاعة لا تعني أنك قادر مالياً فقط، ولا تعني أنك قادر صحياً فقط، لكن تعني أن أولي الأمر سمحوا لك، فإن لم يسمحوا لك لست مكلفاً أن تقدم تصريحاً كاذباً، مرة دولة إسلامية طلبت من المواطنين الذين يرغبون في الحج تقديم تصريح أنه ما حج سابقاً، الوزير منتبه للموضوع أخذ التصريحات كلها وعرضها على تاريخ الحج، كان تسعون بالمئة منهم غير صادقين، يقول: حاج ويكذب؟ هذه ليست سهلة، المؤمن لا يكذب مهما كلف الأمر، لا تؤدى طاعة بمعصية، الحاكم هو المسؤول عن الحج، هذا ولي أمر المسلمين، بهذا الموضوع بالذات، فإذا كان لحكمة بالغة استيعاب الحرم أربعة ملايين، وهو استيعابه عبارة عن مليونين، مرة كنت بالحج كان العدد أربعة ملايين، شيء لا يطاق، الصدر للظهر، والكتف للكتف، قارورة الماء لو تدفع مليون لا يوجد ماء بارد، هذا ليس طبيعياً، المملكة عملت ترتيباً أن مليوني شخص ممكن أن يحجوا براحة، هذا من تقييم أولي الأمر، وأنا أخضع له لأنه موكل.
المذيع:
البعض يحاول أن يتحايل على هذه المواضيع يحاول أن يكون معاون سائق وهو ليس كذلك.
الدكتور راتب :
 إذاً كذب.
المذيع:
 هو يريد أن يعمل طاعة.
الدكتور راتب :
 لا تبنى طاعة على معصية.
المذيع:
 يذهب ويتوب هناك.
الدكتور راتب :
 أنت تريد أن تحج ضمن المنهج أم ضمن هواك؟ هذه القصة الذي أمرك بالحج هكذا منهجه، الفكرة دقيقة:

(( إن عبداً أصححت له جسمه، ووسعت عليه في المعيشة تمضي عليه خمسة أعوام لا يفد إلي لمحروم ))

[ الجامع الصغير بسند صحيح عن أبي سعيد الخدري]

 استنبط من الحديث أن كل خمس سنوات، معنى هذا إذا كان الشخص مستطيعاً فالحد الأدنى كل خمس سنوات عليه أن يحج.
المذيع:
 كل سنة يحج أليس هذا خيراً؟
الدكتور راتب :
 الجواب الدقيق سجادة تتسع لخمسين مصلياً، يقف ألفاً أمامها؟! من له الأحقية بالصلاة على السجادة؟ الذي لم يصلِّ الفرض أم الذي صلى الفرض؟
المذيع:
 البعض يسمعنا الآن ويقول: والله أنا أريد أن أحج في كل عام بيت الله الحرام.
الدكتور راتب :
 سبع وثلاثون حجة لأنه ركب عداداً.
المذيع:
 والبعض أو جاره وأخوه لم يحج ولا مرة.
الدكتور راتب :
 الجواب العمرة أنت تختار الوقت، لا يوجد ازدحام كالحج، إذا أنت مشتاق لهذه البلاد اذهب عمرة، حججت الفرض، وممكن كل خمس سنوات أن تحج، اذهب عمرات كل سنة، لا يوجد مشكلة، لأن العمرة طوال السنة مسموح بها، إذا كان عندك شوق لهذه الأماكن، للكعبة، للمسجد النبوي، اعمل كل سنة عمرة فقط، أما الحج فأولي الأمر ارتأوا أن يكون الحج بهذا الشكل.
المذيع:
 يدخل في باب من استطاع إليه سبيلاً.
الدكتور راتب :
 الاستطاعة من ضمنها موافقة الحاكم، لأنه لا تبنى طاعة على معصية.
المذيع:
 وكل من يستمع إلينا وليس لديه فيزا، حتى وإن مات؟
الدكتور راتب :
 تسقط عنه ليس مستطيعاً، ليس مكلفاً أن يكذب حتى يحج، لا تبنى طاعة على معصية.
المذيع:
 العشر من ذي الحجة، قال النبي صلى الله عليه وسلم:

(( ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله تعالى من هذه الأيام- أي أيام العشر- قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء ))

[ البخاري عن ابن عباس ]

 كنا نتحدث عن تكرار الحج أخبرتنا عن شخص حج سبعاً وثلاثين مرة، لكن أبناءه غير متزوجين، ماذا تقول لمثل هؤلاء؟

 

عدم القبول بتكرار سنة أدت إلى ترك واجب :

الدكتور راتب :
 الحقيقة إذا أضرت النافلة بفرض فالأولى تقديم الفرض

عندما نكون في زمن صعب، في فتن كثيرة، والابن ممكن أن يغلط، فإذا إنسان زوج أولاده يكون عمل عملاً مفضلاً على العبادة النافلة، الفرض فرض لا خلاف عليه، وممكن كل خمس سنوات، أما كل سنة، والأولاد في أمس الحاجة للزواج، لتأمين بيت صغير، فهذه مشكلة كبيرة جداً، لذلك لا نقبل بتكرار سنة أدت إلى ترك واجب، هذه واحدة، قبل الذهاب إلى الحج هل في حقوق مترتبة على الإنسان؟ هل يوجد عليه ديون؟ تقصيرات؟ هل هناك قطيعة مع عدة أقارب؟ يجب أن يسويه، تفتح مع الله صفحة جديدة، الحج الحقيقة فتح صفحة جديدة مع الله عز وجل حتى يقبلك، لذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم عندما يستشهد صحابي يقول: عليه دين؟ فإن قالوا: نعم، لا يصلي عليه، يقول: صلوا على صاحبكم، صحابي خاض مع النبي صلى الله عليه وسلم غزوات عليه دين، مرة أحد أصحاب النبي توفاه الله عز وجل، فجاء النبي ليصلي عليه قال: أعليه دين؟ قالوا: نعم، قال : صلوا على صاحبكم، ما صلى عليه، فلما قال أحد الصحابة: يا رسول الله عليّ دينه، فصلى عليه، لكن في اليوم التالي سأل هذا الضامن: أأديت الدين؟ قال: لا، في اليوم الثالث سأل هذا الضامن: أأديت الدين؟ قال: لا، في اليوم الرابع سأل هذا الضامن: أأديت الدين؟ قال: نعم، قال عليه الصلاة والسلام : الآن ابترد جلده. فلذلك حقوق العباد لا يمكن التجاوز عنها إلا بالأداء أو المسامحة، أما التساهل بحقوق الله عز وجل، إذا تاجر عليه ديون ميتة، ماطل في دفعها سنوات طويلة حتى كف أصحابها عن المطالبة بها، وذهب إلى الحج، أنا اجتهادي الشخص هذا الحج لا يقبل، أدِّ الذي عليك أولاً واطلب من الله الذي لك، حقوق العباد مبنية على المشاححة، بينما حقوق الله مبنية على المسامحة.
المذيع:
 الأخوة وهم يطوفون ويسعون ويهللون نرى على شاشات التلفاز وينادون وقلوبنا تتفطر وتذرف الدماء سبحان الله نتحسر كيف لنا أن نصل إلى أجر الحاج؟

الوصول إلى أجر الحاج يكون بإتقان العبادات :

الدكتور راتب :
 أنا أقول بالضبط تقترب من هذا الأجر إذا أتقنت العبادة في هذه الأيام العشر التي نحن فيها، صيام يوم عرفة وهذه الأيام العشرة أو بعضها، التصدق بهذه الأيام، قراءة القرآن، القربات إذا أكثرت منها أو ضاعفتها في هذه الأيام تقترب من أجر الحاج.
المذيع:
 نقترب من أجر الحجيج أيضاً ممكن التكبير والتهليل وهذا من سنة النبي صلى الله عليه وسلم.
الدكتور راتب :
 أنا لي رأي دقيق بالتكبير، من قال: الله أكبر يوم العيد، وآثر طاعة زوجته على طاعة ربه، طلبت منه طلباً لا يليق، لا يريد أن يحزنها، هو ما قال بالعيد الله أكبر ولا مرة ولو رددها بلسانه ألف مرة، لأنه توهم أن طاعة الزوجة أكبر عنده من طاعة الله، الزوجة التي يحبها زوجها طلبت من زوجها شيئاً لا يرضي الله، لا أريد أن أدخل في التفاصيل، شيء لا يرضي الله، فاستجاب لها حفاظاً على مشاعرها وعواطفها، ولأنها غالية عليه كثيراً، الآن جاء العيد وكبر مع المكبرين كثيراً، هذا ما كبر ولا مرة ولو ردد التكبير بلسانه ألف مرة، هذه الحقيقة المرة، مادمنا نؤثر شهواتنا وإرضاء من حولنا، نؤثر صفقة فيها مادة محرمة، نؤثر علاقة في البيت لا ترضي الله، نؤثر مليون شيء لا يرضي الله، وقلنا في العيد: الله أكبر، هذه حقيقة مرة وهي عندي أفضل ألف مرة من الوهم المريح ما قالها ولا مرة ولو قالها بلسانه ألف مرة.
المذيع:
 التكبير بالعمل قبل أن يكون باللسان.
الدكتور راتب :
 الله أكبر من المال، من المنصب، من الذرية، أحد الصحابة له زوجة ضغطت عليه على أن يقدم لها شيئًا من الدنيا، فقال لها ما يلي: اعلمي أن في الجنة من الحور العين ما لو أطلت إحداهن على الأرض لغلب نور وجهها ضوء الشمس والقمر، فلأن أضحي بك من أجلهن أهون من أن أضحي بهن من أجلك.
المذيع:
 رضي الله عنهم وأرضاهم، في هذه اللحظات معنا اتصال أخونا أيمن تفضل..
 إذا إنسان ينوي أن يحج وعنده دين، فسدّ الدين ولم يحج هل له ثواب الحج؟

تقديم وفاء الدين على أداء العبادة النافلة :

الدكتور راتب :
 وفاء الدين مقدم على أداء العبادة النافلة، أما الفريضة فلا يوجد مشكلة، صاحب الدين سمح له أن يحج، أما عليه دين ويذهب درجة أولى في الحج فلا يصح.
المذيع:
 معنا أبو أحمد تفضل...
 أنا ذهبت للحج أنا ووالدتي منذ سبع سنوات، دائماً تقول لي: أنا ما سررت معك في الحج، لأنها كانت تريد أن تقبل الحجر الأسود وكان هناك ازدحام، لم نستطع، وأنا أحب أن أخفف عنها وأرمي الجمار عنها وهي على كرسي.

إزعاج المسلمين سيئة كبيرة :

الدكتور راتب :
 والله الإشارة إلى الحجر الأسود تقوم مقام تقبيله، لأن التقبيل مستحي، أربعة ملايين.
المذيع:
 مناظر عند الحجر الأسود أحياناً تتكشف كلياً.
الدكتور راتب :
 والله هذا لا يرضي الله، الإشارة إلى الحجر الأسود على بعد خمسين متراً فيه دعاء، تغني عنه كلياً، لأن إزعاج المسلمين سيئة كبيرة. ويجوز أن ترمي عنها الجمرات، شخص – سامحه الله - له عمل دعوي قال: كل من حج في الطابق الثاني حجه مرفوض، ارتكب جريمة، لا يوجد مكان في الأسفل..

(( وإن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم سبعين خريفاً))

[ الترمذي عن أبي هريرة ]

المذيع:
 يوم عرفة هذا اليوم العظيم اليوم الذي يغفر الله للمسلمين والمسلمات.

الحج أن تعرف الله لأنك إن عرفته عرفت كل شيء :

الدكتور راتب :
 الحديث جامع مانع، موجز مقتضب...

(( الحـج عرفة ))

[ الترمذي و أبو داود عن النعمان بن بشير]

 بالمعنى الظاهري الوقوف في عرفة فمن لا يقف في عرفة فلا حج له، المعنى الأعمق الحج أن تعرف الله، إن عرفته عرفت كل شيء، ابن آدم اطلبني تجدني، فإذا وجدتني وجدت كل شيء، أنت بعرفات إن تحدثت حديثاً عن الدنيا ضيعت الوقت، هل معقول أنت بحضرة ملك الملوك؟! عرفات كلها إقبال على الله، أنا أنصح أخوانا الحجاج لا تجلس في عرفات في الخيمة، فلان تكلم، اخرج من الخيمة واجلس تحت شجرة، ناج الله عز وجل طوال النهار، هذه أكبر نصيحة للحاج.
المذيع:
 لغير الحاج في يوم عرفة.
الدكتور راتب :
 نصوم هذا اليوم، ونقرأ القرآن، ونعمل أعمالاً صالحة، وصلاة الضحى، وقيام الليل، و مساعدة يتيم، أو قريبة.
المذيع:
 ندعو لعل الله عز وجل يستجيب لنا.

 

الدعاء :

الدكتور راتب :
 اللهم ارزقنا حجاً مبروراً، وسعياً مشكوراً، وذنباً مغفوراً، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، مولانا رب العالمين، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارض عنا، اجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً وسائر بلاد المسلمين، واحقن دماء المسلمين في كل مكان، واحقن دماءهم في الشام، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي، وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين، الفاتحة.

خاتمة و توديع :

المذيع :
 بارك الله بكم فضيلة العلّامة الدكتور محمد راتب النابلسي، سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور