2019-05-29
مقدمة :
الدكتور بلال:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا الأمين، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أخوتي الأكارم، أخواتي الكريمات؛ أينما كنتم أحييكم بتحية الإسلام، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، نحن معاً في مفتتح حلقة جديدة من برنامجنا: "بيت المسلم" نتفيأ ظلال بيتنا وأسرتنا مع فضيلة شيخنا الدكتور محمد راتب النابلسي، السلام عليكم سيدي.
الدكتور راتب :
عليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الدكتور بلال:
سيدي بعد أن انتهينا من أنواع التربية، ننتقل اليوم إلى وسائل التربية، كيف نصل إلى المقصود من التربية؟ موضوع أخذ منا، وتحدثنا كثيراً، أريد أن أفرد له الآن ولو دقائق عن التربية بالقدوة.
حاجة الأهداف المشروعة إلى وسائل مشروعة :
الدكتور راتب :
قبل أن نتابع هذه التفصيلات الرائعة لابد من ذكر حقيقة أصلية، أن الأهداف النبيلة لابد لها من وسائل نبيلة، الأهداف المشروعة تحتاج إلى وسائل مشروعة، الحق يحتاج إلى حق لنقله، لا إلى باطل.
الدكتور بلال:
هذه الوسائل.
الدكتور راتب :
فكل وسيلة بخلاف الحق مرفوضة.
الدكتور بلال:
ولا توصل إلى حق.
الدكتور راتب :
أبداً.
الدكتور بلال:
إذا أردنا أن نربي أبناءنا نحتاج إلى وسائل صحيحة، أولها القدوة.
وسائل التربية المختلفة:
1- التربية بالقدوة :
الدكتور راتب :
أنا أرى أن القدوة قبل الدعوة، الناس يتعلمون بعيونهم لا بآذانهم، وأبلغ شيء في الدعوة إلى الله أن يرى الإنسان إسلاماً يمشي أمامه، كيف أن الكون قرآن صامت، والقرآن كون ناطق، و النبي الكريم قرآن يمشي، فما لم يرَ الناس اليوم إسلاماً يمشي أمامهم، إنسان إن حدثك فهو صادق، إن عاملك فهو أمين، إن استثيرت شهوته فهو عفيف، هذا الإنسان أبلغ من ألف محاضرة، هذا الإنسان عاش الإسلام، وأقنعك به، والناس يقنعون بما يرونه لا بما يسمعونه.
الدكتور بلال:
الكلمة سيدي في الأصل لها مصداقية كبيرة، الأنبياء جاؤوا بالكلمة ماذا اليوم؟
الفعل أبلغ من الكلمة :
الدكتور راتب :
لكن حينما استخدمت هذه الكلمة لغير ما أرادها الله ضعفت قيمتها، فصار الناس يريدون شيئاً أبلغ من الكلمة، الفعل.
الدكتور بلال:
حتى إن بعض الناس كفروا بالكلمة، لأنهم لم يروا مصداقية.
الدكتور راتب :
الإنسان قد يكون ذكياً، وثقافته عالية جداً، يتكلم كلاماً، مثلاً تأتي دولة عظمى تحتل دولة، تفعل الأفاعيل، تقول: جئنا من أجل الحرية، فكفر الناس بالحرية.
الدكتور بلال:
لأنهم لم يروا مصداقية في سلوكهم، الله تعالى عبر عن المعنى سيدي:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً ﴾
الدكتور راتب :في حياة كل إنسان ثلاث شخصيات :
الدكتور راتب :
كل إنسان بحياته ثلاث شخصيات، شخصية يكونها هو، بأفكاره، بمبادئه، بقيمه، بعاداته، بتقاليده، بطموحاته، بأخطائه، شخصية يكونها، وشخصية يتمنى أن يكونها، وشخصية يكره أن يكونها، فكل بطولة الداعية، والمربي، والأب، والأم، والمعلم، والمدرس، وأستاذ الجامعة، ومن الخفير للأمير، هذه الشخصية أن تكون من الشخصيات التي يتمنى الآخر أن يكونها، شخصية أتمنى أن أكونها، أو أكونها، أو أكره أن أكونها.
الدكتور بلال:
ويتمنى الابن أن يكون كالأب، أو يتمنى الطالب أن يكون كالمعلم.
الدكتور راتب :
الأب في البيت لم يخلع ثيابه أمام أولاده، لم يتكلم كلمة غير لائقة به، لم يتابع على الشاشة شيئاً لا يرضي الله، الابن يرى أباه منضبطاً في كلامه، وفي ثيابه، وفي علاقاته، يتعلم منه بلا تعليم، القدوة قبل الدعوة، القدوة وحدها تعلم.
الدكتور بلال:
وهو يحب والده، إذاً سيتمنى أن يكون هذه الشخصية، فسيكون على ما ينبغي.
هذه التربية بالقدوة سيدي، وبينتم القدوة قبل الدعوة، أيضاً هناك التربية بالعادة، أي أن يعوده.
2- التربية بالعادة :
الدكتور راتب :
أذكر مرة أن أباً من عادته أن يستيقظ قبل الفجر، يوقظ أهله، يصلون قيام الليل، ثم صلاة الفجر، ويجلس دقائق معدودة، يتكلم عن بعض الآيات، يقول لي أحد أولاده: هذه العادة التي ألفتها من أبي وأنا صغير استمرت معي حتى نهاية حياتي، إلى وقت متقدم من حياتي.
العادة مهمة جداً، أما العادات والتقاليد التي تتناقض مع الشرع فأنا أقول تجاوزاً تركل بالأقدام، عادات، هكذا ألفنا، من أنت؟ أنت مشرع؟
يقولون هذا عندنا غير جائزٍ فمن أنتم حتى يكونَ لكم عندُ؟
***
3- التربية بالحب :
الدكتور راتب :
يوجد تعليق موجز، املأ قلبه بإحسانك ليفتح لك عقله لبيانك. يا داود ذكر عبادي بإحساني إليهم، فإن النفوس جبلت على حب من أحسن إليها، وبغض من أساء إليها، أنا أذكر أن أخاً كريماً هو لم يكن ملتزماً إطلاقاً، ثم التزم، زوجته غير ملتزمة، أراد أن يطلقها، قلت له: أعوذ بالله! الله عز وجل صبر عليك ثلاثين عاماً حتى تبت إليه، اصبر عليها كما صبر عليك، والله أعطيته توجيهاً آخر أن يبالغ في إكرامها، أكرمها كثيراً، أقسم بالله فاجأته بعد ستة أشهر أنها محجبة حجاباً كاملاً.
املأ قلبه بإحسانك ليفتح لك عقله لبيانك.
الدكتور بلال:
سيدي كم من طفل يترك الخطأ خوفاً على مكانته عند والده؟ أي بالحب.
أنواع الخوف :
الدكتور راتب :
الحقيقة الخوف أنواع، أن تخاف من فلان، أو أن تخاف على مكانتك منه، هذا خوف راق جداً.
المؤمن عندما اتصل بالله عز وجل شعر بسعادة كبيرة، شعر بطمانينة، شعر براحة، شعر بتوفيق، شعر بأشياء كثيرة، والآن يخاف من المعصية لا خوفاً من الله أن يعاقبه بل خوفاً أن تنقطع هذه الصلة بالله، كلما كان العطاء من الله كبيراً يكون الخوف من نوع آخر، تخاف أن تنقطع هذه الصلة، أن ينقطع هذا التوفيق، أن ينقطع هذا الحب بينك وبين الله.
الدكتور بلال:
بعض الأطفال سيدي من عتاب والدهم أو كما تفضلتم يخاف على صلته بأبيه- ولله المثل الأعلى- فيترك شيئاً نهاه عنه.
الدكتور راتب :
أنا أقول للآباء أحياناً كلاماً أرجو أن يكون دقيقاً وواضحاً: يجب أن تعامل ابنك معاملة بحيث لو أعرضت عنه فقط لا ينام الليل، قبل التوبيخ، قبل العقاب، قبل الضرب، بحيث لو أعرضت عنه، بابا دعني وشأني، هذه الكلمة لا ينام الليل، كلما كان الإحسان كبيراً كان الشوق إلى طاعة الأب أكبر.
الدكتور بلال:
سيدي، أيضاً من وسائل التربية: التربية بالملاحظة، أن يلاحظ، أن يتابع.
عمر بن أبي سلمة كان صغيراً، وكانت يده تطيش في الصفحة، فالنبي صلى الله عليه وسلم لاحظ ذلك.
4- التربية بالملاحظة :
الدكتور راتب :
قال له:
((كُل بيمينك وكل مما يليك))
لا يوجد مانع أبداً، الحقيقة أن العلاقات أنواع، القدوة علاقة، والإحسان علاقة، والتوجيه علاقة، والتأنيب علاقة، والملاحظة علاقة، أي يا بني الأصول، الأدب، السنة، الشرع، العمل الكامل أن تأكل مما يليك.(( كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَمَسؤْولٌ عن رَعِيَّتِهِ ))
أيضاً سيدي من وسائل التربية بالموعظة، أن يعظه، وهذا أمر يحتاج إلى تفصيل.﴿ وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ ﴾
فالموعظة مهمة جداً في التربية.5- التربية بالموعظة :
الدكتور راتب :
لكن الموعظة تحتاج إلى حكمة، إلى دقة، إلى حسن ظن، إلى كياسة، ليست سهلة.
﴿ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً ﴾
فالموعظة ضرورية أحياناً، الحقيقة عندنا هدف كبير، له وسائل كثيرة، الموعظة أحد هذه الوسائل، القدوة وسيلة، التحبب وسيلة، الإكرام وسيلة، الطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق، وكل موقف له وسيلة مناسبة له.خاتمة و توديع :
الدكتور بلال:
جزاكم الله خيراً سيدي، وأحسن إليكم.
أخوتي الأكارم، أخواتي الكريمات؛ في نهاية هذا اللقاء أرجو الله تعالى أن تكونوا قد أفدتم مما تفضل به شيخنا، وأن ينقلب واقعاً في حياتنا.
إلى الملتقى أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته