وضع داكن
24-04-2024
Logo
برنامج تحية الإفطار - الحلقة : 28 - أمانة النفس ومن أداها وصل للفلاح.
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد، وعلى آله بيته الطيّبين الطاهرين، وعلى أصحابه الغر الميامين، أمناء دعوته، وقادة ألوِيَتِه، وارضَ عنّا وعنهم يا ربّ العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وُحول الشهوات إلى جنّات القربات.

النفس إن عرفت ربها سمت و ارتفعت :

 أيها الأخوة الكرم؛ آية دقيقة جداً جامعة مانعة، قال تعالى:

﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ﴾

[ سورة الأحزاب : 72 ]

 ما الأمانة؟ الأمانة أن تتسلم من الله إدارة نفسك، والدليل قال تعالى:

﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا ﴾

[ سورة الشمس:9]

 عرفها بربها، عرفها بمنهج ربها، عرفت ربها بخلقه، وأطاعته بمنهجه، هذه النفس إن عرفت ربها سمت وارتفعت، وكانت أسعد مخلوق في الأرض، ابن آدم اطلبني تجدني، فإذا وجدتني وجدت كل شيء، ما من مخلوقٍ يعتصم بي من دون خلقي أعرف ذلك من نيَّته، فتكيده أهل السماوات والأرض إلا جعلت له من بين ذلك مخرجاً، وما من مخلوقٍ يعتصم بمخلوقٍ دوني أعرف ذلك من نيَّته، إلا جعلت الأرض هوياً تحت قدميه، وقطَّعت أسباب السماء بين يديه.
 لذلك الحق هو الله، أسماؤه حسنى، صفاته علا، إن أقبلت عليه سلمت وسعدت، وإن أعرضت عنه هلكت وشقيت إلى أبد الآبدين.

أعظم تجارة هي التجارة مع الله عز وجل :

 لذلك الله عز وجل عرض الأمانة علينا أن نتسلم إدارة أنفسنا ونفلح، والفلاح شيء عظيم، الفلاح متعدد، تفلح بحياتك الخاصة، بحياتك الأسرية، تفلح في حياتك، تفلح في مجتمعك، تفلح في حرفتك تختارها صالحة، تفلح في زواجك، في تربية أولادك، في علاقتك بمن حولك، تفلح في وطنك، في بلدك، الفلاح نجاح شمولي، نجاح مع الله معرفة وعبادة وطاعة وتقرباً، نجاح في أسرتك، تحسن اختيار الزوجة، تربي الأولاد تربية صالحة، لذلك قال تعالى:

﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ ﴾

[ سورة الطور: 21 ]

 أي ألحقنا بهم أعمال ذريتهم، والله أيها الأخوة ما من تجارة أعظم من أن تتاجر مع الله، لو ربيت أولادك، أولادك جميعاً كل أعمالهم الصالحة، كل تفوقهم في صحيفتك، قال تعالى:

﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ﴾

[ سورة الطور: 21 ]

 لذلك أنت مكلف أن تحفظ أمانة التكليف، كلفك أن تعرفه، وكلفك أن تعرف منهجه، وكلفك أن تطيعه، أن تتقرب إليه، وأن تحسن إلى خلقه، عندئذ تكون قد حققت هذه الأمانة، والخيانة شيء عظيم، أن تخون الله ورسوله، إن دعوت إلى غيره، إن أشركت معه، أخوف ما أخاف على أمتي الشرك الخفي، عندنا شرك جلي واضح للعيان أن تعبد غير الله، من يعبد بوذا مثلاً هذا شرك جلي، أما أخوف ما أخاف على أمتي فالشرك الخفي، أما إني لست أقول إنكم تعبدون صنماً ولا حجراً، ولكن شهوة خفية وأعمال لغير الله.

ضرورة تطبيق منهج الله التفصيلي :

 أنت تقول في الصلاة: الله أكبر، في العيد الله أكبر، في الصلاة الله أكبر، فإذا خضعت إلى رغبة لا ترضي الله ما قلت: الله أكبر ولا مرة ولو رددتها بلسانك ألف مرة، القضية لا قضية مظاهر، الإنسان أحياناً يضع في بيته آية الكرسي، شيء رائع جداً، لكن هذه الآية تقتضي أن يكون البيت إسلامياً في الدخل، وفي الإنفاق، وفي العلاقات الاجتماعية، وفي الحفلات، وفي السهرات، لا بد من تطبيق منهج الله التفصيلي، هذا المنهج التفصيلي يبدأ من أخص خصوصيات الإنسان من فراش الزوجية وينتهي بالعلاقات الدولية، منهج تفصيلي كامل، أما إذا توهمنا أن هذا المنهج هو العبادات الشعائرية فهذا خطأ كبير، أنت تأتي إلى المسجد كي تتلقى تعليمات الصانع من خلال خطبة الجمعة، أو من خلال ندوة تراها في بعض وسائل الإعلام، أنت بهذا تتلقى تعليمات الصانع، تعود إلى المسجد لتقبض الثمن، ثمن طاعتك، ثمن قربك، ثمن إخلاصك، ثمن خدمتك لمن حولك، ثمن أن تكون زوجاً صالحاً، أو ابناً صالحاً، أو صديقاً صالحاً، فأنت في المسجد تتلقى التعليمات وتقبض الثمن.
 الدين أين هو؟ في بيتك، في عيادتك، في مكتب المحاماة، في تجارتك، في السوق في البيع والشراء، لذلك:

(( فإنما تُرزقُونَ وتُنصرون بضعفائكم ))

[أبو داود والترمذي والنسائي عن أبي الدرداء]

 البطولة أن تطبق منهج الله في بيتك، وفي عملك، أنت مسؤول عن ثلاث دوائر، مسؤول عن نفسك أولاً هل عرفتها بربها؟ هل حملتها على طاعته؟ هل أحسنت إلى خلقه؟ هل كنت زوجاً صالحاً؟ أباً صالحاً؟ ابناً صالحاً؟ رفيقاً صالحاً؟ صديقاً صالحاً؟ فإن عرفتها بربها وحملتها على طاعته انعقدت لك مع الله صلة، هذه الصلة أجمل ما في الدين، أن تتصل بالرحيم:

(( إن كنتم تحبون رحمتي فارحموا خلقي ))

[ الديلمي عن أبي بكر]

 أن تتصل بالعليم، ما اتخذ الله ولياً جاهلاً لو اتخذه لعلمه، أن تتصل باللطيف، هناك تلطف بحياتك، كمال رائع جداً، هذا الكمال يشع حولك، فيجذب من حولك إليك، أولياء أمتي إذا رؤوا ذكر الله بهم.

أمانة التبيين :

 لذلك أنت عندك أمانة هي أمانة التبيين، سمعت درس علم في مسجد، سمعت تفسير آية من عالم انقلها لزوجتك، أمانة التبليغ للأنبياء، التبيين للعلماء، الآن النقل لمن حولك، هناك أمانات كثيرة في أعناقك، فكلما أديت هذه الأمانات ارتقيت عند رب الأرض والسماوات، وحجم الإنسان عند الله بحجم عمله الصالح، والدليل أن علة وجودنا في الدنيا العمل الصالح، قال تعالى:

﴿ رَبِّ ارْجِعُونِ* لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ﴾

[ سورة المؤمنون: 99-100]

 العمل الصالح علة وجودنا، والعمل الصالح هو الذي يشفع لك عند الله، قال تعالى:

﴿ وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا ﴾

[ سورة الأنعام: 132]

 وهذا العمل الصالح لا يقبل إلا بشرطين، أن يكون خالصاً وصواباً؛ خالصاً ما ابتغي به وجه الله، وصواباً ما وافق السنة، أما العلماء فمهمتهم التبيين، أن تبين للناس ما نزل إليهم، الأنبياء التبليغ، العلماء التبيين، أما الأقوياء فإقامة العدل بين الناس، يا أبا ذر إنك ضعيف، لذلك لا بد من أن تبلغ هذه الرسالة، وأنت مطالب بمعرفة الله أولاً، وطاعته ثانياً، والإقبال عليه ثالثاً، ثم أن يعم خيرك كل من حولك حتى تستحق جنة الله عز وجل، وأن تكون عند الله من المرضيين، وأن تكون فالحاً، والفلاح - كما قلنا قبل حين- نجاح شمولي، نجاح مع الله، نجاح مع خلقه، مع أسرتك، مع أولادك، مع من فوقك، بالوقوف بقوة أمام حقك، وأمام حق الآخرين، نجاح مع الضعفاء:

(( فإنما تُرزقُونَ وتُنصرون بضعفائكم ))

[أبو داود والترمذي والنسائي عن أبي الدرداء]

 هذا الضعيف إن أطعمته إن كان جائعاً، كسوته إن كان عارياً، علمته إن كان جاهلاً، قربته إن كان بعيداً، يتفضل الله عليك بمكافأة من جنس عملك، ينصرك على من هو أقوى منك.

الدعاء :

 أرجو الله عز وجل أن يحفظ إيمانكم جميعاً، وأهلكم، وأولادكم، وصحتكم، ومالك، وبلادكم.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور