وضع داكن
29-03-2024
Logo
الدرس : 248 - النذير وأنواعه.
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

النذير :

1 ـ سن الأربعين :

 أيها الأخوة الكرام؛ في حياتنا حالة اسمها الإنذار، مثلاً إنسان يشكو في ألم من معدته، يقول له الطبيب: ينبغي أن تمتنع عن أكل المواد الضارة، وأن تلتزم بالحليب لستة أشهر، فإن فعلت ذلك شفيت شفاء تاماً، وإلا فلابد من عمل جراحي، هذا الكلام إنذار.
 وفي حياتنا آلاف الإنذارات، أحياناً إذا لم تدفع تضاعف، بالضرائب إذا أخفيت شيئاً تدفع عشرة أضعافه، حياتنا كلها إنذرات، لكن الله عز وجل بآية واحدة قال:

﴿ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ ﴾

[ سورة فاطر الآية:37]

 أيها الأخوة، بعض العلماء رأى أن النذير سن الأربعين.

(( عبدي كبرت سنك، وانحنى ظهرك، وشاب شعرك، فاستحِ مني، فأنا أستحي منك))

إلى متى أنت باللذات مشغول  وأنت عن كل ما قدمت مسؤول
***

 العلماء قالوا: سن الأربعين هو النذير، أي الإنسان نضج، أكل، وشرب، وتزوج، وأنجب، ماذا بعد ذلك؟ أن تعرف الله، أن تهيئ نفسك لهذه الرحلة الأبدية.
 كلكم مثلاً ذهبتم إلى بعض الأماكن الجميلة في الصيف، الرحلة عشرة أيام، دقق أول يوم، ثاني يوم، ثالث يوم، رابع يوم، خامس يوم، سادس يوم، سابع يوم، تغير تفكيرك، يجب أن تشتري الحاجات المعينة، يجب أن تجمع أغراضك، يجب، يجب، من السبعة للعشرة تهيئة للعودة.
 فالإنسان إذا بلغ الأربعين، أكل، وشرب، وتزوج، وأنجب، وحضر ولائم، وذهب سياحة، و بعد ذلك ماذا يوجد؟ يوجد موت، فالإنسان إذا أدخل الموت في حسابه في وقت مبكر بكون من أذكى الناس، أنا قاعد ببيت، والبيت فخم جداً، تدفئة، وتكييف، وأثاث، وإطلالة جميلة، هذا البيت سيبقى دائماً؟ لا، أنا عرفت تعريف البيت من النعوات، وسيشيع إلى مثواه الأخير، ماذا يعني؟ البيت مثوى مؤقت، إلى حين، لكن لابد من أن تدخل إلى بيتك قائماً و تخرج قائماً مدة ثلاث و سبعين سنة، إلا مرة واحدة ستخرج بشكل أفقي، ستخرج بنعش، هل يستطيع أحد من الحاضرين وأنا منكم أن يقول أنا لن أموت؟ أبداً، لابد من أن نموت.

(( عبدي رجعوا وتركوك، وفي التراب دفنوك، ولو بقوا معك ما نفعوك، ولم يبقَ لك إلا أنا، وأنا الحي الذي لا يموت ))

 إذاً:

﴿ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ ﴾

[ سورة فاطر:37]

 النذير إذاً سن الأربعين، ورد: أنه من بلغ الأربعين ولم يغلب خيره شره فليجهز إلى النار.
 بالأربعين للساعة الثالثة بالليل طاولة، شيش وبيش، إلى متى؟ بالأربعين تملأ عينيك من محاسن النساء الأجنبيات، إلى متى؟

إلى متى أنت باللذات مشغول   وأنت عن كل ما قدمت مسؤول
***

﴿ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ ﴾

[ سورة فاطر:37]

 إذاً أول نذير سن الأربعين.

 

2 ـ سن الستين :

 بعضهم قال: سن الستين، بعد الستين بالتعبير الشعبي مصابح مماسي، معترك المنايا كما قال النبي الكريم:

((مُعْتَرَكُ المنايا ما بين الستين إلى السبعين، وقل ما يجوز ذلك))

[أخرجه البخاري والترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه]

 الإنسان بلغ الستين، أي احتمال المغادرة صارت قريبة، الإنسان يتوهم أنه أنا مازلت شاباً، لكن يوجد أيضاً شاب يموت، الشاب يموت بحادث.
 أنا اجتهادي هذا الموت إن لم تدخله في حسابك اليومي عندك مشكلة كبيرة، يجب أن يدخل بحسابك اليومي، هذه الصفقة لا تجوز، البضاعة محرمة، هذه السهرة مختلطة لا تجوز، هذه النزهة مع فلان لا تجوز، إذا ما أدخلت في حساباتك المخالفات الدينية، وتجنبتها عندك مشكلة كبيرة.
إذاً أول نذير سن الأربعين، أو سن الستين.

 

3 ـ القرآن الكريم :

 الآن مجيء النبي الكريم، معه قرآن، معه وحي، هذا كان نذيراً، الإنسان عقله كاف لمعرفة الله، وعنده فطرة كافية لمعرفة الخطأ، كان ممكن ألا يكون هناك نبي، الكون ينطق بوجود الله، ووحدانيته، وكماله، لكن الله منّ على الذين آمنوا، أي عطاء زائد، كيف أب يضع ابنه بأفضل مدرسة، بأغلى قسط، لأنه شعر أنه ضعيف بالرياضيات، أحضر له أستاذاً خاصاً، الأستاذ الخاص هذا عطاء زائد، الأستاذ بالمدرسة كاف إذا انتبه، وداوم، وحل الوظائف، ينجح، فوق الشيء الطبيعي أعطاه دروساً خاصة.
 إذاً الأربعون والستون نذير، والقرآن الكريم الذي جاء به سيدنا محمد هو النذير، هذه يسمونها بحياتنا الدنيا تسريبات، الله سرب لك بالقرآن أحوال أهل النار، وأهل الجنة، في القرآن صفات أهل الجنة، وأهل النار، ويجب أن تعرفها من دون قرآن، لكن الله عز وجل فضلاً منه قال لك تفاصيل على أحوال أهل النار، لتكون نذيراً لنا.
 أخواننا الكرام؛

إلى متى أنت باللذات مشغول  وأنت عن كل ما قدمت مسؤول
***
تعصي الإله وأنت تظهر حبه  ذاك لعمري في الــــــــــمقال شنيع
لـــــو كان حبك صادقاً لأطعته  إن المحب لــــــــــــمن يحب يطيع
***

 وبعضهم قال:

فيا خجلي منه إذا هـو قال لـــــــي  أيا عبدنــــــــا ما قــــــــــــــــرأت كتابنــــا
أما تستحي منا ويكفيك ما جــرى  أما تختشي من عتبنا يوم جمعنــــا
أما آن أن تقلع عن الذنب راجعاً  وتنظــــــــــــر مـا به جـــــــــــاء وعدنــــا
فأحبابنا اختاروا المحبة مذهبـــــاً  وما خالفوا في مذهب الحب شرعنا
فـلو شاهدت عيناك من حسننـــا  الذي رأوه لما وليت عنـــــــــا لغـيرنـــا
ولو سمعت أذناك حسن خطابنا  خلعت عنك ثياب العجب وجئتنــــــــا
ولو ذقت مـن طعم المحـبـــة ذرة  عذرت الذي أضحى قتيلاً بحبنــــــــــا
ولو نسمت من قربنا لك نسمــة  لمــــت غريباً واشتيـــــــــاقاً لقربنـــــــــــا
فما حبنا سهل وكل من ادعـــى  سهولته قلنا له قــــــــــــد جهلتنـــــــــــــا
فـأيسر ما في الحب للصب قتله  وأصعب من قتل الفتى يوم هجرنــــا
***

العاقل من يدخل الموت في حساباته :

 أخواننا الكرام؛ لذلك مع معنى فلان كيّس؟ أي عاقل، في بعض الكتب الأدبية قصص عن الحيوانات، لكن يوجد قصة واحدة مؤثرة جداً، يقول صاحب الكتاب:
 مرّ صيادان على غدير- غدير ماء- فيه ثلاث سمكات، كيسة، أي عاقلة، وأكيس منها، أشدّ ذكاء، وعاجزة، فتواعدا أن يرجعا، ومعهما شباكهما، ليصيدا ما فيه من السمك- القصة هكذا- فسمعت السمكات قولهما، ثلاث سمكات، كيسة – عاقلة- وأكيس منها، وعاجزة.
 أما أكيسهن – أعقلهن- فإنها إرتابت وتخوفت، وقالت: العاقل يحتاط للأمور قبل وقوعها ثم إنها لم تعرج- أي ما فعلت شيئاً - حتى خرجت من المكان الذي يدخل منه الماء من النهر إلى الغدير فنجت، أعصابها مرتاحة، بوقت مبكر، قبل أن يأتي الخطر، اتخذت الاحتياطات، العاقل يحتاط للأمور قبل وقوعها.
 سؤال بسيط: هل هناك شخص واحد منا وأنا معكم يقول: أنا لا أموت؟ مستحيل! ما دام هناك موت يا ترى الموت دخل بحساباته؟ السهرة ترضي الله؟ هذه الصفقة أجبروك حتى يعطوك وكالة يجب أن تأخذ مادة محرمة، نستوردها، ماذا نفعل؟ ثم بعد ذلك تبيعها، مادة محرمة لا تجوز بالقرآن تستوردها كي تكون معك وكالة؟
 نحن مشكلتنا ليس بالفرائض، في تفاصيل حياتنا يوجد مليون معصية، بكسب مالك، بإنفاق مالك، بسهرتك، سهرة مختلطة، هذه زوجة أخيك يجب ألا تجلس معها، وقد تكون أجمل من زوجتك، عينك عليها طوال السهرة، دون أن تشعر، لم نعمل شيئاً، صحيح لكن عينك أين ذهبت؟
 لذلك أخواننا الكرام؛ لا تظن الدين صلاة، وصوماً، وحجاً، وزكاة، والله لا أبالغ يوجد حوالي خمسة آلاف بند، بدءاً من فراش الزوجية، وينتهي بالعلاقات الدولية، هذه الصفقة لا تجوز، السهرة لا تجوز، هذه التجارة لا تجوز، أدخل الحرام بالحلال، أموال بالبنوك، وفوائد ربوية، يقول: غفر الله لنا، هذا كلام فارغ، يوجد معاص واضحة، لها ثمن، الله عز وجل لن يلغي القوانين من أجلك، لذلك أخواننا الكرام:

((إن أكيس الناس أكثرهم للموت ذكراً))

[أخرجه الحارث عن زيد بن علي زيد بن علي]

 فالسمكة الأولى، أما أكيسهن فإنها إرتابت وتخوفت، وقالت: العاقل يحتاط للأمور قبل وقوعها، ولم تعرج على شيء حتى خرجت من المكان الذي يدخل منه الماء من النهر إلى الغدير فنجت، أعصابها مرتاحة، ما عندها ولا مشكلة، هيك المؤمن بساوي.
 وأما الكيسة الأقل ذكاء فبقيت في مكانها حتى عاد الصيادان، فذهبت لتخرج من حيث تخرج رفيقاتها، معها حل جاهز، فإذا بالمكان قد سُدّ، فقالت: فرطت وهذه عاقبة التفريط، علقت لأنها تأخرت.
 يوجد وقت للطاعة، شاب نشيط يصعد خمس درجات، خمس درجات، ينزل سبع سبع مثلاً، نشيط، يأتي وقت لا يستطيع أن يمشي، ادخر نشاطك للطاعة، و ليس تجاوزت سن الثمانين تريد الآن أن تصلي، صار يحتاج إلى كرسي، و أشياء كثيرة.
 فلذلك أخواننا الكرام؛

﴿ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ ﴾

[ سورة فاطر :37]

 فالنذير هو سن الأربعين، والنذير هو سن الستين.
 لذلك قالوا: من دخل في الأربعين دخل في أسواق الآخرة.

 

الإنسان مخير :

 ألا وإن علامات العقل التجافي عن دار الغرور، والتهيؤ لسكن القبور، والتزود ليوم النشور، هذا العقل، يجب أن تدخل الموت بحسابك، لو عمرك كان أربعين سنة، لأن الأربعين سن العقل، سن التوبة، سن الاستقامة، سن تحرير الدخل، يوجد دخل بحياتك لا يجوز، تحرير الدخل، هذا السن سن التوبة.
 أخواننا الكرام؛ لذلك الكيس، العاقل، الذكي، الفهيم، الموفق، المتفوق، الكيس من دان نفسه، ضبطها، ضبط دخله، في الدخل دخل حرام، في الدخل فوائد ربوية، في الدخل بضاعة محرمة.
 شخص يبيع طاولات زهر، نُصح أن:

(( من لعب النرد فكأنما غمس يده في لحم خنزير))

[حديث صحيح]

 قال: والله عليها طلب كثير يا أستاذ، عليها طلب، هذه حجة؟ طبعاً عليها طلب و لكنها شيء محرم، ما حُرم فعله حرم المتاجرة به، إذا كان هناك بضاعة محرمة يجب ألا تتاجر بها، والله هو الرزاق، لذلك: الكيس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجر من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني، نحن عبيد إحسان ولسنا عبيد امتحان، هذا كله غلط، الإنسان عندما يرتكب معصية لها نتائج حتمية، يقول: الله كتب هذا علينا، من قال لك الله كتب هذا عليك؟
 شارب خمر، سيدنا عمر قال: أقيموا عليه الحد، قال له: والله يا أمير المؤمنين إن الله قدر علي ذلك، فقال: أقيموا عليه الحد مرتين، مرة لأنه شرب الخمر، ومرة لأنه افترى على الله، قال له: ويحك يا هذا إن قضاء الله لم يخرجك من الاختيار إلى الاضطرار.
 أنت مخير، وفي أي لحظة تتوهم أنك لست مخيراً الله كتب عليك هذه عقيدة الجبر عقيدة الكفر، الله كتب عليّ ذلك، هكذا الله كتب علينا، فلان مسكين، هذا كله كلام يلتقي مع الكفر، الله خيره.

﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً ﴾

[ سورة الإنسان: 3 ]

﴿ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ﴾

[ سورة الكهف: 29 ]

الابتعاد عن نسب الأخطاء إلى القضاء و القدر :

 اسمعوا الكلمة الدقيقة:

﴿ سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا ﴾

[ سورة الأنعام: 148 ]

 كلام من؟ المشركين.

﴿ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ ﴾

[ سورة الأنعام : 148 ]

 أتمنى عليكم إذا كان هناك بقايا عقيدة فاسدة سمعها من شيخ ما، ليس متعمقاً بالعلم، أن الله كتب علينا هذا الشيء، الله لن يكتب عليك الشقاء؟ ماذا فعلت أنت؟ هذا شيء من المستحيلات، كل معاصيه يعزوها للقضاء والقدر، الله ما كتب له النجاح، إذا طالب لم يدرس فلم ينجح ماذا يقول؟ الله ما كتب لي النجاح، هذا كذب، يقول: أنا ما درست وما نجحت، الله قدر عليّ ألا أنجح، هذا كله كلام فارغ، لا تعز أخطاءك للقضاء والقدر.
 مثلاً التيار 220، والحمام فيه مأخذ كهربائي مكشوف، وفي أرض الحمام ماء، ابن يمشي حافي بالحمام يضع يده على المأخذ يموت فوراً، ما دام التيار مئتين و عشرين، إذا كنت تمشي بالحمام من دون حذاء، ورجلك على البلاط المبلول، وتضع يدك على المأخذ ستموت فوراً، يقول لك: انتهى أجله، خطأ كبير، أنت عندما تعزو أخطاءك للقضاء والقدر هذا كذب، ودجل، أنا لم أدرس فلم أنجح، القضاء والقدر موضوع ثان.
 مثلاً القضاء والقدر بعدم النجاح، درس الكتاب الأول والثاني، ولخصهم، وحفظهم تماماً، هو ذاهب إلى الامتحان دهسته سيارة، هذا قضاء وقدر، أما لم تدرس فلم تنجح، الله كاتب عليّ ألا أنجح، هذه يسمونها كذباً و دجلاً.

 

من أيقن أن قدرة الله و علمه تطوله فلن يعصيه :

 أخواننا الكرام؛ "الكيس من دان نفسه- ضبط نفسه - وعمل لما بعد الموت، والعاجر من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني" هذا اسمه عاجز، النبي قال:

(( أكثروا ذكر هادم اللذات الموت، مفرق الأحباب، مشتت الجماعات))

[أخرجه الترمذي وابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه]

(( عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من أحببت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به))

[أخرجه الحاكم في مستدركه]

 أتمنى أن يدخل الموت بحساباتنا اليومية، الصفقة لا تجوز، ماذا سأقول لله عز وجل؟ هذه السهرة لا تجوز، هذا الكسب لا يجوز، هذا اللقاء لا يجوز، أدخل المساءلة بحسابك.
 إذا شخص مثلاً بدولة فيها ظلم شديد، وكل غلطة الحساب عليها كبير جداً، قبل أن تفعلها، ماذا تقول لمن يحاسبك؟
 أنت راكب سيارتك بعمان، والإشارة حمراء، والشرطي واقف، لماذا لا تمشي؟ سؤال أيديولوجي، لأنك مقتنع أن واضع السير وزير الداخلية علمه يطولك من خلال الشرطي، وقدرته تطولك بسحب الرخصة، هنا بالأردن عقاب سنة، لا تمشي السيارة سنة بأكملها، في بعض المخالفات تمنع من التحرك سنة بأكملها، يضعها بمستودع بالدولة، فإذا أنت مقتنع أن هناك قانوناً، وأنت ليس لك أي ميزة، مواطن عادي، لا تستطيع أن تلغي أي مادة بالقانون، لماذا تلتزم؟ هذا هو العقل، ما دام هناك إله فإنه سيحاسب.

﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾

[ سورة الحجر:92ـ93]

 أنا أذكر قصة أرويها قليلاً، كان أستاذنا بالثانوي له دعوة، له قصة مع عمته، له عمة يحبها كثيراً، لأن أمه متوفاة ربته عمته، بحبها، توفيت، أنا ليس من عادتي أروي منامات، لكن هذا المنام مؤثر جداً، رآها تشتعل بالمنام، أنه أضغاث وأحلام، بعد أسبوع نفس المنام، بقي المنام يتكرر كل عشرة أيام، كل أسبوعين، كل أسبوع، لثمانية أشهر، لم يفهم ما القصة، ثم رآها في المنام بحالة جديدة، تلبس الأبيض، ووجهها منور، قال لها: عمتي ما قصتك؟ قالت له: الحليبات، سأل، بحث، حتى عرف القصة، ستة أشهر وهو يسأل، عندها أولاد، وأولاد زوج، أولادها لهم كأس حليب صباحاً، وأولاد زوجها نصف الكأس حليب، ونصفه ماء.
 تظلم أيتاماً، تأكل مال يتيم، تضحك على إنسان وتقول: هذا ساذج، أربعة أضعاف السعر، يوجد باعة عندهم ذكاء فظيع، عندما يرى الزبون ساذجاً يرفع السعر.
 في حياتنا مليون مخالفة، نحن عندنا كبائر، القتل كبيرة، شرب الخمر كبيرة، الزنا كبيرة، خذ مليون بيت ببلادنا لا يوجد اثنان المئة يعملون هذا، أما أين مشاكلنا؟ بالأشياء الصغيرة.

 

لا صغيرة مع الإصرار ولا كبيرة مع الاستغفار :

 أنت تمشي بطريق، عرضه حوالي ستين متراً، الصغيرة المقود حرفته سانتمتراً واحداً، هذا السانتمتر إذا ثبته على الوادي، هنا يوجد واد، وهنا يوجد واد، إن ثبته يسقط في الوادي، أما الكبيرة ستحرك المقود تسعين درجة، مع أنه كبيرة ترجعه إذا أردت.

(( لا صغيرة مع الإصرار، ولا كبيرة مع الاستغفار))

[أخرجه الحارث في مسنده]

 رب شهوة ساعة أورثت حزناً طويلاً، غلط غلطة، أقسم لي بالله إنسان غلط غلطة مع ربه، معلقة بامرأة، ارتكب الفاحشة، قال لي: والله أربعون سنة كلما أصلي أتذكر هذه الحادثة، إذا لم يرتكب الإنسان أي خطأ يسمون هذا الطريق مع الله سالكاً، أو يوجد خط ساخن مع الله، يجب أن يتوب له، يناجيه بالليل، إذا كنت مرتكباً كبائر، الصغائر لها حساب أصغر، أقل بكثير.
 لذلك النبي مرّ على قبر، دققوا كلام النبي:

((إلى ركعتين مما تحقرون من تنفلكم))

[ ابن المبارك عن أبي هريرة ]

 ركعتان، تسبيح مرة واحدة مثلاً.

((إلى ركعتين مما تحقرون من تنفلكم خير له من كل دنياكم))

[ ابن المبارك عن أبي هريرة ]

 هذا معه مئة مليون، هذا عنده قصر، هذا عنده سيارتان أو ثلاث، صاحب هذا القبر:

((إلى ركعتين مما تحقرون من تنفلكم خير له من كل دنياكم))

[ ابن المبارك عن أبي هريرة ]

 لذلك أخواننا الكرام؛ "أحب ثلاثاً وحبي لثلاث أشد، أحب الطائعين، وحبي للشاب الطائع أشد- شاب أول حياته، منضبط، يغض بصره، يضبط لسانه، دخله حلال، بار بوالديه- وأبغض ثلاثاً، وبغضي لثلاث أشد، أبغض العصاة، وبغضي للشيخ العاصي أشد"
 والله أعرف شخصاً، هو قريب أحد أقربائي، فتح ملهى بلبنان، عمره ثمانون سنة ، بالثمانين ماذا ترك لآخرته؟ المؤمن بعد سن معينة، بعد الستين، مساجد، دروس علم، أعمال صالحة، قرآن، هناك مليون عمل صالح، لذلك: " أحب ثلاثاً وحبي لثلاث أشد، أحب الطائعين، وحبي للشاب الطائع أشد، أبغض ثلاثاً، العصاة، وبغضي للشيخ العاصي أشد" لذلك:

(( ما من عثرةً، ولا اختلاج عرق، ولا خدش عودٍ، إلا بما قدمت أيديكم وما يعفو الله أكثر))

[ أخرجه ابن عساكر عن البراء ]

4 ـ موت الأقارب :

 أحد أنواع النذير موت الأقارب، عاش سبعاً و خمسين 57 سنة، أين هو الآن؟ تحت الأرض، الميت الغريب لا يوجد موعظة كبيرة، لكن شخص لك علاقة متينة معه صار ميتاً.

(( عبدي رجعوا وتركوك، وفي التراب دفنوك، ولو بقوا معك ما نفعوك، ولم يبقَ لك إلا أنا، وأنا الحي الذي لا يموت ))

 أخواننا الكرام، الأمر خطير، جنة للأبد، أو نار للأبد، وحياتنا، نمط حياتنا علماني غربي، يوجد مئة قضية عليها مؤاخذة، فدقق بدخلك، بإنفاقك، بلقاءاتك، سهرة فيها امرأة أخيك، امرأة عمك، كلهن نساء محارم، أجنبيات بالنسبة لك، سهر وضحك، ويقول: ماذا فعلنا؟ أنت عملت كل شيء ولم تعرف، فالإسلام ليس سهلاً يبدأ من فراش الزوجية، وينتهي بالعلاقات الدولية. 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

إخفاء الصور