وضع داكن
24-04-2024
Logo
حياة المسلم 1- إذاعة حياة إف إم- الحلقة : 062 - العشر الأواخر من رمضان.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

المذيع:
  بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وأتم الصلاة وخير التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، أهلاً ومرحباً بكم مستمعينا الكرام على الهواء مباشرةً عبر أثير إذاعتكم حياة FM، نتواصل في حلقة جديدة من حلقات برنامجكم مع الدكتور محمد راتب النابلسي، وباسمكم نرحب بفضيلة العلّامة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي، حياكم الله دكتور.
الدكتور راتب :
 بارك الله بكم، ونفع بكم.
المذيع:
 كيف كان رمضان معكم شيخنا؟
الدكتور راتب :
 الحمد لله.
المذيع:
 نتحدث لهذا اليوم عن العشر الأواخر من رمضان، عن أيامها، وعن لياليها المباركة، نتحدث عن ليلة هي خير من ألف شهر، نتحدث عن ليلة القدر، دكتورنا الكريم تحدثنا في الحلقات الماضية عن شهر رمضان، وعن صلة الأرحام، وعن كثير من الأمور، نريد أن نخص العشر الأواخر لماذا كان لها هذه المكانة الكبيرة في شرع الله؟

المنهج الإلهي منهج لكل إنسان في الوصول إلى الله :

الدكتور راتب :
 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا بما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.
 لا بد من مقدمة؛ هذا المنهج الإلهي منهج الإنسان في الوصول إلى الله، هذا المنهج يطبق ثلاثمئة وخمسة وستين يوماً، هناك وهم أتمنى أن أشير إليه، الإنسان يتصور أنه برمضان ضبط نفسه، وغض بصره، وصدق ما كذب، وعندما انتهى رمضان نعود لما كنا عليه، هذا أسوأ فهم لشهر رمضان، رمضان ليس موسماً، رمضان ليس فرصة، رمضان تركيز الطاعة لله، تقوية الطاعة لله، دورة تدريبية مكثفة، فالبطولة أين يوجد خطأ قبل رمضان؟ أين يوجد تقصير؟ أين يوجد ضعف نفس؟ ننتصر على أنفسنا في رمضان، والانتصار يستمر طوال العام، إلا أن الذي يحدث أول أيام العيد يفطر فمنا فقط، الذي كان ممنوعاً أن يأكل أطايب الطعام، والطعام الحلال، نعود إلى ما كنا عليه قبل رمضان، أما كل توبة تمت برمضان عن معصية، عن تفلت، عن تطلع إلى ما لا يرضي الله، فالبطولة الكبيرة وعلامة صحة الصيام أن ننتهي عن الذي انتهينا عنه في رمضان طوال العام، الآن يصير رمضان درجاً، كل سنة يوجد قفز مرحلة، ويستمر هذا القفز النوعي طوال العام، صار درجاً، صار صعوداً مستمراً بسبب التراكم، أما حينما نعود بعد رمضان إلى ما كنا قبل رمضان فقد انتهى رمضان، انتهى كموسم، حياة المؤمن حياة طاعة لله، لا يوجد عنده أحياناً تفلت وأحياناً انضباط، الحقيقة في بعض الشعوب الأعياد عندهم أعياد تفلت، الموبقات كلها ترتكب في الأعياد، نحن ما عندنا هذا الشيء، عندنا العيد عودة إلى الله، عندنا التكبير، قال تعالى:

﴿ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾

[سورة البقرة: 185]

 حصل إنجاز ضخم في العلاقة مع الله، تقول: الله أكبر، فلذلك الإنسان عندما يصوم صياماً صحيحاً كما أراد الله، الصيام نقلة نوعية كل عام إلى مستوى قد لا يصدق في البدايات أن يصل إلى هذا المستوى بشكل تدريجي.
المذيع:
 دكتور العشر الأواخر لها مكانة عظيمة، والفجر وليال عشر، فلم لهذه الليالي العشر المكانة الكبيرة؟

مكانة العشر الأواخر من رمضان في شرع الله :

الدكتور راتب :
 أريد أن أذكر شيئاً جديداً، عندي أعمال أفعلها طوال العام لا تزيد ولا تنقص، وعندنا مواسم دينية، مثلاً بعض أيام رجب فرضاً، أيام رمضان، هذا موسم ديني فيه قفزة، تطور جديد، نقلة نوعية، هذه المواسم الدينية يجب أن نرعاها، الله عز وجل دعاك في هذا الشهر إلى قيام الليل كل يوم، يجب أن تألف قيام الليل بعد رمضان، دعاك إلى صلاة الفجر في المسجد:

(( .. وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ فَهُوَ كَمَنْ قَامَ اللَّيْلَ كُلَّهُ ))

[ مسلم عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ]

 دعاك إلى ترك المعاصي والآثام، لكن دعاك في رمضان لترك المباحات، فلأن تدع المعاصي والآثام من باب أولى، منعك أن تشرب كأس ماء، منعك أن تأكل الطعام في نهار رمضان، بعد رمضان ينبغي أن تمتنع عن كل معصية وإثم، أنا الذي أراه ولله الفضل قفزة نوعية، دورة تدريبية مكثفة، كل الثواب فيها أن تستمر لا أن تنقطع، يوجد بيت شعر سيئ جداً.

رَمَضانُ وَلّى هاتِها يا ساقي  مُشتاقَةً تَسعى إِلى مُشتاقِ
***

 هذا الوضع الذي لا نتقدم به بحياتنا، عباداتنا سوف تصبح فولكلوراً مواسم اجتماعية، والآن ولو كان الحقيقة مرة، ببعض الأسر رمضان ولائم فقط، كل يوم في بيت، وسهر على المسلسلات إلى الفجر، هذا رمضان؟ والله لا يوجد شيء من رمضان، ثلاث وجبات أغلقناها في النهار، فعلناها في الليل، والسهر والكلام غير المنضبط، والغيبة، والنميمة، ثم متابعة أفلام، أتمنى على الأخوة المستمعين أن ينتبهوا لهذا، خطورة الفيلم أنت لك خطوط دفاع، وأنا وكل واحد الخمر عنده مستحيل، هذه المعاصي مستحيلة، أنت معك خطوط دفاع، أحياناً القصة الممثلة تخترق خطوط دفاعك، تريك رجل دين في بلدة فقير، وأولاده في الطرقات، مثلاً زوجته عند الجيران، صحته غير معتنى بها إطلاقاً، وتريك إنساناً بعيداً عن الدين بعد الأرض عن السماء، قد تستقبل زوجته رجالاً في غيبته، وهذا فيه انضباط، فيه رشاقة، فيه أناقة، عنده بيت فخم، ما فعل هذا الفيلم؟ أراك إنسان الدين إنساناً ضيق الأفق...
المذيع:
 لا تتمنى أن تشابهه.
الدكتور راتب :
 يا لطيف! أقسم لك بالله لعل نفور الشباب من التدين، والفتيات من التدين، بسبب هذه الأفلام، الأفلام تزرع قيماً مناقضة للدين، موظف مستقيم، بيته لا يوجد به شيء لأنه مستقيم، الذي يقبض رشوة بيته فخم جداً، ماذا فعلت بك هذه الأفلام؟ نقضت قيمك الدينية، هذا جزاء المستقيم عند الله؟

((اسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصُوا ))

[ ابن ماجه وأحمد والدارمي عَنْ ثَوْبَانَ]

 الخيرات، يوجد أفلام تناقض الدين تماماً، تطرح فكراً مناقضاً للدين، أنت ألا تسأل نفسك: لماذا تكره الدين؟ ليست أنت عفواً المشاهد، كره شيئاً اسمه دين، قرآن، سنة، لا يريد دون أن يشعر بعقله الباطن، الكراهية انتقلت إلى عقله الباطن، أنت تريد نماذج إسلامية صحيحة، تحتاج إلى إنسان متوازن، إنسان وسطي، بيته جيد، علاقته مع أهله جيدة جداً، مع الله جيدة، مع زوجته جيدة، مع جيرانه جيدة، إنسان متفتح، حضاري، متعلم، دائماً النموذج السيئ يلح عليه في هذه الأفلام.
المذيع:
 دكتور نحن الآن على عتبات ليلة الرابع والعشرين من ليالي رمضان ماذا تنصح مستمعينا أن يغتنموا من عبادات لإدراك أجور هذه الليالي المباركة؟

اغتنام العبادات لإدراك أجور هذه الليالي المباركة :

الدكتور راتب :
 تلاوة القرآن شيء مهم جداً في رمضان، لكن أنا لي ملاحظة؛ أنت تقرأ القرآن، هل تظن قراءته فقط هي العبادة؟ أنا لي رأي آخر، كنت أضرب مثلاً، إنسان يعاني من مرض صعب جداً، ذهب إلى الطبيب، والطبيب مختص بهذا المرض، والأدوية ناجحة جداً، وتقريباً حاسمة في إزالة هذا المرض، فجاء بهذه الوصفة الطبية قرأها ولغته قوية، قرأها بشكل جيد، ثم لفت نظره الحروف، خط رائع، والحبر نوع نادر، لفت نظره أشياء كثيرة بهذه الوصفة، لكن الدواء ما اشتراه، ولا استعمله، لا قيمة لكل هذه النشاطات الجانبية، نحن عندنا نشاطات جانبية في رمضان؛ ولائم، سهرات، الحديث في السهرة عن ماذا؟ هل فيه ذكر لله؟ هل فيه عودة إلى الله؟ هل فيه توبة نصوح؟

(( رغم أنف عبد أدرك رمضان فلم يغفر له، إن لم يغفر له فمتى؟ ))

[ الترمذي عن أبي هريرة]

 أنا أتألم ألماً شديداً عندما هذه العبادات الكبيرة الرائعة في حياتنا فرصة أن تقفز قفزة نوعية مع الله، فرصة إلى أن تعود إلى الفطرة السليمة، فرصة أن تصبح على وشك قريب من الله، تفرغ من مضمونها ببعض الأعمال الفنية إكراماً لشهر رمضان، والمسلسل يضرب مبادئ الدين، هذه المشكلة، الحقيقة الإعلام خطير جداً، لا بد من ضبط الإنسان مع الإعلام، وأنا أقول: أي أب إن لم يضبط هذه الأجهزة التي في بيته لن يستطيع تربية أولاده، وليس من الصعب ضبطها، ممكن أن تكون هذه الشاشات على فضائيات ملتزمة، لا يوجد عندها شيء خلاف الشرع إطلاقاً.
المذيع:
 إضافة لقراءة القرآن الكريم، ماذا تنصحنا في هذه الليالي المباركة من عبادات؟
الدكتور راتب :
 الأذكار، أذكار الصباح، نعتني بها، القرآن الكريم نعتني به، لكن أتمنى أن تكون هناك قراءة ثانية للقرآن إن صح التعبير قراءة تعبدية، كل يوم جزء، وقراءة تدبرية، تدبرية لا يهم الكمية إطلاقاً، آيتان في اليوم إن طبقهما الإنسان تماماً قفز قفزة عند الله، نجعل القرآن قراءة تعبدية وقراءة تدبرية، مثلاً تدبرية يوجد مئتان وخمسون آية يا أيها الذين آمنوا افعلوا كذا، أين أنت من هذه الآيات؟ هل أنت مطبق لها؟ يوجد آيات دقيقة في قوله تعالى:

﴿ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ ﴾

[ سورة البقرة : 121 ]

 ما معنى هذه الآية؟ قال العلماء: حقّ تلاوته أن تتلوه وفق قواعد اللغة العربية.
 يوجد معنى آخر؛ أن يقرأه إن أمكن مجوداً، وفق قواعد علم التجويد، الإدغام، الإقلاب، الإظهار، المدود مثلاً ثم أن يفهمه، إذا فهمه طبقه:

(( ما آمن بالقرآن من استحل محارمه ))

[ الترمذي عن صهيب ]

 فالإنسان حينما لا يطبق أحكام القرآن لا يعد مؤمناً به إطلاقاً، كهذه الوصفة إذا لم يشتر الدواء ويستخدمه لا يشفى من مرضه، أي نشاط مع الوصفة باكتشاف نوع الخط، باكتشاف الحبر، نوع الورق، أي نشاط لدراسة هذه الوصفة بعيداً عن شراء الدواء وتناوله لا يقدم ولا يؤخر، أنا أسميها حقائق مرة، هي أفضل ألف مرة من الوهم المريح، وأنا أقول كلمة دقيقة: أي داعية يقدر أن يتملق الناس، يتملقهم بعواطفهم، بدل أن يصعدوا إليه بمستوى التدين يهبط إليهم، فالهبوط إليهم سهل جداً، ويحقق جمهوراً كبيراً جداً، إذا هبط إليهم، وخفف الضغط على أحكام الدين الدقيقة المتعلقة بمصير الإنسان، إذا هبط إليهم انتهى الدين.

الابتعاد عن المسلسلات لطرحها فكراً مناقضاً للدين :

 لذلك مرة بحثت موضوعاً أن الرذيلة في الأدب دعك من الدين، كاتب مسرحي، كاتب قصة، شاعر، هل يمكن أن تصور الرذيلة؟ الجواب نعم ولا، يمكن أن تصور على نحو تشمئز منها، فإذا صورت على نحو تعجب بها، دمر مجتمع بأكمله، كما ذكرت قبل قليل تصور الإنسان الفاسق المتفلت من الدين، بيت رائع، أناقة، رشاقة، حيوية، وسامة، علاقاته كلها متميزة، وتري رجل الدين إنساناً متخلفاً عقلياً، زوجته عند الجيران، بيته فوضى، أولاده في الطريق، أنت ما تكلمت بالدين كلمة، قدمت صورتين متناقضتين، فأي إنسان شاهد الفيلم دون أن يشعر هذا الفيلم خرق خطوط دفاعه الأساسية.
المذيع:
 تحذر كثيراً من موضوع المسلسلات الرمضانية، والأفلام، ويبدو أنها تنتشر كثيراً في رمضان..
الدكتور راتب :
 نعم مبنية على فكر مناقض للدين، لكن لا يأتي إلى عندك مباشرةً لا تقبله، يأتي تسللاً..
المذيع:
 رغم أن مؤسسات عربية من تنتجها وتبثها.
الدكتور راتب :
 يصل إليك تسللاً من وراء خطوط دفاعك.
المذيع:
 لا بد من البديل القوي، حتى من أراد أن يتابع يكون لديه بديل مشوق منضبط بتعاليم الشريعة.
الدكتور راتب :
 أنأ أقول كلمة دقيقة: عندنا بلاء كبير هو الشاشة، ما لم تضبط كثيراً صعب أن ينشأ أولادك كما تتمنى، وضبطها ليس صعباً.
المذيع:
 هل لنا أن نتحدث عن موعد ليلة القدر، هل هي متنقلة؟

أصل الدين معرفة الله :

الدكتور راتب :
 من قوله تعالى:

﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ﴾

[ سورة الزمر: 67 ]

 فالإنسان إذا قدر الله حق قدره وصل إليه، واستقام على أمره، وسعد في الدنيا والآخرة، إذا قدره حق قدره أطاعه، الإنسان دائماً يطيع من؟ يطيع القوي، يطيع الغني، يطيع الحكيم العليم، الطاعة أصل هذا الدين، هذه الطاعة تحتاج إلى معرفة بالله، ومناهجنا كلها أغفلت الجانب العقدي المتعلق بالله، وذهبت إلى الأحكام الفقهية، فأنا حينما أتعرف إلى الله، إن عرفت الله ثم عرفت أمره تفانيت في طاعة هذا الأمر، إذا لم يكن هناك معرفة بالله عندنا مشكلة كبيرة، أنا أرى لا بد من تخصيص فترة كبيرة لبرامجنا للتعريف بالله، أنا أرى أصل الدين معرفة الله، والله له آيات كونية وتكوينية وقرآنية، الكونية تفكر، التكوينية نظر وتأمل، والقرآنية فهم وتدبر، فإذا أردت أن أعرف الله عز وجل من خلال آياته هذه القنوات السالكة لمعرفة الله.
المذيع:
 ماذا عن ليلة القدر هل هي ثابتة؟

ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان :

الدكتور راتب :
 ليلة القدر في العشر الأواخر، وهناك رأي المفردة، أي واحد وعشرون، ثلاثة وعشرون، خمسة وعشرون، سبعة وعشرون، العلماء اختاروا سبعة وعشرين، أما العشر الأخير فهو أفضل أيام رمضان.
المذيع:
 لمن أراد أن يتيقن العبادة فيها يغتنم كل العشر الأواخر وتخصيصاً الليالي الوترية فيها.
الدكتور راتب :
 نعم.
المذيع:
 ماذا يمكن أن نفعل في العشر الأواخر و في ليلة القدر تحديداً؟

ما يفعله الإنسان في العشر الأواخر و في ليلة القدر تحديداً :

الدكتور راتب :
 قيام الليل، صلاة التهجد، عندنا صلاة التراويح، هذه القيام، وفي التهجد بالعشر الأواخر بعد منتصف الليل تكون هذه الصلاة، والقرآن، والمبالغة بالاستقامة، دائماً الاستقامة لها مستوى، للتقريب لو فرضنا يوجد منخل فتحته تمرر جوزة ولا يمرر برتقالة، كلما ضاقت الفتحة تمنع أشياء كثيرة، فالاستقامة الدقيقة الدقيقة دوائر ضيقة جداً، كلما كبرت صار هناك تفلت، العشر الأواخر انضباط تام، لا يوجد مزحة لا ترضي الله، ولا نظرة فوقية.

(( وإن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالاً، يهوي بها في جهنم سبعين خريفاً ))

[ الترمذي عن أبي هريرة ]

 مثلاً تقول: الضعاف أخلاقيون، هذه قنبلة، أو الأخلاقي ضعيف، معنى هذا أنك ربطت الأخلاق بالضعف والقوة، لم يعد هناك قيمة لذاتها، قيمة تابعة لقيمة ثانية.
المذيع:
 بعض الأشخاص قد يكون مرتبطاً بعمل، أو أم موجودة في البيت من الصعب أن يعتكف في المساجد هل له في بيته أو في عمله أن يتعبد؟

اعتكاف الإنسان و خلوه مع ربه :

الدكتور راتب :
 العبرة أن يخلو الإنسان مع الله، غرفة من غرف البيت، لا يكون فيها تشويش خارجي، لا يكون فيها أخبار، ولا صديق طرق الباب، ولا شخص كلفك بشيء، أنت الآن اعتكفت، أي انسحبت من الحياة العامة، غرفة في البيت أو زاوية في الجامع.
المذيع:
 مثلاً أم لديها أطفال لا تستطيع أن تغلق الباب عليها.
الدكتور راتب :
 هذه معذورة.
المذيع:
 تصلي بين أطفالها.
الدكتور راتب :
 نعم سيدي الله يعلم، حينما يعلم عذر هذا الإنسان يتجلى عليه كما لو كان معتكفاً، أذكر مرة أن إنساناً دخل المسجد النبوي رأى الصحابة معتكفين، واحد سأله: ألك حاجة؟ قال له: عليّ دين لا أطيق سداده، وصاحب الدين يطالبني ويلاحقني، قال له: أتحب أن أكلمه لك؟ قال له: أتمنى والله، فخرج هذا الصحابي ابن عباس من معتكفه، فقال له أحدهم: يا بن عباس أنسيت أنك معتكف؟ قال: لا والله، ولكنني سمعت صاحب هذا القبر، والعهد به قريب، ودمعت عيناه: "والله لأن أمشي مع أخ في حاجته خير لي من اعتكاف عشرين عاماً.." ما هذا؟ أن تخرج من اعتكافك في حاجة أخ مسلم هذا قمة التدين.
فلذلك موضوع الاعتكاف لا يوجد شيء يطالبك، لا يوجد عمل صالح متاح لك، ما عندك شيء اعتكف، أما إذا كان هناك عمل صالح، يوجد نبيان نبي آثر العمل الصالح على علاقته بالله، سيدنا سليمان، وداود آثر الاعتكاف على خدمة الخلق، قال تعالى:

﴿ يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى ﴾

[ سورة ص:26 ]

 أي هوى؟ علاقته بالله هي الهوى الخاص به، فأنت يجب أن توازن، أنا ماذا أقول؟ لو أن شيخاً أخذ أخوته إلى نزهة، ثم اعتزل إخوانه واتجه إلى الله، هذا خطأ كبير، ذهبت معهم كي يأنسوا بك، ويسمعوا منك، لذلك ورد نص: "الوقار في البستان من قلة المروءة"، أي أنت في نزهة، من خصائص النزهة أن تكون مرحاً، يجب أن تكون معهم أن تسمح لهم بذلك، فالوقار والهيمنة والكهنوت في البستان من قلة المروءة.
المذيع:
 معنا اتصال أخ محمد تفضل..
 بالعشر الأواخر يجتهد الرجال، نريد اجتهاد النساء ومالهن من الأجر؟ نحن نعلم أن للرجال في الجنة زوجات وحور فما للنساء من هذا؟
 والسؤال الثاني لو تعرف لنا البدعة في هذه الأيام، أي إنسان يقول: الصلاة على النبي، لا إله إلا اله بين الصلوات هذه بدعة.

الإنسان مخير في أمور و مسير في أمور أخرى :

الدكتور راتب :
 الإنسان في الآخرة شخص، وهذا الشخص له ما يسعده، أدق التفصيلات شخص، طلب العلم فريضة على كل مسلم، قالوا: على كل شخص مسلم، وشخص يشمل الذكور والإناث، فهذه المرأة بالأساس إنسان، لحكمة بالغة بالغة جاءت امرأة، أفضل شيء ما اختاره الله لك، أنا أقول: أنت مخير قولاً واحداً، وإذا ألغي الاختيار في الدين ألغي الدين، إلا أنك مسير بكونك ذكراً أو أنثى، هذه ليس باختيارك، مسير بأمك وأبيك هذه الثانية، أنت مسير أيضاً فيمن حولك، لا بد أن يكون هناك شيء مهيئاً لهم لا يقل عن الرجال أبداً .
المذيع:
 السؤال الثاني عن البدعة هل كل شيء لم يكن في زمان النبي صلى الله عليه وسلم بدعة؟

الدين لا يجدد لأنه كامل كمالاً مطلقاً من قبل الله :

الدكتور راتب :
 السيارة بدعة الآن؟ البدعة في الدين فقط، أي أن تحدث في الدين ما ليس منه، وما هو التجديد في الدين؟ أن تنزع عن الدين كل ما ليس منه مما علق به، الآن علق بديننا مليون شبهة، ومليون بدعة، أين التجديد في الدين؟ الدين لا يجدد، الدين كامل كمالاً مطلقاً من قبل الله عز وجل، فإذا أضفت عليه اتهمته بالنقص، إن حذفت منه اتهمته بالزيادة، أين التجديد؟ أن تنزع عن الدين كل ما علق به مما ليس منه، نبع صاف مئة بالمئة، الماء كالألماس، جاءه رافد سيئ، مياه سوداء، رافد ثان، ثالث، أصبحت المياه بالأخير سوداء، ما هو التجديد؟ أن توقف هذه الروافد ليبقى الماء صافياً.
المذيع:
 بين ركعات التراويح قد يخرج الإمام ويقول: صلوا على رسول الله ويتم الصلاة.
الدكتور راتب :
 لا يوجد في هذا مشكلة، أنا لست ممن يصلون إلى هذه المستويات.
المذيع:
 لم يحدث شيء جديد، والصلاة واردة، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم واردة.
معنا اتصال أخت أم هاشم تفضلي..
 بالنسبة للبدعة قراءة قل هو الله أحد بين كل أربع ركعات ثلاث مرات والله أعلم هل هي واردة؟

الاعتدال في الدين :

الدكتور راتب :
 إذا الله عز وجل قال:

﴿ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ ﴾

[ سورة المزمل:20 ]

 فاقرؤوا ما تيسر من القرآن الكريم، ما الذي حدث؟ لنكن واقعيين، متوسطين، معتدلين، لا نريد نحن لأشياء صغيرة جداً مثلاً شخص معه دكتوراه وفي جيبه قلم، ربطنا وجود القلم في جيبه مع الدكتوراه، والذي لا يضع قلماً لا يوجد معه دكتوراه، هذا شيء مضحك.
المذيع:
 لا يلزم الناس بقراءتها ولا يمنعون؟
الدكتور راتب :
 لا، الله عز وجل قال:

﴿ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ ﴾

[ سورة المزمل:20 ]

 و لكن هناك أناس يمسكون الوضع بشكل غير معقول إطلاقاً.
المذيع:
 أخت أم هاشم...
 عندما يطيل الإمام في صلاة التهجد في الركوع والسجود يشق على المصلين، القيام لا يوجد به مشكلة فهل هذا ينفر؟

إعطاء الصلاة حقها :

الدكتور راتب :
 كان النبي صلى الله عليه وسلم أخف الناس صلاة في تمام، أي الركوع يأخذ حقه، والسجود، والتلاوة، فالإنسان لو صلى وحده يقرأ البقرة وآل عمران والنساء في ركعة واحدة، أما مع الناس فالآيات المعدودة.
المذيع:
 هل صلاة التهجد لها خصوصية؟ الناس يأتون ويعرفون أنها طويلة مثل التراوايح؟
الدكتور راتب :
 معروفة، أنت جئت للتهجد إذا كنت لا تستطيع صلِّ في بيتك، لا مشكلة في الإطالة، هي صلاة استثنائية.
المذيع:
 أخ أمجد تفضل...
 أنا من طبيعة عملي أقضي رمضان في مكة المكرمة، ولكن ابتليت بالمرض، الحمد لله العشر الأواخر أقضيها في الأردن، وأنا ممنوع من الصيام، ماذا أستطيع أن أفعل حتى أعوض هذه الأمور؟

من كان على عبادة عالية ثم فقدها لسبب صحي يحاسب على أنه قضاها :

الدكتور راتب :
 تلاوة القرآن الكريم وفهمه، إذا الله عز وجل قال:

﴿ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ ﴾

[ سورة البقرة : 121 ]

 ما معنى هذه الآية؟ قال العلماء: حقّ تلاوته أن تتلوه صحيحة ومجودة إن أمكن، وأن تفهمه، أما أخطر شيء بالتلاوة الصحيحة فأن تطبقه، كلما رأيت آية فيها أمر ائتمر، آية فيها نهي انته، هذا الموقف العملي الرائع المتألق من القرآن الكريم، أن تأتمر بأمره، وأن تنتهي عما نهى عنه.
 يوجد نصوص لا أذكرها هذا الذي كان على عبادة عالية ثم فقدها لسبب صحي يحاسب على أنه قضاها كما كان يقضيها سابقاً.
المذيع:
 أحياناً بعض الضغوطات النفسية التي تسيطر على ذهن الإنسان فكأنما يصلي ولم يدر ماذا يصلي، ويقرأ القرآن ولا يتدبر، كيف يخرج من هذا؟

أداء الفرائض و التخفيف من النوافل في الظروف الصعبة :

الدكتور راتب :
 نفرض أن إنساناً بلغه أن ابنه معه التهاب سحايا، فاهتم به، وبذل جهده، وأخذه إلى الطبيب، وجاء بطبيب ثان وثالث، جاءت الآية:

﴿ فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ ﴾

[سورة الشرح: 7]

 معنى هذا أن الله عذرك بانشغالك بشيء أساسي، فإذا فرغت من مشكلتك، من معالجة هذا الابن المريض، من قضاء هذا الدين الذي صاحبه شديد جداً، قال تعالى:

﴿ فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ ﴾

[سورة الشرح: 7]

 الله عز وجل هو الذي خلقنا في ظروف صعبة جداً نجتازها، لا بد من أداء الفرائض كلها، لكن النوافل تخف قليلاً في الظروف الصعبة، والآية تقول:

﴿ فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ ﴾

[سورة الشرح: 7]

 إذا كنت مشغولاً فانصب لعبادتنا، شيء لطيف من الله، حتى عليه أن يأكل وفق السنة، كان الصحابة مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فأكلوا زيادة، فالنبي تبسم فقط، فعد تبسمه إقراراً لأعمالهم، مع أخوانه الإنسان يقبل الزيادة، يحبهم كثيراً وهناك طعام طيب، أكل أكثر من حاجته، النبي تبسم.
المذيع:
 هل من حرج إن كنا في دعاء الله عز وجل لحوائج الدنيا؟

على الإنسان أن يسأل ربه حتى شسع نعله إذا انقطع :

الدكتور راتب :
 لا، لا مشكلة، اسأله كل حاجتك حتى اسأله شسع نعلك إذا انقطع.
المذيع:
 السيدة عائشة سألت النبي صلى الله عليه وسلم ما تدعو إذا أدركت ليلة القدر، كان إرشاد النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعفُ عني.

أدعية ليلة القدر :

الدكتور راتب :
 اللهم اهدنا واهد بنا، اللهم نحن بك وإليك، هذه كلها مختصرات، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارض عنا.
المذيع:
 هل لنا أن نختم هذا المجلس بدعاء.

الدعاء :

الدكتور راتب :
 اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، مولانا رب العالمين، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك، اللهم لا تؤمنا مكرك، ولا تهتك عنا سترك، ولا تنسنا ذكرك، اللهم صن وجوهنا باليسار، ولا تبذلها بالإقتار فنسأل شر خلقك، و نبتلى بحمد من أعطى، و ذم من منع، و أنت من فوقهم ولي العطاء، و بيدك وحدك خزائن الأرض و السماء، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارض عنا، اجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً وسائر بلاد المسلمين، والحمد لله رب العالمين، الفاتحة.

خاتمة و توديع :

المذيع :
 هل من همسة تهمس بها لمستمعينا قد تكون هذه آخر حلقة في رمضان، ونحن في أيامه المعدودة الأخيرة ..
الدكتور راتب :
 هذه الأيام من أفضل أيام العمر، الإنسان يقضيها في طاعة الله، في معرفة الله، في ذكر الله، في قيام الليل، هذه أيام معدودة، ولها نتائج كبيرة جداً، رغم أنف عبد أدرك رمضان، ولم يغفر له، إن لم يغفر له فمتى؟ مناسبة وحيدة لقفزة نوعية في رمضان، أرجو الله من أخوتي المستمعين أن ينصرفوا إلى عبادة الله عز وجل.
 كنت أقول: لئلا ينقلب رمضان إلى شهر ولائم، وشهر سهر، وشهر شاشة، لا، شهر رمضان شهر عبادة، فالاعتكاف ضروري، والابتعاد عن الشأن العام أضر كذلك.
المذيع :
 بارك الله بكم فضيلة العلّامة الدكتور محمد راتب النابلسي، حديثنا كان عن العشر الأواخر في رمضان، الله يبارك لنا فيما تبقى من أيام رمضان، وأن نكون من عباده العتقاء من النار في هذا الشهر الفضيل، سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور