وضع داكن
24-04-2024
Logo
حياة المسلم 2 - إذاعة حياة إف إم - مدارج السالكين : الحلقة 20 - الصفات السيئة
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

 الحمد لله رب العالمين، يا ربنا صل وسلم أنعم وأكرم على نبينا ورسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، نحييكم مستمعينا الكرام أينما كنتم وباسمكم نرحب بفضيلة العلامة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي، حياكم الله شيخنا وأستاذنا.
الدكتور راتب:
 بارك الله بكم، ونفع بكم، وأعلى قدركم.
المذيع:
 الله يحفظكم يا دكتور محمد، وربنا ينفعنا بعلمكم ويمد في عمركم إن شاء الله. نتحدث اليوم عن صفات الإنسان، بين الصفات السيئة والصفات الإيجابية شيخنا أبدأ حوارنا معكم، هل الصفات التي يمتلكها الإنسان، والتي يتصرف بها الإنسان شيء فطري أم أنه شيء مكتسب؟

الصفات بعضها فطري وبعضها مكتسب :

الدكتور راتب:
 الحقيقة هذا السؤال دقيق وخطير، فهناك شيء فطري وشيء مكتسب. الله برمجك على محبته

﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا﴾

[سورة الروم: 30]

 أيّ أمرٍ أمرك الله به جبلك وفطرك وبرمجك على محبته، والدليل:

﴿حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾

[سورة الحجرات: 7]

 وأي شيء نهاك عنه جبلك وفطرك وبرمجك على كراهيته.

﴿وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ﴾

[سورة الحجرات: 7]

 فالذي يستقيم يصطلح مع نفسه، لذلك سمى العلماء هذا الإسلام دين الفطرة، أي مناهجه، مبادئه، أوامره، نواهيه وفق الفطرة، فالإنسان بالإسلام يصطلح مع فطرته، وإذا المسلم بعد أن اصطلح مع فطرته، وطبق منهج ربه، وما قال ليس على وجه الأرض من هو أسعد مني فلا بد أن هناك مشكلة بإيمانه.
المذيع:
 إذاً كل تعاليم الله النفس خلقت وهي تحب أداءها، كيف نفهم هذا الكلام دكتور في حديث النبي عليه الصلاة والسلام.

الله خلق النفس لتنفذ تعاليمه سبحانه :

الدكتور راتب:
 الآية دقيقة:

﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا﴾

[سورة الروم: 30]

المذيع:
 في الحديث دكتور:

((حُفّت الجنَّةُ بالمكارِهِ، وحفَّتِ النار بالشهوات))

[مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه]

الدكتور راتب:
 أبواب الكسب الحلال مفتوحة وما حرمه الله محدود
الشهوة حيادية، من أصل مائة وثمانين درجة، سمح لك بمائة وعشرة فقط، حبب إليك المرأة فهناك زواج، حبب إليك المال فعليك بالعمل، ما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا وجعل لها قناة نظيفة طاهرة تسري خلالها، في الإسلام لا يوجد حرمان لكن يوجد ترشيد.
المذيع:
 لكن نجد أحياناً أوامر دكتور قد تخالف رغبات الإنسان، نجد أوامر شرعية قد تخالف شهواته أو رغباته.
الدكتور راتب:
 أي شيء يخالف شهواته المنحرفة، مثلاً أول شهوة المرأة، أبواب الزواج مفتوحة على مصراعيها، شهوة المال، أبواب الكسب الحلال مفتحة على مصراعيها، بل لو سألتني عن النسب المئوية أقول لك ولا أبالغ، إذا مائة رقم مطلق تسعون بالمائة مسموح به، خمسة بالمائة محرم، كم نوع طعام تستطيع أن تأكل؟ حرم عليك لحم الخنزير، كم نوع شراب؟ آلاف أنواع الشراب، العصائر كلها، حرم عليك الخمر، فنسب المحرمات للحلال خمسة بالمائة فقط، وأحياناً واحد بالمائة.
المذيع:
 إذاً رغبة الإنسان في المال، ورغبته في أي شيء هناك طريق مباح للوصول إليها وهنالك طريق محرم.

للرغبات طرق مباحة وأخرى محرمة :

الدكتور راتب:
 ما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا جعل لها قناة نظيفة طاهرة تسري خلالها.
المذيع:
 هذا الحديث:

((حُفّت الجنَّةُ بالمكارِهِ، وحفَّتِ النار بالشهوات))

[مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه]

 أي الإنسان عليه أن يبتعد عن هذه المحرمات ويلتجئ إلى الطريق المباح.
الدكتور راتب:
 السلبي من الشهوات، الذي فيه عدوان، لأن المحرم فيه عدوان.
المذيع:
 في طريق الوصول للمال نجد عدواناً على حقوق الآخرين، شيخنا موضوعنا لليوم عن الصفات، هل الصفات التي يمتلكها الإنسان كأن يقال: فلان غضوب، فلان كريم، هل هذه الصفات خُلقت مع الإنسان أم مكتسبة؟

الفرق بين الأخلاق والطبائع :

الدكتور راتب:
 هذا بحث دقيق جداً وخطير، فهناك فرق بين الأخلاق والطبائع.

((يطبع المؤمن على الخلال كلها))

[أحمد عن أبي أمامة الباهلي]

 الناس تختلف بطبائعها
تجد إنساناً انفعاله سريع وإنسان انفعاله بطيء، إنسان يحب الكليات وإنسان يحب الجزئيات، إنسان يحب بيته وآخر يحب عمله.

((يطبع المؤمن على الخلال كلها إلا الخيانة والكذب))

[أحمد عن أبي أمامة الباهلي]

 عندنا طبع وعندنا خلق، فالصدق خلق، أما الطبع شيء آخر، الطبع كلي، جزئي، تفصيلي.
المذيع:
 هل من الممكن أن نوضح الفرق بين الخلق والطبع؟
الدكتور راتب:
 لو فرضنا أنه إنساناً سأل صديقه: هل قابلت الوزير؟ يقول له: قابلته ورفض، هذه كلي، يقول لك إنسان آخر: ذهبت لمقابلته لكن الازدحام شديد، ومدير أعماله سيء جداً، انتظرت ساعتين، وكدت أرجع إلى البيت، لكن في النهاية دخلت وقابلته ووافق، الأول لم يذكر التفاصيل، لكن الثاني ذكرها، فعندك طبع تفصيلي، طبع كلي، هناك إنسان عاطفي، عواطفه جياشة، وإنسان عقلاني، هذه طبائع.

((يطبع المؤمن على الخلال كلها))

[أحمد عن أبي أمامة الباهلي]

 هناك مؤمن حاد الطبع، ومؤمن هادئ جداً.

((إلا الخيانة والكذب))

[أحمد عن أبي أمامة الباهلي]

 فإذا أدخلنا الخيانة والكذب مع الطباع هذان الطبعان مستحيل أن تتواجد في المؤمن.
المذيع:
 شيخنا نقول:

((يطبع المؤمن على الخلال كلها))

[أحمد عن أبي أمامة الباهلي]

 بمعنى أن ربنا سبحانه وتعالى خلق هذه الطبائع.

الله تعالى خلق الإنسان بصفات متنوعة :

الدكتور راتب:
 الله خلق الأشخاص في تنوع، والتنوع كمال صفات البشر تقع في حيز الوسط للتوزع الطبيعي
لو أن الناس طبعها واحد فالحياة لا تحتمل، تجد امرأة اهتمامها كبير بهندامها، حتى علماء النفس قالوا: الصفات جميعها في الإنسان، تسعون بالمائة من البشر صفاتها وسط، العناية بالشكل مثلاً تسعون بالمائة وسط، خمسة بالمائة زيادة، خمسة بالمائة نقصان، هناك تفوق بنسبة خمسة في المائة، وتخلف خمسة بالمائة، والأكثرية وسط.
المذيع:
 أي أن غالبية البشر خلقوا بتوازن في هذه الصفات، البعض يهتم بها بشكل زائد والبعض لا يهتم أبداً.
الدكتور راتب:
 مثلاً الشجاعة حل وسط، هناك تهور، وهناك جبن، التهور خمسة بالمائة، والجبن خمسة بالمائة، والكمال وسط بين طرفين.
المذيع:
 هل الأخلاق دكتور هي جزء من هذه الصفات والخلائل والطبائع؟

الأخلاق الوهبية والأخلاق الكسبية :

الدكتور راتب:
 الطباع غير الأخلاق، الأخلاق عبادة، المؤمن صادق.
المذيع:
 اسمح لي دكتورنا، عندما نقول فلان كريم، هل هو خُلق كريماً أم أنه سلوك مكتسب، اكتسبه مع الزمن؟
الدكتور راتب:
 العرب كانوا كرماء والإسلام زادهم كراما
هو خُلق بالحد الأدنى، هناك حد أدنى من الطباع مشترك بين البشر جميعاً، هناك تفوق كسبي، هناك قسم وهبي، قسم كسبي، المؤمن كريم، أولاً عنده كرم وهبي كأي إنسان عنده كرم تقرباً إلى الله عز وجل، ما دام عرف الله، وعرف الآخرة، وعرف أن هناك موت وجنة للأبد صار كرمه عمل صالح، يأتيه ضيف بعيد ينام عنده، يكرمه، يعتني فيه، يقربه إلى الله، كلما ارتقى الإنسان تصبح أخلاقه كسبية، وكلما ترك الإنسان نفسه تجد عنده أخلاق وهبية.
المذيع:
 دكتور، هل تعطنا مثالاً عن أشياء ظهرت مع خلق الإنسان وخلقت معه، وأشياء مكتسبة، حتى تتضح الصورة بشكل جيد؟

((إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق))

[البزار في مسنده والإمام أحمد في مسنده]

 كان العرب في الجاهلية كرماء وشجعان، هذه الطباع الأساسية، أما الإسلام فقد زادهم كرماً، وزادهم شجاعة.
المذيع:
 أحياناً نجد طفلين في سن متقاربة، أحدهما يهتم بالعلم والدراسة، والآخر ملول ولا يحب الدراسة.

كل إنسان في الأرض وحيد نفسه :

الدكتور راتب:
 هذا موضوع آخر، أقول لك أشياء دقيقة جداً: أكثر تشابه على الإطلاق هو التوءم الذي يكون من بويضة واحدة، ففي تجربة، توءمان طفلان من بويضة واحدة، درسوا هذا التوءم بمعنى آخر درسوا الفروق بينهما، فوجدوا اختلافاً بينهما بالطباع، وبالعادات، بالآليات الفطرية، معنى ذلك كل نفس بشرية لها هوية، توءم من أم وأب واحد، من بويضة واحدة، والفرق كبير، معنى ذلك كل نفس فريدة من نوعها، ولكرامة الإنسان عند الله خلقه فرداً، بمعنى لا يشبهه أحد، لا في طباعه، ولا في سمته، لا في تصوراته، كل إنسان في الأرض وحيد نفسه.
المذيع:
 الله خلق الإنسان فردا لا يشبهه أحد آخر
لكن هناك الكثير من الصفات المشتركة بين البشر دكتور.
الدكتور راتب:
 يوجد شيء مشترك لكن هذا لكرامة الإنسان، مثلاً أنت أمام قطيع غنم، كله مثل بعضه، أنت أمام مائة إنسان عاداتهم، تقاليدهم، طباعهم، أناقتهم، ثيابهم، بيوتهم، تختلف، لكرامة الإنسان عند الله جعلك فرداً، الله فرد، إن الله:

((خَلَقَ آدَمَ على صورَتِهِ))

[البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه]

 كلام دقيق، لكرامة هذا المخلوق عند الله جعله فرداً، الله فرد، وجعلك فرد، شيء دقيق جداً، خلق آدم على صورته، الله عز وجل خياراته واسعة جداً، أعطاك حرية الاختيار، يمكن أن تجمع المال من حلال أو من حرام، تتزوج امرأة صالحة أو طالحة، فجعلك فرداً أولاً وأعطاك حرية الاختيار ثانياً، وأعطاك إرادة.
المذيع:
 شيخنا الكريم هناك الكثير من الصفات إلى حد كبير موجودة عند غالبية البشر، كما تفضلت الله برمجها أو فطر الإنسان عليها، كالسعي نحو التفوق، والسعي نحو المال، والإكثار من الأولاد، ولكن هناك صفات متباينة أيضاً، نقول فلان غضوب، فلان هادئ، هذه الصفات وزعها الله بين الناس.

كل ما ساقه الله للإنسان هو الأنفع له :

الدكتور راتب:
 نعم لحكمة بالغة، لكن حينما تنتهي حياة الإنسان، ويقف للعرض على الله، أقول لك هذه الكلمة: كل ما ساقه الله له في حياته كلها، وكل طباعه التي أعطاه الله إياها، وكل ملابسات حياته، يكتشف في لحظة واحدة أن هذا الذي كان ليس في إمكانه أبدع مما أعطاه، لذلك يقول الخلائق جميعاً:

﴿وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾

[سورة يونس: 10]

 هذا كلام القرآن، وآخر دعوة البشر.
المذيع:
 ربنا يكشف للناس حكمة هذه التفاصيل التي أعطيت لهم هي الأنفع لهم.
الدكتور راتب:

﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ﴾

[سورة القلم: 42]

 من معاني الآية: يكشف الله للإنسان عن كل ما ساقه له، من آلام، من أحزان، من صفات إيجابية، من صفات سلبية.

﴿يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ﴾

[سورة القلم: 42]

 لذلك عندئذٍ لا يملك الإنسان إلا مقولة واحدة: الحمد لله رب العالمين.

﴿وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾

[سورة يونس: 10]

المذيع:
 الحمد لله دائماً وأبداً، شيخنا هذه الصفات التي خُلقنا وخُلقت معنا، كالغضب مثلاً هل يحاسب الإنسان عليها؟ فلان خُلق غضوباً؟ ألا يحاسب على غضبه دكتور؟

الغضب بسبب انتهاك حرمات الله مطلوب :

الدكتور راتب:
 لا لا أبداً، هذه طباعه، هذا الغضب مقبول إذا غضبت بسبب انتهاك حرمات الله.
المذيع:
 أنا أتحدث شيخنا عن الغضب الذي نراه في هذه الأيام.
الدكتور راتب:
 الغضب في سبيل الله محمود
لا هذا مقبول، إذا غضب من ابنته لأنها لم تتماسك أمام رغباتها هذا الغضب مشروع، ومن لا يغضب ابتعد عن الإيمان، هذا الغضب في سبيل الله، وهناك فكرة دقيقة يجب توضيحها، قد يغضب لأشياء كثيرة تافهة، ولا يغضب إذا انتهكت حرمات الله، لا يغضب إذا جاء من يكذب على الناس، وهو لم يغضب للكثير من الأشياء التي تغضب الأمة، ويغضب عند نقص الملح في الأكل، يغضب لأسباب تافهة، الإنسان كلما سقط من عين الله يغضب لأسباب تافهة، ويرضى لأسباب تافهة.
المذيع:
 هذا الغضب دكتور هل يُحاسَب عليه عندما يصرخ وينفعل؟
الدكتور راتب:
 طبعاً النبي قال:

