وضع داكن
24-04-2024
Logo
إذاعة القرآن الكريم من الدوحة - برنامج ربيع القلوب 1 - الحلقة : 04 - الله تكفل برزق الإنسان والمصائب تصيب الهدف بأنواعها.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

المذيع :
 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأخوانه، ومن سار على نهجه، واقتفى أثره، واستن بسنته، وسلم تسليماً كثيراً مزيداً إلى يوم الدين.
 أما بعد؛ فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله أوقاتكم أخواني وأخواتي أينما كنتم بكل خير، مرحباً بكم في برنامجكم اليومي: "ربيع القلوب" والذي يتهادى إلى مسامعكم عبر أثير إذاعة القرآن الكريم من الدوحة، نسعد معكم في هذه السلسلة المباركة بعنوان: "ربيع القلوب" مع فضيلة الشيخ محمد راتب النابلسي، أهلاً وسهلاً ومرحباً بكم شيخنا..
الدكتور راتب :
 بارك الله بكم، ونفع بكم، وأعلى قدركم، وحفظ لكم بلادكم.
المذيع:
 في هذا اليوم المبارك معنا هذه الآية والتي بين أيدينا يقول الله عز وجل:

﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ﴾

[ سورة الزمر: 36]

 اعتدنا أن نبدأ بالمحور الأول في كل حلقة هو وجه مناسبة الآية لما قبلها.

مصاحبة المؤمنين لأن المؤمن حكيم رحيم :

الدكتور راتب:
 دائماً أهل الدنيا الذين شردوا عن منهج الله عز وجل همهم إيقاع الخوف في نفوس الناس، بينما المؤمن يؤمن بالله، يؤمن بقدرته، يؤمن برحمته، يؤمن بعلمه، يؤمن بحكمته، أموره كلها يفهمها فهماً إيجابياً، إذا كان هناك مصيبة فهي معالجة، وإذا كان هناك تضييق فهو حماية، وإذا كان هناك عطاء فهو إكرام، أي الله عز وجل إما أن تفهم الأمور ضمن القرآن الكريم، ضمن معطيات الدين، ضمن معطيات الخالق، أو أن تفهمها فهماً آخر، فهم الملحدين، فهم الغافلين، فهم الشاردين عن الله عز وجل، لذلك لا تصاحب إلا مؤمناً، أي المؤمن يقوي لك إيمانك، المؤمن يصبرك، المؤمن يكشف لك الحكمة أحياناً من المصيبة، المؤمن يذكرك بالجنة، عنده ألف طريق يملأ نفسك ثقة، يخفف عنك المصيبة، وإنسان آخر بعيد عن الله يقول لك: انتحر إذا أردت مثلاً، يعطيك شيئاً لا يحتمل، لذلك لا تصاحب إلا مؤمناً، هذه نصيحة، المؤمن رفيق، المؤمن رحيم، المؤمن حكيم، المؤمن معك، المؤمن لا يشمت بك أبداً، المؤمن يأخذ بيدك إلى الله، لا تصاحب إلا مؤمناً، الإيمان قوة، والإيمان رحمة، والإيمان حفظ، والإيمان تفوق.

حجم الإنسان عند ربه بحجم عمله الصالح :

 لذلك الله خلقنا، قال تعالى:

﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ﴾

[سورة الروم: 40]

 جعل الفعل بصيغة الماضي، الرزق بمعنى دقيق جداً له معان كثيرة، ليس لك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأبقيت، عندك شيئان؛ عندك كسب وعندك رزق، الكسب حجمك المالي، بيل غيتس يملك ثلاثة وثمانين ملياراً، أغنى إنسان بالعالم، حجمه المالي ثلاثة وثمانون ملياراً، ماذا يأكل في اليوم؟ الرزق الطعام الذي أكله، والثياب التي يلبسها، والبيت الذي يسكنه، هذا الرزق، وليس لك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأبقيت، ثانياً: المستهلكات، ليس لها أثر مستقبلي أبداً، الحجم المالي ثلاثة وثمانون ملياراً هذا الكسب، الكسب لم تنتفع به أبداً، لكن تحاسب عليه، من أين أخذته وكيف أنفقته؟ أما الرزق فهو أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، والذي يبقى من الرزق هو العمل الصالح، لذلك حجمك عند الله في الآخرة بحجم عملك الصالح، قال تعالى:

﴿ وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا ﴾

[ سورة الأنعام: 132]

 والعمل الصالح لم سمي صالحاً؟ قال: لأنه يصلح للعرض على الله، ومتى يصلح؟ إذا كان خالصاً وصواباً، خالصاً ما ابتغي به وجه الله، وصواباً ما وفق السنة.
المذيع:
 تحدثت الآية التي قبلها وهي قوله تعالى:

﴿ لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا ﴾

[ سورة الزمر: 35]

 تحدثت هذه الآية عن أهل الجنة، وأن الله يعطيهم ما يشاؤون، ويجزيهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون، فجاءت هذه الآية لتتحدث عن كفاية الله لعباده، وهو قوله تعالى:

﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ﴾

[ سورة الزمر: 36]

 فلو تحدثنا بإيجاز عن هذه؟

 

تقنين الله عز وجل تقنين تأديب لا تقنين عجز :

الدكتور راتب:

﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ﴾

[سورة الروم: 40]

 إذا الله عز وجل قنن الرزق فتقنين تأديب لا تقنين عجز، قال: يوجد سحابة في الفضاء الخارجي بإمكانها أن تملأ المحيطات كلها بالمياه العذبة كل يوم ستين مرة، سحابة واحدة، قرأت بحثاً علمياً بموسوعة علمية طبعاً أجنبية، فالله إذا قنن فتقنينه تقنين تأديب لا تقنين عجز، هذه نقطة مهمة جداً، قال تعالى:

﴿ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ ﴾

[سورة الحجر: 21]

 أما الله فعنده حكمة، الله عز وجل ثبت مليار قانون، قانون التمدد ثابت، لو لم يكن ثابتاً لا تستطيع أن تبني بناء، خصائص المواد ثابتة، الحديد ثابت، يقاوم قوى الشد، والإسمنت يقاوم قوى الضغط، كل مادة لها قوانين ثابتة إلى الأبد، مليار قانون ثابت، الله حرك قانونين الصحة والرزق، الصحة يأتي أحياناً ورم خبيث، بأوج نجاحه في الدنيا، والرزق أحياناً لا يوجد رزق، الله حرك قانوني الصحة والرزق ليؤدب بهما عباده، قال تعالى:

﴿ وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً * لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ﴾

[ سورة الجن: 16-17 ]

 الله عز وجل اتخذ هاتين النقطتين أداتين كي يربي عباده في الدنيا قبل الآخرة.

 

أنواع المصائب :

 لذلك معنى المصيبة من الإصابة أصابت الهدف، الأنبياء مصائبهم مصائب كشف، يوجد كمالات بأنفسهم لا يمكن أن تظهر إلا عن طريق الشدائد، كما أن النبي عليه الصلاة والسلام مشى على قدميه إلى الطائف ثمانين كيلو متراً يستهزأ به، ويكذب، ويضرب، جاءه ملك الجبال، و قال له :

(( إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمْ الْأَخْشَبَيْنِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا ))

[ متفق عليه عن عائشة]

 مصائب الأنبياء مصائب كشف، مصائب المؤمنين دفع ورفع، يكون مقصراً قليلاً يلوح له شبح مصيبة، فيغض بصره زيادة، يتقن صلواته، يقرأ قرآناً، كل يوم دفع، و رفع يعلي مقامه، غير المؤمنين ردع وقصم، المصائب خمسة أنواع؛ الأنبياء كشف، المؤمنون دفع ورفع، لغير المؤمنين ردع وقصم، فنحن إذا كنا مؤمنين نتعظ بالمصيبة فتصيب الهدف، هذا السبب، ما نزل بلاء إلا بذنب، ولا يرفع إلا بتوبة، الآن يوجد كلمات يقولها العوام هي الكفر بعينه، الدهر قلب لي ظهر المجن، ما هذا الدهر؟ يسبني ابن آدم إذا يسب الدهر وأنا الدهر، ما الدهر؟ يقول لك: القدر سخر مني، ما القدر؟ لا يوجد إلا الله، تعامل معه، ابحث عن ذنبك لا سمح الله، أقول للمستمعين: عندك مشكلة انظر إلى ذنبك، ما نزل بلاء إلا بذنب، ولا يرفع إلا بتوبة.

 

الدين الإسلامي دين فردي و جماعي معاً :

 الآية الدقيقة جداً قال تعالى:

﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ ﴾

[ سورة النساء : 147]

 هذه للأفراد، لو فرضنا شخصاً من ملياري مسلم - افتراض غير معقول - شخص يمشي بشكل صحيح مع الله له معاملة خاصة، عظمة هذا الدين أنه دين فردي وجماعي، في آن واحد، تطبقه وحدك إذا كان هناك مليارا مسلم - لا سمح الله ولا قدر شيء افتراضي- لا يطبقون الدين، إلا أنت وحدك تطبقه، فتقطف كل ثماره وحدك، لكن الفردية وليست الجماعية، أما الأمة إن طبقته فتنتصر، صار عندنا دين فردي للشباب، للمستمعين.

 

كل إنسان مسؤول عن نفسه و بيته و عمله :

 عندك ثلاث دوائر أنت تملكها؛ نفسك دائرة، وبيتك دائرة، وعملك دائرة، لا تحاسب إلا على الدوائر التي أنت لك بها قرار، نفسك تستطيع أن تغض بصرك، لا تشاهد فيلماً منحرفاً، لا تسهر سهرة مختلطة، هذه دائرة شخصك، وبيتك، زوجتك محجبة، بناتك ثيابهم محتشمة جداً، محجبات، وعملك لا يكون فيه كذب وربا، أنت تملك ثلاث دوائر؛ نفسك وبيتك وعملك، فإذا أقمت أمر الله فيما تملك كفاك ما لا تملك، أنت لست مكلفاً في المجتمع، أما المجتمع فلو طبق الدين ينتصر أيضاً، لو كنت داعية ما من مانع أن تنصح الناس، أما أنت فمسؤول عن نفسك أولاً، وعن بيتك ثانياً، وعن عملك ثالثاً، ثلاث دوائر، وتنتهي هنا مسؤوليتك، المساءلة القانونية الشرعية، ولكنك تتألم إذا لك أقارب لا يطبقون المنهج، تنصحهم فقط، أما كمحاسبة فعن نفسك، وعن بيتك، وعن عملك، هذا الإسلام الفردي والجماعي، الأنبياء للأمة، الأمة تطبق الدين تنتصر، لذلك قالوا: الحرب بين حقين لا تكون، لأن الحق لا يتعدد، مثلاً ارسم خطاً مسقيماً بين نقطتين، يأتي الثاني فوق الأول، أما يمر بين نقطتين مليون خط منحرف، ومنكسر، فالله ذكر الحق بالمفرد، وذكر الباطل بالجمع، الحق بالمفرد قال تعالى:

﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ﴾

[ سورة الأنعام: 153 ]

 بين نقطتين مليون خط منحرف، ومنكسر، الباطل لا ينتهي، والحق واحد، الآن العمر لا يسمح أن يستوعب الباطل، إذا أردت أن تأخذ الدين البوذي لوحده تحتاج إلى عشر سنوات تعمل دكتوراه فيه، الباطل لا يستوعب، أما الأريح فأن تستوعب الحق.
المذيع:

﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ﴾

[ سورة الزمر: 36]

 ما الذي يفيده الاستفهام؟

 

الله تعالى كاف عباده جميعاً :

الدكتور راتب:
 استفهام تقريري، عندنا استفهام إنكاري، واستفهام تعجبي، واستفهام تقريري، قال تعالى:

﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ﴾

[ سورة الزمر: 36]

 أي الله كاف عبده، وإذا ضيق عليه الرزق فتضييق تأديب لا تضييق عجز ولا كراهية.
المذيع:
 ما هي صفة العبد الذي يكفيه الله عز وجل؟
الدكتور راتب:
 إذا أنت مؤمن بالآخرة إيماناً حقيقياً نقلت اهتماماتك للآخرة، أنت تريد مأوى، وزوجة صالحة، ودخل يغطي نفقاتك، أما المشكلة فهي بالرفاه، الآن يريد خمس سيارات أو ست، يريد سيارة خاصة له، وواحدة لزوجته، وواحدة لبناته، ويريد خدماً وحشماً، ويريد أن يعمل سياحة كل سنة إلى أوروبا، وأمريكا، المشكلة نحن لسنا بالأساسيات بالرفاه فقط، الصراع في العالم الآن على الرفاه، من يريد أن ينفق أكثر من يترفه أكثر، والأساسيات متروكة..
المذيع:

﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ﴾

[ سورة الزمر: 36]

 من المخاطب في الآية؟ وما تشريف الله لنبيه في هذه الآية؟ وهل تشمل كل مؤمن؟
الدكتور راتب:
 كل عبد، المطلق على إطلاقه، الله يرزق الكفار، أبداً كل إنسان مادام خلقه رزقه، قال تعالى:

﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ﴾

[سورة الروم: 40]

 عفواً يوجد وعول تعيش في قمم الجبال، هل تصدق أن هناك ينابيع بقمم الجبال، ما معنى ينبوع في قمة جبل؟ يكون هناك جبل أعلى منه، بعد مئة كيلو متر، والأعلى فيه مستودع مياه تنزل المياه منه إلى الأخفض، لا يمكن هذا قانون الأواني المستطرقة، عندنا جزيرة اسمها أرواد جانب طرطوس في سوريا، فيها نبع ماء، أمطار الجزيرة لعشرين سنة لا تكفي النبع، معنى هذا هناك قناة تحت البحر لجبال طرطوس، الجبال المطلة على البحر فيها تجمع مياه بقمم الجبال، وتمشي قناة من جبل طرطوس تحت البحر لأرواد، اندونيسيا فيها سبعة آلاف وخمسمئة جزيرة، وكل جزيرة فيها نبع ماء بمستوى سكانها، إله عظيم.
المذيع:
 في نفس الآية أيضاً:

﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ﴾

[ سورة الزمر: 36]

 كفاية الله تعالى للعباد لا يحدها حاد، وقد ذكرتم ذلك، ولا يمنعها مانع، رآها المسلمون رأي العين في مواطن كثيرة، ما هي أهم هذه المواطن؟

 

توزيع الله عز وجل الثروات توزيعاً جغرافياً حكيماً :

الدكتور راتب:
 الله عز وجل نصر المؤمنين في مواطن كثيرة، أما عندما أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئاً، قال تعالى:

﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ﴾

[سورة الروم: 40]

 سيدي يوجد مليون آية، أحياناً يحفر يجد نبع ماء، أحياناً يرى ثروة، هذا البترول جاء للعرب، هل هذا البترول قليل؟ دول متخلفة جاءها بترول عملت بلادها جنة، البترول ثروة كبيرة جداً، أحياناً يكون هناك ذهب في الأرض، أحياناً بترول ثروات طائلة، الله عز وجل وزع الثروات توزيعاً حكيماً جداً، توزيعاً جغرافياً حكيماً..
المذيع:
 كذلك في نفس الآية:

﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ﴾

[ سورة الزمر: 36]

 ما التطبيق العملي لهذه الآية في حياتنا اليومية؟

 

أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ آية تنفي اليأس عن العبد :

الدكتور راتب:
 هذه الآية تنفي اليأس، هناك يأس مع البعد عن الله يفضي إلى الانتحار، لك إله عظيم لا ينساك أبداً، وكلما كان لك ثقة بالله أكثر يحبك أكثر، أعظم شيء الذي له ثقة بالله، مهما ضاقت عليه الدنيا لا ييئس، واليأس يقترب من الكفر، الله موجود، بلمحة يعطيك، بغلطة منك أحياناً يرزقك.
المذيع:
 في قوله تعالى:

﴿ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ ﴾

[ سورة الزمر: 36]

 ما موقف المؤمن حينما يخوف بالمخلوقين؟

 

عبادة الله و التوكل عليه لأن الأمور كلها بيده :

الدكتور راتب:
 الله عز وجل لا يسمى إلهاً أو إذا أسلمك إلى غيره لا يستحق أن تعبده، لو سلمك إلى ديكتاتور مصيرك عنده لم يعد إلهاً، قال تعالى:

﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ ﴾

[ سورة هود: 123 ]

 هذه سيدي الـ للجنس، أي أمر تتصوره كله توكيد، فاعبده، متى أمرك أن تعبده؟ بعد أن طمأنك، علاقتك معي يا عبدي، صحتك معي، رزقك معي، نجاح زواجك معي، بر أولادك معي، محبتك لزوجتك عندي، محبة الناس لك عندي، كل أمورك عندي، قال تعالى:

﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ﴾

[ سورة هود: 123 ]

 ابن آدم اطلبني تجدني، فإذا وجدتني وجدت كل شيء، وإن فتك فاتك كل شيء، وعزتي وجلالي لا أقبض عبدي المؤمن وأنا أحب أن أرحمه إلا ابتليته بكل سيئة كان عملها سقماً في جسده، أو إقتاراً في رزقه، أو مصيبة في ماله أو ولده، حتى أبلغ منه مثل الذر، فإذا بقي عليه شيء شددت عليه سكرات الموت حتى يلقاني كيوم ولدته أمه.
 أنا أقول للأخوة المستمعين: إذا الشخص وصل إلى شفير القبر، والله غفر له ذنوبه، هذا أكبر نجاح كيوم ولدته أمه، وكل مصائب الله رحمة بنا، قال تعالى:

﴿فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ ﴾

[سورة الأنعام:147]

 تقتضي هذه الرحمة، قال تعالى:

﴿ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِين﴾

[سورة الأنعام:147]

 ليس له عمل صالح بعث له مصيبة، شخص ورم خبيث لم يعد ينام الليل بدأ يصلي، الله عز وجل مداو حكيم، يعرف من أين يؤلمك، إنسان غني، المال ليس له قيمة عنده، تأتيه جلطة يصعد الدرج لا يتحمل، أين أمله؟ أين شبابه؟ انتهى، كل شخص يبعث له مصيبة تصيب مكان الجرح، أما إذا الشخص استقام مع الله عز وجل أخلص له، وطبق الإسلام، فله عافية عنده، اللهم ارزقنا العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة..
المذيع:
 في قوله تعالى:

﴿ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ﴾

[ سورة الرعد: 33]

 ما الذي نفهمه من عزو الإضلال إلى الله عز وجل؟

 

من يضلل نفسه عن الله فهو إضلال جزائي مبني على ضلال اختياري :

الدكتور راتب:
 لا والله أنا فهمتها ليس لله، ومن يضلل نفسه عن الله، لا يريد الدين، لا يريد أن يسمع قرآناً، تجلس مجلسة أخي لا تعظنا، لا يريد، أضل نفسه عن الله ليس له هاد، إذا إنسان رفض أن يسمع الحق لا يهتدي، هو أضل نفسه، الله لا يضل أحداً، إذا عزي الإضلال إلى غير الله هذا اسمه إضلال جزائي مبني على ضلال اختياري، أي ابنك في المدرسة لم يدرس نبهته، نصحته، لم تترك وسيلة معه، عندما لم يدرس رقن قيده من المدرسة وطردته، الضلال إذا عزي إلى الله عز وجل فهو اسمه إضلال جزائي مبني على ضلال اختياري.
المذيع:
 من المضامين العامة في هذه الآيات التي بين أيدينا أنه مهما واجهت من المثبطات فليكن خوفك من الله أكبر، وذلك من قوله تعالى:

﴿ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ ﴾

[ سورة الزمر: 36]

 لو تحدثنا عن هذه ..

 

عظمة هذا الدين كلما قمعته أكثر يقوى أكثر :

الدكتور راتب:
 كلام المثبطين - سامحني بهذه الكلمة- اركله بقدمك، كم تحدثوا عن النبي صلى الله عليه وسلم، النبي لم يتكلم ولا كلمة، لا ثأر ولا غضب، قالوا: مجنون، ساحر، شاعر، ما تكلم ولا كلمة، القافلة تسير والكلاب تعوي، ما ضرّ السحاب نبح الكلاب، وما ضر البحر أن ألقى فيه غلام بحجر، ولو تحول الناس إلى كناسين ليثيروا الغبار على هذا الدين ما أثاروه إلا على أنفسهم، عفواً الشمس تبعد عنا مئة وستة وخمسين مليون كيلو متر، لسان اللهب طوله مليون كيلو متر، إذا شخص نظر إلى الشمس ونفخ نفخة ليطفئها، يكون أحمق الحمقى، قال تعالى:

﴿ يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ ﴾

[سورة التوبة: 32]

 هكذا الآية عن الشمس وليس عن نور الله، وهي تبعد عنا مئة وستة وخمسين مليون كيلو متر، لسان اللهب طوله مليون كيلو متر، هل تطفأ بنفخة من الإنسان؟ الحق هو الشمس، وكل أهل الباطل، سوف أقول لك كلمة أبلغ من ذلك: عظمة هذا الدين كلما قمعته أكثر يقوى أكثر، الذي يقمع الدين كالذي يطفئ النار بالزيت، بالبنزين، احترقت السيارة، أحضر صفيحة بنزين وسكبها فوقها ليطفئها تزداد اشتعالاً.
المذيع:
 ما الذي ترشدنا إليه هذه الآية في ختام الحلقة؟

تطبيق الدين و عدم تفريغه من مضمونه :

الدكتور راتب:
 أولاً: أنا أؤمن إيماناً قطعياً أنه يوجد إسلام فردي، طبقه وحدك مبدئياً كي تقطف ثماره، من أجل أن تسعد، من أجل أن توفق، من أجل أن تعيش في جنة، ليكون بيتك جنة، وتحب زوجتك، لا يكون هناك أية معصية، ويكون أولادك أبراراً، طبقه أنت كي تقنع به، إذا بقينا في الأشياء التقليدية، نضع آية الكرسي، نضع مصحفاً في السيارة، ما استفدنا شيئاً، المصحف وآية الكرسي لا تفعل شيئاً، من أجل أن تطبق الدين تغض بصرك، ألا يكون هناك فيلم في الشاشة لا يرضي الله عز وجل، وسهرة مختلطة كلها نساء لا يحل لك أن تنظر إليهن، إذا كان هناك اختلاط وأفلام وشاشات، وغيبة ونميمة، الإسلام فرغ من مضمونه، فقدنا كل وعود الله عز وجل بالنصر، هذه المشكلة سيدي، خذ ألف بيت لا يوجد فيه خمر، ولا زنى، ولكن لا يوجد به تطبيق.
المذيع:
 ولا حرص جزاكم الله خيراً شيخنا، ونسأل الله أن يرزقنا وإياكم العلم النافع والعمل الصالح، اللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا، ونور صدورنا، وجلاء أحزاننا، وذهاب همومنا وغمومنا، شكر الله لك شيخنا، ونفع بكم.
الدكتور راتب:
 أقل واجب أنا أحب هذا البلد والله، وأحب أهلها، وأرجو الله أن يحفظها من كل مكروه إن شاء الله...

خاتمة و توديع :

المذيع:
 وأهلها يحبونك ويبادلونك الحب، والشكر موصول لكم أنتم أخواني على طيب المتابعة، وحسن الاستماع، نلقاكم غداً حتى ذلكم الوقت نترككم في حفظ الله ورعايته.
 والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إخفاء الصور