وضع داكن
28-03-2024
Logo
جامع التقوى - الدرس : 257 - الدعوة الى الله - أنواعها وشروطها.
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

الدعوة إلى الله دعوتان؛ فرض عين و فرض كفاية :

vأيها الأخوة الكرام؛ لو سألت مسلماً يصلي: لِمَ تصلي؟ يعجب أشد العجب من هذا السؤال! يقول: لأن الصلاة فرض، فالشيء الطبيعي أن نؤدي هذا الفرض، هل تصدقون أن الدعوة إلى الله فرض عين على كل مسلم، ما الدليل؟ قيل: لولا الدليل لقال من شاء ما شاء.
 إن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم، ابن عمر دينك دينك إنه لحمك ودمك، خذ عن الذين استقاموا، ولا تأخذ عن الذي مالوا.
 لذلك أيها الأخوة الكرام، الدعوة إلى الله فرض عين على كل مسلم، في حدود ما تعلم، ومع من تعرف، استمعت إلى درس دين في مسجد، شُرحت آية:

﴿ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ﴾

[ سورة يوسف :108]

 معنى ذلك الذي لا يدعو إلى الله على بصيرة ليس متبعاً لرسول الله، دليل قرآني.

﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ﴾

[ سورة يوسف:108]

 فالذي لا يدعو إلى الله على بصيرة ليس متبعاً لرسول الله قولاً واحداً، لكن هناك دعوة إلى الله فرض كفاية، إذا قام بها البعض سقطت عن الكل، فرض الكفاية يحتاج إلى تفرغ، وإلى تعمق، وإلى تبحر، وإلى توسع، وإلى قدرة على أن تجيب عن كل سؤال، يوجد شبهة، هذه الدعوة كفرض كفاية إذا قام بها البعض سقطت عن الكل.
 إذاً هناك دعوتان؛ دعوة كفرض عين ودعوة هي فرض كفاية، فرض عين في حدود ما تعلم، ومع من تعرف فقط، سمعت درساً، حضرت خطبة مسجد، تأثرت بالخطبة، يوجد بالبيت زوجتك، أولادك، بعد يومين هناك لقاء مع أخوتك، مع أخواتك، بمحلك التجاري هناك شريكك، هؤلاء الذين تعرفهم انقل لهم ما سمعت، هذه الدعوة فرض عين، تجب على كل مسلم كائن من كان، ولا عذر لمسلم لا يفعلها، فرض عين في حدود ما تعلم ومع من تعرف، واضحة، فرض العين على كل مسلم، فرض الكفاية على المتفرغ، والمتعمق، والمتبحر الذي ينقل للناس أصول الدين، وتفاصيل الدين، وعنده إمكان أن يرد على كل شبهة.
 الآن؛ لا توازن بين داعيتين، الدعاة إلى الله تماماً كالفواكه، كلهم طعمهم حلو، كل واحد له طعم خاص، هذه الفردية بالإنسان، الإنسان فيه جانب اجتماعي مشترك، وجانب فردي، هذا يستخدم الأمثال، هذا القصص، هذا النصوص، هذا يعطي الجانب اللازم، الثاني الجانب الاختياري، يوجد تنوع، أي الله يحب كل عباده، جعل لكل شريحة داعية، يقنعهم ويفهمون عليه، فإذا شخص لم يفهم على أحد الدعاة، الجواب: ليس من شريحته، من شريحة أخرى، من محبة الله لعباده جعل لكل شريحة من شرائح المجتمع داعية يقنعهم، فلذلك يوجد قواسم مشتركة و فروقات بين الدعاة.
 للتقريب: الدعاة جميعاً بلا استثناء في دائرة واحدة، ولكن هناك دعاة تفوقوا في التفسير، نضع هنا مثلثاً، هذا في التفسير، هذا في الحديث، هذا في السيرة، هذا في الفقه، هذا في السير في سبيل الله، في الباكستان يسافرون، الطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق، نقطة مهمة جداً.
 إذاً الدعوة إلى الله كفرض عين، على كل مسلم، في حدود ما يعلم، ومع من يعرف، وفرض كفاية للبعض، هؤلاء البعض يحتاجون إلى تفرغ، وإلى تعمق، وإلى تبحر، وإلى متابعة، وإلى إعطاء الدلائل القطعية، والنصية، والواقعية، والاجتماعية، وما إلى ذلك.

الابتعاد عن الموازنة بين الدعاة :

 أنا أسمي هؤلاء الدعاة الصادقين، المؤثرين، الذين لهم بصمات في المجتمع، هؤلاء هم الدعاة الربانيون، هناك عالم شيخه أقرانه، أي أخوانه الذين حوله وأصدقاؤه جعلوه عالماً، هناك عالم شيخه الأقران، وعالم شيخه السلطان، وعالم شيخه الزمان، مع التقدم بالسن، وهناك عالم شيخه الرحمن، فكن عالماً ممن شيخه الرحمن.

﴿ إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ ﴾

[ سورة الإنسان:9]

 أقوى دليل:

﴿ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُوراً ﴾

[ سورة الإنسان:9]

 العلامة السابقة لا يريد منك شيئاً مادياً، ولا معنوياً، ولا تكريماً، علاقتك مع الله أيها الداعية، أنت تقدم هذه الدعوة لوجه الله، ما دامت لوجه الله لا تبتغي منها ثواباً ولا شكوراً.
 لكن بعض الدعاة الربانيين طعمهم حلو، مؤثرون، لهم بصمات في المجتمع، هناك من يستمع لهم، لأنهم تجردوا من حظوظهم الدنيوية.
 إذاً عالم شيخه السلطان، وعالم شيخه الأقران، وعالم شيخه الزمان، متقدم بالسن، وعالم شيخه الرحمن.
 الآن لا توازن بين داعيتين، كل واحد له طعم خاص، لكن وازن بين دعوتين، الدعوة التي لا تستند إلى نصوص صحيحة، بل إلى نصوص موضوعة، هذه الدعوة لا تستند إلى إخلاص بل إلى مصلحة، يوجد مصالح.

العصور متنوعة و منها عصر المبادئ :

 بالمناسبة أخواننا الكرام؛ العصور متنوعة، أذكر مرة سيدنا عمر جاءه ملك الغساسنة مسلماً، اسمه جبلة بن الأيهم، هذا الملك أثناء طوافه حول الكعبة، هناك أعرابي داس طرف ردائه دون قصد، فانخلع رداؤه عن كتفه، هذا الملك ضرب هذا الأعرابي ضربة هشمت أنفه، ملك! أثناء الطواف أعرابي، من دهماء الناس، من سوقتهم، من عامتهم، يدوس طرف ردائه، ضربه ضربة هشمت أنفه، وكان الوضع أعتقد في الحج، سيدنا عمر كان في الحج، شكاه إلى عمر، شاعر معاصر توفي قبل سنوات صاغ هذا الحوار شعراً، قال سيدنا عمر لجبلة: أصحيح ما ادعى هذا الفزاري الجريح؟ فقال جبلة: لست ممن ينكر شياً، أنا أدبت الفتى أدركت حقي بيدي، فقال سيدنا عمر: أرضِ الفتى لابد من إرضائه، ما زال ظفرك عالقاً بدمائه، أو يهشمن الآن أنفك، و تنال ما فعلته كفك، صعق، قال: كيف ذاك يا أمير؟ أي معقول؟ هو سوقة، من عامة الناس، من دهماء الناس، من الطبقة الدنيا، هو سوقة وأنا عرش وتاج، كيف ترضى أن يخر النجم أرضاً؟ فقال له عمر: نزوات الجاهلية، ورياح العنجهية قد دفناها، أقمنا فوقها صرحاً جديداً وتساوى الناس أحراراً لدينا وعبيداً، فقال له: كان وهماً ما جرى في خلدي أنني عندك أقوى وأعز، أنا مرتد إذا أكرهتني، قال له: عنق المرتد بالسيف تحز، عالم نبنيه، كل صدع فيه يداوى، وأعز الناس بالعبد بالصعلوك تساوى، هذا عصر مبادئ ـ

الدعوة الصحيحة دعوة تخاطب العقل بالعلم والقلب بالحب :

 أخواننا الكرام؛ إذاً لا توازن بين داعيتين بل وازن بين دعوتين، هناك دعوة مؤصلة بالكتاب، والسنة، وبالسيرة الصحيحة، وبالأحاديث الصحيحة، أنت وازن بين دعوتين لا بين داعيتين، دعك من الأسماء، ابقَ في المضامين لا العناوين، في المبادئ لا الأشخاص، أية دعوة تخاطب العقل بالعلم، والقلب بالحب، والجسم بالطعام والشراب والحاجات الأساسية، هذه دعوة صحيحة، على منهج النبي الكريم.
 الشيء الدقيق: لا تستخدم الضمير المفرد، لا تقل: أنا، قل: نحن، أي غير محمود أن تقول: أنا، أنا فعلت كذا، أنا عملت، أنا ابتعد عن أنا، ونحن، ولي، وعندي، ابتعد عن أنا ونحن:

﴿ قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ ﴾

[ سورة النمل :33]

 ولي:

﴿ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ ﴾

[ سورة الزخرف:51]

 وعندي:

﴿ خَزَائِنِ الْأَرْضِ﴾

[ سورة يوسف :55]

 ابتعد عن أنا، ونحن، ولي، وعندي، إذاً لا تستخدم ضمير المخاطب، بل استخدم ضمير الغائب، النبي ماذا قال؟

(( ما بال أقوام ))

[أخرجه البخاري ومسلم والنسائي عن أنس بن مالك]

 قد يكونوا أمامه جالسين.

(( ما بال أقوام ))

[أخرجه البخاري ومسلم والنسائي عن أنس بن مالك]

 ضمير الغائب، و ما قال: ما بال فلان.

(( ما بال أقوام ))

[أخرجه البخاري ومسلم والنسائي عن أنس بن مالك]

 استخدم ضمير الغائب، و استخدم أسلوب الجمع لا الإفراد، ولا تعمم، الإله العظيم خالق الأكوان ماذا قال عن أهل الكتاب؟ ما قال أهل الكتاب، قال:

﴿ وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ﴾

[ سورة آل عمران :199]

 مرة أنا حصلت على ماجستير من جامعة قوية جداً، وأنا جالس أستمع إلى رسالة دكتوراه لطالب، أثناء شرح ملخص الموضوع، قال له الدكتورو قد كان فرنسياً: قف، هذا تعميم، والتعميم من العمى، لا تقل: أهل البلدة منحرفون، كلهم منحرفون؟ الله ما عمم، قال:

﴿ وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ﴾

[ سورة آل عمران :199]

 إن من، قل بعض الناس، بعض ما رأيت، بعض ما سمعت، لا تعمم، التعميم من العمى.

(( ما بال أقوام ))

[أخرجه البخاري ومسلم والنسائي عن أنس بن مالك]

 الآن:

(( يا داود ذكر عبادي بإحساني إليهم، فإن النفوس جبلت على حب من أحسن إليها، وبغض من أساء إليها))

[ ورد في الأثر]

الحب أصل في الدعوة إلى الله :

 البند الثاني في هذا اللقاء الطيب: املأ قلب من تدعوه بإحسانك، ليفتح لك عقله لبيانك، لأن الدعوة تحتاج إلى حُب.
 سقراط، فيلسوف كبير، إغريقي، قال له معلم ابنه: خذ ابنك عني فإنه لا يحبني.
 فالحب أصل، مع أن الله خلقنا، حياتنا بيده، موتنا بيده، رزقنا بيده، السعادة بيده، الغنى بيده، الفقر بيده، ومع كل ذلك ما قبل أن نعبده إكراهاً، ماذا قال؟

﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ﴾

[ سورة البقرة : 256]

 بل أراد أن تكون علاقتنا به علاقة حب، قال:

﴿ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ﴾

[ سورة المائدة : 54]

 إذاً الإله العظيم ما أراد أن نعبده إكراهاً، بل تمنى علينا أن نعبده حباً، فأنت املأ قلب من تدعوه بإحسانك، ليفتح لك عقله لبيانك.

الناس يتعلمون بعيونهم لا بآذانهم :

 الشيء الثاني الدقيق في الدعوة إلى الله: الناس يتعلمون بعيونهم، لا بآذانهم.
 أذكر مرة درساً من دروسي في الشام، طبعاً يوجد قسم للنساء بالطابق الأرضي، وابنتي صغيرة جالسة، عمرها ثماني سنوات، عرفت امرأة من الجالسات أنها ابنتي، أنا كنت أتكلم عن العلاقات الزوجية، فقالت هذه المرأة لها: أبوك بالبيت كما يتكلم الآن؟
 أنت تنتفع من طبيب لكن من علمه، لا يهمك سلوكه، تنتفع من محام، لكن من علمه، معه خبرة بالقوانين عميقة جداً، تنتفع من مهندس بعلمه فقط، إلا رجل الدين لا تنتفع منه إلا إذا كان هناك مصداقية.
 أنا مرة التقيت مع الإمام الشعراوي ثلاث مرات بمصر، سألته سؤالاً باللقاء الثالث: هل من نصيحة للدعاة إلى الله؟ أنا توقعت أن يتكلم نصف ساعة، لأن السؤال كبير جداً، توقعت أن يتكلم ربع ساعة، أو عشر دقائق، أو خمس دقائق، أو دقيقة، قال جملة واحدة، قال لي: ليحذر الداعية أن يراه المدعو على خلاف ما يدعوه.
 إذاً الناس يتعلمون بعيونهم لا بآذانهم، الإله العظيم أنزل هذا القرآن، النبي الكريم شرح هذا القرآن، الله قال:

﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً ﴾

[ سورة التوبة : 103 ]

 أمر.

﴿ تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا ﴾

[ سورة التوبة : 103 ]

 أعطى التعليل، الإله، حياتنا بيده، موتنا بيده، كن فيكون، زل فيزول، قال لك:

﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ ﴾

[ سورة التوبة : 103 ]

 فأنت داعية بيّن السبب، بيّن التعليل، اذكر الحكمة، أقنع، ولا تقمع، كفرت، لا لم تكفر، هو يسألك، أقنع ولا تقمع.
 أحياناً الفكرة قد تكون قاسية، مثلاً: يا بني لا تسرع، توجيه، إياك أن تسرع، لا تسرع أثناء قيادة المركبة، مئة محاضرة ليسوا كحادث مروع الشاب رآه بعينه، هذا الحادث أبلغ من مئة محاضرة، فلذلك استخدم أسلوب القصة، القصة حقيقة مع البرهان عليها.

الأمة الإسلامية لا تموت :

 أذكر مرة ذكرت بدروسي قبل عشر سنوات قصة شخص جمع كل محصول الزيتون وعصره، وكان مجموع العصير ثلاثاً وثلاثين صفيحة، وهؤلاء ثمن حاجاته، وطعامه، وشرابه، وكسوة أولاده، وأقساط المدارس، مصروف سنة، على الحدود قال له أحدهم: لن تعبر إلا بثمن، قال له: ما الثمن؟ قال له: أن تسب محمداً، قال له: لا أسبه، فأطلق على كل صفيحة رصاصة بأسفلها، حتى سال الزيت كله على الأرض، يقول صاحب الزيت: كأن دمي سال على الأرض، مصروف سنة، أقساط أولاده، و طعامه، و شرابه، وأجور سكنه، وصل للقرية، فوجئ ببيته يوجد ثلاث و ثلاثون صفيحة زيت، علم أهل القرية بأمره فأرسل كل شخص صفيحة زيت.
 أنا دمعت عيني قلت: هذه الأمة لا تموت، إذا كان بالأمة هذا الشيء، تعاون، وتكاتف.
 والله بعام 2006 دخل لبلادنا عدد كبير من اللاجئين، والله لا أقولها افتخاراً لم ينم واحد منهم بالخيمة، إلا ببيوتنا، الذي صار بالعكس الآن، فرق كبير، أقول لك كلمة دقيقة: المؤمن شيء كبير جداً، عندنا ذهب عيار أربعة وعشرين، وذهب عيار واحد وعشرين، وذهب ثمانية عشر، وذهب أحد عشر، لكن كلهم ذهب، و هناك ذهب وتنك، هذا أخف معدن، المؤمن ذهب على تفاوت، لكن غير المؤمن ليس ذهباً أبداً، تنك، الفرق ليس بالدرجة بل بالطبيعة.
 لذلك بالدعوة استخدم أسلوب القصة، فالقصة مؤثرة جداً، أحد علماء عمان الأكارم زرته مرة قدم لي سفينة فيها ثلاثمئة قصة، أنا رويتها بدروسي، جمعهم كلهم، ثلاثمئة قصة، القصة لها تأثير كبير، استخدم مع الأولاد القصة، التوجيه المباشر مرفوض.

فقه المآل :

 عندنا شيء اسمه: فقه المآل، هناك إنسان هو أكبر منافق، أكبر منافق بالمدينة، النبي لم يرضَ أن يقتله، خوفاً أن يقال: محمد يقتل أصحابه، هذا اسمه: فقه المآل ، فكر إن فعلت هذا لو كنت على حق له آثار سلبية، لئلا يقال: محمد يقتل أصحابه.
 لذلك قالوا: خاطب عقل هذا المستمع بالعلم، وخاطب قلبه بالحب، وخاطب جسمه بالطعام والشراب، وحاجاته الأساسية، أنت كشيخ اسأل هذا الشاب: أنت لك عمل يا بني؟ ألا تدرس؟ ادرس، إن لم تدرس لن أقبلك عندي، ادفعه ليدرس، يأخذ لسانس، يتعين، يستأجر بيتاً، يتزوج، يهمك أن يحضر عندك فقط؟ لا، يجب أن يهمك أن يدرس، ويبني مستقبله، لذلك الداعية مرب، ليس متكلماً فقط، هذه الدعوة اللفظية لا تعلق عليها أهمية كبيرة، هذا تلميذ عندك، اسأله عن عمله، درست، لم تدرس، ما هو مخطط حياتك، خاطب قلبه بالحب، وخاطب جسمه بحاجاته الأساسية، من طعام، وشراب، ومسكن، ومأوى، وزوجة، وولد، وحرفة، وعمل.

مبادئ الدعوة إلى الله :

 الآن تقدم المبادئ على الأشخاص، والمضامين على العناوين، والكليات على الجزئيات، والحاجات الحاجات الأكثرية على الطموحات الأقلية، هذه كلها من مبادئ الدعوة.
 نعيدها مرة ثانية: تقدم المبادئ على الأشخاص، والمضامين على العناوين، والكليات على الجزئيات، والحاجات حاجات الأكثرية على طموحات الأقلية.
 مرة كنت بجلسة، توقعت أن فيها تقريباً اثني عشر موظفاً، وثمانية من كبار الأغنياء، قال أحد هؤلاء الأغنياء: أنا ذهبت لأوروبا كلفتني الرحلة ثمانمئة ألف، هؤلاء الجالسون كانوا موظفين، معاش كل واحد منهم لا يساوي يوماً من رحلتك، يقول أخي:

﴿ وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ﴾

[ سورة الضحى : 11 ]

 أية نعمة هذه؟ النعمة العامة، نعمة الهواء، نعمة الماء، نعمة الشمس.
 ذهبت مرة للسويد، شعرت بكآبة فظيعة، لا يوجد شمس أبداً، غيوم، غيوم، بعد أسبوعين صدقاً ضاق قلبي، أنا كنت لا أعرف قيمة الشمس الساطعة ببلادنا، الشمس الساطعة نعمة كبيرة، فحدث بهذه النعمة، نحن عندنا بحياتنا بديهيات.
 مرة كنت بأستراليا ودعني رئيس الجالية هناك وقال لي: بلغ أخواننا بالشام أن مزابل الشام خير من جنات أستراليا، من فمه، مثقف ثقافة عالية جداً، يحمل دكتوراه، قال لي: بلغ أخواننا بالشام أن مزابل الشام خير من جنات أستراليا، أنا استمعت وما فهمت عليه، قلت له: والله ما فهمت عليك؟ أستراليا قارة فيها ثمانية عشر مليوناً، فيها فواكه ما سمعت بها في حياتي، ولا رأيت مثلها! أي تربتنا هنا ببلادنا عمرها حوالي ألفي سنة، التربة هناك عمرها حوالي مئتي سنة فقط، فيها خيرات، قلت: و الله ما فهمت عليك؟ قال لي: ابنك بأستراليا خمسون بالمئة ملحداً، والخمسون الثانية منحرفاً أخلاقياً، شاذاً، و إن لم تصدقني فاسأل.
 منذ ذلك الوقت صار عندي رغبة أن أعرف إيجابيات بلادنا، نحن عدننا الأسرة أسرة، والأب أب، والأم أم، وعندنا تماسك أسري، وتعاطف أسري، وبقية مبادئ وقيم، وهناك شي اسمه حرام، لا يجوز، و شيء استح يا أخي من ربك، نحن عندنا قيم.
 أخواننا الكرام؛ نحن بحاجة ماسة إلى أن نعود إلى هذا الدين العظيم، و هذا الشرع الحكيم.

حسن الظن بالله ثمن الجنة :

 شيء آخر؛ النبي الكريم يمشي مع زوجته بالليل، مرّ صحابيان، قال: على رسليكما هذه زوجتي، قالوا: أبك نشك؟ قال: لئلا يدخل الشيطان بينكم.
 بيّن، وضح، هكذا أنا فعلت، يوجد شخص واثق من نفسه، لكن ما وضح وضع شكاً حوله.
 شيء آخر؛ أذكر مرة النبي الكريم قال قبل معركة بدر: لا تقتلوا عمي العباس، ما أضاف و لا كلمة، فقال أحدهم: أحدنا يقتل أباه و أخاه، و ينهانا عن قتل عمه، نبي، نبي مرسل، عمه العباس أسلم و هو في مكة، و لم يعلن إسلامه، و كان عينه في مكة، أي قيادة ذكية جداً، عنده جهاز مخابرات، إن قال: عمي أسلم انتهى دوره، انتهت مهمته، وإن سكت فقد يقتل، وهو يريد أن يحارب معهم، قال: لا تقتلوا عمي العباس، فهذا الصحابي قال: أحدنا يقتل أباه و أخاه و ينهانا عن قتل عمه، ما تحمل، عندما كشف الحقيقة قال: ظللت أستغفر الله عشر سنوات رجاء أن يغفر الله لي سوء ظني برسول الله، نبي هذا يوحى إليه، مشرع يغلط؟!
 أول شيء نحتاج إلى حسن ظن، هذا أمضى عمره كله بالعمل الصالح، ومعرفة الله عز وجل، لا يغلط، وإذا بدا لك أنه غلط.
 راكب سيارة جالسة إلى جانبه امرأة، هو سائق تكسي، لتركب في الخلف، هي زوجته، لعلها زوجته تحل المشكلة.
 شخص رأيت لحيته فيها رائحة خمر، قد يكون أحدهم رمى عليه إناء من الخمر، ممكن، دائماً غلب جانب حسن الظن، حسن الظن بالله ثمن الجنة.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

إخفاء الصور