((لا تَغْضَبْ))

[البخاري ومالك عن أبي هريرة]

 نهى عن الغضب.
المذيع:
 سيأتي البعض ويقول: كيف سيحاسبني الله سبحانه وتعالى على غضبي وقد خُلقت أنا غضوباً بينما أنت خلقت هادئاً؟

ضرورة السيطرة على غضبنا :

الدكتور راتب:
 الله ملكك نفسك، أعوذ بالله، أعطاك السيطرة على نفسك، خُلق الغضب من طباعك لكن عندك إرادة، هنا دور الإرادة، الله منحك الإرادة كي تفعل ما لا تشتهي.
المذيع:
 فتسيطر بها على الغضب؟
الدكتور راتب:
 الغضب تسيطر عليه بالإرادة
نعم، فالذي أهمل إرادته يحاسب على أن إرادته التي جعلها بيده لم يستخدمها.
المذيع:
 فيأتي أحدهم ويقول لك شيخنا الكريم: هذا الكلام سهل لأن طبيعتك هادئ ولا تنفعل، بينما أنا إذا تعرضت للموقف ذاته فإني أنفعل لأبعد الحدود.
الدكتور راتب:
 اسمح لي بهذه الكلمة: أي شيء يتوهم الإنسان أنه لا يستطيعه هو الشيء الذي لا يريد أن يفعله.
المذيع:
 فيتوهم حتى يرتاح.
الدكتور راتب:
 الشاهد:

﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا﴾

[سورة البقرة: 286]

 كلام الله أصدق من مليون كاذب.

﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا﴾

[سورة البقرة: 286]

 لا يوجد أمر أمرت به إلا بإمكانك أن تطبقه، فإن لم تطبقه واعتذرت بأنك لا تستطيعه معنى ذلك أنك لا تحب أن تطبقه.
المذيع:
 ومن عدل الله المطلق لطالما أن الله يحاسبني على هذه الصفة إذاً فأنا أمتلك زمام الإرادة فيها، هذا من العدل المطلق لله.

محاسبة كل إنسان يوم القيامة لامتلاكه السيطرة الكاملة على صفاته :

الدكتور راتب:
 أنت تركب سيارة وتجلس بالمقعد الخلفي، هل بيدك المقود؟ لا، هل تحاسب على خطأ بالقيادة؟ لا، أما أنت وراء المقود، لماذا انحرفت يساراً؟ الطريق ممنوع، لماذا تجاوزت الإشارة والإشارة حمراء؟ هنا تحاسب، لا تحاسب إلا على محاسبة المنهج.
المذيع:
 شيخنا الحبيب حتى نوصل الفكرة للمستمعين، ربنا سبحانه وتعالى خلق البشر وكل منهم يمتلك صفات مختلفة عن الآخر، فبعضهم هادئ، بعضهم غضوب، بعضهم كما تفضلت يهتم باللباس بعضهم يلبس بطريقة أقل اهتماماً، في المقابل كل إنسان يمتلك السيطرة الكاملة على هذه الصفات لذلك يحاسب عليها يوم القيامة.
الدكتور راتب:
 لأن الله يقول:

﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا﴾

[سورة البقرة: 286]

المذيع:
 طالما أن الله أعطانا القدرة على السيطرة عليها فمن عدله أن يُحاسب عليها يوم القيامة، السؤال الآن دكتور أين عدل الله في أن أُخلق أنا غضوباً أو أُخلق إنساناً هادئاً ويتحاسب كلانا على الغضب؟

لكل إنسان امتحان خاص :

الدكتور راتب:
 يوم القيامة يسوق الله للإنسان كل ما ساقه له، يكتشف قبل دخول الجنة أو دخول النار أن كل ما ساقه له لصالحه.

﴿يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ﴾

[سورة القلم: 42]

 من بعض معانيها، كل ما ساقه لك من أشياء إيجابية أو سلبية تكشف لك الحقيقة.
المذيع:
 شيخنا هل لكل إنسان امتحان من الله؟ بمعنى أنا قد أمتحن بالغضب وفضيلتك لا تمتحن فيه، قد يمتحن إنسان بحب الشهرة، شخص آخر لا يهتم بالشهرة، وآخر بحب المال، فهل لكل إنسان صفة سيئة يمتحن فيها؟
الدكتور راتب:
 طبعاً.
المذيع:
 لكل إنسان امتحان خاص؟
الدكتور راتب:
 الإنسان عند الله فرد، لديه صفات مشتركة، كل إنسان لديه طابع فردي، كل إنسان نسيج وحده.
المذيع:
 هل هناك أشخاص لا يوجد فيهم أي صفات سيئة وأشخاص لديهم أربع أو خمس صفات سيئة؟ أم أن لكل إنسان امتحان أو صفة؟

الكآبة ترافق المعصية والسعادة ترافق الطاعة :

الدكتور راتب:
 من أين تأتي الكآبة إذاً؟ مادام الإنسان فُطر فطرة عالية، مثلاً إذا ظلمت خادمك في البيت تحس بكآبة، والكآبة بنسب مذهلة الآن في العالم المادي.
 الكآبة ترافق المعاصي
حدثنا أستاذ من كبار علماء النفس أن نسب الكآبة في العالم الغربي مئة واثنان وخمسون بالمئة، سألناه عن هذه النسبة العجيبة، قال مئة إنسان يعانون من كآبة واحدة، واثنان وخمسون يعانون من كآبتين، الكآبة ترافق المعصية، والسعادة ترافق الطاعة.
 جزاك الله عنا كل خير يا دكتور، مصطفى أهلاً وسهلاً بك معنا بهذا الاتصال.
المستمع:
 السلام عليكم، أولاً أريد أن أبلغ سلامي لك وللدكتور محمد راتب لو سمحت.
المذيع:
 الله يكرمك يا رب يستمع إليك الشيخ وأهلاً وسهلاً بك أخي مصطفى.
المستمع:
 شيخنا كيف حالك؟
الدكتور راتب:
 الحمد لله.
المستمع:
 شيخنا الكريم جزاك الله كل خير في البداية.
الدكتور راتب:
 بارك الله بك، ونفع بك.

أسئلة المستمعين :

المستمع:
 شيخ، عندي سؤال، أنا أعمل بشركة، وأنا بطبيعة عملي مراقب، هذه الشركة تعتمد على الواسطة كثيراً، فإذا كان هذا الشخص له معرفة بالمسؤولين من الممكن أن يبقى فيها، وإذا كان لا يعرف أحداً من الممكن أن يفقد موقعه بالعمل، أنا بهذا الحالة أعاني من مشكلة صحية، وممكن بأي وقت أن أفقد عملي، أنا من سبع سنوات أعمل بهذه الشركة، وأعمل على تطويرها، أنا أبتعد عن جميع القروض الربوية، من أجل أن أكمل البيت وأتزوج وأستر نفسي من الحرام، وإن تحسن وضعي مالياً سأكمل وأبحث عن زوجة، أم تنصحني ألا أبحث عن زوجة لأنني من الممكن أن أطرد من عملي إذا جاءت واسطة أقوى؟
المذيع:
 السؤال واضح يا مصطفى، شكراً لك وربنا يجزيك الخير، شيخنا نأخذ من وقتك مع مشاركات مستمعينا ونجيب معهم واحداً واحداً بإذن الله، شكراً لمصطفى، لننتقل إلى عز الدين.
المستمع:
 سلام الله عليكم، نمسي عليك وعلى شيخنا جزاكم الله خيراً، شيخنا الفاضل سؤالنا إن شاء الله في خضم موضوعك الطيب هذا، الآن نفسية البشر تتغير بشكل ملحوظ، ونحن مضطرون للتعامل مع هذه النفسية للأسف، أصبحت سمة الحلف الكاذب هي الطاغية على البشر، والتعامل بها، وللأسف أصبحنا نتعامل مع نسب لا تستهان بها ممن يحلفون اليمين وهم غير صادقين، فهذا يؤدي في كثير من الأحيان إلى الغضب، عندما تعلم أن الإنسان الذي يحلف غير صادق تغضب منه، وتثور عليه، لأنك واثق أنه يحلف كذباً، أصادف الكثير من هؤلاء في كثير من الأحيان بحكم طبيعة عملي.
المذيع:
 إذاً السؤال أخي عز الدين عن الغضب على الأشخاص الذين يحلفون اليمين وهم كاذبون؟
المستمع:
 نعم صحيح.
المذيع:
 بوركت أخي عز الدين شكراً لك ولمشاركتك معنا. محمد تفضل معنا اتصال جديد.
المستمع:
 السلام عليكم، كيف حال الدكتور إن شاء الله تمام؟ الله يجزيك الخير يا دكتور، الله يبارك فيك، دكتور أحب أن أسأل كم مرة يمكن لله تعالى أن يسامح، أي إذا عصى الإنسان ربه كم مرة يستطيع أن يتوب ويطلب المغفرة من ربه؟
المذيع:
 سؤال مهم شكراً لك أخي محمد بارك الله فيك. لننتقل إلى فيصل بسؤال جديد، تفضل أخي فيصل.
المستمع:
 السلام عليكم، الله يعطيكم العافية، وجزاكم الله خيراً على هذا البرنامج الطيب، أريد سؤال الشيخ محمد إذا أمكن، الرسول صلى الله عليه وسلم يقول:

((الإثم ما حاك في النفس وخشيت أن يطلع عليه الناس))

 كلمة حاك الآن نعرفها يحيك، أي يخيط، ماذا يفعل الإثم بالنفس من الداخل حتى يصف الرسول صلى الله عليه وسلم كلمة حاك في النفس؟ ماذا يحيك هذا الإثم؟
المذيع:
 شكراً لك محمد الله يجزيك الخير. لننتقل لمحمد بسؤال جديد، تفضل أخي محمد.
المستمع:
 السلام عليكم، الله يجزيكم الخير، ممكن تعقيب وبعده سؤال؟ إذا تتكرم علينا بشكل سريع، ممكن البيئة المحيطة بالإنسان تظهر صفاته السيئة أكثر من صفاته الحسنة، مثل ما تفضل فضيلة الدكتور، إذا كانت الحاضنة التي حوله حسنة فستظهر أفضل ما عنده من صفات، ما تعقيب الدكتور على هذا الكلام؟
 سؤالي: كيف لي أن أُظهر مثلاً في ابني، أو في موظف عندي، أو المحيط الذي حولي، كيف أظهر له الصفات الحسنة التي هو أصلاً لا يعرفها، أو يمكن إذا عرفها لا يتمسك بها؟ الإنسان أحياناً عنده أشياء لا يعرفها أو هو لا يراها، الناس تراها فيه.
المذيع:
 الفكرة واضحة، شكراً جزيلاً لك أخي محمد.
 بارك الله فيك شيخنا الكريم، نعود للإجابة على الأسئلة من مستمعينا، مصطفى يعمل في شركة، ويخشى الآن أن يفقد وظيفته، فهل يسير في مشروعه للزواج؟ أم أن خوفه من فقدان الوظيفة يحتم عليه ألا يتزوج، ويتحمل أعباء مالية قد لا يكون قادراً على الالتزام بها؟

من طلب الحلال تكفل الله له برزقه :

الدكتور راتب:
 أنا إيماني القاطع أن الذي يسعى إلى الزواج يتكفل الله له بنفقاته، هذا الإيمان، أما إذا كنت تسعى للزواج، تسعى لتحصين نفسك بالزواج، وتسعى لإبعاد العنوسة عن امرأة...
المذيع:
 ماذا لو فقد عمله دكتور؟ كيف سينفق على بيته؟
الدكتور راتب:

﴿إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ﴾

[سورة الذاريات: 60]

 الرزاق، والله زوال الكون أهون على الله من أن تستقيم على أمره ثم لا تنال ما تريد، ولكن لا تتصور أنك إذا دعوت الله بعد ساعة تجد مليون ليرة، هذه سذاجة، لكن الله ييسر لك عملاً رزقه حلال.
المذيع:
 إذاً ما المطلوب من الشباب دكتور؟ أن يستقيم على شرع الله بالعمل، وأن يلتزم شرع الله بعيداً عن الحرام.
الدكتور راتب:
 وأن يبادر بالزواج، لأنه كلما تأخر بالزواج يجد مشكلة كبيرة.
المذيع:
 بعد ذلك الله كفيل بالرزق. عز الدين شيخنا الكريم طرح قضية.
الدكتور راتب:
 من طلب الحلال تكفل الله له برزقه.
المذيع:
 أخونا عز الدين طرح قضية الكذب، على ما يبدو ينتشر حوله موضوع الكذب عند حلف اليمين، فبداية طرح نقطة مهمة، فنحن نصدق عندما يحلف أحدنا بالله، هل أنا كمسلم مطالب بتصديق كل من حلف بالله، أم بالتحري؟

عقوبة من يحلف بالله كاذباً متعمداً :

الدكتور راتب:
 حقيقة أنا أتمنى ألا نعلق على اليمين كبير من الأهمية، أن نعلق على المعلومات التي بين أيدينا، واليمين يستأنس به فقط.
المذيع:
 لكن أنا لا أصدق كل من حلف يمين؟ بل أتحرى.
الدكتور راتب:
 أبداً، سألوا كاذباً: هل تحلف؟ فقال: جاءني الفرج.
المذيع:
 شيخنا ما عقوبة من يحلف بالله كاذباً متعمداً؟
الدكتور راتب:
 يا لطيف! شيء لا يتصور، أنت أشهدت الله على كذبك، أعوذ بالله، هناك أحاديث مخيفة جداً لا أحب أن أرويها للمستمعين، إذا إنسان حلف بالله وهو كاذب كأنه أشهد الله على كذبه، لا تقبل له صلاة أربعين صباحاً.
المذيع:
 من فعل ذلك سابقاً، هل عليه أن يستغفر ويتوب؟
الدكتور راتب:
 يتوب، باب التوبة مفتوح على مصاريعه، حتى لمن أسرف.

﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ﴾

[سورة الزمر: 53]

المذيع:
 شيخنا الكريم، هذا يقودنا إلى سؤال محمد دكتور، كم مرة يعفو الله عني؟

المؤمن لا يقنط من رحمة الله :

الدكتور راتب:
 يعفو عنك ما دمت تستغفره، لا يوجد حد، ليس لنا إله غير الله، قد تتوب خمس مرات، سبعة، ثمانية، مرتين، ما دام هناك إله يستمع إلى سؤال عباده، ما دام هناك إله يغفر، إله تواب، إله رحيم لا تقنط من رحمة الله، ويكاد القنوط يكون قريباً من اليأس، واليأس هو الكفر. المؤمن لا يقنط من رحمة الله

﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً﴾

[سورة الزمر: 53]

المذيع:
 إذاً الإنسان حينما يدخل إلى قلبه اليأس، يظن أن الله لن يغفر له.
الدكتور راتب:
 اقترب من الكفر.
المذيع:
 أما عدا ذلك يبقى بحسن ظنه أن الله يغفر له.
الدكتور راتب:
 حسن الظن بالله ثمن الجنة.
المذيع:
 ماذا تنصح المستمعين دكتور حتى لا يتجرأ الإنسان على إعادة المعصية؟
الدكتور راتب:
 لا بد من أن يكون هناك حاضنة إيمانية، يسهر مع المؤمنين، يتنزه مع المؤمنين، يسافر مع المؤمنين، حاضنة إيمانية تعينك على طاعة الله.
المذيع:
 شيخنا الكريم فيصل طرح سؤال في حديث النبي عليه الصلاة والسلام:

((الإثم ما حاك في صدرك، وكرهت أن يطلع عليه الناس))

 ما الذي يحاك في النفس دكتور بالضبط؟

الإنسان لا يُحاسَب على خواطره إلا إذا انقلبت إلى فعلٍ :

الدكتور راتب:
 حاك في النفس جاءت خاطرة، خاطرة بمعصية، والإنسان يستحي بهذه الخواطر، لأن فطرته سليمة، فعلامة اليأس أنك تستحي أن تعبر عنه، مثلاً إنسان دخل بيت صديقه فلمح أخته، هل يخطر في باله أن يرتكب معها الفاحشة؟ قد تخطر في باله، هذا شيء مخيف جداً، كرهت أن يطلع عليك الناس.
المذيع:
 البيئة تؤثر بالإنسان لكن لا تلغي إرادته
هل أُحاسَب على هذه الخواطر في داخلي دكتور؟
الدكتور راتب:
 والله هناك رأي دقيق لكن أخشى أن يُفهم خطأ، ما دام خاطراً لا تحاسب عليه، إلا إذا انقلب إلى فعلٍ، لكن إذا تساهلت فيه ينقلب إلى فعل قطعاً.
المذيع:
 والمطلوب كيف أعالجه دكتور؟
الدكتور راتب:
 أن تتبرأ إلى الله منه، يا ربي سامحني، أستغفر الله، ما دام استغفر، وتبرأ من هذا الخاطر ينتهي، أما إذا استرسلت معه، تصورت تفاصيل الخاطر، أغلب الظن ينقلب إلى فعل.
المذيع:
 ندعو المستمعين الراغبين أيضاً بالتواصل معنا، شيخنا، أخونا محمد سؤاله: ما هو دور البيئة في إظهار الصفات لدى الإنسان؟
الدكتور راتب:
 يا عيني! البيئة خطيرة جداً، لكن البيئة لا تلغي الاختيار، أنت مخير، وإذا قنعت بهذا الدين تطبقه مهما كانت هذه البيئة تعادي هذا الدين، الإنسان لو لم يكن قادراً باختياره، أو بحسن اختياره، وبإرادته القوية ما عاد مكلفاً.

﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا﴾

[سورة البقرة: 286]

 بوسع الإنسان أن يطبق منهج الله في أي ظرف صعب.
المذيع:
 البيئة تؤثر على اكتساب الصفات دكتور، لو أن إنساناً نشأ بين أشخاص صفتهم الكرم، هل يمكن مع الوقت أن يتطبع بكرمهم؟

ضرورة تطبيق منهج الله في أي ظرف :

الدكتور راتب:
 طبعاً، وله أثر إيجابي جداً، نشأت في بيئة الإسلام فيها قوي، والحرمات خطيرة.
المذيع:
 وكذلك الصفات السيئة دكتور يتطبع بها؟
الدكتور راتب:
 لذلك:

﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾

[سورة الكهف: 28]

 آية ثانية مهمة جداً:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾

[سورة التوبة: 119]

 لابد لك من حاضنة إيمانية.
المذيع:
 لذلك فضيلتك دائماً تركز على هذه النقطة لأنها تؤثر فينا شيخنا.
 لننتقل شيخنا بعد ذلك مع فضيلتكم من جديد مع مستمعينا. ياسين حياك الله.

عودة لأسئلة المستمعين :

المستمع:
 السلام عليكم، دكتوري الفاضل عندي سؤال: الآن الأمراض النفسية، العامل الوحيد الذي يؤدي إليها هي علاقتي مع الله أو قربي منه، أم أن هناك عوامل أخرى؟ أي هل قربي من الله هو العامل الوحيد الذي يبعدني عن هذه الأمراض أم أن هناك أموراً شخصية، كخلافات بين الأشخاص تحدد إصابتي بمرض معين، أو عدم إصابتي؟
المذيع:
 شكراً لك ياسين ولطرح سؤالك معنا. دكتور فقط البعد عن ربنا يمكن أن يؤدي لأمراض نفسية، أم يمكن أن تكون هناك أسباباً أخرى كالضغوط والمشاكل؟
الدكتور راتب:
 الحقيقة، قد يسبب البعد عن الله أمراضاً نفسية، ولكن هناك أيضاً تخرش بالدماغ، هذا موضوع ثان، موضوع جراحي.
المذيع:
 ممكن يكون دكتور بعض الأشياء في الحياة كأزمات حادة تؤدي إلى بعض الأمراض النفسية أيضاً؟
الدكتور راتب:
 لكن الإيمان أقوى.

((أوذيت في الله - قال النبي الكريم- وما يؤذى أحد، ولقد أخفت في الله وما يخاف أحد مثلي))

[الترمذي عن أنس بن مالك]

المذيع:
 إذاً شيخنا.
الدكتور راتب:
 الإنسان مبتلى.
المذيع:
 أفهم من كلام فضيلتكم أن الإيمان والقرب من ربنا يمنع أي أزمة نفسية عند الإنسان لكن الأزمة النفسية ليس سببها فقط البعد عن ربنا، هكذا أسباب عدة لذلك؟
الدكتور راتب:
 نعم.
المذيع:
 الله يكرمكم للتوضيح شيخنا.
 أم وليد مرحباً بك معنا باتصال جديد.
المستمعة:
 السلام عليكم، يعطيكم العافية، أريد أن أسأل الدكتور بالنسبة للطباع التي يصعب علينا التحكم بها، هناك إرادة مقابل الطبع السيئ، ولكن قد لا تستطيع بإرادتك أن تتمالك نفسك، كطبع الغيرة عند المرأة مثلاً، أو الشك، أو الظن السيئ بالناس، الله سبحانه وتعالى في الآية الكريمة يقول:

﴿إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ﴾

[سورة الحجرات: 12]

 إذاً هناك عقوبة، إذا أنا لا أستطيع أن أسيطر على هذا الموضوع، هل تنطبق الآية هنا إذا بذل الإنسان وسعه في أنه يسيطر على الطبع السيء؟
المذيع:
 جزاكِ الله خيراً، سؤال مهم جداً، كل الشكر والتقدير لك أم وليد. دكتور كيف يمكن للإنسان أن يعالج مثل هذا؟

كل صفات الإنسان لها حد أدنى وحد أعلى ضمن الوضع الطبيعي :

الدكتور راتب:
 الطباع كلها لها حدود طبيعية مقبولة، الغيرة ضرورية، لها معاني إيجابية، أخوك حفظ كتاب الله، ألا تغار منه؟
المذيع:
 التي تكلمت عنها هي الغيرة بين الأزواج دكتور.
الدكتور راتب:
 أخت كريمة تحجبت، لِمَ لا تغاري منها؟ فالغيرة مطلوبة بحدها المعقول، لكن هناك حالة مرضية منها، وكل صفات الإنسان لها حد أدنى وحد أعلى ضمن الوضع الطبيعي.
المذيع:
 أي أن مثال الغيرة الذي ذكرته أم وليد دكتور مقبول، لكن إذا انقلب إلى سلوكيات خاطئة هنا يبدأ الخطأ.

الشك والحذر مطلوبان لكن الاتهام مرفض إلا بدليل :

الدكتور راتب:
 من الغيرة إلى الغيبة، ومن الغيبة إلى الحقد، من الحقد إلى المؤامرة.
المذيع:
 من الخطأ اتهام الآخرين دون دليل
ماذا عن الشك دكتور؟ الإنسان من الممكن أحياناً أن يمتلك صفات الشك، يشك بالآخرين، بمصداقيتهم.
الدكتور راتب:
 خذ الحيطة، فهي نوع من الذكاء، دائماً السذاجة لها ثمن باهظ، مثلاً أنت لا تعرفه كيف سلمته مفتاح المحل؟ لا تعرفه إطلاقاً كيف شاركته؟
المذيع:
 إذاً أنا بالشك أحذر لكن لا أخون إلا بدليل.
الدكتور راتب:
 تأخذ الحذر دون أن تتهم.
المذيع:
 شيخنا الكريم في الدقيقة المتبقية معنا انطلاقاً من قول النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث النبوي الشريف:

((إنما العلم بالتعلم وإنما الحلم بالتحلم))

[الطبراني عن أبي الدرداء رضي الله عنه]

 هل هذه الصفات مكتسبة كالعلم، ويصبح الإنسان ذا حلم؟

إنما الحلم الأصيل بالتحلم :

الدكتور راتب:
 التحلم تصنع الحلم، هذه البداية، وهذا السبب، وبعد حين أي بعد هذا التحلم الإرادي المتعب تتصل بالله، إن اتصلت به الآن تتخلق بهذا الخلق، يصبح جزءاً من خلقك، أول شيء التحلم، تصنع الحلم، مرحلة قد تكون طويلة، إلى أن ينقلب هذا الحلم إلى أخلاقك الأصيلة، إنما الحلم الأصيل بالتحلم.
المذيع:
 ينفع أيضاً في العلم، وفي الكرم، وفي كل شيء، حتى يشعر بأنه بخيل.
الدكتور راتب:
 لا سمح الله عنده نزعة من البخل، مثلاً جاءك ضيف، وضعت له الطعام، بإرادة قوية بعد حين يصبح طبعك الكرم.
المذيع:
 أكرمكم الله ورفع مقامكم يا دكتور نختم حلقتنا بالدعاء، ونسأل الله القبول.

الدعاء :

الدكتور راتب:
 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارضَ عنا، اجعل سؤالنا مقبولاً عندك يا رب العالمين، اجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً وسائر بلاد المسلمين.

خاتمة و توديع :

المذيع:
 الحمد لله رب العالمين، بارك الله بكم فضيلة العلامة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي.
 سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.
 والسلام عليكم و رحمة الله و بركاته

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور