وضع داكن
25-04-2024
Logo
إذاعة القرآن الكريم من الدوحة - برنامج ربيع القلوب 1 - الحلقة : 09 - علامة الإيمان الخوف من الله.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

المذيع :
  بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأخوانه، ومن سار على نهجه، واقتفى أثره، واستن بسنته، وسلم تسليماً كثيراً مزيداً إلى يوم الدين، و بعد؛
 فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله أوقاتكم أخواني وأخواتي أينما كنتم بكل خير، مرحباً بكم في برنامجكم اليومي: "ربيع القلوب" برنامج قرآني إيماني نقف من خلاله على بعض آيات الله البينات تدبراً وتأملاً وعملاً، "ربيع القلوب" يتهادى إلى مسامعكم عبر أثير إذاعة القرآن الكريم من الدوحة، نسعد معكم مع فضيلة الشيخ محمد راتب النابلسي، أهلاً وسهلاً ومرحباً بكم شيخنا..
الدكتور راتب :
 بارك الله بكم، ونفع بكم، وأعلى قدركم، وحفظ لكم بلادكم.
المذيع:
 مسمع صوتي عن آيات اليوم ثم نقف مع شيخنا حول تأملات وخواطر، يقول الله عز وجل:

﴿ إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾

[ سورة آل عمران:175]

 هذه الآية في مناسبتها لما قبلها تحدثت عن الصحابة في غزوة أحد، يوم أخبروا أن المشركين قد جمعوا لحربهم، فلم يزدهم ذلك إلا إيماناً وتثبيتاً، فجاءت هذه الآية لتبين أن التخويف إنما يكون من الشيطان لأوليائه، أما المؤمنون فلا يخافون إلا من خالقهم جل جلاله ، شيخنا بارك الله بكم في قوله تعالى:

﴿ إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ ﴾

[ سورة آل عمران:175]

 بم يوصف من يخاف من الشيطان ويعمل بموجب خوفه؟

 

علامة إيمان الإنسان مخافته من الله :

الدكتور راتب:
 طبعاً لا يوصف بالإيمان، قال تعالى:

﴿ إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ ﴾

[ سورة آل عمران:175]

 الشيطان يخوف المؤمنين من أوليائه، والطغاة أولياؤه، إذاً هذا نهي، قال تعالى:

﴿ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾

[ سورة آل عمران:175]

 أي علامة إيمانكم أنكم تخافوني، وعلامة شرودكم عن الله أنكم تخافون غيري، فقل لي من تخف أقل لك من أنت، إن خفت من الله فأنت مؤمن، وإن خفت من قوي ظالم فأنت بعيد عن الإيمان، لأن الله لو أسلمك إلى غيره لا يستحق أن تعبده، قال تعالى:

﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ ﴾

[ سورة هود: 123 ]

 متى أمرك أن تعبده؟ بعد أن طمأنك..

﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ ﴾

[ سورة هود: 123 ]

 الـ للجنس، أي أمر في الكون يرجع إلى الله ، قال تعالى:

﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ ﴾

[ سورة هود: 123 ]

 ال الجنس كله توكيد فاعبده، وتوكل عليه، فلذلك الإنسان كلما ازداد علماً بالله لا يخاف إلا الهك، وكلما ضعف إيمانه بالله يخاف من الطغاة والأقوياء والأغنياء، فالشيطان يخوف المؤمنين من أوليائه، والطغاة أولياؤه، فهنا نهي جاء الجواب الإلهي، قال تعالى:

﴿ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾

[ سورة آل عمران:175]

 أي إذا أسلمك الله إلى غيره لا يستحق ان تعبده، علة العبادة أنك مطمئن أن أمرك كله بيد الله، حياتك، موتك، رزقك، سعادتك، شقاؤك، زواجك، أولادك كله بيد الله، فإذا الأمر كله بيد الله ينبغي ألا تخاف إلا من الله، عفواً لو أنت معك مكبر وضعته في الشمس، ووضعت ورقة في محرقه تحترق، هل يمكن أن تحرق ورقة بالشمس؟ لا، لكن المكبر يحرقها لماذا؟ المكبر جمع الأشعة في نقطة واحدة مركزة فاحترقت، هذا المؤمن كل طاقاته مجموعة في مكان واحد، في طاعة الله، وفي خدمة الخلق، وفي الاستقامة، له تأثير كبير، الآخر مبعثر، مشتت.
المذيع:
 ذكرتم ما أشبه بالقانون علامة إيمانكم أنكم تخافونني.

 

الشرك نوعان؛ جلي و خفي :

الدكتور راتب:
 ولا تخافوهم، فإذا خفتموهم ولم تخافوني هذا دليل الشرك..
المذيع:
 كيف ذلك؟
الدكتور راتب:

(( أخوف ما أخاف على أمتي الشرك ..))

[ أخرجه الإمام أحمد عن شداد بن أوس ]

 نحن عندنا شرك جلي وشرك خفي، الجلي غير موجود، نحن لا يوجد عندنا بوذا إله، عندنا الله إله، أما الشرك الخفي:

(( أخوف ما أخاف على أمتي الشرك والشهوة الخفية. قلت: يا رسول الله أتشرك أمتك من بعدك؟ قال: نعم، أما إنهم لا يعبدون شمساً ولا قمراً ولا حجراً ولا وثناً ولكن يراؤون بأعمالهم. والشهوة الخفية ..))

[ أحمد عن شداد بن أوس ]

 هذا قانون، فإن كان هناك إشراك هناك رعب، تخاف بقدر ما أنت مشرك، وتطمئن بقدر ما أنت مؤمن، فالمؤمن لا يخضع لتضليلات الآخرين، الإعلام الغربي يضلل، يقول لك مالتوس: يوجد مجاعة، لا، ليس صحيحاً، سيدي يوجد سحابة في الفضاء الخارجي يمكن أن تملأ المحيطات جميعها في الأرض ستين مرة في اليوم بالمياه العذبة، فإذا الله قنن فتقنينه تقنين تأديب لا تقنين عجز، قال تعالى:

﴿ وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً ﴾

[ سورة الجن: 16]

﴿ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ ﴾

[سورة الحجر: 21]

 فتقنين الله تقنين تأديب لا تقنين عجز، وكل النظريات التي تخالف القرآن ضعها تحت قدمك، ولا تعبأ بها، أو اركلها بقدمك..
المذيع:
 في قوله تعالى:

﴿ إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ ﴾

[ سورة آل عمران:175]

 هل يخوف الشيطان أولياءه؟ وكيف؟ وبمن؟

 

خوف الإنسان بقدر ضعف إيمانه و عدم نظره إلى عدل الله :

الدكتور راتب:
 قال تعالى:

﴿ سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا ﴾

[سورة آل عمران: 151]

 هذه باء السبب، أي بسبب شركهم ألقي في قلبهم الرعب، والإنسان يخاف بقدر ضعف إيمانه، يخاف بقدر شركه الخفي، يخاف بقدر عدم نظره إلى عدل الله عز وجل، قال تعالى:

﴿ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ ﴾

[ سورة آل عمران:175]

 إنسان مهاجر، النبي صلى الله عليه وسلم، مئة ناقة لمن يأتي به حياً أو ميتاً، شيء مخيف، تبعه سراقة لينال مئة ناقة، فقال له النبي الكريم: يا سراقة، كيف بك إذا لبست سواري كسرى؟ ماذا تقول؟ إنسان مهدور دمه، ووضع مئة ناقة لمن يأتي به حياً أو ميتاً، يقول: يا سراقة كيف بك إذا لبست سواري كسرى؟ أي إنني سأصل سالماً، وسأنشئ دولة، وسأنشئ جيشاً، وسأحارب أكبر دولتين في العالم، وسأنتصر عليهما، وسوف تأتي إلى المدينة غنائم كسرى، و لك يا سراقة سوار كسرى، هذه ثقة النبي بنصر الله، ثقة بالله مطلقة.
 أنا أقول لكل الأخوة المؤمنين: الله لا يتخلى عن المسلمين، لكن هذه الأمة أولاً لا تموت قولاً واحداً، لكنها تنام أحياناً، قال تعالى:

﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ ﴾

[ سورة الأنعام : 44]

 الطرف الآخر:

﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً﴾

[ سورة الأنعام : 44]

 إذاً إن كان هناك إشراك هناك رعب، تخاف بقدر ما الإنسان مشرك، ويطمئن بقدر ما هو مؤمن، فالمؤمن لا يخضع لتضليلات الغرب، إلاعلام الغربي مضلل يغسل الأدمغة، مخيف، يملأ القلوب خوفاً كي نعقد المعاهدات معه، كي نسلم له، كي نبقى سوقاً رائجة له، كي يغتنوا عن طريقنا، لكن المؤمن لا يخاف إلا من الله، فبقدر خوفك من الله أنت موحد، وبقدر خوفك من خلقه أنت مشرك، فإن خفت منه فلن تخاف من غيره، وإن لم تخف منه فستخاف من أقل مخلوقاته شأناً.
المذيع:
 شيخنا في قوله تعالى:

﴿ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾

[ سورة آل عمران:175]

الدكتور راتب:
 أي إن خفتم مني فهذه علامة إيمانكم.
المذيع:
 ومن الخائف من عذاب الله؟

 

قمة الإيمان الخوف من عذاب الله :

الدكتور راتب:
 لا، هذا موضوع ثان، إن خفت من عذاب الله فهذا قمة الإيمان، أما إن خفت من غيره ولم تخف منه فهذا بعد عن الله، بعد كبير جداً:

﴿ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾

[ سورة آل عمران:175]

 أي من علامة إيمانكم أنكم تخافونني لوحدي.
المذيع:
 في هذه الآية من الخائف من عذاب الله حقيقةً الذي يبكي ويمسح عينيه أم الذي يترك ما يخاف أن يعذب عليه في الدنيا والآخرة؟

 

العذاب الحقيقي أن تعقد أملك على غير الله :

الدكتور راتب:
 والله أنا لا أفهم، الخوف من الله مشاعر فقط، أرى الخوف من الله استقامة، قوي قال لك: افعل كذا وكذا وكذا وأنت في مأمن، فأنت ما طبقت كلامه، لكن رجوته ألا يعاقبك، هذا كلام فارغ، أعطاك كلاماً واضحلً كالشمس، افعل كذا وكذا فأنت آمن، الأمن لا يأتي من الظن، نحن عندنا وهم ثلاثون بالمئة، وشك خمسون بالمئة، وظن سبعون بالمئة، وغلبة ظن تسعون بالمئة، وقطع مئة بالمئة، حقائق ديننا كلها قطعية، بغير الدين يوجد وهم و شك و ظن و غلبة ظن، أما الدين فقطعي، والقرآن قطعي الثبوت، هذا كلام الله، كلام خالق الأكوان، وكلام النبي صلى الله عليه وسلم شرح لهذا القرآن، قال تعالى:

﴿ فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ ﴾

[سورة الشعراء: 213]

 العذاب الحقيقي الذي لا يحتمل أن تخشى من غير الله، أن ترجو غير الله، أن تعقد أملك على غير الله، أن تتوهم أن غير الله ينفعك، لذلك الآية واضحة جداً:

﴿ فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ ﴾

[سورة الشعراء: 213]

 أما الذين امتلأت قلوبهم بالإيمان فيقينهم بالله عز وجل هو الذي خلقهم، وهو الذي يحفظهم، وهو الذي يرعاهم، وهو الذي يوفقهم، وهو الذي يعطيهم، وهو الذي يحميهم، وهو الذي ينصرهم، القضية قضية إيمان، ونحن في أمس الحاجة إلى التوحيد، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد.
المذيع:
 شيخنا في المضامين العامة هناك طرق للشيطان في الغواية والضلال لو تعرفنا عن تلك الطرق؟

 

طرق الشيطان في الغواية والضلال :

الدكتور راتب:
 الحقيقة الشيطان يعتمد على الشهوة، يزين لك الشهوة، قال تعالى:

﴿ وَزَيَّنَ لَهُمَ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ ﴾

[سورة العنكبوت: 38]

 التي تبعدهم عن الله، أما المؤمن فمحصن أنه مع المؤمنين، قال تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾

[ سورة التوبة: 119 ]

 ما لم تكن لك صحبة إيمانية لن تستطيع أن تستقيم على أمر الله، والآية واضحة جداً:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾

[ سورة التوبة: 119 ]

 قال تعالى:

﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ﴾

[ سورة الكهف: 28 ]

المذيع:
 الله عز وجل ختم هذه الآية بقوله تعالى:

﴿ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾

[ سورة آل عمران:175]

 ذكرتم أنه على قدر إيمان العبد يكون خوفه من الله، كيف للمؤمن أو للمسلم أن يكون على قدر عال من الإيمان حتى يكون أيضاً على قدر عال من الخوف؟

حاجة كل إنسان إلى حاضنة إيمانية :

الدكتور راتب:
 والله أنا أفهم الموضوع، سؤالك دقيق جداً، أنا أقول: لا بد لك من حاضنة إيمانية، لابد من أن تعيش مع المؤمنين:

(( لا تصاحب إلا مؤمناً، ولا يأكل طعامك إلا تقي ))

[ أبو داود والترمذي وابن حبان والحاكم عن أبي سعيد ]

 نحن عندنا علاقات عمل، هذه ليس لها علاقة بالموضوع، أنت موظف بدائرة، ولك مدير عام، والمدير العام ملحد فرضاً، أنت أتيت في الوقت المناسب وأديت واجبك، لا تعنيني علاقات العمل، هنا يعنيني في هذا اللقاء الطيب العلاقات الحميمة، مع من تسهر للساعة الثانية عشرة؟ مع من تذهب إلى نزهة طويلة؟ العلاقات الحميمة إن لم تكن مع المؤمنين فهناك خطر كبير، لذلك الأثر النبوي:

(( لا تصاحب إلا مؤمناً، ولا يأكل طعامك إلا تقي ))

[ أبو داود والترمذي وابن حبان والحاكم عن أبي سعيد ]

 هذه الحاضنة الإيمانية، الصحبة، والصاحب ساحب، وعلاقتك مع الآخرين تمثل بلعبة شد الحبل، أنت إذا اجتمعت مع الآخرين واستطاعوا أن يشدوك إليهم اتركهم فوراً، أما إن استطعت أن تجرهم إليك فابق معهم، هذا الضابط شد الحبل، قدرت أن تقنعهم بالصلاة كن معهم، قدرت أن تضبط الجلسة لا يوجد كلمة غلط، لا يوجد مزاح رخيص، ابق معهم، استطاعوا أن يجروك إلى معصية دعهم فوراً، فالصاحب ساحب، قال تعالى:

﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ﴾

[ سورة الكهف: 28 ]

المذيع:
 ذكرتم في تفسيركم ربما لا يكون هناك سبب للخوف فالخوف يخلق في نفس الإنسان خلقاً، كيف يخلق الخوف في نفس الإنسان خلقاً؟

 

الخوف من الله يخلق طمأنينة و الخوف من غيره يخلق قلقاً :

الدكتور راتب:
 الخوف من الله يخلق طمأنينة، والخوف من غير الله يخلق قلقاً، هذا الطرف الآخر الذي لا يدين بدين قوي، وليس عادلاً، وهو أحمق، وقد يتصرف تصرفاً غير معقول، وأنت إذا كنت مع الله كان الله معك، لذلك ما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد، ممكن أن تنضغط التجارة كلها بكلمة؟ يوجد مليون نوع تجارة، ومليون مستوى تجارة، هل من الممكن أن تضغط التجارة كلها بكلمة واحدة؟ نعم، إنها الربح، فإن لم تربح فلست تاجراً، ممكن أن ينضغط التوحيد كله في كلمة واحدة؟ التوحيد، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد، التوحيد ألا ترى مع الهب أحداً، التوحيد أن ترى الله هو المعطي وحده، وهو المانع، وهو الرافع، وهو الخافض، وهو المعز، وهو المذل، إذا تعلقت بالله عز وجل عن طريق التوحيد فلا تخش أحداً، التوحيد هو الشمس، والشرك هو الظلام الدامس، لكن مع الأسف الشديد الشديد الذي يعمل في الظلام الدامس ينتصر على النائم في ضوء الشمس، نحن معنا الحق، لكن هناك حالة نوم، والباطل في ظلام دامس لكنه يعمل ليلاً ونهار، فالذي يعمل في الظلام الدامس ينتصر على النائم في ضوء الشمس، فالبطولة أن نعمل في ضوء الشمس.
المذيع:
 شيخنا ذكرتم في قوله تعالى:

﴿ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾

[ سورة آل عمران:175]

 أن كل نهي ينبغي أن تستجيب له، كما أن كل أمر يقتضي أن تستجيب له كذلك؟

 

خيار الإنسان مع الإيمان خيار تألق و صمود :

الدكتور راتب:
 أنت أمام منهج، أي أمر إلهي ينبغي أن تستجيب له، قال تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكم ﴾

[ سورة الأنفال : 24 ]

 فدعوة الله أن نكون أحياء، ونحن عندنا تعبير دقيق، عندنا موت القلب، قال تعالى:

﴿ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ ﴾

[سورة النحل: 21]

 قلبه ينبض، ونفسه جيد، وضغطه جيد، لكنه عند الله ميت، قال تعالى:

﴿ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ ﴾

[سورة النحل: 21]

﴿ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً ﴾

[ سورة الفرقان : 44]

﴿ كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً ﴾

[ سورة الجمعة : 5 ]

 فالخيار مع الإيمان خيار تألق، خيار صمود، خيار قوة، خيار عطاء.

 

الناس جميعاً تبع لقوي أو نبي :

 يقع على رأس الهرم البشري زمرتان هم الأقوياء والأنبياء، الأقوياء ملكوا الرقاب، والأنبياء ملكوا القلوب، الأقوياء أخذوا ولم يعطوا، الأنبياء أعطوا ولم يأخذوا، الأقوياء عاش الناس لهم، الأنبياء عاشوا للناس، الأقوياء يمدحون في حضرتهم، والأنبياء يمدحون في غيبتهم، الناس جميعاً تبع لقوي أو نبي، فاسأل نفسك هذا السؤال الصعب: ما الذي يفرحك أن تأخذ أم أن تعطي؟ إذا كان الذي يفرحك أن تعطي فأنت من أتباع الأنبياء، ما الذي يفرحك أن تملك رقبة الإنسان بسلطتك أم أن تملك قلبه بكمالك؟ ما الذي يغريك أن يكون الناس لك خاضعين، ناقمين، أم يكونون معك محبين؟ فرق كبير، الناس جميعاً تبع لقوي أو نبي، قال تعالى:

﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى *وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى *وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى﴾

[سورة الليل1-4]

 الآن يوجد ثمانية مليارات إنسان على سطح الأرض، هل يمكن لهذه المليارات أن تنزل في حقلين اثنين فقط؟ ممكن، قال تعالى:

﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ﴾

[سورة الليل5-6]

 والترتيب معكوس لحكمة بالغة، صدق بالحسنى، والحسنى هي الجنة، قال تعالى:

﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ ﴾

[ سورة يونس الآية : 26 ]

 فلما صدق بالحسنى اتقى أن يعصي الله، بنى حياته على العطاء:

﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ﴾

[سورة الليل5-6]

 ارجع بالعكس، صدق بالحسنى فاتقى أن يعصي الله فبنى حياته على العطاء، الثاني قال تعالى:

﴿وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى ﴾

[سورة الليل8-9]

 عندما كذب بالحسنى - بالجنة - آمن بالدنيا، إذاً بنى حياته على الأخذ، قال تعالى:

﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ﴾

[سورة الليل5-6]

﴿وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى ﴾

[سورة الليل8-9]

 الآن بخل صار يأخذ ولا يعطي، فصارت حياته كلها أخذ، بنى مجده على أنقاض الناس، بنى حياته على موتهم، بنى عزه على ذلهم، بنى غناه على فقرهم، هذه المشكلة، فبين أن تكون محسناً أو أن تبني مالك على أنقاض الآخرين، وما جاع فقير إلا بتخمة غني.
المذيع:
 ربما وصلنا إلى آخر دقائق، الله عز وجل يقول:

﴿ إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ ﴾

[ سورة آل عمران:175]

 وتعبير الله عز وجل دقيق يخوف أولياءه، قد يسأل سائل بعد فهمه لهذه الآية أنه هو من أولياء الشيطان؟ يقول كيف لي أن أخرج من هذه التسمية أو هذا المصطلح أنني أنا من أولياء الشيطان؟

 

الإيمان ثقة بالله و سعادة و حكمة :

الدكتور راتب:
 إذا تاب إلى الله توبة نصوحة أنسى الله حافظيه, وبقاع الأرض كلها خطاياه وذنوبه، عظمة هذا الدين قال تعالى:

﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾

[ سورة الزمر: 53 ]

 لذلك اليأس والتشاؤم يقتربان من الكفر، أما الإيمان فهو ثقة بالله عز وجل، الإيمان صلة بالله، الإيمان سعادة، الإيمان حكمة، الإيمان سعادة بيتية، الإيمان توفيقه في العمل، الإيمان توفيقه في صحته..

(( استقيموا ولن تحصوا ))

[ ابن ماجه عن ثوبان]

 لن تحصوا الخيرات، لا يوجد نهاية لإحصاء الخيرات، إذا كانت مع الله كان الله معك:

أطع أمرنا نرفع لأجلك حجبنــــــــــا  فإنا منحنا بالرضا من أحبنــــــــــــــــــا
ولذ بحمانا واحتمِ بجنــابنـــــــــــــــــــا  لنحميك مما فيه أشرار خلقنـــــــــــــــا
وعن ذكرنا لا يشغلنك شاغـــــــــــل  وأخلص لنا تلقى المسرة والهنـــــــــا
وسلم إلينا الأمر في كل ما يكــن  فما القرب والإبعاد إلا بأمـــــــــــــرنــــا
فيا خجلي منه إذا هـو قال لـــــــي  أيا عبدنــــــــا ما قــــــــــــــــرأت كتابنــــا
أما تستحي منا ويكفيك ما جــرى  أما تختشي من عتبنا يوم جمعنــــا
أما آن أن تقلع عن الذنب راجعاً  وتنظــــــــــــر مـا به جـــــــــــاء وعدنــــا
***
إلى متى وأنت باللذات مشغـــــول  وأنت عن كل مـا قدمت مســــؤول؟
***

المذيع:
 شيخنا نختم بهذا السؤال الله عز وجل قادر أن يخيف الإنسان بلا سبب، فيوهمه بأشياء كثيرة، كمرض عضال، والله قادر أن يسوق مصيبة حقيقية ومصيبة وهمية، لو أردنا أن نفهم هذه العبارة التي ذكرتموها بشكل أدق...

 

الخطر رحمة من الله بعباده :

الدكتور راتب:
 الإنسان أحياناً غال على الله بالتعبير الدارج، أحياناً يسوق له شيئاً موهوماً، يعمل تحليلاً كاملاً، يعطونه نتيجة تحليل إنسان آخر بالخطأ، أعرف شخصاً أعطوه تحليلاً مخيفاً، أصابه ألم ثم تابع الأمر فكان التحليل ليس له، حتى إذا كان هناك خطر موهوم رحمة من الله عز وجل ساق له شيئاً موهوماً، الله عز وجل رحمة به ما أعطاه شيئاً قطعياً، أعطاه شيئاً هو توهم ذلك، الله على كل شيء قدير، قادر أن يخوفك من شيء حقيقي، وشيء توهمته أنت...
المذيع:
 الإيمان والتوكل على الله عز وجل سببان للحماية من شرور إبليس ووساوسه؟

الأخذ بالأسباب ثم التوكل على رب الأرباب يحمي الإنسان من وساوس الشيطان :

الدكتور راتب:
 أنا مضطر أن أقول: هناك توكل وتواكل، أما التوكل فأن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء، ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء، الغرب أخذ بالأسباب بأعلى درجة، واعتمد عليها، وألهها، ونسي الله، فوقع في الشرك الجلي، والمسلمون لم يأخذوا بالأسباب، وقعوا في المعصية، أما الموقف الكامل الرائع المتألق فأن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء، ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء، عندك سفر تراجع المحرك، والزيت، والعجلات، وكل شيء، وبعد كل ذلك بأعمق أعماق قلبك يا رب أنت الحافظ والمسلم، هذه ليست سهلة الأخذ بالأسباب، ضعف التوكل والتواكل يلغي الأخذ بالأسباب، ونحن في الشرق لم نأخذ بالأسباب، والغرب أخذ بها واعتمد عليها، كلاهما على خطأ، النبي صلى الله عليه وسلم لما دعا قبل معركة بدر وقع الرداء من عن كتفه، من طمأنه؟ الصديق، هل يعقل أن يكون الصديق أقوى إيماناً منه؟ لا، تفسير ذلك خاف النبي أن يكون أخذه بالأسباب أقل مما يجب، أنت لست مكلفاً أن تأخذ بالأسباب الكافية، المتاحة فقط، هذه نقطة مهمة نقطة دقيقة، أنت لست مكلفاً أن تأخذ بالأسباب الكافية للطرف الآخر، أنت مهمتك أن تأخذ بالأسباب المتاحة، قال تعالى:

﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ﴾

[ سورة التغابن: 16]

 فإذا أخذت بالأسباب المتاحة جبر الله لك بقية الأسباب ونصرك..

 

خاتمة و توديع :

المذيع:
 بارك الله بكم شيخنا، شكراً لكم شيخنا.
الدكتور راتب:
 حفظك الله.
المذيع:
 والشكر موصول لكم أخواني على طيب المتابعة، وجميل الاستماع، نلقاكم غداً حتى ذلكم الوقت نترككم في حفظ الله ورعايته.
 والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إخفاء الصور