وضع داكن
24-04-2024
Logo
إذاعة القرآن الكريم من الدوحة - برنامج ربيع القلوب 1 - الحلقة : 14 - شروط الدعاء المستجاب – لا يوجد شر بل خير مطلق.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

المذيع :
  بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأخوانه، ومن سار على نهجه، واقتفى أثره، واستن بسنته، وسلم تسليماً كثيراً مزيداً إلى يوم الدين، أما بعد؛ فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله أوقاتكم أخواني وأخواتي أينما كنتم بكل خير، مرحباً بكم في برنامجكم اليومي: "ربيع القلوب" برنامج قرآني إيماني نقف من خلاله على بعض آيات الله البينات تدبراً وتأملاً وعملاً، ربيع القلوب يتهادى إلى مسامعكم عبر أثير إذاعة القرآن الكريم من الدوحة، نسعد معكم ونرحب بفضيلة الشيخ محمد راتب النابلسي، أهلاً وسهلاً ومرحباً بكم شيخنا..
الدكتور راتب :
 بارك الله بكم، ونفع بكم، وأعلى قدركم..
المذيع:
 وإياكم مسمع صوتي عن آيات اليوم ثم نعود مع شيخنا لنقف معه حولها تأملات وخواطر يقول الله عز وجل:

﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أإله مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ﴾

[سورة النمل: 62]

 هذه الآية في مناسبتها لما قبلها تأتي هذه الآية في سورة النمل أولاً في سياق تعدد نعم الله تعالى على عباده، ومنها خلق السماوات والأرض، وإنزال الماء من السماء، وإنبات النبات، وجعل الأرض قراراً، وخلق الجبال، ومنها إجابة المضطر وكشف السوء، وهو موضوع هذه الآية، لو أردنا أن نتحدث عن الجزء الأول من الآية:

﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ ﴾

[سورة النمل: 62]

 من المضطر؟ وهل الدعاء مطلوب لغيره؟

 

تعلق إرادة الله بالحكمة المطلقة :

الدكتور راتب:
 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أريد قبل أن أجيب عن هذا السؤال أن أقول مقولة مهمة جداً جداً، كل شيء وقع في الأرض من آدم إلى يوم القيامة أراده الله، ماذا تعني أراده؟ لا تعني أبداً أنه أمر به، ولا تعني أبداً أنه رضيه، ولكن سمح به، فكل شيء وقع أراده الله، وكل شيء أراده الله وقع، معكوسة، وإرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة، والحكمة المطلقة متعلقة بالخير المطلق، لذلك ليس في الكون شر مطلق، لأنه يتناقض مع وجود الله، يوجد شر في ظاهره موظف للخير، أعيدها مرة ثانية..
 كل شيء وقع في القارات الخمسة من آدم إلى يوم القيامة أراده الله، لا تعني أراده أنه أمر به، ولا تعني أنه رضيه، و كل شيء أراده الله وقع، وإرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة، فالذي وقع لو لم يقع لكان نقصاً في حكمة الله، والإرادة متعلقة بالحكمة المطلقة، والحكمة المطلقة متعلقة بالخير المطلق، والشر المطلق لا يوجد بالكون، لأنه يتناقض مع وجود الله، بل يوجد شر نسبي موظف للخير المطلق، مثلاً طبيب تزوج ولم ينجب، بعد عشر سنوات أنجب طفلاً آية في الجمال، تعلق به تعلقاً مذهلاً، ثم اكتشف الأب الطبيب أن ابنه مصاب بالتهاب الزائدة، فهذا الطبيب الولهان بابنه، المحب له، يسمح بتخدير ابنه تخديراً شاملاً، وفتح بطن ابنه، واستئصال الزائدة، فكل شيء وقع في القارات الخمسة من آدم إلى يوم القيامة أراده الله، لا تعني أراده أنه أمر به، ولا تعني أنه رضيه، و لكن سمح به، وكل شيء أراده الله وقع، وإرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة، والحكمة المطلقة متعلقة بالخير المطلق..

الإنسان هو المخلوق الأول رتبة :

 الآن خلقت الخلائق جميعاً في عالم الأزل، أي شيء تراه أعيننا هو نفس، قال تعالى:

﴿ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ ﴾

[ سورة الإسراء: 44]

الجماد نفوس، النبات نفوس، والكائنات الحية نفوس، والإنسان نفس، في عالم الأزل خلق الناس جميعاً دفعة واحدة، قال تعالى:

﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ﴾

[ سورة الأحزاب : 72 ]

 فالإنس والجن قبلوا حمل الأمانة، فلما قبلوا حمل الأمانة كان الإنسان عند الله المخلوق الأول رتبة، لأنه قبِل حمل الأمانة، وكان الإنسان المخلوق الأول والمكلف بعبادة الله، والعبادة هي طاعة طوعية، ممزوجة بمحبة قلبية، أساسها معرفة يقينية، تفضي إلى سعادة أبدية. خلقنا، حياتنا بيده، موتنا بيده، الغنى بيده والفقر بيده، السعادة بيده والشقاء بيده، ومع كل ذلك ما أراد أن نعبده إكراهاً، قال تعالى:

﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ﴾

[ سورة البقرة : 256 ]

 بل أراد أن تكون علاقتنا به علاقة حب، قال تعالى:

﴿ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ﴾

[ سورة المائدة : 54 ]

﴿ وَالَّذينَ آمَنوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ ﴾

[سورة البقرة: ١٦٥]

 إذاً كل شيء وقع أراده الله، وكل شيء أراده الله وقع، والإرادة الإلهية متعلقة بالحكمة المطلقة، والحكمة المطلقة متعلقة بالخير المطلق.
 الآن الإنسان خلق لجنة عرضها السماوات والأرض فإذا شرد عن الله، واتبع شهوته، واتبع غريزته، ومال إلى مصلحته على حساب منهج الله، عندنا اسم من أسماء الله رب العالمين، رب حكيم، رب رحيم، ممكن ابن في غرفة الجلوس يقترب من المدفأة المشتعلة وهو صغير والأب جالس لا يتحرك؟ مستحيل، من رحمة الله بنا أن الله عز وجل يسوق لهذا العبد مصيبة رادعة، مصيبة فيها لفت نظر، إذاً سميت المصيبة مصيبة لأنها تصيب الهدف، يوجد كبر، يقع في موقف فيه حرج كبير، يوجد إسراف بالمال يقع في موقف فيه ضيق بالدخل، كل شيء وقع أراده الله، وكل شيء أراده الله وقع، وإرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة، والحكمة المطلقة متعلقة بالخير المطلق، لذلك قال تعالى:

﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ ﴾

[سورة النمل: 62]

الدعاء الحقيقي يحتاج إلى توبة مسبقة :

 الحقيقة يوجد موضوع دقيق جداً، قال تعالى:

﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾

[ سورة البقرة: 176 ]

يرشدون إلى الدعاء الصحيح، إذاً الدعاء الحقيقي يحتاج إلى توبة مسبقة، قال تعالى:

﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي ﴾

[ سورة البقرة: 176 ]

 فليستجيبوا لي طاعة، لعلهم يرشدون إلى الدعاء الصحيح، إلا أن رحمة الله استثنت صنفين من البشر؛ المظلوم يستجيب الهح له لا لأهلية الداعي، بل لعدل المدعو، لعدل الله، والآخر المقهور يستجيب له برحمته، يستجيب بعدله أو برحمته، قال تعالى:

﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ ﴾

[سورة النمل: 62]

 المضطر قد يكون مظلوماً وقد يكون مقهوراً، فهناك استثناء لشروط الدعاء.
 بالمناسبة التوبة من أركانها الندم الحقيقي على ما فات، والإقلاع عن الذنب فوراً، والعزيمة على ألا يعود له مسبقاً، هذه شروط التوبة، الندم واحد، الإقلاع والإصلاح، يوجد دين يؤدى الدين.

 

الأدب مع الله :

 لذلك النبي الكريم كان من عادته إذا مات أحد أصحابه كان يزور بيته قبل الدفن فصحابي اسمه أبو السائب ...

(( .. فلما توفي غسل وكفن في أثوابه، دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا عثمان بن مظعون رحمة الله عليك أبا السائب فشهادتي عليك لقد أكرمك الله.. ))

[ أخرجه الحاكم عن أم العلاء الأنصارية ]

النبي وحده من بين بني البشر كلامه تشريع، وفعله تشريع، وصمته تشريع، فإذا سكت فالذي قيل أمامه صحيح، فالنبي لم يسكت، عندما قالت:

(( .. فلما توفي غسل وكفن في أثوابه، دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا عثمان بن مظعون رحمة الله عليك أبا السائب فشهادتي عليك لقد أكرمك الله...))

[ أخرجه الحاكم عن أم العلاء الأنصارية ]

 لو سكت النبي لكان كلامها صحيحاً قال له:

((.. وما يدريك أن الله أكرمه؟ فقالت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله فمن يكرمه الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما هو فقد جاءه اليقين، فوالله إني لأرجو له الخير، والله ما أدري وأنا رسول الله ماذا يفعل بي، قالت: فوالله ما أزكي بعده أحداً أبداً ))

[ أخرجه الحاكم عن أم العلاء الأنصارية ]

 لا يوجد أعلى من النبي، ومع ذلك ليس من الأدب أن تحكم على إنسان ما بشيء ما، لذلك يوجد قوانين من استقام أكرمه الله، من عصى عاقبه الله، لكن أنت ليس مسموح لك كإنسان أن تنزل حكماً على معين، تقول: فلان الله عاقبه، هذا ليس عملك، الله أعلم، أنا أتكلم عن قوانين، من أكل مالاً حراماً أتلف الله ماله، من اعتدى عاقبه الله، من أسرف ضيق الله عليه، لكن أنا ليس مسموح لي كمسلم أن أنزل حكم الله على معين، هذا من شأن الله وحده، الإله وحده هو يحكم على الإنسان، فلما قالت امرأة: لقد أكرمك الله، وزوجها صحابي جليل لو سكت النبي لكان كلامها صحيحاً، قال لها:

((.. وما يدريك أن الله أكرمه؟ .... والله ما أدري وأنا رسول الله ماذا يفعل بي..))

[ أخرجه الحاكم عن أم العلاء الأنصارية ]

 هذا هو الأدب مع الله.
المذيع:
 شيخنا في قوله تعالى:

﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ ﴾

[سورة النمل: 62]

 ما شروط الدعاء المستجاب؟ ومن المستثنى من هذه الشروط؟

 

شروط الدعاء المستجاب :

الدكتور راتب:
 شروط الدعاء المستجاب أولاً: الندم، يجب أن تندم كإنسان وقع في ذنب، وعلم أن هذه الذنب ذنب، وهو كبيرة أحياناً، يجب أن تندم ومع الدعاء إقلاع فوري، وإذا كان هناك حقوق مع الإقلاع إصلاح، عليك دين أقلعت عن إنكار الدين، وتبت إلى الله، أدّ الدين، لذلك هناك ذنب يغفر ما كان بينك وبين الله، والصلحة بلمحة، وهناك ذنب لا يترك

ما كان بينك وبين العباد، وهناك ذنب لا يغفر أصلاً وهو الشرك بالله، ذنب يغفر ما كان بينك وبين الله، وذنب لا يترك ما كان بينك وبين العباد من حقوق يغفر بإحدى حالتين بالأداء أو بالمسامحة، وذنب لا يغفر وهو الشرك بالله، فلذلك أركان التوبة: الندم، والإقلاع مع الإصلاح، ثم عقد العزيمة على ألا يعود إلى هذا الذنب أبداً، وإذا عاد نتوب مرة ثانية، ليس لنا غير الله، مرة ثانية وثالثة لا يوجد طريق ثان، ولو ألغيت التوبة لهلك العباد، وتفاقم الأمر، إذا لم يكن هناك توبة يفعل الأكبر، لذلك قال النبي:

(( لا صغيرة مع الإصرار، ولا كبيرة مع الاستغفار ))

[ أخرجه الحارث عن أبي هريرة وعبد الله بن عباس ]

 طريق عرضه حوالي ستين متراً وأنت بسيارتك، ما هي الصغيرة؟ طبعاً هذا الطريق على اليمين واد سحيق، وعلى اليسار واد سحيق، وأنت تمشي في الوسط، الصغيرة حرفت المقود سنتمتراً واحداً، هذا الانحراف إذا ثبت إلى الوادي، فلا صغيرة مع الإصرار، لو حرفت المقود تسعين درجة وندمت ترجعه، ولا كبيرة مع الاستغفار.
المذيع:
شيخنا في قوله تعالى:

﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ ﴾

[سورة النمل: 62]

 ما سبب إجابة الله دعاء المضطر ولو كان كافراً؟

المستثنى من شروط الدعاء :

الدكتور راتب:
 قد يكون مضطراً يجيب الله دعاءه برحمته سبحانه، كافر لكنه مضطر، يجيب دعاءه برحمته، والمظلوم يجيب دعاءه بعدله، هناك استثناءان لشروط الدعاء؛ المضطر والمظلوم، المضطر برحمته، والمظلوم بعدله:

﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ ﴾

[سورة النمل: 62]

 إما مظلوم بعدله، أو المكروب برحمته.
المذيع:
 هذه الآية في مجملها ما الذي ترشدنا إليه؟

 

ضرورة الصلح مع الله :

الدكتور راتب:
  الصلح مع الله، إذا رجع العبد العاصي إلى الله نادى مناد في السماوات والأرض أن هنئوا فلاناً فقد اصطلح مع الله،

إذا وقع إنسان بذنب نادى مناد في السموات والأرض أن هنئوا فلاناً فقد اصطلح مع الله، أقسم لك بالله يدخل على قلب المؤمن التائب من السعادة ما لا يوصف، يمكن أن يقول: ليس على وجه الأرض من هو أسعد مني إلا أن يكون أتقى مني، فنحن بحاجة ماسة إلى أن نأخذ التوبة بمحمل جدي، التّواب صيغة مبالغة ليس تائباً بل توّاباً رحيماً، أي كثير التوبة، قال تعالى:

﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ* وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ*أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ ﴾

[ سورة الزمر: 53 -56]

المذيع:
 في تفسيركم عنونتم بعنوان العبارة الجميلة المعروفة ونريد منكم أن تقفوا عليها وتتحدثوا عنها إذا أردت أن تعرف مالك عند الله فانظر ما لله عندك.

الإِسلام منهج كامل يدور مع الإنسان حيثما دار :

الدكتور راتب:
الحقيقة الإنسان أحياناً يتوهم لجهله أو لتقصيره في معرفة الحق أن له عند الله أشياء كثيرة، هل سأل نفسه بالمقابل: ما لله عنده؟ هل كان ابناً باراً لوالديه؟ هل كان زوجاً صالحاً لزوجته؟ هل ربى أولاده تربية إسلامية؟ هل نصح الزبائن الذين يتعاملون معه؟ هل أنصفهم؟ هل أنصف أمه من زوجته؟ هل أعطى كل ذي حق حقه؟ أم مال ميلة واحدة؟ فلذلك أنا لا أريد أن أبالغ، لكن يتوهمون أن الإسلام فقط صوم وصلاة وحج وزكاة, الإسلام والله خمسون ألف بند، يبدأ من فراش الزوجية وينتهي بالعلاقات الدولية, يبدأ من أخص خصوصيات الإنسان، وينتهي بأكبر شيء في الأرض العلاقات الدولية, الإِسلام منهج كامل يدور مع الإنسان حيثما دار، في لهوه، في تمضية إجازته، في سهرته مع أقربائه، في أداء عمله، في معاملة أولاده، في معاملة الآخرين، كيفما تحرك هناك منهج , منهج تفصيلي يبدأ من فراش الزوجية وينتهي بالعلاقات الدولية .
المذيع:
هذا هو مفهوم أن تعرف ما لك عند الله ؟

الابن امتداد لأبيه يسعد بسعادته و يشقى بشقائه :

الدكتور راتب:
ما لله عندك, هل اخترت زوجة صالحة؟ هل اخترتها لجمالها فقط وهي غير صالحة؟ هل ربيت أولادك تربية صالحة أم يأتي للبيت الأولاد نائمون يغادر قبل أن يستيقظوا؟ أنت لست بأب إذاً, من لهم غيرك؟ الآخرون أنت لهم وغيرك لهم, أولادك من لهم غيرك؟ كنت أقول في أمريكا - زرتها كثيراً-: لو بلغت منصباً ككلينتون، وثروة كأونسيس، وعلماً كأينشتاين، ولم يكن ابنك كما تتمنى فأنت أشقى الناس, لا يوجد أحد منتبه، هذا ابنه امتداده، لا أصدق أنا أباً في الأرض يسعد بشقاء ابنه, هناك إهمال، متى يصحو؟ عندما يصبح مراهقاً وينحرف انتهى الأمر، تعلمنا في الجامعة في كلية التربية أن الطفل يربى من ساعة ولادته، كيف؟ بكى الطفل نرضعه، بكى ننظفه، الآن بكى لا نحمله أبداً، كل شيء تتمناه من ابنك يعلم منذ الولادة وحتى السنة السابعة، قال الدكتور في الجامعة: وبعد هذا السن العوض بسلامتكم. نحن نهمل أولادنا في هذه السنوات نصحو وقد انحرفوا، نصحو وقد تعلموا أشياء لا ترضي الله.
المذيع:
 شيخنا إذا عظمت الله عز وجل تعظم أمره، فإذا استجبت له استجاب لك، وهذه أول قاعدة..

تعظيم أمر الله و الاستجابة له :

الدكتور راتب:
 أقسم لك بالله يمكن بكل ذرة بجسمي، وكل خلية بجسمي، وكل قطرة بدمي مستحيل وألف ألف مستحيل أن تسأله صادقاً ثم لا يجيبك، أذكر مرة أن إنساناً يسكن في جنوب مصر على حدود السودان، أرسل ابنه إلى الأزهر ليتعلم، بعد سبع سنوات عاد يحمل الشهادة، وعيّن خطيباً في قريته، فلما ألقى خطبة أمام أبيه الأمي، بكى الأب بكاء مراً، كل من حول الأب توهموا أنه بكى فرحاً بابنه، والحقيقة خلاف ذلك، هو بكى أسفاً على جهله.
 بين صعيد مصر و القاهرة حوالي ألف كيلو متر، ركب هذا الأب حماره واتجه نحو القاهرة، وبقي يمشي شهراً إلى أن وصل إلى القاهرة، عندما وصل إلى القاهرة، قال: أين الأزعر؟ لا يحفظ اسمه، قالوا له: ما الأزعر؟ قال: مكان التعلم، قال: اسمه الأزهر، هذا الرجل كان عمره خمسة وخمسين عاماً، ركب دابته، أوصلوه إلى الأزهر، وفي الخامسة والخمسين بدأ في تعلم القراءة والكتابة، وتابع وما مات إلا شيخ الأزهر، لا تصدق وما مات إلا شيخ الأزهر، أعلى منصب ديني في العالم الإسلامي، إن القرار الذي يتخذه الإنسان في شأن مصيره قلّما تنقضه الأيام، إذا كان صادراً حقاً عن إرادة و إيمان، قال تعالى:

﴿وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ﴾

[سورة إبراهيم : 34]

 نحن أحياناً نبخل بالسؤال فقط، هو ينتظرنا، ينتظر توبتنا، ينتظر صلحنا معه، ينتظر إنابتنا، ينتظر ندمنا على أفعاله.
المذيع:
 ما معنى ويجعلكم خلفاء الأرض؟

 

المسلمون غير مستخلفين و غير ممكنين لتقصيرهم في العبادة :

الدكتور راتب:
 يستخلفكم، قال تعالى:

﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ ﴾

[ سورة النور: 55 ]

نكون قادة، نرشد الآخرين، نتسلم منصب القيادة في الأرض قيادة المجتمعات إلى هذا الدين العظيم، قال تعالى:

﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ﴾

[ سورة النور: 55 ]

 هذا أول وعد؛ الاستخلاف، والحقيقة المرة أفضل عندي ألف مرة من الوهم المريح، هل نحن مستخلفون في الأرض؟ لا والله، خمس عواصم محتلة من فئات ضالة، قال تعالى:

﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ﴾

[ سورة النور: 55 ]

 قانون:

﴿ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ ﴾

[ سورة النور: 55 ]

 هل هذا الدين ممكن؟ لا والله، يواجه حرباً عالمية ثالثة كانت تحت الطاولة، الآن فوق الطاولة، قال تعالى:

﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً ﴾

[ سورة النور: 55 ]

 في كلمة:

﴿ يَعْبُدُونَنِي ﴾

[ سورة النور: 55 ]

 فإذا قصرنا في عبادته فالله عز وجل في حلّ من وعوده الثلاثة.

 

خاتمة و توديع :

المذيع:
 شيخنا بارك الله بكم، والشكر موصول لكم أنتم أخواني وأخواتي على طيب المتابعة، وجميل الاستماع، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

إخفاء الصور