وضع داكن
19-04-2024
Logo
حياة المسلم 1- إذاعة حياة إف إم- الحلقة : 134 - مثبطات التدين.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

المذيع:
 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، يا ربنا صلّ وسلم، أنعم وأكرم على نبينا ورسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، مرحباً بكم مستمعينا الكرام في حلقة جديدة مع فضيلة العلّامة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي عن: "مثبطات التدين" نتحدث عن كل العوائق والأسباب التي تجعل كثيراً من الناس ينفرون، ويبتعدون عن التدين وعن الإسلام، سواء نتحدث عن المسلمين المبتعدين عن دينهم، وليسوا مقتنعين أنهم قريبون من ربنا، أو نتحدث عن غير المسلمين الذين يرفضون فكرة الاقتراب من الإسلام.
 نبدأ حلقتنا بقول الله سبحانه وتعالى بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:

﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾

[ سورة فصلت: 33]

 شيخنا الكريم دكتور محمد راتب النابلسي إذا كان الإسلام، وهو دين الله سبحانه وتعالى، وكان القرآن الكريم وهو الكتاب الذي أنزله الله سبحانه وتعالى على النبي الكريم ليكون لكل زمان ومكان من عصره إلى قيام يوم الساعة، كان الدين الخالد لهذا الزمان، لماذا لا يؤمن ولا يقترب منه كثير من الناس ما السبب؟

 

بطولة الإنسان أن يأخذ بالحلال ويؤدي الفرائض ويبتعد عن الحرام :

الدكتور راتب :
 لكن أريد أن أقدم مقدمة قبل الإجابة عن هذا السؤال.
في حياتنا ما يسمى بالاثنينية، يوجد خير وشر، وحياة وموت، وواجب ومكروه، دائماً عندنا بكل شيء شيئين، الآن يوجد أشياء مرغبة في الدين - بالحلقة السابقة- وأشياء منفرة، أشياء في حياتنا منفرة من الدين، والذي يفعلها يقع بإثم كبير، هذا الإثم أنه زهد الناس بعظمة هذا الدين، زهد الناس بالتطبيق، بطاعة الله.
 فكما أن الأول يرتقي بدعوته إلى أعلى عليين الثاني يهوي بتنفيره من الدين إلى أسفل سافلين.
 مرة النبي الكريم ببعض الغزوات برمضان أمسك كأس ماء وشرب وفطر، علّم أصحابه أن هناك حالات ضرورية جداً لك أن تفطر، هناك قسم لم يفطر، قال: أولئك العصاة، إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه.
 فأنت معك منهج كامل من الله، الذي أباحه لك لا يوجد به مشكلة، الذي حرمه قطعاً، الذي حلله قطعاً نأخذ به، وهناك فرائض، وواجبات، وسنة مؤكدة، وسنة غير مؤكدة، و مباح، وكراهة تنزيهية، وكراهة تحريمية، وحرام، لا يوجد شيء بحياتنا كائناً من كان وكائناً ما كان إلا ويخضع إلى أحد هذه التسميات.
 فبطولتك أن تأخذ بالحلال، وأن تؤدي الفرائض، وأن تبتعد عن الحرام والمكروهات.
المذيع:
 الله يفتح عليكم دكتور، دكتورنا ما الذي يبعد الناس عن الدين؟ ما هي الأسباب التي تجعل الناس وهم يؤمنون به وفطرهم تسوقهم إليه لكن يبتعدون؟

الشهوات تبعد الإنسان عن الدين :

الدكتور راتب :
 ركب الإنسان من عقل يدرك، وقلب يحب، وجسم يتحرك، وهناك مبادئ، وشهوات، فإذا غلبت شهوته عليه لزم الانحراف.
بالمناسبة الشيء بالشيء يذكر وكلامي دقيق جداً وعميق: ما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا جعل لها قناة نظيفة طاهرة تسري خلالها، المرأة تصل إليها بالزواج، هذه زوجتك، هي أم أولادك، لها مكانة كبيرة، هي شريكة حياتك، أما بالبغاء لساعة أو ساعتين وانقلبت من امرأة قد تكون أماً كبيرةً، وزوجةً ناجحة، إلى إنسانة بغي، محتقرة في الأرجاء كلها.
المذيع:
 دكتور، كما تفضلتك، وأيضاً كما ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام:

((إن منكم لمنفرين))

[صحيح عند ابن خزيمة عن أبي مسعود الأنصاري]

 فالحديث يدعو الإمام ألا يطيل الصلاة على المأمومين، سنتدارس هذا السبب باعتباره واحداً من الأسباب التي قد تكون من المثبطات التي تدفع كثيراً من الأشخاص ليبتعدوا عن الدين، سواء مسلم لا يحب دينه، أو غير مسلم لا يفكر أصلاً أن يعتنق هذا الدين، المسلمون أنفسهم دكتور، اسمح لي أن أبدأ بداية بأهل العلم وبالدعاة، وبالأئمة، ما هي بعض السلوكيات بحسن أو بسوء نية التي يتصرف من هم بهذه الفئة منها فقد تكون سلبية وتؤتي نتائج عكسية تنفر، ولا تبشر بهذا الدين.

 

الابتعاد عن التشدد و التعنيف :

الدكتور راتب :
 أنا الذي أفهمه أن هذا المؤمن شاء أم أبى هو داعية، لكنه غير محترف، الله أمره أن يدعو إلى الله.

﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ﴾

[ سورة النحل: 125 ]

 فإذا كانت الدعوة فيها خلل، فيها تشدد، فيها قهر، فيها تعنيف شديد، صار منفراً، دون أن يشعر فعل عكس مهمته.

((إِنَّ اللهَ كتبَ الإحسانَ على كلِّ شيءٍ))

[مسلم عن شداد بن أوس]

 ما من مخلوق إلا وهو يحب الإحسان، فإذا فعل معه الإساءة نفره من هذا الدين، لذلك عندنا قدوة، وعندنا منفر بالضبط، القدوة مشجع، الآخر منفر من الدين.
المذيع:
 كيف يمكن للإمام دكتور أن يخطئ فيكون سلوكه تنفيراً بدل من أن يكون تحبيباً لخلق الله بدين ربه.

 

النصيحة بلطف و الابتعاد عن الفضيحة :

الدكتور راتب :
 إذا وجد إنسان ارتكب خطأ أثناء صلاته، والجلسة يوجد بها عشرون شخصاً، عنفه عليها.
المذيع:
 بشكل علني.
الدكتور راتب :
نعم، أنا أتمنى على الأخوة المستمعين والمشاهدين دائماً وأبداً انصح بينك وبينه، فإذا فعلت هذا أمام الناس انقلبت من نصيحة إلى فضيحة، ولا يوجد إنسان تنصحه أمام الملأ إلا يتشبث بالباطل بعناد.
المذيع:
 دكتور بعض الناصحين من المسلمين ينصحون باهتمامهم بالكلمات لكن دون اهتمامهم بالأسلوب، أي قد يوبخك بكلمات شديدة، قد يتهمك ببعض الاتهامات، أقول لك: أنا بالنهاية لي أن أنصحك، هذا دين ربنا، لا تأخذ ما تريد و تترك ما لا تريد، الله يحاسبك، ما رأي حضرتكم؟
الدكتور راتب :
 هذا منفر سيدي، ممكن تنصح مثلاً له عشرة أخطاء كبيرة له، ابدأ بواحدة، من حين لآخر الثانية، عندما يكون عددهم كبيراً أصبح هناك تنفير، صرت أنت مثل وصي عليه، بالدين لا يوجد وصاية.

((يا داود ذكر عبادي بإحساني إليهم، فإن النفوس جبلت على حب من أحسن إليها، وبغض من أساء إليها))

[ ورد في الأثر]

المذيع:
 أنقل إلى فضيلتكم ما سمعت مرة من المرات عبر التلفاز لأحد برامج الفتاوى، سألت الزوجة المفتي: ما حكم زوجي وهو تارك للصلاة وحكمي أن أبقى على ذمته؟ الشيخ أخذ جانباً من الفقه وكان جوابه شيخنا كالتالي: زوجك إذا مات يدفن وحيداً كالكلاب في الصحراء ولا يصلى عليه، ما رأيك فضيلتكم؟

 

الدعوة إلى الله باللطف و الحكمة :

الدكتور راتب :
 سألوا الإمام الغزالي السؤال نفسه، ما حكم تارك الصلاة؟ قال له: الحكم أن تأخذه معك إلى المسجد.
المذيع:
 لم يقل فاسق، أو كافر.
الدكتور راتب :
 لا، أبداً، انظر الحكم بينهما، والله يوجد فتاوى منفرة، الدعوة تحتاج إلى حكمة بالغة، إلى لطف، إلى إنسانية، إلى رحمة، إلى حكمة، ما الدعوة؟ تدعو إلى الله كاملاً، الله كامل.
المذيع:
 ونعمة بالله سبحانه وتعالى .

﴿ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾

[ سورة آل عمران: 159]

 هذه الآية قيلت في النبي صلى الله عليه وسلم شيخنا؟

 

قانون الالتفاف و الانفضاض :

الدكتور راتب :
 هذه الآية دقيقة جداً جداً، قال تعالى:

﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ﴾

[ سورة آل عمران: 159]

 أي يا محمد بسبب رحمة اشتقت من اتصالك بنا، كنت ليناً لهم، وأنت أنت، وأنت النبي، وأنت المرسل، وأنت الداعية، وأنت أنت:

﴿ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ ﴾

 يخاطب النبي الكريم.

﴿ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ﴾

[ سورة آل عمران: 159]

أي هذا القلب بإقبالك على الله يمتلئ رحمة، هذه الرحمة التي امتلأ بها قلبك تنعكس ليناً، هذا اللين يجعل من حولك يلتفون حولك، ولو انقطع الإنسان عن الله، لامتلأ القلب قسوة، ولانعكست القسوة غلظة، عندئذٍ ينفض الناس من حولك، هذا سميته قانون الالتفاف والانفضاض، اتصال، رحمة، لين. التفاف، انقطاع، قسوة، غلظة، انفضاض.
المذيع:
 طالما أنه نبي من عند الله، وجاء برسالة التوحيد لكن رغم كل هذا لابد للكلمة اللينة أن تكون هي غلاف لهذا الكلام.
 إذاً دكتور أي داعية يعتقد أنه المهم يوصل فكرته، ولا يهتم للكلام والأسلوب قد خالف هذا النص القرآني.
الدكتور راتب :
 ما نجح، صار منفراً.
المذيع:
 كلام خطير، وكلام مهم جداً.
 نواصل حلقتنا والتي نتحدث عن مثبطات تبعد كثيراً من الأشخاص عن الدين، بدأنا الحديث عن بعض الأخطاء، ونقول بعض التي يرتكبها بعض العلماء أو الخطباء في تنفير بدل من تحبيب الناس بالدين، ولابد لنا أن نشكر الجميع جزاهم الله خيراً لجهودهم كبيرة، ولا بد للأخطاء أن يشار إليها.
 تفضل شيخنا.
الدكتور راتب :
 كنت في البرازيل، في سان باولو، اضطررت إلى إلقاء محاضرة في أكبر صالة في المدينة، أي كانت الصالة ممتلئة، في منتصف المحاضرة دخلت فتاة من الباب الخلفي، هو باب بعيد جداً بآخر الصالة، بلا أكمام، قال لي شخص متشدد: هي من المعقول أن تسمح لها بالدخول؟
المذيع:
 بشكل علني.
الدكتور راتب :
 هو سألني سؤالاً، قلت له: هذه بإمكانها ألا تأتي إطلاقاً، لماذا جاءت؟ جاءت على مظنة أن تنتفع من هذه المحاضرة، إذا أنت لم تكن قاس معها قربتها إلى الدين.

﴿ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾

المذيع:
 دكتورنا هذه النظرة التي يحملها بعضنا النظر لغير المتدين على أنه مرفوض.
الدكتور راتب :
 هو إنسان سيدي.

(( يا داود ذكر عبادي بإحساني إليهم، فإن النفوس جبلت على حب من أحسن إليها، وبغض من أساء إليها))

[ ورد في الأثر]

المذيع:
 هنا نسأل فضيلتكم سؤالاً، شيخنا هل هناك حرمة لو أن الإنسان غير متدين، أو الفتاة لم تكن ملتزمة بضوابط هذا الشرع بحضور درس دين؟

 

الابتعاد عن التقوقع و الانعزال :

الدكتور راتب :
 من لها غيرك؟ كذا مرة أقول: يا أخي ابنك، هذا الآخر أنت له وغيرك له، أما ابنك فمن له غيرك؟ الفتاة من لها غير الدعاة؟ معقول شخص ملحد يوجهها أو شخص شهواني يبلغها؟
المذيع:
 لم نرحب بها في مجالس العلم إذاً ندعوها للابتعاد أكثر وأكثر.
الدكتور راتب :
 نعم.
المذيع:
 أنا أعتقد دكتور أنه قد يكون من الأولوية بالعكس البحث عن غير المتديين لحضور مجالس العلم.
الدكتور راتب :
 الدين ليس بحاجتك، مرة قال لي شيخ توفي رحمه الله: ابني الجيد لا يحتاجك، أنت يحتاجك شخص رديء، أي سيئ، بحلمك، بلطفك، بتدرجك بالنصيحة.
المذيع:
 لكن بالمقابل إذا تقوقعنا وانعزلنا عنهم دكتور انتهينا.
الدكتور راتب :
 ونحن انتهينا أيضاً، هم يعيشون إن لم تتقرب منهم بطريقة أو بأخرى لكن طبعاً مع حفظ ماء الوجه لا تستطيع.
المذيع:
 أنتقل إلى نقطة جديدة مع فضيلتكم دكتور، فكرة الانعزال والتقوقع، هذه من القضايا التي تتسبب في بعد كثير من الأشخاص عن الدين، جاره مثلاً غير متدين دكتور، لا يتكلم معه، لا يزوره، لأن عنده مخالفات، فجاره المتدين منقطع عنه تمام الانقطاع، ما رأي فضيلتكم بمن ينعزل عن دينه ولا يتعامل مع الآخر؟

كيفية التعامل مع الآخر :

الدكتور راتب :
 الأسئلة دقيقة جداً، هذا السؤال الدقيق له عندي جواب دقيق: عندنا لعبة اسمها شد الحبل

إذا أنت جلست مع شخص متفلت، وتمكنت بسهرة طويلة أن تقنعه ليصلي، أنت معنى هذا تمكنت أن تشده إليك ليتابع للنهاية، أما إذا شدك إليه فتتركه فوراً، إذا تمكن أن يشدك إلى معاصيه، إلى شهواته، والله هذه الحياة حلوة، أعوذ بالله، فهذا الضابط هو شد الحبل، إن استطعت أن تشده إليك اجلس معه، ولو كان لا يطبق شيئاً من الدين، أما إذا تمكن أن يشدك إليه فانتهى الأمر.
المذيع:
 كلام جميل، أما فكرة التقوقع والانعزال اسمح لي أن أضرب مثالاً شيخنا؟
الدكتور راتب :
 هل هناك نبي تقوقع واعتزل؟ أين تصبح دعوته؟
المذيع:
 لماذا نتقوقع نحن؟
الدكتور راتب :
 خطأ منا، خطأ من توجيهنا، عندنا خطأ بالخطاب الديني سيدي، خطأ بالخطاب الديني كبير جداً، هذا الآخر من له غيرك؟ من له غيرك؟ معقول ينصحه شخص فاسق؟!
المذيع:
 كثير من البيئات الملتزمة هو حريص أن يبقى في مدرسة إسلامية، ويتعالج في مستشفى إسلامي، ويشتري من مكتبة إسلامية، ويذهب مع سائق سيارة أجرة متدين، وملتح، ولا يريد أن يحتك أي احتكاك بالطرف الآخر.

حرص الإنسان على منهج الله عز وجل بشكل كامل :

الدكتور راتب :
 والله أنا أعرف شخصاً حريصاً على ابنه حرصاً يفوق حدّ الخيال لدرجة أنه لا يتمكن أن يتكلم مع أي إنسان، من المدرسة لبيته بسيارة مع سائق، اضطر أن يسافر إلى أمريكا، أخته هناك جاءها مرض خطير، صاحب فلبينية، بسبب التشدد الذي كان مطبقاً عليه كان يعرف شيئاً بشكل خاطئ، شيئاً ليس ممارسة، يعرفه حتى يتجنبه.
المذيع:
 أي يعرف أن الخطأ موجود لكنه حرام، لكن طبعاً ليس معنى هذا أن يتذوقه أو يقربه.
الدكتور راتب :
 لا، ليست هذه هي الفكرة، يعرف أن هناك خطأ، علاقة لا ترضي الله، عندما تعطي الإنسان المنهج الكامل، تعطيه السلبي منه أيضاً.
المذيع:
 لذلك ذكر الله مثلاً بعض الموبقات في كتابه الحكيم كتناول الخمر، ليست دعوة لها وإنما أنها موجودة.
الدكتور راتب :
 دعوة لتجنبها.
المذيع:
 فلا تتفاجأ إن وجدتها في الحياة، الله يفتح عليكم دكتور، شيخنا الكريم أيضاً من القضايا التي تكون من المثبطات أو ابتعاد مجموعة من الناس عن ربنا سبحانه وتعالى أنهم يعتقدون أن الدين صعب عليك، إذا أردت أن تكون متديناً أن تصلي قيام الليل كل يوم، وعليك أن تحفظ كتب الأحاديث الستة، وعليك أن تدرس مناهج الفقة الأربعة.

الشرع واقعي و لكل إنسان :

الدكتور راتب :
 هذا الكلام خطير جداً، وخاطئ.

﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ ﴾

[ سورة البقرة: 286 ]

 الخبير العليم.

﴿ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا﴾

[ سورة البقرة: 286 ]

أما إذا شخص تشدد أي تجاوز الحد، تشدد أي بالغ بتكبير الشيء، هذا غلط كبير.

﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا﴾

 منهج الله من عند الخبير، والخبير هو الوحيد العليم بإمكانية الإنسان، فلا تصدق أن هناك شيئاً أمرنا الله به لا نستطيع أن نفعله.
 لكن عالم النفس ماذا قال؟ قال: الشيء الذي تتوهم أنك لا تستطيع أن تفعله هو الشيء الذي لا تريد أن تفعله.
المذيع:
 أن تعيش بالوهم، هذه الصورة دكتور تتولد أحياناً من بعض الناس، أضرب مثالاً لحضرتكم سيدنا، قد يتابع درساً لفضيلتكم، فيرى ما شاء الله تستشهد بآيات، وبأحاديث، وبآراء للعلماء، فيعتقد أن هذه المهمة صعبة جداً إذا أراد أن يكون في هذا الاتجاه.
الدكتور راتب :
 سيدي عندنا مسلَّمة، حينما يتوهم الإنسان أن هذا الشرع غير واقعي، ولا يطبق، فهذا صار نوعاً من الكفر، هذا الشرع واقعي، واقعي لكل إنسان، ليس للمتفوقين، ليس للعباقرة، ليس للأولياء، للأشخاص العاديين.

﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا﴾

المذيع:
 والمسلم مطالب بالفرائض، إن زاد زاده الله، وليس مطالباً بكل شيء.
 القضية الأخرى دكتور: هل يبدأ مع الإنسان حديث التدين في كل تعاليم الشريعة؟

 

التدرج في الدعوة إلى الله :

الدكتور راتب :
 لا، نقطة واحدة، عفواً، ممكن قرآن يتلى إلى يوم القيامة، يوجد آية بقيت:

﴿ لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى ﴾

[ سورة النساء: 43]

 هذه الآية منسوخة، لماذا بقيت؟ يعلمك كيف الله حرم الخمر بالتدريج، وأنت إذا كنت بمجتمع متفلت لا تطالبه بكل بنود الشرع، طالبه بواحدة، تعال صلّ معنا الفجر، والدرس ربع ساعة، ولطيف، وأخ دعاه إلى بيته بعد الفجر، أي وجد مجتمعاً راقياً، لا تقل له: هذه حرام، وهذه حرام، لم يعد يريد الدين كله.
المذيع:
 سأدخل في مثال حقيقي دكتور: أنا شاب لباسي فيه شيء من الخطأ، أرتدي سلسالاً على رقبتي، وقد يكون فيه مخالفة، أدخن مثلاً، أستمع إلى الأغاني، وبدأت أصلي في المسجد، من يفترض أن يحتضنني بالمسجد من أخواني في الله؟

 

من يعرف الله يمتلئ قلبه حكمة و سعادة :

الدكتور راتب :
 تجاهل كل هذه الأغلاط.
المذيع:
 جميعها، يركز على ماذا فقط دكتور؟
الدكتور راتب :
 أن تعرف الله، تصلي أول شيء، هو عندما صلى، هنا يوجد نقطة دقيقة جداً، الله عز وجل عندما يرى عبداً من عباده بدأ يصلي، يتجلى عليه بالصلاة تجلياً استثنائياً فيسعد سعادة مذهلة.
المذيع:
ما معنى تجلي الإله للعبد بالصلاة دكتور؟
الدكتور راتب :
 هي السكينة، يتنزل عليه حالة نفسية، يسعد بها ولو فقد كل شيء، هذه يسميها بعض العلماء تجلياً، أنا أسميها سكينة، السكينة وردت بالقرآن، يسعد بها الإنسان ولو فقد كل شيء، ويشقى بفقدها ولو ملك كل شيء، هي أكبر عطاء إلهي، السكينة أي سعادة، طمأنينة، ثقة بالمستقبل، موقف قوي، رؤية صحيحة، رؤية واضحة، حكم بالغة.
 أنا أقول: والله الإنسان عندما يدله الله على معرفته تأتيه ميزات لا يعلمها إلا الله، بكلمة يحل مشكلة، بكلمة، ليس بضرب، ولا بمشكلة كبيرة، عنده حكمة.

﴿ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ ﴾

[ سورة البقرة: 269]

 الله قال: ومن يأخذ الحكمة، ما قال: ومن يكن حكيماً.

﴿ وَمَنْ يُؤْتَ ﴾

[ سورة البقرة: 269]

 أنت بالحكمة تجعل العدو صديقاً، من دون حكمة تجعل الصديق عدواً، بالحكمة تتدبر أمرك بالمال المحدود، من دون حكمة تتلف المال الكثير، بالحكمة فأنت ممكن أن تكون رحيماً بزوجتك، بأولادك، بمن حولك، بالحكمة تحصل على نتائج لا تعد ولا تحصى.

﴿ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً ﴾

[ سورة البقرة: 269]

المذيع:
 فالحكمة هنا لهذا المتدين الذي بدأ الصلاة أن يتذوق حلاوة الإيمان ثم لاحقاً تأتي الملاحظات.
الدكتور راتب :
 بالتدريج، مثلما قال الله:

﴿ لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ ﴾

[ سورة النساء: 43]

 ممكن أن تطبق بالتدريج.
المذيع:
 دكتور، واحدة من القضايا أيضاً التي تبعد مجموعة من الناس عن الدين، قصة التضارب في الإجابات، مثلاً قد يسأل شيخاً عن هذه القضية، فيقال له: حرام، فيسأل شيخاً آخر فيقال له: حلال، هذا الإنسان بدأ دكتور يتوه، لا يعرف.

 

كليات الدين مغطاة بنصوص قطعية الدلالة أما الجزئيات فتحتمل التأويل :

الدكتور راتب :
 بالمناسبة يكون الشيء نفسه عند شيخ حرام، وعند شيخ حلال، عندنا بالشريعة مئة بند، خمسة منهم عليهم خلاف، شرب الخمر لا يوجد عليه خلاف، والزنا لا يوجد خلاف عليها، والسرقة كذلك، كليات الدين مغطاة بنصوص قطعية الدلالة.
المذيع:
 شيخنا تسأل مفتياً عن حكم المسبحة يقول لك: حرام، بدعة، وآخر يقول له: سنة ولكن مأجور فيها، هذا المسلم العادي بين قوسين العادي وغير العادي.
الدكتور راتب :
 أن يقول له حرام غلط سيدي، يوجد أشياء تزيينية لا تقدم ولا تؤخر، لا ترفع إلى مستوى الحرام، هذا خطر.
المذيع:
 هذا يقودني إلى سؤال حضرتكم: هل يفترض بالمفتي دكتور إذا لم تكن القضية قطعية الدلالة، كما تفضلتم كحرمة الكفر، أو القتل، أو السحر، أو الربا، هل يفترض أن يقول له القضية فيها آراء وأنا أميل للرأي كذا، وأعلم أن هناك رأياً آخر؟
الدكتور راتب :
 لا يوجد مشكلة أبداً.
المذيع:
 هل هذا الأولى أم فقط يعطيه رأيه الشخصي؟
الدكتور راتب :
 أنا هذا اجتهادي الشخصي، إن سألك على موضوع فعله، وانتهى، أعطه أهون فتوى، لو سألك عن شيء لم يفعله بعد أعطه أشد فتوى، النقطة أنه قبل أو بعد، لم يفعل شيئاً بعد، أعطه أشد شيء صوناً له، فعله وانتهى لم يبق هناك حل؟ قل له:

﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾

[ سورة الزمر: 53]

المذيع:
 هل هذا منهج ابن عباس حينما سُئل عن حكم القتل؟
الدكتور راتب :
 نعم.
المذيع:
 قال مرة إن له توبة ومرة لا توبة له؟ لهذه القضية قبل أو بعد.
الدكتور راتب :
 الثاني لم يقتل بعد.
المذيع:
 أراد أن يحميه من الوقوع في هذه القضية.
الدكتور راتب :
 نفس الشيء.
المذيع:
 شيخنا الكريم، أيضاً من القضايا التي يمكن أن تبعد بعض الناس عن الدين بعض الممارسات البعيدة عن الاهتمام بالجمال في ديننا، مثلاً وسامحني على التفصيل شيخنا، قد يدخل إلى مسجد، ويجد المسجد مهملاً، السجاد ليس نظيفاً، الإنارة سيئة، حتى دورة المياه - أجلكم الله - يوجد بعض الروائح في بعض دورات المياه التابعة لبعض المساجد تخرج منها روائح غير مقبولة، عدم الاهتمام بهذه الجماليات دكتور يبعد الناس عن الدين.

 

العناية بالمساجد و الاهتمام بجمالياتها :

الدكتور راتب :
 والله تنفير من الدين، أقسم لك بالله تدخل إلى بعض المساجد تجد الحمامات أنظف من بيوت الموسوسين، والله هذا الجامع، أحياناً أنت يشدك الموضأ، تشدك الحمامات فقط، هذا الدين الإسلامي، و إن كانت الخطبة رائعة، والحمامات وسخة، وفيها أشياء منفرة، أنت تكون ابتعدت عن الدين، الدين منهج كامل.
المذيع:
هل يفترض دكتور أن نهتم بهذه الجماليات، والمساجد، ودور القرآن، جمال الموكيت، وجمال الإنارة، وجمال الرائحة؟
الدكتور راتب :
 نعم والله، وجمال المعاملة، وهناك رقة، ولطف، وذوق.
المذيع:
 أي هذه ليست كماليات.
الدكتور راتب :
 هي مرغبات.
المذيع:
 البعض يقول لك: سآتي و أصلي من أجل ربنا، ليس سآتي و أصلي من أجل السجاد الناعم.
الدكتور راتب :
 اتركه يحب الله عن طريقك، شخص جاء أول مرة أخدناه إلى البيت عملنا له فطوراً، ماذا حصل؟ والله شي جميل، الجماعة كرماء، سكن في هذا الحي حديثاً فجاء إلى الجامع، أخذه شخص إلى بيته، عمل له فطوراً، ماذا حصل؟

((إِنَّ اللهَ كتبَ الإحسانَ على كلِّ شيءٍ))

المذيع:
 اليوم دكتور الناس تدخل على مول، يبهرها جماله، تدخل إلى مكان معين كذلك، هل يفترض أن يكون المسجد مبهراً؟
الدكتور راتب :
 أنا أعرف مسجداً بالشام، يمكن لو كان هناك امرأة موسوسة أنظف من عملها، كله بمكانه، هذا بيت الله.

(( إن بيوتي في الأرض المساجد، وإن زوارها هم عمارهم، فطوبى لعبد تطهر في بيته ثم زارني))

[ ورد في الأثر]

المذيع:
 البعض يخشى الإسراف دكتور بالأموال، بهذه التفاصيل في المساجد.

 

الأناقة مطلوبة في المساجد و لكن دون إسراف أو تبذير :

الدكتور راتب :
 انظر سيدي، يكون إسراف عندما يكون الشيء مثلاً زائداً عن الحد

أحياناً يوجد قبة من الذهب، والله هذا المبلغ يحل مليون مشكلة، والله دخلت لبلد إسلامي غير ملتزم، والله الأبواب كلها من الذهب الخالص، والله أبواب المساجد في هذه البلد تحل مشكلة أمة.
المذيع:
 هذا مرفوض.
الدكتور راتب :
 طبعاً، الأناقة مطلوبة، أنت ممكن تدخل لبيت صاحبه فقير، لكن يوجد تناسب بالألوان، نظيف، وهناك ضوء، هذا البيت الجميل.
المذيع:
 وهذا حال المسجد، وحال المسلم نفسه، حتى كفرد في لباسه.
 نرحب بشيخ الشباب.
الدكتور راتب :
 بارك الله .
المذيع:
 مرحباً بدكتورنا، وشيخنا.
الدكتور راتب :
 ما دام قلت شيخ الشباب لي تعليق.
المذيع:
 أنا من أجل ذلك تكلمت، تفضل دكتور.

الشاب إنسان هدفه أكبر منه :

الدكتور راتب :
 ما دام لك هدف أكبر منك فأنت شاب وأنت بالتسعين، هدفك الله، والله أكبر منك، هدفك الجنة، هدفك العمل الصالح، الدعوة إلى الله، عندما يكون لك عمل أكبر منك فأنت شاب دائماً.
 يوجد شيخ كبير بالشام كان شيخ الشيوخ كلها، بالسابعة و التسعين منتصب القامة، حاد البصر، مرهف السمع، أسنانه في فمه، وثيابه أنيقة جداً، يقال له: سيدي ما هذه الصحة التي حباك الله بها؟! يقول: يا بني حفظناها في الصغر فحفظها الله علينا في الكبر، من عاش تقياً عاشاً قوياً.
المذيع:
 ونعمة بالله، أكرمكم الله دكتور.
 حلقتنا مستمعينا الكرام عن: "مثبطات التدين" بعض الأسباب التي تدفع بعض الأشخاص إلى الابتعاد عن الدين، سواء من المسلمين أنفسهم، أو من غير المسلمين.
 دكتورنا الكريم، أيضاً أعود إلى فضيلتكم بمجموعة من أسباب القضايا التي قد يقع الأشخاص بها فتبعد كثيراً من الأشخاص عن دور ربنا سبحانه وتعالى.
 واحدة من بعض هذه القضايا هي قضية فصل الحياة عن الدين، بمعنى دكتور يصلي مثلاً، ويصلي في الصف الأول لكن ممارساته مختلفة تماماً عن هذه القضية، ممكن عفواً دكتور مثلاً ينصح بشيء سيئ وهو يعلم أنه سيئ، الكلام غير الفعل، القرآن يدعو لعدم الكذب لكن هو يكذب.

القدوة قبل الدعوة :

الدكتور راتب :
 لا يمكن أن تقنع إنساناً بشيء أنت لا تطبقه، يقال له: يا طبيب طبب نفسك، لذلك: القدوة قبل الدعوة.
 بنت كانت مع أمها عند الجيران، أطالوا المكوث، جاءت إلى البيت متأخرة، الطعام تأخر، جاء الزوج غضب، أين كنتم؟ قالت له: لم نخرج من البيت، هذه الأم علمت ابنتها الكذب بدمها لأنها كانت معها عند الجيران، قالت: لم نخرج من البيت، فالإنسان إن لم ينتبه أحياناً يعلم أولاده الخطأ، والكذب، والنفاق دون أن يشعر.
المذيع:
 حتى لو كان متديناً، لا تؤمن بتدينه في هذه الحالة.
الدكتور راتب :
 أكبر مصيبة- هذه الكلمة دقيقة - أن يسقط المثل من عين الإنسان، هذا مثل أعلى تكلم نكتة غير جيدة.
المذيع:
 لو كان له مكانة علمية أو شرعية عند الناس، ووقع في هذه المطبات، يؤذيهم في دينهم كثيراً، وهذا دكتور الحاصل في هذه الأيام، حينما كانت الناس تتابع متحدثاً، أو داعية، أو عالماً، ويرون منه انتكاسة شديد في دينه، أثرت على إيمان كثير من الناس.
الدكتور راتب :
 طبعاً، سبب انصراف الناس عن الدين، صار منفراً، ليس داعية، كان داعية صار منفراً.
المذيع:
 دكتور، واحدة من القضايا خاصة تحصل في داخل العائلات المتدينة، أن أولاد المتدينين، أولاد بعض الأئمة، أولاد بعض المحفظات للقرآن الكريم، يحملون أفكاراً مختلفة عن عائلاتهم، لا يسمح لهم بسؤال.

الإقناع لا القمع :

الدكتور راتب :
 لأنهم ما رأوا قدوة في بيتهم، وقمعوا، أنا أقول كلمة: أقنع ولا تقمع.
المذيع:
 في قضية القمع سيدنا، أحياناً يمكن الابن يخطر على باله أسئلة قد تكون للأب والأم بديهية، يسأل ما يحصل للأمة الإسلامية اليوم، أين الله؟ فلا يجاب على سؤاله دكتور، يتولد الكفر في داخله.
الدكتور راتب :
 عندما يكون السؤال قد أزعج الأب، وكان موقف الأب عنيفاً، فالابن لن يسأله إطلاقاً.
المذيع:
 ويبقى الشك في داخله.
الدكتور راتب :
والله لو كان الأب حكيماً، مهما كان السؤال بديهياً، جواب لطيف بنعومة، بابا هكذا الوضع، يشجعه أن يسأل مرة ثانية.
 أذكر مرة شخصاً لفت نظري، يوجد حديث غير موجود بالصحاح، قلت له: أين تسكن؟ قال لي: بالميدان، وأنا درسي بالمهاجرين، أوصلته إلى البيت بسيارتي، قلت له: هل تعرف لماذا أوصلتك؟ إذا رأيتني مرة ذكرت شيئاً عليه إشكال كي لا تستحي مني، ذكرني، هكذا صنعت والله، كل إنسان ينقد.
المذيع:
 دكتور، قد تكون داعية كبيرة، ابنتها قالت لها: ماما لماذا فرض الله الحجاب علينا أنا لا أحبه، ترفض هذا السؤال، وتنهرها بطريقة شديدة.
الدكتور راتب :
 إذا قدموا لك قطعاً من الشوكولا، جميعها مغلفة ما عدا واحدة ، هل تأخذينها؟ لا تأخذينها، تأخذين المغلفة، يوجد طرف لطيفة، أشياء بسيطة.
المذيع:
 لكن أقصد فكرة قمع الأبناء، وقمع أسئلتهم مرفوضة.
الدكتور راتب :
 أقنع ولا تقمع.
المذيع:
 والأصل أن يجاب عن جميع الأسئلة حتى لو أسئلة عقدية مثلاً.
الدكتور راتب :
 بابا والله سؤالك ليس سهلاً، إن شاء الله بعد يومين أعطيك جوابه، لا يوجد مشكلة، إذا رأيت السؤال أعلى منك، يوجد علماء كبار.
المذيع:
 دكتور، أدب الاختلاف، قد يختلف أحياناً بعض العلماء، أو الفقهاء في قضايا بعضهم يسيء للآخر أن فلاناً لا تأخذوا عنه، فلاناً دينه فيه رخاوة، فلاناً منافقاً، وهكذا.

التعاون بين العلماء فضيلة و حضارة :

الدكتور راتب :
خطأ كبير، العلماء أسرة، أريد أن أقول لك كلمة دقيقة: عندنا دائرة، العلماء جميعاً ضمن هذه الدائرة، لأن كل واحد مهما كان عنده حدّ محدود جداً من كل سؤال بالدين، لكن هذا الإنسان تفوق بالفقه الحنفي، هذا بالشافعي، هذا بالتفسير، هذا بالدعوة، هذا بالفرائض، كل تفوق مثلث على هذه الدائرة، مثلث، مثلثان، ثلاثة مثلثات، كلها مثلثات، هذه المثلثات متكاملة فيما بينها، لا يمنع أنت عالم كبير، وداعية كبير، وبالحديث لست متبحراً كثيراً، تفتح الهاتف تتحدث مع عالم حديث، هذا الحديث ما قولك فيه؟ هذا التعاون، التعاون فضيلة، التعاون حضارة، التعاون قوة.
المذيع:
 جميل، ولو وجد أحدهم أن الآخرين مثلاً لديهم مبادئ خاطئة، وأردت أن أحذر منها، هل يقبل مثلاً أن تشتمه أو أن تسيء له؟

من أمر بمعروف فليكن أمره بمعروف :

الدكتور راتب :
 لا، أنا أتجه إليه، أتجه إليه وحده، ولا أسمح لنفسي أن أعظه أمام الناس، لأن عظته أمام الناس فضيحة، هذا له مكانته، أنا أطلب منه موعداً خاصاً، وبأدب جم، أنه أنت جزاك الله خيراً، أذكر له فضائله، جمعت الناس بالمسجد، كلهم يحبونك، وأنت قدوة لهم، لكن هذه النقطة دقيقة، إذا قبلتها مني تكون قد فضلت عليّ.
 من أمر بمعروف فليكن أمره بمعروف، ومن نهى عن منكر فليكن نهيه بغير منكر.
المذيع:
 من القضايا أيضاً دكتور بعض الأشخاص القرب من الدين منها قضية الدروشة شيخنا، هذا المصطلح الشعبي لا أعرف أن له دلالات أخرى، لكن بمعنى أن المتدين درويش، لا يفهم بأمور الدنيا، لا يفهم بالموضة، لا يلبس بشكل جيد، دائماً فقير، فالبعض يخشى من هذه الحالة السيئة.

الجمال شيء أساسي بحياتنا والإنسان يحب الجمال والكمال والنوال :

الدكتور راتب :
 إذا كان هناك شخص بذلته جميلة جداً، وألوانها أنيقة جداً، وهناك تناسب بين بذلته وقمصانه، هذا في سبيل الدعوة يقربها أكثر، هذا أنا الذي أعرفه، سيارته نظيفة، ليس شرطاً أن تكون غالية لكنها نظيفة، بيته مرتب، بيت متواضع صغير لكنه مرتب، فيه مسحة جمالية، الجمال شيء أساسي بحياتنا، الإنسان يحب الجمال والكمال والنوال.
المذيع:
سؤال شيخنا: في قضية اللباس للداعيات الإناث، لأن لباس المرأة مرتبط بأحكام شرعية أكثر من قضية الرجل، هل يفترض أن يبحثن عن الأناقة أم الابتعاد عن التزين؟
الدكتور راتب :
 إذا كان وضعها المادي جيداً، ممكن أن تشتري تنورة سوداء، لكن من قماش غال، لا يوجد مانع.
المذيع:
 أي أنيق مرتب لكنه غير ملفت، ولا يخالف الشرع.
الدكتور راتب :
 تنورة عادية شرعية مئة بالمئة لكن قماشها غال، لا يوجد مشكلة.
المذيع:
 شيخنا الكريم أيضاً من القضايا التي تبعد بعض الناس عن فكرة الانعزال عن الشأن العام، هناك صورة مأخوذة شيخنا عن المتدينين أنهم لا يعملون بالحكومة، أغلب الحكومات العربية أقرب إلى الفسق فهم يبتعدون عن العمل فيها، ويبتعدون عن الشأن العام، والدوائر الحكومية.

مخاطبة القوي تحتاج إلى قوة علمية وفكرية و أخلاقية :

الدكتور راتب :
 نتيجة ظروف معينة، ذاقتها الأمة العربية في العصور الحديثة يوجد قهر وقمع.
المذيع:
 لكن هل تنصح الناس الدخول بالشأن العام أم الابتعاد عنه؟
الدكتور راتب :
 تنصح لكن بحكمة، يكون هناك حكمة مثلاً، موضوع مخاطبة القوي تحتاج إلى قوة علمية، وقوة فكرية، وقوة أخلاقية.

(( المؤمن القويُّ خيْر وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كلّ خير))

[ رواه مسلم عن أبي هريرة]

 مثلاً القرار هذا في رأي بعض العلماء عليه مأخذ، رأي بعض العلماء، أنت ممكن أن تصل كل آرائك بنعومة.
المذيع:
 شيخنا قضيتنا قبل الأخيرة قضية سوء الإدارة، كثير من المؤسسات الإسلامية تعاني من سوء إدارة وهذا واضح بنتائجها، أي هم بعيدون تماماً عن قصة القوي الأمين، هم يبحثون عن الأمين، لكن يبحثون عن القوي.

 

ضرورة البحث عن الكفاءات في العمل :

الدكتور راتب :
 يجوز أن تتفاجأ أن أخطر اختصاص بالعالم المتقدم إدارة الأعمال، هذا اختصاص قائم بحدّ ذاته، أحياناً معمل ضخم فيه ألف عامل ولا يوجد به إدارة أعمال أبداً، تقرب شخصاً منافقاً، تبعد شخصاً ناصحاً، إدارة الأعمال علم قائم بذاته.
المذيع:
يمكن عفواً دكتور نريد أن نعمل مثلاً مستشفى أو مدرسة، فنبحث عن إنسان متدين ليديرها، ولكن قد لا يكون كفئاً في المجال المختص، في طبيعة عمل هذه المنشأة، هل هذا الكلام مقبول دكتور؟
الدكتور راتب :
 نحن ممكن أن نجعل المدير له مكانة كبيرة، ومعاونه متدين، يتناصحون.
المذيع:
 لكن الأصل أن نبحث عن الكفء.
 سوء الإدارة دكتور في كثير من هذه المؤسسات، وعدم معرفتهم لنقاط العمل يبعد بعض الناس عن الدين، غيركم كيف يعمل وأنتم كمتدينين كيف هو مستواكم؟
الدكتور راتب :
 الآن هل يستطيع طبيب أن يفتح عيادة من دون أن يكون طبيباً؟ أنا رأيي الإدارة متل الطب، اختصاص.
المذيع:
 النقطة الأخيرة دكتور: العائلة، كثير من الناس يراقبون الإنسان في بيته، حقيقته، في سره، وليس فقط في الصورة التي يقدمها علناً للناس، لا يرون كل العائلات المتدينة دكتور أنها عائلة دافئة بمشاعرها، مليئة بالمودة، بالمحبة، يرون أحياناً العكس.

على كل داعية أن يطبق ما يقول :

الدكتور راتب :
 كنت ألقي درساً بالشام، هناك قسم للنساء، و كان عددهم كبيراً كعدد الرجال تقريباً، كنت أتكلم عن العلاقات الزوجية، لي بنت عمرها ثماني سنوات في ذلك الوقت، قالت لها امرأة: هل والدك بالبيت كما يتكلم الآن؟ أي يا ترى هذا الدرس للكلام فقط أم هناك تطبيق؟ قالت لها: بابا بالبيت كما يتكلم الآن، فأجابتها: لقد أفرحت قلبي، هم يحتاجون إلى عالم مطبق.
المذيع:
 الحمد لله، في آخر معنى دكتور تحدثنا كثيراً عن الأخطاء التي نقع فيها في دعوتنا، الآن دكتور بعيداً عن كل هذا، ما هو أجر الداعية عند الله سبحانه وتعالى وكلنا دعاة لله؟

أجر الداعية إلى الله :

الدكتور راتب :
 لا تتصور الأجر، إذا الله قال:

﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا ﴾

[ سورة فصلت: 33]

 إله، خالق السماوات والأرض، ليس عنده إنسان أفضل:

﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً ﴾

[ سورة فصلت: 33]

 العمل الصالح يؤكد صدق دعوته، أمر بشيء طبقه.
المذيع:
 هم ورثة الأنبياء.
 أكرمكم الله دكتور، جزاكم الله الخير، ونختم حلقتنا بالدعاء ونسأل الله القبول.

 

الدعاء :

الدكتور راتب :
 بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحةً لنا من كل شر، مولانا رب العالمين، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك، اللهم لا تؤمنا مكرك، ولا تهتك عنا سترك، ولا تنسنا ذكرك، اجعل هذا البلد آمناً مطمئناً سخياً رخياً وسائر بلاد المسلمين، واحقن دماء المسلمين في كل مكان.

خاتمة و توديع :

المذيع:
 الحمد لله رب العالمين، بارك الله بكم فضيلة العلّامة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي، وكان حديثنا معكم مستمعينا الكرام عن: "مثبطات التدين" تلك الأسباب التي نقع بها بحيث ندري أو لا ندري، وتبعد كثيراً ممن يعيشون حولنا عن دين الله تبارك وتعالى، وعن المطلوب، إلى هنا ونصل معكم إلى نهاية الحلقة.
 سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور