وضع داكن
23-04-2024
Logo
جامع التقوى - الدرس : 252 - شهر رمضان نقلة إيمانية نوعية.
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

وعود الله عز وجل بانتصار الأمة كلها معطلة :

 القرآن الكريم أيها الأخوة ضرب الأمثلة، خطر في بالي وأنا في طريقي إليكم هذا المثل: طالب ألحقه والده بالجامعة، هذا الطالب درس بجدّ، وتفوق، ونال شهادة عليا، تابع دراسته، وأخذ دكتوراه، وأتيح له وظيفة بمستوى رفيع جداً، مارس هذه الوظيفة، دخله جيد، اشترى بيتاً، اشترى سيارة، وصل إلى مرتبة اجتماعية عالية جداً، ومالية عالية جداً، له مكانة اجتماعية، وله وجوده وحضوره، هذه حالة، يوجد حالة ثانية، لم يدرس، ولم يداوم، بعثه والده للجامعة فلم يدرس و لم يداوم، لكن أعجبته الجامعة، فيها حدائق، فيها مطعم، فيها لعب بالسلة، لعب بالكرة، دخل للمطعم وسرّ كثيراً، لكن لا يوجد معه شهادة، ولا عنده وظيفة عالية، بقي بالدرجة العاشرة فرضاً بمجتمع معين، لا معه ثمن بيت، ولا معه مهر زوجة، ولا عنده حرفة يتقنها، ودخله قليل، نقول: هذا شهر رمضان، ضربت أنا مثلاً، لو كان الصيام كما أراد الله عز وجل أي النبي الكريم بحديث صحيح يقول:

(( ولن تُغْلَبَ أُمَتي مِنْ اثنا عَشَرَ ألفا مِنْ قِلَّةٍ ))

[أبو داود والترمذي عن عبد الله بن عباس ]

 أحدث إحصاء كان ملياري مسلم، كان ملياراً وثمانمئة بإحصاء ألفين وسبعة، الآن الإحصاء الأخير مليارا مسلم، مليارا مسلم ليست كلمتهم هي العليا، وليس أمرهم بيدهم، وللطرف الآخر عليهم ألف سبيل وسبيل، ما الذي حصل؟ قال:

﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً ﴾

[ سورة مريم: 59]

 وقد لقينا ذلك الغي.
 هذا الشهر حينما شرعه الله عز وجل لتكون مؤمناً متفوقاً، أنت بهذا الشهر طبعاً ضبطت الطعام والشراب، وهذا شيء بديهي، وضبطت اللسان، لا يوجد غيبة، ولا نميمة، ولا كلام فاحش، ضبطت العين، لا يوجد أفلام، ولا مسلسلات.
 أقول لكم بصراحة والحقيقة المرة أفضل ألف مرة من الوهم المريح: المجتمعات المسلمة الآن، شهر رمضان شهر ولائم، وسهرات، ومسلسلات، كلامي دقيق، يوجد مسلسلات طبعاً كل مسلسل إكراماً لشهر رمضان المبارك، الإكرام له مسلسل فاضح، فإذا كان شهر مسلسلات، وشهر ولائم، والحياة عادية، والسهرة للسحور، وننام قبل الفجر، هذا لم يعد شهر رمضان، انتقل من عبادات إلى عادات، لذلك وعود الله عز وجل بانتصار الأمة كلها معطلة.

 

الدين الإسلامي دين جماعي وفردي :

 

﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ ﴾

[ سورة مريم: 59]

 أمامي شاب، أو شابان، أو عشرة، أو عشرون ألفاً، لا يتألمون، عظمة هذا الدين أنه دين جماعي وفردي، تطبقه وحدك تقطف كل ثماره الفردية، دعك من الأمة، تستطيع أن تغض بصرك، وتضبط لسانك، تحرر دخلك، تضبط إنفاقك، تكون زوجاً صالحاً، إذا كنت متزوجاً، أو ابناً صالحاً، أو أخاً صالحاً، أو مؤمناً صالحاً، تستطيع بهذا الشهر أن تعمل مراجعة بالمصطلح الحديث دورة مكثفة، ثلاثون يوماً مكثفاً، ثلاثون يوماً صلاة الفجر بالمسجد، هذه الصلاة من صلاها في المسجد كان في حياته اليومية إنساناً آخر.

 

توظيف شهر رمضان ليكون نقلة نوعية بالإيمان :

 أخواننا الكرام؛ أتمنى - والإسلام دين النصيحة- هذا الشهر وظفه لنقلة نوعية بإيمانك، أي هذا شهر القرآن، شهر الإنفاق، شهر الزكاة، شهر غض البصر، أنا أقولها تجاوزاً، أما السنة فكلها غض بصر، ابدأ بغض البصر بحزم مستمر، وكل تمنياتي من أعماق أعماقي أن نفطر بالعيد فقط على الطعام والشراب، أما كل العادات الإسلامية من صلاة الفجر.

(( من صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله حتى يمسي، ومن صلى العشاء في جماعة فهو في ذمة الله حتى يصبح ))

 أي هذه النقلة النوعية تستمر بعد رمضان، أما لو فرضنا عدنا بعد رمضان إلى ما كنا عليه قبل رمضان فلن نستفيد شيئاً، كأنك ألغيت شهر رمضان.
 إن كان هناك عبادات معينة، إنفاق معين، غض بصر، ضبط لسان، لا يوجد سهرة مختلطة ، غيبة، نميمة، جلسة لا ترضي الله، هذا كله ممنوع، أنت من أول الشهر فتحت مع الله صفحة جديدة، وهذا ينبغي أن يستمر، صار رمضان درجاً، كل رمضان يوجد قفزة نوعية، رمضان الثاني قفزة ثانية، درج، ثالثة، رابعة، خامسة، أما واقع المسلمين فيصوم ثلاثين يوماً ثم يرجع مثلما كان.

 

رمضان دورة مكثفة :

 أخواننا الكرام؛ الدنيا ساعة اجعلها طاعة، أنت بالتعريف الدقيق الدقيق بضعة أيام كلما انقضى يوم انقضى بضع منك، أنت زمن، ولأنك زمن أقسم الله لك بمطلق الزمن، فقال:

﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ﴾

[ سورة العصر: 1 - 2]

 أي ممكن أن تقرأ كل يوم جزءاً، ممكن تقرأ جزأين، لكن الحد الأدنى كل يوم جزء، أنا أتمنى عندما تقرأ القرآن ممكن أن يكون معك قلم وورقة، هذه الآية لا تعرف معناها، اكتبها، هذه الآية توجب عليك أن تكون صادقاً اكتبها، التي تعرف معناها حاول أن تطبقها، أو افهم معناها، التق بالجامع مع عالم، مع خطيب، مع إمام، اسأله عنها، حاول بهذا الشهر أن يكون لك جزء قرآن كل يوم، ليس شرطاً أن تقرأه بجلسة واحدة، يجوز بعد الصلاة نصف جزء، استيقظت صليت الضحى تقرأ عدة صفحات، على العصر، قبل المغرب أكمل الجزء، كل يوم جزء قرآن كريم، وحاول الآيات التي تحتاج إلى تطبيق أن تضع تحتها خطاً، إذا عندك مصحف قديم اعمل خطاً أحمر عند الآية التي يجب أن تطبقها، قرأتها فهمتها.
 ثم مجلس علم برمضان مهم جداً، الإنفاق برمضان مهم جداً، أهم شيء غض البصر، غض البصر مطلوب بالسنة كلها، لكن إذا كان الشخص مقصراً يبدأ برمضان ويتابع بعد رمضان، ويجب أن تقطف ثماراً يانعة جداً، يجب أن تقول: أنا إنسان آخر، هذا الشهر بتعبير معاصر نقلة نوعية، دورة مكثفة.

 

بطولة الإنسان بعد رمضان :

 بعد رمضان أين بطولتك؟ أن تبقى صلاة الفجر في المسجد، هذا إنجاز تابعه، غض البصر تابعه، ضبط اللسان تابعه، إنفاق المال تابعه، كل الإيجابيات برمضان ينبغي أن تستمر بعد رمضان، والإنسان عندما يتوجه إلى الله عز وجل يجد من الله ترحيباً منقطع النظير، الله ينتظرنا، ينتظرنا أو ينتظر إقبالنا عليه، ينتظر إنابتنا إليه، ينتظر اتصالنا به، خلقنا ليسعدنا، يكون شهر رمضان نقلة نوعية جداً، وهذا شيء بإمكانك لا تهتم بالمجموع، أخي لا أحد يطبق ذلك، أنت طبقه، هذا الإسلام دين فردي وجماعي، فردي إن طبقته قطفت كل ثماره قطعاً، مثلاً سهرة مختلطة ليس لك مصلحة فيها، حتى بعد رمضان لا علاقة لك بها، مبدئياً بدأت برمضان لا يوجد اختلاط، امرأة لا تحل لك، قاعدة ثيابها غير محتشمة، وأنت شاب، عينك عليها، صار معك حالة انحجاب، لا تصدق، وهذه من الأخير، تخالف الشرع ويكون لك مع الله خط ساخن قطع الخط، المخالفة حجاب، هذه الحقيقة المرة التي هي أفضل ألف مرة من الوهم المريح، المخالفة حجاب، للتقريب: بائع أقمشة جاءته امرأة غير ملتزمة، متفلتة، هذا البائع ملأ عينيه من محاسنها، ليس من الضروري أن يكون هذا برمضان، أذن الظهر، وجانب المحل يوجد جامع، راح ليصلي، هل يستطيع أن تنعقد له صلة مع الله وقد ملأ عينيه من محاسنها؟ لا يقدر، يصلي، يقف، يقرأ الفاتحة، مع الأحكام، وركوع، وسجود تمام، لكن لا تنعقد له صلة مع الله؟ لا يقدر، الذنب حجاب.
 عندما تكتشف الحقيقة، وتضع يدك عليها قطعت أربعة أخماس الطريق إلى الله، أي مخالفة بالحواس الخمسة، هي باللسان، هي بالدخل، بالإنفاق، باللقاءات، بالعمل، ما أتقنت عملك، هناك غش أحياناً، هناك تدليس على البضاعة، ممكن، هذه كلها حجب، تجد وعود الله غير محققة.

الدين الإسلامي غير ممكن في الأرض وأمر المسلمين ليس بيدهم :

 يقول النبي الكريم:

(( ولن تُغْلَبَ أُمَتي مِنْ اثنا عَشَرَ ألفا مِنْ قِلَّةٍ ))

[أخرجه أبو داود والترمذي عن عبد الله بن عباس ]

 المسلمون اليوم حوالي ملياري مسلم، وترون خمس عواصم محتلة، أمرهم بيد أعدائهم، بأسهم بينهم، أمرهم بيد أعدائهم، فلا تقبل الأمر بسذاجة، هناك خلل خطير بحياتنا، من هنا:

﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ ﴾

[ سورة النور: 55]

 والحقيقة المرة أنصحكم بها هي أفضل ألف مرة من الوهم المريح، هل نحن الآن مستخلفون في الأرض؟ لا والله، قانون:

﴿ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ ﴾

[ سورة النور: 55]

 هل هذا الدين الإسلامي ممكن في الأرض أم أنه يواجه حرباً عالمية ثالثة كانت تحت الطاولة، اليوم فوق الطاولة؟
 يقول أحد أعضاء الكونغرس: بما أن الغرب مهيمن على الشرق لن نسمح بقيام حكم إسلامي، أي محاولة حكم إسلامي أنهيت، لأن الغرب قوي، ونحن ضعاف بمعاصينا، لو كان هناك طاعة:

﴿ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ ﴾

[ سورة البقرة: 249]

 سيدنا أبو بكر جاءه استنجاد من أحد قادة الجيش الإسلامي سيدنا خالد، معه تقريباً ثلاثة آلاف أو أربعة آلاف جندي، واجه ثلاثمئة ألف، فاستنجد بسيدنا أبي بكر أن يبعث له عشرة آلاف أو عشرين ألفاً، فبعث له واحداً، القعقاع بن عمرو، والله القصة لولا أنها وقعت قطعاً لا تصدق، وصل، قال له: أين المدد؟ قال له: أنا، قال له: أنت؟! قال له: أنا، معه كتاب من سيدنا الصديق، يقول الكتاب: يا خالد! والذي بعث محمداً بالحق، إن جيشاً فيه القعقاع لا يهزم، واحد وانتصروا.
 والله عندنا تاريخ ممكن أن تتمتع بقراءته متعة غير معقولة، أمة، أمة الوحيين، أمة القرآن، أمة السنة، أمة مختارة، نحن كل هذه الصفات خسرناها، لا تر جمعاً كبيراً، ليس له قيمة، نحن نحتاج إلى شيء نوعي لا نريد شيئاً كمياً، الكم شيء كثير.
 مرة مع الأسف الشديد شارون قال: متى ينتصر المسلمون علينا؟ إذا كان عدد المصلين في الفجر كعددهم بخطبة الجمعة، هذا كلام شارون ينتصرون، لكن بالفجر الحمد لله وضعهم جيد بالجامع، بغير جامع صف واحد، وأحياناً لا يكمل الصف، تأتي الجمعة في المسجد ثلاثة آلاف.

 

تطبيق الإسلام و قطف ثماره :

 أخواننا الكرام؛ أريد أن أقول للشباب: إذا أنت ترى الطرق مسدودة فأنت مخطئ، أنت طبق الإسلام الفردي، ليس الجماعي، طبق الإسلام ببيتك، بحواسك، بدخلك، بإنفاقك، بعملك الصالح، وتقطف كل ثماره في الدنيا.
 أخواننا الكرام؛ أرجو الله سبحانه وتعالى أن يكون هذا الشهر شهر غض البصر، وضبط اللسان، شهر إنفاق، شهر الزكاة، شهر صلة الأرحام، شهر الدعوة إلى الله، هذا شهر القرب من الله عز وجل، وهذا أنا أسميه دورة مكثفة، أو فرصة لتجديد إيمانك، وتجديد علاقتك بالله عز وجل.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

إخفاء الصور