وضع داكن
29-03-2024
Logo
الخطبة : 0974 - أمراض نفسية في الأمة الإسلامية - تكذيب قصة الفتاة الممسوخة.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الخطبة الأولى:
 الحمد لله نحمده، ونستعين به، ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقراراً بربوبيته، وإرغاماً لمن جحد به وكفر، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليـه وسلم رسول الله، سـيد الخلق والبشر، ما اتصلت عين بنـظر، أو سمعت أذن بخبر، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه، وعلى ذريته ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدين.
 اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
 اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.

أمراض نفسية في الأمة الإسلامية:

 أيها الإخوة الكرام، موضوعات ثلاثة تـنضوي تحت آية واحدة، هي قوله تعالى:

 

﴿ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾

 

( سورة البقرة: الآية 216)

المرض الأول: القلق

 أيها الإخوة الكرام، بعض القلق ضروري لحياتنا النفسية، فالقلق ضروري للحاضر وللمستقبل، ولكن في حدود، بحيث لا ينتهي القلق إلى اليأس والتعاسة، فبعض أنواع القلق كالملح في الطعام، إذا زاد عن حده انقلب إلى ضده.
 أيها الإخوة الكرام، بعض الناس يهربون من القلق عن طريق عـدم مواجهة الحقيقة، والنتيجة أنهم يهربون من الحقيقة، ويصبحون أكثر تعرضاً للقلق، واجه الحقيقة، لا تخف منها، الحقيقة المُرّة أفضل ألف مَرة من الوهم المريح.
 أول خطوة في حل المشكلة أن تعلم أنها مشكلة، أول خطوة في علاج الضغط المرتفع أن تعلم أنك تعاني من ضغط مرتفع، لا تجبن عن مواجهة الحقيقة، ولو أدت إلى بعض القلق، فإن الهروب من الحقيقة يوقعك في قلق شديد جداً، قد ينتهي إلى اليأس.

نصائح للتخلص من القلق:

 

 أيها الإخوة الكرام، ينبغي أن نحاول التخلص من القلق، ولكن بطريقة عملية:

1) لا تكلف نفسك فوق قدرتها:

 أولاً: لا تطلب من نفسك أشياء فوق قدرتها، اعرف حجمك، اعرف إمكاناتك، اعرف قدراتك، لا تطالب نفسك فوق ما تستطيع، عندئذ تقع في الإحباط، وفي القلق، لا على مستواك الشخصي فقط، ولكن على مستوى الأمة، هذا واقع يجب أن نقبله كي نعالجه، أما إذا رفضناه فرض علينا واقع أشد وأدهى، الكثيرون يحملون هموماً أكبر من إمكاناتهم وطاقاتهم، بل ربما كانت أكبر من إمكانات الأمة كلها في مثل هذه المرحلة، وهذا يسبب لهم قلقاً دائماً.
 مرة ثانية، الاعتدال في القلق كالملح في الطعام، ضروري جداً، ولكن إذا زاد عن حده انقلب إلى ضده.
 يروى أن أعرابيًّا عنده أمَة، فقيل له: هل تتمنى أن تذهب هذه الأَمة، وتصبح أنت الخليفة ؟ قال: لا والله، قيل: ولمَ ؟ قال: أخشى أن تذهب الأمة، ولا أصبح خليفة.
 هذا الواقع، اقبل واقعك، قبول الواقع نوع من الرضى عن الله عز وجل، حاول أن تحدد المشكلة، حاول ألا يسلمك قلقك إلى اليأس، ولا إلى التعاسة، ولكن واجه الحقيقة، ولا تقفز عنها، هناك من يهرب منها بالقفز عنها وبتجاهلها.
 انظر إلى واقعك بعين الرضا، ولا تكن قاسياً على نفسك.
 ورد في بعض الآثار: " نفسك مطيتك فارفق بها ".
 لا تحمل نفسك ما لا تطيق، لا تنظر إلى نموذج يصعب الوصول إليه، ثم تشعر بالإحباط المستمر، " نفسك مطيتك فارفق بها "، انظر إلى واقعك بعين الرضا، لا تكن قاسياً على نفسك، إن لنفسك عليك حقاً، ولكن، لا يعني هذا أن تستسلم للمقلقات.

2) اطمح إلى شيء وتمتع بالأمل:

 ينبغي أن يكون لك طموح، كما قال عمر بن عبد العزيز: " تاقت نفسي إلى الإمارة، فلما بلغتها تاقت نفسي إلى الخلافة، فلما بلغتها تاقت نفسي إلى الجنة ".
 لابد لك من آمال، هذا الذي يقتل الآمال يقتل الإنسان، الإنسان يعـيش بأمـل، لا تقلق على المستقبل، إنه بيد الله، والله عز وجل لا يضيع المؤمنين، اسمع الأخبار، واقرأ التحليلات، وابحث، وادرس، ولا تـنسَ لثانيةٍ واحدة أن الله موجود، وأن الله بيده الأمر، إليه يرجع الأمكر كله، وإنه لن يضيع المؤمنين، لكنه يمتحنهم، لن يضيع المؤمنـين، لكنه يعالجهم، لن يضيع المؤمنين، لكنه يدفعهم إلى الطريق الصحيح.
 أيها الإخوة الكرام، كل إنسان ينبغي أن يكون له أمل، الأمل يحرك، الأمـل يدفع، الأمل يمتص المصيبة.
 أذكرُ مرة أنني تحدثت عن سعادة المؤمن، فاعترض معترض، وقال: هذا كلام غير صحيح، المؤمن يعاني ما يعانيه الناس جميعاً، إن كان هناك ارتفاع أسعار، إن كان هناك أزمة سكن، هو يعاني، فخطر في بالي مثل:
 لو أن إنساناً فقيراً معدوماً دون الخط الأحمر، وعنده أولاد ثمانية، ودخْله محدود جداً، وله قريب يملك مئات الملايـين، هو عمه، وعمه ليس له ولد، ومات بحادث سير، هذه المئات من الملايين كلها لابن أخيه، انتقلت إليه، ولكن إجراءات الإرث وبراءات الذمة تستغرق سنة، لماذا هذا الشاب الفقير المعدوم في هذه السنة هو من أسعد الناس؟ لم يقبض درهماً واحداً، ولكنه دخل في الأمل، قال تعالى:

﴿ أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ ﴾

( سورة القصص: الآية 61 )

 مادام الله قد وعد المؤمنين بالجنة، وهذه الدنيا تمضي، فهم سعداء، وقد حدثتكم في خطبة سابقة أن الإيمان قوة مطلقة، وكيف أن أصحاب الأخدود حرقوا، وكيف أن ماشطة بنت فرعون ألقيت في الزيت المغلي، ولم تنتصر، عدَّ العلماء ثباتها على مبدئها وصحة عقيدتها نصراً مبدئياً.

﴿ وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ ﴾

( سورة البقرة: الآية 143)

3) اذكر نجاحك واشكر الله:

 أيها الإخوة الكرام، استمتع بالنجاح، ما من إنسان إلا وعنده قدر من النجاح، إنْ في حرفته، إنْ في زواجه، إنْ في صحته، إنْ في عمله، هذا النجاح ينبغي أن تذكره، وقد قال الله عز وجل:

﴿ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ ﴾

( سورة إبراهيم: الآية 5 )

 يوم نصرك، يوم وفقك، يوم نلت هذه الشهادة، يوم عُينت في هذا المنصب، يوم اشتريت هذا البيت، يوم تزوجت هذه المرأة ….
 هذه النجاحات التي قدرها الله لك لا تغب عن ذهنك، اشكر الله عليها، ذكرهم بأيام الله، النجاح يسعد، النجاح مسعد ويسعد، فإذا كنت على نجاح فلا تـنسَ هذا النجاح، فهو من نعم الله الكبرى.

 

4) لا تحقد على الناس ولا تحسدهم:

 أيها الإخوة الكرام، لا تحقد على أحد من الناس، الحقد على الناس دليل ضعف التوحيد، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد.
 لا تحزن الفتاة إن رأت أختها قد تزوجت، فلها عند الله رزق، لا ينساها الله عز وجل من فضله.
 لا تحزن الزوجة حينما ترى زوجة أخرى تعيش مع رجل غني، فقد يعطي الله المال، ويسلب الصحة، وقد يعطي المال، ويسلب السعادة.
 لا تبكِ المطلقة إذا قابلت زوجة سعيدة.
 أيها الإخوة الكرام، لا تتمنّواَ ما فضل الله به بعضكم على بعض، مادام الله عز وجل قد خصك بشيء، فاشكر الله عليه.

 

 

5) اشعر بالنعم وانسَ الآلام:

 

 أنا أتحدث اليوم عن الحالة النفسية للإنسان، الإحباط واليأس، وأن تحمل نفسك ما لا تطيق، وأن تتشاءم، وأن تصبح تعيساً يائساً، هذا هو الانهزام الداخلي، وهذا أخطر من الانهزام الخارجي.
 أيها الإخوة الكرام، شكا لي بعضهم أن مشكلة في بيته قد حصلت، وهي تحتاج إلى نفقة كبيرة، بعض الأنابيب قد سدت، ولا بد من إصلاح البيت كله، قلت له: اشكر الله عز وجل على أن أوعيتك الدموية سالكة، تلك أصعب.
 كان سيدنا عمر رضي الله عنه، إذا أصابته مصيبة يقول: الحمد لله ثلاثاً:
 " الحمد لله إذ لم تكـن في ديني، والحمد لله إذ لم تكن أكبر منـها، والحمـد لله إذ ألهمت الصبر عليها ".

6) لا تذكر الماضي ولا تأسف عليه:

 أستاذ جامعي دخل على طلابه في الجامعة، وسألهم: " من منكم نشر الخشب يوماً من الأيام ؟ "، فقال بعضهم: نحن، قالوا: كلنا مارسنا يوماً نشر الخشب، قال: " عندي لكم سؤال: من منكم يستطيع أن ينشر هذه النشارة ؟ "، كلهم سكتوا.
 هذا هو الماضي، ما مضى فات، دعك منه، هذا الذي يندب حظه دائماً، يندب سوء اختياره لزوجته، يندب لماذا اختار الوظيفة، فأصبح دخله محدوداً، لماذا اختار هذا البيت، فكان جاره سيئاً، هذا الذي يتشكى دائماً لا يصلح لشيء، الماضي مضى:

ما مضى فات والمؤمل غيب   ولك الساعة التي أنت فيها

 ابدأ من هذه الساعة.

لا قلق مع الإيمان والاستقامة:

 أيها الإخوة الكرام، هذه بعض الحقائق النفسية التي يمكن أن تحل بالإيمان، قال تعالى:

 

﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (*) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (*) نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ ﴾

 

( سورة فصلت، الآيات 32،31،30 )

 أيها الإخوة الكرام، أنت متى تبحث عن مخرج؟ حينما ترى الأبواب كلها مغلقة، تقول: أين المخرج، دقق في قوله تعالى:

 

﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً ﴾

 

( سورة الطلاق: الآية 2)

 لم يكن هناك مخرج.

ضاقَت فَلَمّا اِستَحكَمَت حَلَقاتُها   فُرِجَت وَكُنتُ أَظُنُّها لا تُفرَجُ

***
كن عن همومك معرضا   و كِلِ الأمور إلى القضا
أبشــر بخير عاجلٍ   تـنسى به ما قد مضى
فلرب أمرٍ مسخـطٍ   لك في عواقبـه رضا
ولربما اتسع المضيـق   و ربما ضاق الفـضا
الله يفعل ما يشـــاء   فلا تكن معترضــا
الله عودنـــا الجميلَ   فـقِسْ على ما قد مضى

وراء الأحداث حكمة عظيمة فلا تقلق:

 أيها الإخوة الكرام، والله الذي لا إله إلا هو، هذا الذي يجري للعالم الإسلامي وراءه حكمة لا يعلمها إلا الله، وسوف تكشف الأيام في المستقبل عن هذه الحكم، أما الآن فهناك حرب عالمية ثالثة، معلنة على جميع المسلمين في شتى أقطاره، والحكمة مجهولة..
 لعلها دعوة إلى الصحوة، لعلها دعوة إلى الوحدة، لعلها دعوة إلى العمل، لعلها دعوة إلى التضامن، لعلها دعوة إلى أن يحب بعضنا بعضاً.

المرض الثاني: تكثير الأعداء

 أيها الإخوة الكرام، أسوأ صناعة في الحيـاة هي صناعة الأعـداء، وهـذه الصنـاعة لا تتطلب أكثر من الحمق، وسوء التدبير، وقلة المبالاة، لتحشد حولك جموعاً من الغاضبين والمناوئين والخصوم، لكن الله عز وجل يقول:

﴿ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيم ﴾

( سورة فصلت: الآية 34 )

 هذا سلوك المؤمن، لا يصنع الأعداء، بل يقلب الأعداء إلى أصدقاء بحكمته وحلمه.

دروس نتلقاها من أعدائنا:

 قد تتعجبون أن أجعل لازمة لهذا الموضوع: ( شكراً أيها الأعداء، أنتم علمتمونا كيف نستمع إلى النقد، وإلى النـقد الجارح دون ارتباك، وكيف نمضي في الطريق دون تردد، ولو سمعنا من القول ما لا يجمل وما لا يليـق ).
 أيها الإخوة الكرام، النبي عليه الصلاة والسلام وصف بأنه مجنون، وبأنه ساحر، وبأنه كاهن، والسؤال: لماذا أثبت الله هذه التهم في القرآن الكريم، الذي يتلى إلى يوم الدين ؟ ألم يكن من الممكن أن يتهم بهذه التهم الكبيرة، والقرآن يبطلها؟ لماذا أثبتها الله في القرآن الكريم الذي يتلى تعبداً إلى يوم الدين؟ هذا من أجل كل إنسان مخلص، له من يعارضه، له من يشجب عمله، له من يفنّد سلوكه، له من يقلل من قيمته، له من يشكك في نواياه..
 من أنت أمام سيد الخلق وحبيب الحق الذي اتهم بأنه ساحر، وبأنه كاهن، وبأنه مجنون؟ حتى إن الله عز وجل يقول له:

 

﴿ مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ ﴾

 

( سورة القلم: الآية 2 )

﴿ قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ ﴾

( سورة هود: الآية 28)

 لذلك شكراً أيها الأعداء، لقد علمتمونا كيف نستمع إلى النقد، بل والنقد الجارح دون أن نرتبك، ودون أن يختل توازننا، وكيف أننا نمضي في طريقنا دون تردد، ولو سمعنا من القول ما لا يجمل، هذا درس عظيم لا يمكن أن نتلقاه نظرياً، مهما حاولنا حتى يقيض الله لنا من يعاملنا به، ومن يجرعنا مرارته، ليكون شيئاً معتاداً، هذا الذي أَلِف أن يمدح دينه دائماً، لو أنه سمع نقداً جارحاً لاختل توازنه، لكن الله يعلمنا أن معركة الحق والباطل معركة أزلية أبدية.
 وطِّن نفسك على أن هناك من يرى أن هذا القرآن ليس كلام الله، وأن هذا الدين دين الإرهاب، ودين القتل، ودين الهمجية، ودين التخلف، وتعلم أنت علم اليقين أنه دين خالق السماوات والأرض، دين وحي السماء، دين الإنسانية، دين المحبة، دين التسامح، وطِّن نفسك، هذه جرعات من أجل أن تملك مناعة ضد هذه الاتهامات، شكراً لكم أيها الأعداء مرة ثانية، فأنتم كنتم السبب في انضباط النفس، وعدم انسياقها مع مدح المادحين.
 الإنسان أحياناً، لكي يكشف عن سلامة قلبه قد يدفع الآلاف، امتحان جهد، أنت حينما يأتي هذا العدو، ويقسو عليك، وأنت مطمئن إلى إيمانك، مطمئن إلى عدالة السماء، مطمئن إلى رحمة الله، مطمئن إلى حكمة هذا التجريع، لقد كشف الله لك أنك مؤمن، وأنك لن تتأثر بكل هذه الأباطيل.

ذم الأعداء لنا يحقق التوازن النفسي لدينا:

 الإنسان يرتاح للمديح، فإذا سمع المديح طوال عمره اغترَّ بنفسه، وأعطاها حجماً فوق حجمها، لكن هذا العدو حينما ينتقدك بقسوة، يقيم لك توازنًا بين مدح المادحين وذم الذامين، وعلامة المخلص لرب العالمين أن عمله لا يزداد بالمديح، ولا يقلّ بالذم، ولا يزداد في الظاهر، ولا يقلّ في الباطن، يريد الله أن يكشف لك إخلاصك، أنت إيمانك قوي جداً، فمهما اتُّهِم الإسلام فأنت متمكن من هذا الدين العظيم.
 أيها الإخوة الكرام، أخطر مرض يصيب الإنسان أن يغتر بنفسه، العدو يمنعك أن تغتر، فكلما سمعت مدح المادحين جاء هذا العدو ليسمعك الذم والتجريح والنقد، فتتوازن، الشاعر يقول:

 

وإذا أراد الله نشر فضيلة   طويت، أتاح لها لسـان حسودِ
لولا اشتعـال النار فيما جاورت   ما كان يعرف طيبُ عَرْفِ العودِ

 

 يأتي هذا العدو اللدود فيذمك، فتنبري له الألسنة لتقرر الحقيقة وتمدحك، لولا هذا الافتراء لما نطقت الألسنة بمدحك:

وإذا أراد الله نشر فضيلة   طويت، أتاح لها لسـان حسودِ
لولا اشتعـال النار فيما جاورت   ما كان يعرف طيبُ عَرْفِ العودِ

 إذاً، شكراً لكم أيها الأعداء، أنتم أيها الأعداء دون أن تعلموا، ودون أن تشاؤوا، ودون أن تريدوا، قررتم أن هذا النقد ينتج عنه اتزان، وعدل في الفكرة، الإنسان قد يعطي نفسه فوق قدرها، فيأتي هذا النقد فيحجمها، ويعطيها قدرها الحقيقي.
 أيها الإخوة الكرام، والله الذي لا إله هو، هذه الشدائد التي تمر بالمسلمين حققت إنجازات في المدى القريب، العقل لا يصدقها، اقتربنا من بعضنا، بدأنا نزيل بعض الخلافات فيما بيننا، بدأنا نشعر أن وجودنا جميعاً في خطر، لابد من تعاوننا، هذه الأمراض المستشرية ما كنا لنشفى منها لولا هذه الهجمات الشرسة التي يقوم بها أعداؤنا.

سقوط الحضارة الغربية:

 أيها الإخوة الكرام، استطراداً، العالم قبل خمسين عاماً كان يوجد ـ إن صح التعبير ـ على ساحة القيم والمبادئ كتل ثلاث، كتلة الشرق، والغرب، والإسلام، الشرق تداعى من الداخل، بقي على الساحة العالم الغربي، قيم الحرية، والديمقراطية، والعدالة، وحقوق الإنسان، وتكافؤ الفرص، وحق المقاضاة، والعولمة، وبقي الإسلام بقيمه القرآنية ومبادئه، فما الذي حصل؟ الغرب قوي، وغني، وذكي، فخطف أبصار أهل الأرض، وصار الإنسان يطمح أن يذهب إليهم، وكأن البطاقة الخضراء بطاقة دخول الجنة، لكن ما الذي حدث؟ أنهم بعد الحادي عشر من أيلول سقطوا كحضارة، وبقوا كقوة غاشمة، وهذا أكبر نصر للإسلام، ألا ترون أن قضية الدين قفزت إلى بؤرة الاهتمام في العالم كله؟ ألا ترون أن هذا الدين على أنه يهاجم من جميع الأطراف يدخل الناس فيه أفواجاً، ما السبب؟ هذا الفعل الذي فعلوه دفع الناس إلى معرفة هذا الدين:

 

﴿ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾

 

( سورة البقرة: الآية 216)

 يجب أن نقول: شكراً لهذه الدولة الغنية التي هي قطب العالم، لقد أعانتنا على أن نكفر بها، والله عز وجل يقول :

﴿ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى ﴾

( سورة البقرة: الآية 256 )

 أي: الطريق إلى الله لا يكون سالكاً، إلا إذا كفرنا بالطاغوت، لقد أعانونا على أن نكفر بهم.
 أيها الإخوة الكرام، نشكر أعداءنا مرة ثانية أنهم حملونا على أن ننشط في معرفة هذا الدين، وفي إزالة الشبهات، وفي دفع الشهوات، وفي التضامن، وفي التحابب، هذا كله من نتائج عدوانهم دون أن يشعروا، ودون أن يريدوا.

المرض الثالث: عقدة العمل الغائب

 هناك وضع سيئ في واقعنا، هناك إحباط، هناك إخفاق، هناك ضعف، هناك شعور باليأس، هذه الأمراض المخفية ينتج عنها تأمل في غدٍ مشرق، دون أن نسعى له، نتخيله فقط، تخيلاً فقط، فلذلك سماها بعض علماء النفس (عقدة العمل الغائب)، نتأمل أن ننهض جميعاً، وأن نقاوم، وأن نقاتل، وأن، وأن.. وأن نعيد لأمتنا مجدها التليد، أن نعيد لها دورها القيادي في العالم، هذا ينتج عن الشعور بالإحباط.
 هذا المرض أصاب بعض الأمم السابقة، قال تعالى:

﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (*) وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾

( سورة البقرة، الآية 247،246 )

 إذاًَ، نتوقع مستقبلاً، فإذا جدَّ الجدُّ توانينا، هذه الحالة النفسية المرضية اسمها (عقدة العمل الغائب)، نتصور هذا النصر دون أن نسعى له، نتخيله دون أن نعمل من أجله، نطمح إليه دون أن نتكاتف لبلوغه، هذا مرض نفسي، نعيش في مستقبل غير صحيح، في مستقبل موهوم، ولا نفعل شيئاُ في الحاضر، هذا مرض نفسي، أرجو الله عز وجل أن يعافينا منه.

تفويت فرص الاتحاد والتعاون:

 أن نتخيل مستقبلاً مزهراً مشرقاً، موحَّداً، قوياً، ولا نعمل شيئاً من أجل هذا المستقبل، هذا مرض، وأن نكون كلما جاءت مناسبة كي نتقوى، وكي نتوحد، وكي نتعاون وكي نتضامن، نتفرق، ويلوذ كلٌّ منا بانتماءاته الشخصية، ولا يرعَى للأمة حقها، هذا مرض آخر يعاني منه معظم المسلمين.
 أيها الإخوة الكرام، هذا المرض أصاب بعض المؤمنين:

 

﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ﴾

( سورة النساء: الآية 77 )

 متحمسون، ولم يقبلوا بهذا الحكم:
 لأن مجتمع مكة مجتمع غير متجانس، في البيت الواحد مؤمن ومشرك، فلو سمح الله بالجهاد وقتها، لكانت الحرب حرباً أهلية، فجاء التوجيه الإلهي:

 

﴿كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ ﴾

 مهما كان الاستفزاز، أنا حينما أعمل شيئاً أتوهم أن الله يرضى عني به، ثم يسبب هذا الشيء بلاء للمسلمين لا ينتهي في خمسين عاماً، أنا ماذا فعلت؟

﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً ﴾

( سورة النساء: الآية 77 )

 المسلمون محتاجون إلى مرجعية، إلى من يقرر أن هذا العمل مشروع، أو غير مشروع، أما كل إنسان يجتهد، ويفعل ما يريد، ويدفع معظم المسلمين الثمن باهظاً، تنزع منهم إمكاناتهم، كل هذا بسبب اجتهاد قد يكون غير صحيح، فهذا ما لا يرضى عنه الشرع.
 المسلمون يجب أن يكونوا وحدة، سلمهم واحد، وحربهم واحدة، أما كل إنسان يعمل ما يريد، فهذا مرفوض.

 أيها الإخوة الكرام، في آية أخرى:

﴿ وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلَى لَهُمْ ﴾

( سورة محمد: الآية 20 )

 الأولى لهم، كما قال الله عز وجل:

 

﴿ طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ ﴾

 

( سورة محمد: الآية 21 )

وأخيراً:

 عقدة العمل الغائب أن نتخيل مستقبلاً، ولا نسعى لتحقيقه، أن نخدر أنفسنا بمستقبل مزهر دون أن نعطي أسبابه، هذا مرض نفسي، والمرض الذي قبله، أن نحقد على أعدائنا، وهم سخِّروا لنا:

عداتي لهم حق عليّ و منة   فلا أعدم الله مني الأعاديا

 لهم دور إيجابي قد يغفل عنه كل الناس.
 والشيء الأول كان: أن الإنسان يقلق، والقلق كالملح في الطعام، إذا زاد عن حده انقلب إلى ضده.
 أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه يغفر لكم، فيا فوز المستغفرين، أستغفر الله.

* * *

 الخطبة الثانية:
 الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، صاحب الخلق العظيم، اللهم صلِّ وسلم، وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

تكذيب قصة الفتاة الممسوخة:

 أيها الإخوة الكرام، أخ كريم قبل أسبوعين بالضبط، قدم لي قصاصة من جريدة يومية تصدر في دمشق، هي جريدة تشرين، فيها خبر، والحقيقة أنني سافرت في معظم المحافظات خلال الشهر السابق، السؤال الأول في كل لقاء، وفي كل درس، وفي كل محاضرة، وفي كل وقفة بين بعض الإخوة عن هذه الفتاة التي سَخِرت من أمها حينما كانت تقرأ القرآن، فمسخت إلى حرباء، وأنا أنفي هذا، أقول: غير معقول، لعلها كذبة، لعلها فرية، ثم جاء الخبر الشافي قبل أسبوعين..

 

أعداؤنا يشغلوننا بالتافهات:

 المسلمون يلعب بهم أعداؤهم، يتـفننون في إشغالهم بالتافهات، مع أنه هناك دعاة واللهِ أحترمهم، وأجلّهم، وأحبّهم تورطوا، وتبنوا هذه القضية، أحد الناس أحضر لي صورة، وجاء إلى منزلي، وهو يتقد حماسة، يريد أن يعرف حقيقة الموضوع، قلت له: الله أعلم بحقيقة الموضوع، لكنني أعتقد أن هذه الصورة ملفقّة بشكل ما.
 إنّ تلفيق هذه الصورة قضية سهلة جداً، بحسب التقدم الشديد في برامج الكومبيوتر، على كلٍّ، البارحة جاءته رسالة إلكترونية عبر النادي الفلاني، تفضح سر هذه الصورة..
 الفتاة الممسوخة هي تمثال متخيل لفنانة أسترالية تدعى (باتريشيا)، معروض في موقعها على الإنترنت، وهذا هو الرابط لمن يود أن يزور هذا الموقع، ويتأكد من صحة الموضوع، مكتوب اسم الرابط باللغة الإنكليزية، والطريف في الأمر أن هذه الفنانة المذكورة قد علمت بطريقة لا نعرفها بقصة انتحال منحوتتها في ديارنا العامرة، فنشرت على الصفحة الرئيسية من موقعها صورة المنحوتة في المعرض، وإلى جانبها رسالة إلى زوار الموقع بعنوان: خدعة الفتاة الملعونة، تقول فيها ما ترجمته: ( ربما شاهد بعضكم هذه الصورة المأخوذة من مشهد المخلوقات عن طريق البريد الإلكتروني، أو مواقع الإنترنت، هذه الصورة مسروقة من موقع باتريشيا، وقد تم استخدامها دون إذن منها، وضد رغبتها، لقد نشرت هذه الصورة مع قصة أن مفادها أن المخلوق الباهر فيها كان امرأة حلت عليها اللعنة، إن هذه القصة غير صحيحة، وهي ملفقة، وتقوم على الغش والخداع ).
 لقد انزعجت باتريشيا كثيراً من هذه الخدعة، وهي تعلن أنه لا علاقة لها بالشخص الذي أطلقها، ولا تعرفه مطلقاً.
 (باتريشيا) هي فنانة، وهذه الصورة ليست سوى صورة عمل فني، تمثال تم تنفيذه بمطاط السليكون، وموضوعه حول الهندسة الوراثية، والروابط الوراثية التي تربطنا بالحيوانات، وهي لا تتصل بأي شكل من الأشكال، بأي دين، أو بأية ممارسة دينية، والفنانة تشعر بالتعاطف الشديد مع كل من أزعجتهم هذه الخدعة، وهي تعبر عن أسفها، لأن عملها سرق، واستخدم بهذه الطريقة.
 مساكين أولئك الذين يلجؤون لمثل هذا النوع من التزوير، فهم مثل من يسرق كي يتصدق.

 

 

الحق أكبر من أن تكذب من أجله:

 إخواننا الكرام، كلمة أعلنها صريحة: الحق أكبر من أن تكذب من أجله، لا يحتاج الحق أن تكذب له، ولا أن تكذب عليه، ولا أن تزوّر، ولا أن تقلل من أعدائه، ولا أن تبالغ به، الحق يعلن على الملأ، الحق يعلن تحت ضوء الشمس، لا يحتاج إلى كذب، ولا إلى تزوير، ولا إلى غش، ولا إلى خداع، ولا أن تقلّل من خصومه، الله هو الحق، مادام الهدف نبيلاً استخدم إليه وسيلة صادقة، هذه الحقيقة الأولى.
 الحقيقة الثانية: نحن دون أن نشعر إذا رأينا إنساناً متكالباً على الدنيا، نقول: إنه كلب، هل هو كلب حقيقةً؟ هو إنسان يمشي على قدمين، إن رأينا إنساناً لا يحلل، ولا يحرم، نقول: هو خنزير، إن رأينا إنسانًا يحتال على الناس، نقول: هو قرد..
 لعل فهمي لآيات القرآن الكريم حينما مسخ الله بعض الأقوام إلى قردة وخنازير، فهمي هكذا.. أن الإنسان حينما يكون همه بطنه فهو قرد، وحينما يكون همه الجنس فهو خنزير، فالإنسان حينما يمسخ إلى قرد، وإلى خنزير، أي همه بطنه وفرجه، ولا يعبأ بأية قيمة أخلاقية.
 افهم القرآن فهماً علمياً، أنت تتصور أن هؤلاء القوم أصبحوا قردة يعيشون في الغابات؟، ربّما.. ولكن فهمي الخاص أن لهم بيوتاً، ويرتدون ثياباً، لهم زوجات، ولكن أخلاقهم أخلاق القردة، وسلوكهم سلوك الخنازير، والله أعلم.

 

 

آلاف الأكاذيب تنتشر بيننا:

 

 فيا أيها الإخوة الكرام، آلاف الصور يضحكون بها علينا:
 تارةً، قلب فيه شكل الشرايين على شكل كلمة (الله).
 تارةً، خلية نحل فيها اسم (الله).
 تارةً، أثناء الزلزال يتشكل على الأمواج اسم (الله)، يعني هذا الذي دمركم هو الله
 تارةً، غابة فيها بعض الأغصان متشابكة على شكل (لا إله إلا الله).
 كنت في أستراليا.. أعطوني صورة، هم مدهوشون بها، شجرة راكعة، غصن بشكل أفقي، يضحكون علينا، يتسلون بنا، يستفزوننا أحياناً، قصص لا أصل لها.
 الله عز وجل صنعته لا تحتاج إلى ماركة، اطمئنوا، صنعته أكبر، وأعظم، وأجلّ من أن تحتاج إلى دمغة (الله)، هذا كله كذب بكذب، لا تصدقوه.
 مرةً، (بيل غيتس) أسلم، طبلوا الدنيا بهذا الكلام، هو لم يسلم، أنا بلغني هذا الخبر، واتصلت إلى أمريكا، والله خبر لا أصل له أبداً، ومساجد ومؤمنون يفرحون، يهنئ بعضهم بعضاً !!

لا تقبل أية فكرة إلا بدليل:

 من أجل أن يتعمق إحباطنا، فكلما سمعت خبراً يظهر أنه كذب، كلما تعلقت بشيء يظهر أنه لا أصل له، وطِّن نفسك على فهم علمي، لا تقبل خرافة، ولا تقبل حيلة، ولا تقبل فكرة، إلا بالدليل.
 واللهِ لا أبالغ، يقترب العدد من ألف سائل خلال الشهرين الماضيين، أعجب أينما سافرت، أينما حللت، أينما ألقيت محاضرة، السؤال الأول عن هذه الصورة، قلت: لا أصل لها من الصحة، جاء الخبر اليقين، إنسانة أسترالية شكلتها من السيلكون، مطاط السيليكون، ونقلت من موقعها على الإنترنت، ودوَّت الدنيا بخبرها.
 بل إن علماء أجلاء، دعاة ـ واللهِ ـ لا أشك في إخلاصهم، تبنّوا هذه القصة، ونشروها على التلفاز، فإذا هي قصة باطلة.
 أيها الإخوة الكرام، نحتاج إلى فكر علمي، نحتاج إلى الدليل، لولا الدليل لقال من شاء ما شاء.

 

الدعاء :

 اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت، فإنك تقضي بالحق، ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، ولك الحمد على ما قضيت، نستغفرك ونتوب إليك.
 اللهم اهدنا لصالح الأعمال لا يهدي لصالحها إلا أنت، اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت.
 اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، مولانا رب العالمين.
 اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك.
 وصلَِّ اللهم على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور