وضع داكن
25-04-2024
Logo
إذاعة القرآن الكريم من الدوحة - برنامج ربيع القلوب 1 - الحلقة : 08 - من أمراض المنفقين للمال المن والأذى.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

المذيع :
  بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، تعظيماً لشأنه، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأخوانه، ومن سار على نهجه، واقتفى أثره، واستن بسنته، وسلم تسليماً كثيراً مزيداً إلى يوم الدين.
 أما بعد؛ فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله أوقاتكم أخواني وأخواتي أينما كنتم بكل خير، مرحباً بكم في برنامجكم اليومي: "ربيع القلوب" برنامج قرآني إيماني نقف من خلاله على بعض آيات الله البينات تدبراً وتأملاً وعملاً، "ربيع القلوب" يتهادى إلى مسامعكم عبر أثير إذاعة القرآن الكريم من الدوحة، نسعد معكم بضيفنا الدائم فضيلة الشيخ محمد راتب النابلسي، أهلاً وسهلاً ومرحباً بكم شيخنا..
الدكتور راتب :
 بارك الله بكم، ونفع بكم، وأعلى قدركم..
المذيع:
 مسمع صوتي عن آيات اليوم، قال تعالى:

﴿ قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ ﴾

[سورة البقرة: 263]

 هذه في مناسبتها لما قبلها، قال تعالى:

﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾

[سورة النحل:97]

 تحدثت الآية التي قبلها عن الحياة الطيبة وجاءت هذه الآية لتبين أن الحياة الطيبة لا تكون إلا مع القرآن الكريم، وإلا مع الاستعاذة بالله، واللجوء إليه، والبعد عن مسالك الشيطان، شيخنا بارك الهح بكم لو أردنا أن نتحدث عن هذه الآية:

﴿ قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ ﴾

[سورة البقرة: 263]

 في هذه الآية صورة من صور السمو في الإسلام نرجو توضيح ذلك..

 

العمل الصالح لا يحتمل منّاً أو كبراً أو أذى :

الدكتور راتب:
 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى صحابته الغر الميامين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، و ارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
 الحقيقة أن هذه الآيات أو أن الآيات التي قبلها كانت عن الإنفاق في سبيل الله، وعن أمراض المنفقين، من هذه الأمراض المن والأذى، فجاءت هذه الآية لتؤكد أنكم أيها الناس لن تسعوا الناس بأموالكم، ولكن يسعهم منكم بسط الوجه، وحسن الخلق، أي العمل الصالح له خصوصية، هو له عدة جوانب، جانب مادي الإنفاق، وجانب نفسي المودة، والمحبة، والأدب، والتواضع، فالعمل لا يقبل إلا إذا كان متكاملاً في كل جوانبه، لذلك:

(( إنكم لن تَسَعوا الناس بأموالكم، فليسعهم منكم بَسْط الوجه وحسنُ الخلق ))

[أبو يعلى وابن أبي شيبة عن أبي هريرة ]

 سعوهم بأخلاقكم، بأدبكم، بتواضعكم، فالفقير ليس محتاجاً إلى مالك فحسب، هو محتاج إلى تواضعك، وإلى مودتك، وإلى رفقك بالفقير، لذلك:

(( لا يَدْخُل الجَنَّةَ مَنْ في قَلْبِهِ مِثْقالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ ))

[ مسلم عن ابن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ‏]

 وكلما تواضعت لله رفعك، وكلما تكبر الإنسان وضعه الله عز وجل، هذا العمل الصالح لا يحتمل كبراً، لا يحتمل منّاً، لا يحتمل أذى، وما سمي العمل صالحاً إلا لأنه يصلح للعرض على الله، وهذا العمل لا يصلح إلا بشرطين أساسيين، أن يكون خالصاً ابتغي به وجه الله، وصواباً وافق السنة، بهذين الشرطين يسمى العمل صالحاً، لأنه عندئذ يصلح للعرض على الله، قال تعالى:

﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾

[ سورة الشعراء:88-89]

 العمل الصالح علة وجودنا الوحيدة في الدنيا، قال تعالى:

﴿ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ﴾

[ سورة المؤمنون : 99-100]

 والعمل الصالح لا يقبل إلا إذا كان خالصاً وصواباً، خالصاً ما ابتغي به وجه الله، وصواباً ما وافق السنة، إنك إذا اعتذرت لهذا الفقير بأدب جم، إذا نصحت له، إذا ابتسمت في وجهه، إذا وجهته للخير، فليكن قولك قولاً معروفاً.

 

توافق الفطرة مع منهج الله توافقاً تاماً :

 قول معروف نقف وقفة متأنية عند كلمة معروف، المعروف الشيء التي تعرفه الفطر السليمة ابتداءً، من دون تعليم، الإنسان فطر فطرة سليمة، أي هذه الفطرة تتوافق توافقاً تاماً مع منهج الله، فما من أمر أمرت به إلا جبلت على محبته، وما من نهي نهيت عنه إلا جبلت على كراهيته، فهذا التطابق التام بين المنهج والفطرة تؤكده هذه الآية:

﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ﴾

[ سورة الروم: 30]

 فأن تقيم وجهك للدين حنيفاً هذا ما فطرت عليه، لذلك الفطر السليمة تنكر المنكر ابتداءً، والفطر السليمة تحب الحق ابتداءً، هذه الفطرة تتوافق توافقاً تاماً مع منهج الله، ما من شيء أمرك الله به إلا فطرت على محبته، وما من شيء نهيت عنه إلا فطرت على كراهيته، وهذه الفطر السليمة هي التي تعذب الإنسان إذا عصى الله عز وجل، يشعر بكآبة، الكآبة عقاب نفسي لصاحبها إذا خرج عن منهج الله، هناك مشاعر كآبة كبيرة جداً، يقابل هذه الكآبة راحة نفسية، قال تعالى:

﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ ﴾

[سورة النحل:97]

ضيق القلب عقاب من أعرض عن ذكر الله :

 كما تفضلت قبل قليل، وهو مؤمن بهذا العمل لا يعمله ذكاءً، ولا احتيالاً، ولا تطميناً لمن حوله، يعمله مخلصاً لله عز وجل، قال تعالى:

﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾

[سورة النحل:97]

 بدافع إيمانه وهو مؤمن، الرد الإلهي الرائع:

﴿ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ﴾

[سورة النحل:97]

 هذه الحياة الطيبة فوق الظروف، فوق الأقاليم، فوق المعطيات، فوق الظروف الصعبة، هذا وعد الله عز وجل، وزوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين، قال تعالى:

﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ﴾

[سورة النحل:97]

 يقابلها قوله تعالى:

﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي ﴾

[ سورة طه: 124 ]

 أعرض عن الصلاة، عن قراءة القرآن، عن ذكر الله ذكراً مستمراً، أعرض عن التفكر في خلق السماوات والأرض، أعرض عن هذا الدين أصلاً، قال تعالى:

﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً ﴾

[ سورة طه: 124 ]

 كلمة ضنك تعني ضيقاً، والمعنيان ممكن أن يكون الضيق مادياً أو الضيق نفسياً، لذلك سأل أحدهم: هذا الضيق الذي توعد الله به لمن شرد عنه ما موقف الأغنياء والأقوياء من هذا الضيق؟ فكان الجواب الدقيق إنه ضيق القلب، قد تملك كل شيء ولا تملك راحة نفسية، أما المؤمن على ضعفه، أو على دخله المحدود، أو على بيته المتواضع، فيملك راحة نفسية والله لا أبالغ لو وزعت على أهل بلد لكفتهم، يعيش المؤمن حالة نفسية، الحالة أساسها له رب عظيم، إله عظيم، خالق كريم، هذه الذات الإلهية يتحرك وفق منهجها، يوجد طمأنينة، يتحرك ضمن تعليمات الصانع، لا يعصي الله عز وجل، لذلك المؤمن يعيش حياة نفسية يصعب تصورها، إني والإنس والجن في نبأ عظيم، أخلق ويعبد غيري، وأرزق ويشكر سواي، السعادة هذه لكل مؤمن بصرف النظر عن وضعه المادي، بصرف النظر عن مساحة بيته، عن أولاده، عن أهله، حياة طيبة، لأنه هو معه خط ساخن مع الله، يناجيه في الليل، يدعوه في النهار، يخدم عباده، ماذا فقد من وجدك؟ وماذا وجد من فقدك؟ الليل لا يحلو إلا بمناجاة الله، والنهار لا يحلو إلا بخدمة عباده، فالإنسان إذا كان في النهار بخدمة عباده وفي الليل في مناجاة ربه، هذا سعد في الدنيا والآخرة.
المذيع :
 شيخنا من وقفاتكم التدبرية في تفسيركم ذكرتم في قوله تعالى:

﴿ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى ﴾

[سورة البقرة: 263]

 أي درء المفاسد مقدم على جلب المنافع.

 

درء المفاسد مقدم على جلب المنافع :

الدكتور راتب:
 هذه قاعدة فقهية أصولية، درء المفاسد مقدم على جلب المنافع، فأنا من أجل أن أتصدق أؤذي هذا الذي تصدقت عليه؟ لا، دعك من هذه الصدقة وعامله بالإحسان، ويكفي هذا الفقير منك ابتسامة، واحتراماً، وتواضعاً.
المذيع:
 شيخنا درء المفاسد من غير منّ ولا أذى أفضل للمتصدق، لكن الذي خلط عملاً صالحاً وآخر سيئاً، هذا خلط أمره لله عز وجل، هذه قاعدة عامة، لو تحدثنا عن الخلط في العمل الصالح، الإنسان ربما لا يشعر بهذا الخلط.

من خلط عملاً صالحاً مع عمل سيئ حجب عن الله :

الدكتور راتب:
 لي تعليق دقيق جداً؛ العمل الصالح أجره ثابت، فإذا كان العمل صالحاً من كل النواحي، هذا العمل أعانك على أن تتصل بالله، وأن تسعد به، فالذي خلط عملاً صالحاً وآخر سيئاً هذا العمل السيئ الذي جاء مع العمل الصالح يحجبه عن الله، فإذا حجبه عن الله فقد أحد ثمار العمل الصالح الذي خالط هذا العمل السيئ، مثل بيت فيه جميع الأجهزة الكهربائية، لكن إذا قطع التيار الكهربائي عن هذا البيت جميع هذه الأجهزة لا تعمل، ثلاجة، مكيف، ميكرويف، أي جهاز في الأسواق عنده بأعلى درجة لكن لا يوجد كهرباء، فإذا قطعت الكهرباء عن هذا البيت كل هذه الأجهزة لا معنى لها، الآن إذا قطعت ميلمتراً أو متراً مثل بعض قطع التيار.

الفرق بين الكبيرة و الصغيرة :

 لذلك فرق العلماء بين الصغائر والكبائر، الصغيرة إذا ثبت عليها انقلبت إلى كبيرة لماذا؟ إنسان يركب مركبته، يوجد طريق عريض، عرضه ستون متراً، فإذا حرف المقود سنتمتراً واحداً المركبة انحرفت نحو اليمين، بعد دقائق يسقط في الوادي، هذه الصغيرة إذا ثبتت تنقلب إلى كبيرة، أما الكبيرة إذا استغفر منها مباشرة فتنقلب إلى صغيرة، لذلك:

(( لا صغيرة مع الإصرار، ولا كبيرة مع الاستغفار ))

[ الحارث عن أبي هريرة وعبد الله بن عباس ]

 أفضل شرح لهذا النص أن الصغيرة هي حرف مقود السيارة سنتمتراً واحداً، إذا حرفته سنتمتراً وعلى يمين الطريق واد سحيق وعلى يساره واد سحيق، هذا السنتمتر إذا ثبت انحرافه ينتهي بصاحب المركبة بالوادي، والكبيرة تشبه حرف المقود عشرين درجة فجأة، فإذا انتبهت أنها كبيرة تعيده كما كان.

(( لا صغيرة مع الإصرار، ولا كبيرة مع الاستغفار ))

[ الحارث عن أبي هريرة وعبد الله بن عباس ]

 أي الصغائر إذا ثبت الإنسان عليها تنقلب إلى كبائر، والكبائر إذا تاب منها تنقلب إلى صغائر:

(( لا صغيرة مع الإصرار، ولا كبيرة مع الاستغفار ))

[ الحارث عن أبي هريرة وعبد الله بن عباس ]

المذيع:
 في قوله تعالى:

﴿ قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى ﴾

[سورة البقرة: 263]

 ختم الله عز وجل في قوله:

﴿ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ ﴾

[سورة البقرة: 263]

 ما دلالة ختم الآية بصفة الحليم لله عز وجل؟

 

الحلم سيد الأخلاق :

الدكتور راتب:
 لأن الله عز وجل غني، ومع أنه غني لو أن العباد أساؤوا لبعضهم بعضاً مع أنه غني عنهم هو حليم عليهم، كاد الحليم أن يكون نبياً، لولا حلم الله لأهلكنا جميعاً، حلم الله شيء لا يوصف، كاد الحليم أن يكون نبياً، وكما قيل تخلقوا بأخلاق الله، إذا كان حليماً يمتص أي مشكلة، يستوعب أي مشكلة، يعيش في بيته سعيداً لأنه حليم، إن كان هناك إساءة يصبر عليها، يعالجها معالجة متأنية، بهدوء، برحمة، بإقناع، بدليل، هذا الحليم، أما الغضوب فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:

(( لا تَغْضَبْ ))

[البخاري والترمذي ومالك عن أبي هريرة ]

 الإنسان الغضوب يرتكب حماقة كبيرة جداً أحياناً، ويخسر بها كثيراً، لذلك الحلم سيد الأخلاق، والأنبياء من خصائصهم الرائعة أنهم حلماء.
المذيع:
 شيخنا في قوله تعالى:

﴿ قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى ﴾

[سورة البقرة: 263]

 شرحتم في بداية الحلقة قول معروف ومغفرة ما المقصود بالمغفرة في هذا الموطن؟

 

المغفرة هي التجاوز عن إساءة الفقير :

الدكتور راتب:
 هي التجاوز عن إساءة الفقير، قول معروف من طرف المعطي، الفقير قد يكون مسيئاً، فالإنسان أكبر من هذه الإساءة، كلما الإنسان كبر عند الله استوعب أخطاء الآخرين، ، أما قوله تعالى:

﴿ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى ﴾

[سورة البقرة: 263]

 أنا مننت عليك، لولاي لم تعمل، لولاي لما تزوجت، لولاي لما اشتريت بيتاً، هذا إيذاء، فالإنسان كلما كان أقرب إلى الله ينسى أعماله الصالحة، ولا ينسى من فعل معه عملاً صالحاً، عكس بعضهم، كلما اقترب من الله ينسى كل أعماله الصالحة، وكلما ابتعد عن الله يذكر من فعل معهم معروفاً بعمله، يمن عليهم، يقول له: لولا تفضلي عليك، لولا دعمي لك، لم تكن متزوجاً، هذا كله منّ و أذى.
المذيع:
 ما الإرشادات التي ترشدنا إليها هذه الآية؟

 

مساعدة الفقير و احترام كرامته و إنسانيته :

الدكتور راتب:
 أولاً: هذا الفقير إنسان له كرامته، وله أحاسيسه، وهذا الإنسان يمكن أن تساعده بأدب جمّ، وأنا أذكر أناساً في بعض البلاد الإسلامية يقدمون المساعدة لأقربائهم بألبسة جديدة في العيد دون أن يشعروا كهدية، يقلب الصدقة إلى هدية، يقلب الزكاة إلى هدية، لا ينبغي أن تقول له: هذه زكاة مالي، لا، أبداً، يمكن أن تقدم لهذا الإنسان الذي هو بحاجة ماسة إلى ألبسة لأولاده على العيد أن تقدم له هذه الألبسة هدية، فأنت بهذا أكرمته، واحترمت إنسانيته، واحترمت مشاعره، ولا تقل له: هذه صدقتي، وهذه زكاة مالي، قال تعالى:

﴿ قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى ﴾

[سورة البقرة: 263]

 لأنك فقير هذه زكاة مالي، لا، قدمها كهدية، عند الله زكاة وسجلت زكاة، لكن أنت قدمها بشكل أخلاقي، بشكل لطيف، بشكل لا تجرح مشاعره، الإنسان له كرامته، فكلما انتبهت إلى هذه الصفة ترقى عند الله، لأنه جبار، بالتعبير الشائع جبار الخواطر.
المذيع:
 شيخنا لو تحدثنا عن التطبيق العملي لهذه الآية بحياتنا اليومية وخاصة نحن في هذا الشهر الفضيل شهر رمضان..

 

بطولة الإنسان أن يكون كلامه حسناً دائماً :

الدكتور راتب:
 قال تعالى:

﴿ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً ﴾

[ سورة البقرة: 83 ]

 البطولة أن يكون الكلام حسناً..

(( إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم سبعين خريفاً))

[ الترمذي عن أبي هريرة ]

 السيدة عائشة قالت عن أختها، لم تقل أشارت إلى أنها قصيرة، فقال عليه الصلاة والسلام:

(( يا عائِشَة لَقَدْ قُلْتِ كَلِمَةً لَوْ مُزِجَتْ بِمَاءِ البَحْرِ لَمَزَجَتْه ))

[ أبو داود والترمذي عن عائشة رضي اللّه عنها ]

 هذا ديننا يا أخي، فكلما كنا على ورع نحن بحاجة إلى الورع، طبعاً الحلال واضح، خذ ألف بيت مسلم لا يوجد خمر، ولا زنا، ما الذي يهلكنا؟ هذه التجاوزات الصغيرة التي تتراكم، تتراكم فتنقلب إلى كبائر، أو تنقلب إلى حجب عن الله عز وجل، قيل إن شخصاً صلى لم يشعر بشيء، قرأ القرآن لم يشعر بشيء، ذكر الله لم يشعر بشيء، فقيل للصالحين: ما شأن هذا الإنسان؟ قال: قولوا له: لا قلب لك. مادام هناك سد إذاً يوجد حجاب من الله عز وجل، يوجد عمل سيئ، العمل السيئ ولو بالعقل الباطن يحجب عن الله، المن والأذى والكبر عفواً إذا عندك كيلو لبن، وجاءك خمسة ضيوف، ليس عندك إلا هذا اللبن يضاف له ضعف وزنه ماء، صار عيران، وقدمت للضيوف هذا الشراب الرائع، أما هذا اللبن لو أضفت له نقطة بترول واحدة فسد، لذلك الكبر هذه نقطة البترول، إذا صبت فوق الحليب انتهى، أما اللبن فيتحمل أربعة أمثاله ماء صار عيران، فنحن يجب أن ننتبه يوجد كلمات فيها قسوة بالغة جداً، فيها كبر، فيها استعلاء، والمتكبر لا يعرف الله، كلما عرفت الله تضاءلت أمام ذاته العلية، كلما ازددت معرفة به تواضعت، والأنبياء هم سادة أهل الأرض بالتواضع.
المذيع:
 هل من توجيهات حول الصدقة والزكاة خاصة أننا في شهر رمضان المبارك؟

 

توجيهات حول الصدقة والزكاة :

الدكتور راتب:
 أخي الكريم؛ أنا لي رأي، أنت عليك زكاة مال معينة، لو فرضنا عشرة آلاف، أنت لا تقدر بيومين أو ثلاثة أن تدفع لأناس مستحقين إلا أن يكون هناك خطأ، أنا أتمنى أنت بعدما أديت زكاة مالك بالتمام والكمال برمضان، أنت دخلت إلى عام هجري جديد، انظر أديت مالك بالتمام والكمال عن السنة الماضية، الآن عندك عام جديد، أحياناً تأتي امرأة تحتاج إلى معالجة طبية، الحالة واضحة صادقة يوجد قرابة تدفع لها هذه الحاجة، تسجل في حساب الزكاة مسبقاً، طالب جامعي بحاجة إلى قسط من أقربائك، دفعت القسط أيده على الزكاة، أنت دفعت الزكاة على مدة ثلاثمئة وخمسة وستين يوماً، الحالات واضحة دقيقة، فيها صدق، دفعت هذا المبلغ بشيء دقيق، آخر العام عليك عشرة آلاف، دافع ثمانية بقي ألفان، اعمل الزكاة على مدار العام بكامله، عندئذ تأتيك الحالات الضرورية، والحالات الواضحة، والحالات الصادقة.
 هناك أناس يتوهمون أنه لمجرد أن أنفق هذا المال أدى الزكاة، لا، يجب أن يوضع هذا المال بأيد أمينة، بأيد محتاجة، بأيد عندها كبرياء، إيمان، عندها كرامة، فإذا وزعت الزكاة على مدى العام مسبقاً فأنت موزع تسعة آلاف وخمسمئة، زكاتك عشرة آلاف، بقي خمسمئة عليك، أنا أتمنى أن توزع الزكاة مسبقاً، أنت بواحد شوال موزع الزكاة السابقة بالتمام والكمال، الآن عندك عام هجري جديد، هذا العام الجديد كلما رأيت حالة ضرورية وواضحة وصادقة وأساسية ادفعها، سجلها على حساب زكاة العام القادم، أنا أخذت ثلاثمئة وخمسة وستين يوماً لدفع الزكاة، أدفع للمحتاجين، للصادقين، لمن يلوذون بي، لمن يملكون عفة وكرامة، قال تعالى:

﴿ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ ﴾

[سورة المعارج: 24]

 لمن؟ قال:

﴿ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ﴾

[سورة المعارج: 25]

 من هو المحروم؟ الذي يستحي أن يطلب، لا تدعه يطلب، ابحث عنه أنت، هو قد لا يطلب، وقد يحرم من كل شيء:

﴿ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ﴾

[سورة المعارج: 25]

 فأنت حينما تتفقده لوحدك، وتقدم هذه الزكاة بشكل لطيف، بشكل هدية، ألبسة لأولاده، مؤونة لبيته، نحن يوجد قرابة بيننا، وأنت أحب الناس إليّ، وأحببت أن أهديك هدية، سمّها هدية لا تسمها صدقة، ولا زكاة، عند الله هي زكاة، لكن الله لا يريد التسمية يريد أدبك، يريد الله عز وجل:

﴿ قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى ﴾

[سورة البقرة: 263]

المذيع:
 شيخنا في الآية التالية ذكر الله عز وجل حالتين:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى﴾

[سورة البقرة: 264]

 تشبيه وتمثيل لو أردنا أن نتحدث عن هذا التشبيه وهذا التمثيل؟

 

الكلام الطيب جبر لخاطر الفقير :

الدكتور راتب:
 بالمن، بالكلام، الأذى احتقار، سلوك، يكون الكلام منضبطاً، والسلوك منضبطاً، إذا قبلت مني هذه الهدية تكون قد فضلت عليّ، أنت أخي في الله، ونحن لبعضنا، والله حينما أحتاج سأسألك، إذا الغني قال للفقير: والله حينما أحتاج أسألك، هذا الكلام الطيب فيه جبر خاطر، ما عبد الله في الأرض بأفضل من جبر الخواطر، والله قد يدعو الفقير لك فترتفع بهذا الدعاء إلى السماء.
 مرة البرمكي - هذا كان حاكم العراق- وجد نفسه فجأة في السجن، فجاءت ابنته وهي تبكي والدها في السجن قال لها: يا بنيتي لعل دعوة مظلوم أصابتنا في جوف الليل، ونحن عنها غافلون، كما أن هناك دعاء تعلو به إلى أعلى عليين هناك دعاء آخر يهبط به الإنسان إلى أسفل السافلين، النبي صلى الله عليه وسلم الكريم ما ميزاته؟ جاءه الوحي، فهم القرآن فهماً عميقاً، كلام الله، ممكن تتحدث عن ألف خصيصة له يتميز بها، لما أراد الله أن يمدحه بماذا مدحه؟ بأخلاقه، قال تعالى:

﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾

[ سورة القلم: 4 ]

 الأخلاق منه، أما الخصائص التي تميز بها فهذه من الله، لذلك ابن القيم الجوزية رحمه الله تعالى له كلمة دقيقة جداً أنا عملت عليها مئتي حلقة بالتلفزيون: الإيمان هو الخلق.

 

خاتمة و توديع :

المذيع:
 جزاكم الله خيراً شيخنا.
الدكتور راتب:
 بارك الله بكم، وأعلى قدركم..
المذيع:
 والشكر موصول لكم أخواني على طيب المتابعة، وجميل الاستماع، نلقاكم غداً حتى ذلكم الوقت نترككم في حفظ الله ورعايته.
 والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إخفاء الصور