وضع داكن
24-04-2024
Logo
برنامج بيت المسلم – الحلقة : 28 - وصية الأبناء كما وصية لقمان.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

الدكتور بلال:
  بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد صاحب الخلق العظيم، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
 أخوتي، أخواتي؛ أينما كنتم بتحية الإسلام نحييكم، وتحية الإسلام السلام، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، نحن معاً في حلقة جديدة من برنامجنا: "بيت المسلم" مع فضيلة شيخنا الدكتور محمد راتب النابلسي، السلام عليكم سيدي.
الدكتور راتب :
 عليكم السلام ورحمة الله وبركاته، و بارك الله بكم، ونفع بكم.
الدكتور بلال:
 وبكم سيدي أكرمكم الله.
 سيدي، وصية في كتاب الله تعالى، وصية أسرية من أب لابنه، لكن هذا الأب حكيم، هو لقمان:

﴿ وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾

[ سورة لقمان: 13]

 لماذا بدأ لقمان بنهيه عن الشرك؟

المصداقية تقوي الكلمة والكلام بلا تطبيق يحمل الناس على أن يكفروا بها :

الدكتور راتب :
 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
 لا بد لي من تعليق قبل أن أجيب عن هذا السؤال.

﴿ وَهُوَ يَعِظُهُ ﴾

[ سورة لقمان: 13]

 كلمة وعظ الآن ليست مقبولة، السبب: من ممارسات الوعظ أنه بلا تطبيق، فكفر الناس بالكلمة، الكلمة كائن حي، تولد، وتنشأ، وتكبر، وتهرم، وتموت، ما الذي يقويها؟ مصداقية الناس، ما الذي يضعفها ويميتها؟ عدم مصداقيتهم، فالكلام المنمق الرائع بلا تطبيق يحمل الناس على أن يكفروا بالكلمة.
 الأنبياء بماذا جاؤوا؟ لا معهم صواريخ، ولا مركبات فضائية، ولا أجهزة حديثة، معهم الكلمة الطيبة، الكلمة الطيبة هي ما جاء بها الأنبياء، لكن كان يوجد مصداقية، هذه المصداقية التي عند الأنبياء قدست هذه الكلمة، فالموعظة كلمة رائعة جداً، كلمة فعلها الأنبياء:

﴿ وَهُوَ يَعِظُهُ ﴾

[ سورة لقمان: 13]

 أو العلماء الكبار، أو الصدقيين، أما الآن حينما يستمع إلى موعظة غير مطبقة فيكفر بالكلمة، فنحن ساهمنا في تضعيف قيمة هذه الكلمة، دعوة الأنبياء دعوة وعظية، دعوة كلمة طيبة، الرجل الذي يتكلم الكلمة الطيبة يرقى بها إلى أعلى عليين، وهناك كلمة أخرى يهوي بها إلى أسفل سافلين.
الدكتور بلال:
 وهذا سيدي عندما تحدثنا عن التربية بالموعظة وسيلة من وسائل التربية.

﴿ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ ﴾

[ سورة لقمان: 13]

 بدأ بقضية التوحيد.

معاناة الأمة الإسلامية من الشرك الخفي :

الدكتور راتب :

(( أخوف ما أخاف على أمتي الشرك والشهوة الخفية ))

[أحمد عن شداد بن أوس ]

 الشرك الجلي انتهى، مضى أوانه، الآن لا يوجد بالعالم الإسلامي شرك جلي، يوجد شرك خفي.

(( أخوف ما أخاف على أمتي الشرك والشهوة الخفية. قلت: يا رسول الله أتشرك أمتك من بعدك؟ قال: نعم، أما إنهم لا يعبدون شمساً ولا قمراً ولا حجراً ولا وثناً ولكن يراؤون بأعمالهم. والشهوة الخفية، وأعمال لغير الله))

[أحمد عن شداد بن أوس ]

 لي تعليق دقيق: أنت إذا قلت يوم العيد، أو في الصلاة، أو في أكثر العبادات الله أكبر، فإذا أرضيت مخلوقاً وعصيت خالقك، ما قلت هذه الكلمة ولا مرة ولو رددتها بلسانك ألف مرة.
 أي هذا العالم الإسلامي يقع على أعلى موقع استراتيجي في العالم، يملك نصف ثروات الأرض، ومع ذلك الكلمة العليا ليست له، يوجد أربع أو خمس عواصم محتلة، في وضع سيئ جداً، ما التفسير؟ هو الشرك الخفي، شهوة خفية، أعمال لغير الله.

(( أخوف ما أخاف على أمتي الشرك والشهوة الخفية. قلت: يا رسول الله أتشرك أمتك من بعدك؟ قال: نعم، أما إنهم لا يعبدون شمساً ولا قمراً ولا حجراً))

[ أحمد عن شداد بن أوس ]

 هذه انتهت، أي الشرك الجلي انتهى، ماذا بقي؟ الشرك الخفي، شهوة خفية، أعمال لغير الله.
الدكتور بلال:
 رياء الشرك الخفي، قال:

﴿ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾

[ سورة لقمان: 13]

 لماذا سماه ظلماً؟

الشرك ظلم عظيم لأنه دعوة إلى غير الله :

الدكتور راتب :
 المطلق في القرآن على إطلاقه، ظلم عظيم، أي ظلم لنفسه، للآخرين، لمن حولك، ظلم لمن تدعوهم إلى الله، شرك عظيم.
 بالمناسبة كلمة عظيم تقيّم بقدر قائلها، لو أن طفلاً عقب عيد الأضحى قال لخاله: معي مبلغ عظيم، أنا أقدره مثلاً بمئة دينار، فرضاً أو درهم، لو قال مسؤول بالبنتاغون: أعددنا لهذه الحرب مبلغاً عظيماً، أعددنا مئتي مليار، من طفل مئة دينار، من أحد أعضاء الكونغرس مئتا مليار، فإذا قال الله عز وجل:

﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً ﴾

[ سورة النساء: 113]

 ما معنى كلمة عظيم من الله؟

﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً ﴾

[ سورة النساء: 113]

 لذلك إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم.
الدكتور بلال:
 العظيم يقول:

﴿ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾

[ سورة لقمان: 13]

الدكتور راتب :
 شخص بحاجة لعمل جراحي خطير، أخذته إلى مصيف، ظلمته، المكان جميل، أضرب مثلاً آخر: طالب عنده امتحان خطير ومصيري غداً، أخذه أصدقاؤه عنوة إلى مكان جميل، أطعموه أطيب الطعام، لماذا يحس بانقباض شديد؟ هذه النزهة الآن تتناقض مع هدفه الكبير وهو النجاح، فكل إنسان يتعب ويبذل جهداً كبيراً ضمن هدفه الكبير يسعد به.
 أعطِ إنساناً كتاباً قرأه وفهمه، وعنده امتحان به، بغرفة قميئة مظلمة يسعد به، خذه لمكان جميل وعليه امتحان خطير يشقى به.
 فحينما تأتي الحركة اليومية متوافقة مع الهدف نسعد بها.
الدكتور بلال:
 وهو الظلم سيدي، وضع الشيء في غير موضعه، كما تفضلتم، أخذوه إلى منتزه وهو يريد أن يدرس، والشرك:

﴿ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾

[ سورة لقمان: 13]

 لأنه شيء في غير موضعه، موجه إلى غير الله.
 من وصية لقمان لابنه قال:

﴿ يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ ﴾

[ سورة لقمان: 16]

 هذا الشعور بمراقبة الله.

الشعور بمراقبة الله لأنه أصل الكمال و الجمال و النوال :

الدكتور راتب :
 مهما يكن العمل صغيراً فيما يبدو لك هو عند الله كبير، الله لأنه عليم حكيم معطاء، كمالاته رائعة جداً، هو أصل الكمال، والجمال، والنوال، الكمال بمعاملته لك، والجمال بإقبالك عليه، والنوال بالمكافأة يوم القيامة، أصل الكمال، والجمال، والنوال، مهما بدا لك العمل قليلاً.
 امرأة تاب الله عليها وهي في الفحشاء لأنها سقت كلباً بإخلاص في الصحراء، فمقاييس الله عز وجل دقيقة جداً، فكل بطولتنا أن نكتشف هذه المقاييس.
الدكتور بلال:
 هنا إذاً سيدي رباه أولاً على التوحيد.

﴿ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ ﴾

[ سورة لقمان: 13]

 ثم رباه على الاستقامة.

تربية الأبناء على التوحيد و الاستقامة و العمل الصالح :

الدكتور راتب :
 الاستقامة لها معنى سلبي، أنا ما أكلت مالاً حراماً، ما، أنا ما كذبت، ما، أنا ما غششت، أنا ما فرقت بين زوجين، ما، فالاستقامة سلوك لكنه سلبي، أما العمل الصالح فسلوك لكنه إيجابي، أعطيت من مالي، من علمي، من ثقافتي، من معرفتي، العمل الصالح عطاء، لِمَ سمي صالحاً؟ لأنه يصلح للعرض على الله، ومتى يصلح؟ إذا كان خالصاً وصواباً، خالصاً ما ابتغي به وجه الله، وصواباً ما وافق السنة.
الدكتور بلال:
 سيدي بعد أن علمه التوحيد ثم الاستقامة، الآن قال له، بدأ بالأوامر التكليفية:

﴿ يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ ﴾

[ سورة لقمان: 17]

 هل صلِّ مثل:

﴿ أَقِمِ الصَّلَاةَ ﴾

[ سورة لقمان: 17]

 أم أقم الصلاة مختلفة؟

انعقاد الصلة بين العبد و ربه :

الدكتور راتب :
 إقامة الصلاة غير أداء الصلاة، أن تقف، تكبر، تقرأ الفاتحة، سورة، تركع، تسجد، صليت، أما إقامة الصلاة فألا تبقي معصية قبلها تحجبك عن الله، ألا يكون دخلك فيه شبهة، هذا الدخل المشبوه يحجبك عن الله، أنا أرى - وهذا اجتهادي الشخصي، وكأني على صواب- لا يوجد عقاب يفوق عقاب المؤمن كأن يحجب عن الله.

﴿ كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ﴾

[ سورة المطففين:15]

 في النفس طبيعة دقيقة، ما دام لا يوجد عمل خاطئ، لا يوجد معصية، لا يوجد عدوان، لا يوجد تجاوز، معك إلى الله خط ساخن، بأي لحظة الخط الساخن مع الله.
 ائتني بأغلى هاتف، بأغلى جهاز هاتف لكن لا يوجد خط، ليس له قيمة، ائتني بأقدم جهاز هاتف مع خط له قيمة.
الدكتور بلال:
 إذاً أقم الصلاة أن يعقد الصلة بينه وبين خالقه.
الدكتور راتب :
 والصلة تحتاج إلى طاعة، إلى كسب حلال، إلى إنفاق حلال، إلى بنات منضبطات في خروجهن، إلى زوجة صالحة، إلى حرفة فيها عطاء للآخرين، يوجد حرف دخلها كبير جداً.
 أنا أعرف أن في عاصمة عربية يوجد ملهى، ودخل الملهى فلكي، صاحب الملهى عنده بنت لا تأكل من طعام أبيها إطلاقاً، تعمل معلمة في قرية من قرى المحافظة، وتأكل من دخلها.
 الإسلام ليس قضية سهلة، منهج تفصيلي يبدأ من أخص خصوصيات الإنسان، من فراش الزوجية، وينتهي بالعلاقات الدولية، نحن نتوهم أن الإسلام صوم، وصلاة، وحج، وزكاة، هذه عبادات شعائرية.
 هي الحقيقة أن آتي للمسجد لأتلقى تعليمات الصانع، بدرس علم، أو بخطبة، أعود إلى البيت لأقبض الثمن من خلال اتصالي بالله، أما أين فديني في البيت، في دخلي، في إنفاقي، في الطريق، في عملي، هناك مادة مسرطنة، مسموح بها ثلاثة بالألف ببعض الأغذية لئلا تفسد، أضع ثلاثة بالمئة، لذلك نسب السرطان مرتفعة جداً، سببها المخالفات الغذائية.
الدكتور بلال:
 إذاً:

﴿ يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ ﴾

[ سورة لقمان: 17]

 أمره أولاً بالصلة بالله، ثم قال:

﴿ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ ﴾

[ سورة لقمان: 17]

علة خيرية هذه الأمة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر :

الدكتور راتب :
 هذه الأمة خيرة.

﴿ كُنْتُمْ ﴾

[ سورة آل عمران: 110]

 أي أصبحتم بالآية، بالمعنى السياقي.

﴿ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾

[ سورة آل عمران: 110]

 ما علة هذه الخيرية؟

﴿ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ ﴾

[ سورة آل عمران: 110]

ما المعروف؟ شيء تعرفه الفطر السليمة، من دون تعليم إطلاقاً.
 شخص مقيم بأدغال إفريقيا، ومعه أمه، جاء بأرنب، ذبحه، وشواه، وأكله وحده، يحس بكآبة، لا يوجد معه تعليمات من أي دين سماوي، لكن الدين السماوي واحد، يوجد تشريعات، فهذا الإنسان حجب عن الله عز وجل بهذه المعصية.
الدكتور بلال:

﴿ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ ﴾

[ سورة لقمان: 17]

الدكتور راتب :
 المعروف تعرفه الفطر السليمة ابتداءً، والمنكر تنكره الفطر السليمة ابتداءً.

خاتمة و توديع :

الدكتور بلال:
 حقيقة توجد نصائح كثيرة من لقمان لابنه، ربما يهيئ لنا إن شاء الله في لقاء آخر.
 جزاكم الله خيراً، وأحسن الله إليكم.
 أخوتي، أخواتي؛ في نهاية هذا اللقاء الذي طاب بحضوركم، وطاب من قبل بتوجيهات شيخنا، أسأل الله تعالى أن نلتقيكم دائماً على خير، حتى ذلك الحين أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، إلى لقاء قريب.
 والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الاستماع للدرس

00:00/00:00

إخفاء الصور