وضع داكن
28-03-2024
Logo
الخطبة : 1059 - مناسك الحج ـ ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الخــطــبـة الأولــى :

الحمد لله نحمده، ونستعين به، ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقراراً بربوبيته، وإرغاماً لمن جحد به وكفر، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله، سيد الخلق والبشر، ما اتصلت عين بنظر، أو سمعت أذن بخبر، اللهم صلِ وسلم، وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه، وعلى ذريته ومن والاه، ومن تبعه إلى يوم الدين، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، و اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.

تعظيم شعائر الله :

أيها الإخوة الكرام، يؤدي الحاج في الحج مناسك الحج في المشاعر المقدسة، وينبغي أن ينتاب الحاج مشاعر مقدسة في المشاعر المقدسة، قال تعالى:

﴿ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (32) ﴾

( سورة الحج )

 

العلماء قالوا: أداء الشعيرة شيء، وتعظيمها شيء آخر، فأيّ إنسان وقف في عرفات فقد أدى الشعيرة، ومَن بات في مزدلفة قد أدى الشعيرة، ومَن طاف طواف القدوم قد أدى الشعيرة، لكن الله عز وجل ينتظر منا فضلاً عن تأدية الشعائر تعظيم هذه الشعائر، من تعظيمها أن يؤديها الحاج كما فعلها النبي عليه الصلاة والسلام، من تعظيمها أن يؤديها الحاج على شوق وطيب نفس، لا على تأفف وتململ، ومن تعظيم الشعائر أن يؤديها الحاج، ويتمنى أن يؤديها مرات ومرات، ومن وقف في عرفات ولم يغلب على ظنه أن الله قد غفر له فلا حج له، لبيت ربك جل وعلا، وآثرت أن تزوره في بيته حاجاً على كل ما في بلدتك من بيت وعمل، وزوجة وأولاد، ومكانة ورتبة، وقلت: لبيك اللهم لبيك، وفي الخطبة السابقة كان موضوع الخطبة معنى: لبيك اللهم لبيك، لذلك من علامة قبول الحاج عند الله عز وجل أن يؤدي هذه المناسك معظِّماً لها، متمنياً أن يعيدها مرات ومرات، ولسان كل حاج وهو يودّع بيت الله يقول: يا رب، لا تجعل هذه الحجة آخر عهدي في البيت.
إن المشاعر التي يشعر بها الحاج وهو في المشاعر المقدسة هي بوتقة ينصهر فيها قلب المؤمن حتى يتخلص من أدرانها، عوداً به إلى يوم ولدته أمه، فَعَن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:

 

(( مَنْ حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ ))

[ متفق عليه ]

نقي القلب، صافي النفس، تلك هي الغاية الكبرى من الحج، وحينما اصطفى الله هذه الأماكن المقدسة بالصفاء ينتظر منا أن ينسحب هذا الصفاء على بيتك، وعلى عملك، وعلى حياتك المقبلة.
الله عز وجل يقول:

 

﴿ جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (97) ﴾

( سورة المائدة )

 

العبادات في الإسلام معلَّلة بمصالح الخَلق :

أيها الإخوة الكرام، بالمناسبة، العبادات في الإسلام معللة بمصالح الخلق، ما الفرق بين العبادة والطقس ؟

 

في الأديان الوضعية هناك طقوس لا معنى لها، حركات وسكنات وإيماءات وتمتمات لا تعني شيئاً، لكن العبادات في الإسلام معللة بمصالح الخلق.

 

1 – الصلاة:

﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ (45) ﴾

( سورة العنكبوت)

هذه علة الصلاة:

 

2 – الصيام:

﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) ﴾

(سورة البقرة)

هذا الصيام.

3 – الزكاة:

 

﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ (103) ﴾

( سورة التوبة)

4 – الحجُّ:

أما الحج الله عز وجل يقول:

﴿ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ (97) ﴾

( سورة المائدة)

وكأن هذه الفقرة من تلك الآية هي علة الحج، وحينما تعلم أن الله يعلم، ومن لوازم علمه أنه سيحاسب، ومن لوازم محاسبته أنه سيعاقب وصلت إلى كل شيء، حينما توقن أنه مستحيل وألف ألف مستحيل أن تعصيه وتربح، أو أن تعصيه وتخسر، حينما توقن ذلك عندئذ تستقيم على أمره.
مِن أدقِّ ما قاله المفسرون حول هذه الآية: إن المسلم بحج بيت الله الحرام وتعظيم شعائر الله، وعقد العزم على طاعة الله، واتباع سنة نبيه تقوم وتتحقق مصالح المسلم في الدنيا والآخرة، وعندئذ تتوقف المعالجة، قال تعالى:

 

﴿ مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ ﴾

( سورة النساء الآية: 174 )

دققوا، هذا الكون هو الثابت الأول، سخره الله لنا تسخير تعريف وتكريم، رد فعل التعريف أن تؤمن، ورد فعل التكريم أن تشكر، فإذا آمنت، وشكرت فقد حققت الهدف من وجودك:

 

﴿ مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ ﴾

( سورة النساء الآية: 174 )

 

من شعائر الحج :

1 – لباس الإحرام:

يخلع الحاج ملابسه المخيطة والمحيطة لماذا ؟ لأن ملابسه بشكل أو بآخر تعبر عن دنياه، الغني له ملابس غالية جداً، والعسكري له ملابس وأوسمة ونجوم ورتب، وكل إنسان له لباس قد يؤكد انتماءه لوطن، أو لقوم أو لحقبة تاريخية، أو لمستوى اقتصادي، أو لمستوى علمي، وهناك لباس خاص مدرسي للجامعة، ولباس خاص للقضاة، الإنسان باللباس يؤكد مرتبته العلمية، الاقتصادية، الأممية، القومية، الوطنية، فحينما يخلع الحاج هذه اللباس فقد خلع قناعاً مزيفاً:

(( النَّاسُ كُلُّهُمْ بَنُو آدَمَ، وَآدَمُ خُلِقَ مِنْ تُرَابٍ ))

[ الترمذي ]

هذا اللباس أيها الإخوة يعبر عن حجمه المالي، وعن مرتبته الاجتماعية، وعن مرتبته الوظيفية، بل عن درجته العلمية والدينية أحياناً، فهناك ثياب يرتديها رجال الدين، هذه الملابس المخيطة والمحيطة تعبر عن نوع انتمائه إلى أمة، إلى شعب، إلى قبيلة، إلى عشيرة، فلو بقي المسلم بلباسه لبقي ملتصقاً بدنياه أو بقبيلته، أو بطبقته أو بمن على شاكلته، لكن الإسلام لحكمة كبيرة شرع اللون الواحد، والتصميم الواحد، حتى تختفي الهوية الشخصية، والهوية الشخصية قناع مزيف،

(( النَّاسُ كُلُّهُمْ بَنُو آدَمَ، وَآدَمُ خُلِقَ مِنْ تُرَابٍ ))

ويبدو البشر كياناً واحداً، ومِن ثم تتعامل معهم بدافع إنساني خالص بعد أن ذابت الفروق الطبقية، والهويات الإقليمية، والانتماءات المتعددة، ليبرز هذا اللباس معنىً واحداً، هو الإنسان على فطرته السليمة في مواجهة خالقه الواحد الديان، ملك، رئيس جمهورية، وزير، خفير، قوي، ضعيف،

(( النَّاسُ كُلُّهُمْ بَنُو آدَمَ، وَآدَمُ خُلِقَ مِنْ تُرَابٍ ))

والإنسان بهذه الثياب البسيطة يخلع أكبر قناع يوهمه أنه ذو شأن بين الناس، ويرتدي ثوب الإحرام الموحد.

 

 

2 – عدمُ الإيذاء مطلقًا:

بعد ذلك يدخل في أفق الممنوعات، الممنوعات في باطنه، ممنوع أن يفكر في شيء يؤذي الحرم، قال تعالى:

﴿وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (25)﴾

( سورة الحج )

في باطنه ممنوع أن يفكر في شيء يؤذي الحرم، ومع الناس:

 

﴿ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ (197) ﴾

( سورة البقرة )

ومع الحيوان فلا يصطاد ولا يقتل، ومع النبات فلا يقطع، ومع الحجر فلا يكسر ولا يقتلع، هذه الممنوعات التي هي من لوازم الإحرام ليكون الحج سلاماً دائماً، قال تعالى:

 

﴿ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (96) فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (97)﴾

( سورة آل عمران )

إن الحاج أيها الإخوة يحظر عليه لبس المخيط من الثياب، ويحظر عليه التطيب بكل أنواع الطيب، ويحظر عليه الحلق والتقصير، ويحظر عليه المتع التي أبيحت له خارج الحج، كل ذلك ـ دققوا ـ ليحكم اتصاله بالله، ويسعد بقربه وحده بعيداً عن كل مداخلة من متع الأرض.
قد يكون بيت إنسان فخما، ودخله كبيرا، وأولاده أمامه، يقول لك: أنا سعيد بالله، قد يكون واهما، هو سعيد بهذا البيت، وبهؤلاء الأولاد، وبهذا الدخل، أما لحكمة بالغة منع الله عنك في الحج كل المتع الأرضية، فإذا سعدت وأنت ترتدي ثياب الإحرام بعيداً عن أهلك، بعيداً عن الطيب، بعيداً عن الحلق والتقصير، بعيداً عن كل متع الأرض، فقد جمّد الله لك المتع الحسية لتشعر أنك سعيد جداً بالله عز وجل، فالذي يسعد في حر شديد، وفي ازدحام لا يحتمل، وممنوع عليه أن يقص شعره، وأن يقلم أظافره، وأن يتطيب، وهو ممنوع من كل شيء عدا الطعام والشراب، معنى ذلك أن الله ثبت جميع المتع الحسية التي توهمك أنك في سعادة مع الله، وحرك شيئاً واحداً، هو القرب من الله.
أيها الإخوة الكرام، الحج من أرقى هذه العبادات، فهو يعني خروج العبد من مراده إلى مراد ربه، وهذا يبدو جلياً واضحاً في هذه العبادة الرائعة.
أيها الإخوة الكرام، شيء آخر، يتساءل بعضهم: هل مع هذا التسليم المطلق بحكمة ما أمرنا به إعمال للعقل ؟ الجواب لا، لأن العقل لن يكون حكَماً على النقل، ولكنه مسموح للعقل أن يفهم حكمة النقل، والذي أفعله الآن أحاول أن أفهم حكمة النقل، مسموح للعقل أن يطير في المجال الجوي الإسلامي، مسموح له أن يسبح في المياه الإقليمية الإسلامية، مسموح له أن يسبح ولا يشطح.

 

3 – يوم عرفة يومٌ عظيم:

يوم عرفة من الأيام الفضلى تجاب فيه الدعوات للحاج ولغير الحاج في بلده، يوم عرفة أعظم يوم في حياتك، سواء أكنت حاجاً أو مقيماً، تجاب فيه الدعوات ـ تقال فيه العثرات، يباهي الله فيه الملائكة بأهل عرفات، وهو يوم عظم الله أمره، ورفع على الأيام قدره، هو يوم إكمال الدين وإتمام النعمة، هو يوم مغفرة الذنوب، يوم العتق من النار، إنه يوم اللقاء الأكبر بين العبد المنيب المشتاق والرب الرحيم التواب، بين هذا الإنسان الحادث الفاني المحدود الصغير والخالق المطلق الأزلي الباقي الكبير، عندها ينطلق الإنسان من حدود ذاته الصغيرة إلى رحاب الكون الكبير، من حدود قوته الهزيلة إلى الطاقات الكونية العظيمة، من حدود عمره القصير إلى امتداد الآباد التي لا يعلمها إلا الله، يوم عرفة يوم المعرفة، يوم عرفة يوم المغفرة، يوم عرفة يوم تتنزل فيه الرحمات على العباد من خالق الأرض والسماوات، من هنا قيل: مَن وقف في عرفات ولم يغلب على ظنه أن الله غفر له فلا حج له.
هذا الكلام للحجاج ولغير الحجاج، لا يحرم المسلم الذي لم يتح له أن يحج البيت من عطاء الله في هذه المناسبة، هذه الأيام العشر التي نحن فيها هي أفضل أيام العام على الإطلاق، أيام ذكر وتسبيح ودعاء، وصوم وعبادة، وقيام ليل، لأن الله جعل هذه الأيام أفضل أيام العمر، وجعل ليلة القدر أفضل ليلة على الإطلاق، وجعل يوم عرفة أعظم الأيام على الإطلاق.

يومُ عرفة من أعظمِ الأيام :

عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(( مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ ))

[ البخاري والترمذي، واللفظ للترمذي ]

إن لم تكن تعرف الله لا تجاهد، متى تجاهد ؟ متى تجاهد نفسك أولاً ؟ إن عرفته، متى تمتنع عن شيء حرمه الله ؟ إذا عرفته، متى تقبل على عمل صالح ؟ إذا عرفته، متى تنتهي عما عنه نهاك ؟ إذا عرفته.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

((إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَيُبَاهِي الْمَلَائِكَةَ بِأَهْلِ عَرَفَاتٍ، يَقُولُ: انْظُرُوا إِلَى عِبَادِي شُعْثًا غُبْرًا ))

[ أحمد ]

أحياناً يتمنى الحاج الغني أن يقيم في فندق بخمس نجوم، فيه الرفاه والأناقة والجمال، والغرفة الجميلة، والمرافق الرائعة، هذه تعيدك إلى بلدتك، وتبعدك عن بيت الله الحرام، الحج هو العج الثج، فقد أرادك الله أن تتعب، وأن تعرق، وأن تتضايق من الزحام من أجل الواحد الديان، أرادك الله أن تجهد نفسك في سبيل مرضاة الله:

(( فيقول: انظروا إلى عبادي، جاءوا شعثا غبرا ضاحين، جاءوا من كل فج عميق، يرجون رحمتي، ولم يروا عذابي، فلم ير يوم أكثر عتيقا من النار من يوم عرفة ))

[ الترغيب والترهيب بسند ضعيف عن جابر ]

عن أنس رضي الله عنه قال: وقف النبي عليه الصلاة والسلام بعرفات وقد كادت الشمس أن تغيب، فقال:

(( يا بلال، أنصت لي الناس، فقام بلال، وقال: أنصتوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنصت الناس، فقال عليه الصلاة والسلام: معشر الناس، أتاني جبريل آنفاً فأقرأني من ربي السلام، وقال: إن الله عز وجل غفر لأهل عرفات، وأهل المشعر الحرام، وضمن عنهم التبعات، فقام عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: يا رسول الله، هذه لنا خاصة نحن أصحابك ؟ قال: هذه لكم ولمن أتى من بعدكم إلى يوم القيامة، فقال عمر رضي الله عنه: كثر خير ربنا وفاض ))

[ الترغيب والترهيب بسند صحيح ]

قَالَتْ عَائِشَةُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

(( مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فِيهِ عَبْدًا مِنْ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمْ الْمَلَائِكَةَ فَيَقُولُ: مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ ؟ ))

[ مسلم ]

انظروا إلى عبادي شعثاً غبراً، اشهدوا أنني غفرت لهم.
أيها الإخوة الكرام، إن الله يغفر للحاج، ومبالغة في إكرامه يلقي في روعه أنه قد غفر له، فتعود مطمئناً، وقد أزيحت عنك هموم كالجبال، يلقي في روعه أنه قد غفر له، لذلك يشعر الحاج الصادق بأنه عاد من ذنوبه كيوم ولدته أمه.
عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ كَرِيزٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

(( مَا رُئِيَ الشَّيْطَانُ يَوْمًا هُوَ فِيهِ أَصْغَرُ، وَلَا أَدْحَرُ، وَلَا أَحْقَرُ، وَلَا أَغْيَظُ مِنْهُ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ، وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِمَا رَأَى مِنْ تَنَزُّلِ الرَّحْمَةِ، وَتَجَاوُزِ اللَّهِ عَنْ الذُّنُوبِ الْعِظَامِ، إِلَّا مَا أُرِيَ يَوْمَ بَدْرٍ، قِيلَ: وَمَا رَأَى يَوْمَ بَدْرٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ: أَمَا إِنَّهُ قَدْ رَأَى جِبْرِيلَ يَزَعُ الْمَلَائِكَةَ ))

[ أخرجه مالك في الموطأ ]

روى الإمام أحمد والترمذي عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

(( خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ))

[ الترمذي ]

أيها الإخوة الكرام، ما من معنى يحتاجه المسلمون كمعنى التوحيد، فعلى الشبكية، وبحسب النظرة السريعة والمتعجلة أن هناك في الأرض طغاة يريدون أن ينهوا الإسلام، أن يستأصلوا شأفة المسلمين، أن يبيدوا المسلمين، ولكن المؤمن الموحد لا تهتز في جسمه شعرة، لأنه يعلم علم اليقين أن الأمر بيد الله، يقرأ قوله تعالى فيرتجف قلبه:

 

﴿ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ (10) ﴾

( سورة الفتح )

﴿وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ (59)﴾

( سورة الأنفال )

﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ (42)﴾

( سورة إبراهيم)

أعيد الدعاء لأهميته:

(( خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ))

قال عبد الله بن المبارك: جئت إلى سفيان الثوري عشية يوم عرفة وهو جاث على ركبتيه، وعيناه تذرفان بالدموع، فالتفت إلي، فقلت له: " مَن أسوءُ هذا الجمع حالاً ؟ قال: الذي ظن أن الله لن يغفر له ".
أربعة ملايين حاج، مَن أسوء هذا الجمع حالاً ؟ قال: الذي ظن أن الله لن يغفر له.
ما هذه العبادة ؟ كل ما تراكم عليك من ذنوب فيما بينك وعلام الغيوب ترجع من الحج، وقد غفرت.

 

لابد من تأدية حقوق العباد فإنها لا تسقط إلا بالمسامحة :

أما أن تتوهموا أن الحقوق تلغى، لا والله، يغفر للشهيد كل ذنب إلا الدين، حقوق العبادة لا علاقة لها بهذه الخطبة إطلاقاً، حقوق العبادة مبنية على المشاححة، الشهيد الذي قدم أثمن ما يملك حياته، يغفر للشهيد كل ذنب إلا الدين.
عَنْ جَابِرٍ قَالَ: تُوُفِّيَ رَجُلٌ فَغَسَّلْنَاهُ، وَحَنَّطْنَاهُ، وَكَفَّنَّاهُ، ثُمَّ أَتَيْنَا بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي عَلَيْهِ، فَقُلْنَا: تُصَلِّي عَلَيْهِ، فَخَطَا خُطًى، ثُمَّ قَالَ:

(( أَعَلَيْهِ دَيْنٌ ؟ قُلْنَا: دِينَارَانِ، فَانْصَرَفَ، فَتَحَمَّلَهُمَا أَبُو قَتَادَةَ، فَأَتَيْنَاهُ، فَقَالَ أَبُو قَتَادَةَ: الدِّينَارَانِ عَلَيَّ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أُحِقَّ الْغَرِيمُ، وَبَرِئَ مِنْهُمَا الْمَيِّتُ ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَصَلَّى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ بِيَوْمٍ: مَا فَعَلَ الدِّينَارَانِ ؟ فَقَالَ: إِنَّمَا مَاتَ أَمْسِ، قَالَ: فَعَادَ إِلَيْهِ مِنْ الْغَدِ، فَقَالَ: لَقَدْ قَضَيْتُهُمَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْآنَ بَرَدَتْ عَلَيْهِ جِلْدُهُ ))

[ أحمد ]

بعد أن أدي الدين لم يبترد جلده بالضمان بل بالأداء، فإياكم، ثم إياكم، ثم إياكم أن توهموا أن صوم رمضان يلغي الحقوق والذمم وأن حج بيت الله الحرام يلغي الحقوق والذمم، هذه لا تغفر إلا بالأداء أو المسامحة لكن الذي نتحدث عنه أنه من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر الله له ما تقدم من ذنبه وأن من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه، هذا متعلق بالذنوب التي بينك وبين الله.

 

موقف عرفات تذكير بالرحلة الأخيرة إلى الله :

أيها الإخوة، موقف عجيب في عرفات يغطيه نبات بشري مختلف ألوانه، أغصانه تلك الأيدي المرفوعة بالدعاء إلى رب الأرض والسماء، يرى الحاج بين يديه صورة مصغرة للمحشر العظيم يوم القيامة، وعليه أن يستعد له منذ الآن، لأن رحلة الحج يعود منها الإنسان إلى وطنه، ولكن المحشر العظيم يوم القيامة لا يعود منه الإنسان إلى وطنه، رحلة وقد تعود من الحج، أما الرحلة الأخيرة فهي ذهاب بلا عودة، أساساً في بعض الدول التي يحرص الناس على أن يقيموا بها حينما يكتب على جواز سفرهم مغادرة بلا عودة ينخلع قلبه، أما الموت فمغادرة بلا عودة، والإنسان يدخل بيته كل يوم ويخرج، يخرج ليعود، ويخرج بشكل عامودي، ويعود بشكل عامودي، أما مرة واحدة يخرج في نعش، ولا يعود، تقام التعزية في البيت، بيت فخم، مَن اختار البلاط ؟ مَن في القبر، من اختار هذه اللوحات، يقول لك: هذه ثمنها ثمانمئة ألف، من اختار هذه الثريات ؟ من اختار هذه التزيينات ؟ من اشترى هذا الأثاث ؟ من في القبر، لذلك حينما نقرأ النعي لا ننتبه إلى بعض كلماته، وسيشيع إلى مثواه، ما البطولة ؟ أن لا تعتني بالمثوى المؤقت، هو مثوىً مؤقت، لكن البطولة أن تعتني بالمثوى الأخير، دخلوا على أبي عبيدة بن الجراح وهو أمين هذه الأمة، وكان قائد الجيوش في الشام، صعقوا، غرفته فيها جلد غزال، يجلس عليه، وقِدر ماء مغطى برغيف خبز، وسيف معلق، قالوا: ما هذا يا أبا عبيدة ؟ قال: هذا للدنيا، وعلى الدنيا كثير، ألا يبلغنا المقيل ؟
أن تستغرق بالرفاه، ثم تشعر بدنو الأجل، إنها مصيبة لا تعدلها مصيبة.
سمعتُ فيما سمعت أن رجلاً اعتنى بالبيت عناية تفوق حد الخيال، بذل ملايين، ثم جاءته أزمة قلبية، زاره صديق لي، قال له: أنا سأموت من الألم، قال له: لماذا ؟ قال: أنا بعد أن أموت زوجته ستجد لنفسها عريسا يتمتع بالبيت، وأنا تعبت فيه، شيء مؤلم جداً، بناء ببعض أحياء دمشق الغالية جداً فيه سبعة بيوت فوق بعضها، ما سكنها أصحابها أبداً، اشتروها، وكسوها أعلى كسوة، لكن ما سكنوها، أين بطولتك ؟ أن تعد للدار الآخرة، وأعقلُ إنسان، وأذكى إنسان، والإنسان الفالح العاقل الذكي المتفوق يعد لهذه الساعة، وقد يكون القبر قصراً، وقد يكون القبر روضة من رياض الجنة، وا كربتاه يا أبت، قال: لا كرب على أبيك بعد اليوم، غداً نلقى الأحبة، محمداً وصحبه.

لابد من الحج الصحيح بالقلب والبدن :

أيها الإخوة الكرام، لا يعقل ولا يقبل أن تؤدى هذه العبادة الجليلة بعيداً عن مقاصدها وثمارها، لا يعقل ولا يقبل أن يعود الحاج من أداء هذه الفريضة كما ذهب، لا يعقل ولا يقبل أن يوجد الحاج في المشاعر المقدسة دون أن يشعر بأية مشاعر مقدسة.
والله أيها الإخوة الكرام، نزور حجاجا كثيرين، والله يمضي ساعة في الحديث عن الحج، يحدثك عن كل شيء إلا عن الحج، أين سكن، الطيارة، البيت، الماء البارد، الجسور، كل شيء يتكلم عنه، وأنت تطوف بماذا شعرت ؟ وأنت في السعي، وأنت بعرفات، هذه مشكلة كبيرة، لذلك ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام: حجوا قبل ألا تحجوا، أي حجوا حجاً صحيحاً قبل أن يحج الناس للرياء والسمعة، لا يعقل ولا يقبل أن يتحرى الحاج سنة أو مستحباً، ويرتكب من أجلها معصية أو كبيرة، ترى التدافع على الحجر الأسود.
مرة رأيت امرأة خرجت من محاولتها تقبيل الحجر من دون شيء على رأسها من شدة التزاحم، أين الفقه ؟ لا يعقل ولا يقبل أن يحدثك الحاج عن كل شيء في الحج إلا عن الحج، لا يعقل ولا يقبل أن يرمي الحاج الجمرات تعبيراً عن معاداته للشيطان، ويعود إلى بلده ليكون ألعوبة بيد الشيطان، قال الإمام الغزالي: " إذا عاد الحاج إلى بلده، وعاد إلى ما كان عليه من معاص وآثام يكون الشيطان قد رجمه في الحج ".
لا يعقل ولا يقبل أن يقتصر أمر الله في هذه الفريضة على أن يأتي الحاج من بلاد بعيدة ليجلس في المشاعر المقدسة ليأكل، وينام، ويتكلم في شؤون الدنيا، إن أمر الله في هذه العبادة ليس كذلك، هو أعظم وأجل من أن يكون كذلك، أن تأتي إليه من بلاد بعيدة لتحقق وجودك المادي في مكان ما، وتمضي هذا الوقت في غير ما أمرت به، ليس هذا المستوى من الحج هو الذي تقوم به مصالح المسلمين.

الترغيب في المسارعة إلى الحج والعمرة :

أيها الإخوة الكرام، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(( تَعَجَّلُوا إِلَى الْحَجِّ، يَعْنِي الْفَرِيضَةَ، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي مَا يَعْرِضُ لَهُ ))

[ أحمد ]

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(( تَابِعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، فَإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الْفَقْرَ وَالذُّنُوبَ كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَلَيْسَ لِلْحَجَّةِ الْمَبْرُورَةِ ثَوَابٌ إِلَّا الْجَنَّةُ ))
[ الترمذي ]

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ:

(( الْحُجَّاجُ وَالْعُمَّارُ وَفْدُ اللَّهِ، إِنْ دَعَوْهُ أَجَابَهُمْ، وَإِنْ اسْتَغْفَرُوهُ غَفَرَ لَهُمْ ))

[ النسائي بسند حسن ]

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

(( جِهَادُ الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ وَالضَّعِيفِ وَالْمَرْأَةِ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ ))

[ النسائي، أحمد ]

ويا أيها الإخوة الكرام، هذا بعض ما ينبغي أن يعرفه المسلم عن الحج، وأسأل الله لكم ولي حجاً مبروراً وسعياً مشكوراً وذنباً مغفوراً.

 

أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه يغفر لكم، فيا فوز المستغفرين، أستغفر الله.

* * *

الخــطــبـة الثانية :

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله صاحب الخلق العظيم، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أضحية العيد :

1 – حُكم أضحية العيد:

أيها الإخوة الكرام، الأضحية، شعيرة من شعائر المسلمين في عيد الأضحى المبارك، مشروعيتها أن الإمام أحمد وابن ماجة رويا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(( مَنْ وَجَدَ سَعَةً فَلَمْ يُضَحِّ فَلَا يَقْرَبَنَّ مُصَلَّانَا ))

وقد استنبط أبو حنيفة رحمه الله تعالى من هذا الحديث أنها واجبة، فمثل هذا الوعيد لا يلحق بترك غير واجب، وفوق السنة المؤكدة واجب، بين السنة المؤكدة والفرض،

(( مَنْ وَجَدَ سَعَةً فَلَمْ يُضَحِّ فَلَا يَقْرَبَنَّ مُصَلَّانَا ))

وقال غير الأحناف: إنها سنة مؤكدة هي واجبة مرة في كل عام عن المسلم الحر البالغ العاقل المقيم الموسر، فلا تجب على العبد، ولا تجب على الصغير، ولا تجب على المجنون، ولا تجب على المسافر، ولا تجب على الفقير.
عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

(( مَا عَمِلَ آدَمِيٌّ مِنْ عَمَلٍ يَوْمَ النَّحْرِ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ مِنْ إِهْرَاقِ الدَّمِ، إِنَّهَا لَتَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقُرُونِهَا وَأَشْعَارِهَا وَأَظْلَافِهَا، وَأَنَّ الدَّمَ لَيَقَعُ مِنْ اللَّهِ بِمَكَانٍ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ مِنْ الْأَرْضِ، فَطِيبُوا بِهَا نَفْسًا ))

[ أخرجه الترمذي [

عَنْ أَنَسٍ قَالَ:

(( ضَحَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ، ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ، وَسَمَّى، وَكَبَّرَ، وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا ))

[ متفق عليه ]

2 – الحكمةُ من الأضحية:

وحكمتها أن المسلم الموسر يعبر بها عن شكره لله تعالى على نعمه المتعددة:
منها نعمة الهدى، هذه أكبر نعمة.
ومنها نعمة البقاء على قيد الحياة من عام إلى عام، وفي الحديث عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ أَنَّ أَعْرَابِيًّا قَالَ:

(( يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ خَيْرُ النَّاسِ ؟ قَالَ: مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَحَسُنَ عَمَلُهُ ))

[ الترمذي ]

ومنها نعمة السلامة والصحة.
ومنها نعمة التوسعة في الرزق، وهو فضلاً عن ذلك تكفير لما وقع من الذنوب وتوسعة على أسرة المضحي وأقربائه وأصدقائه وجيرانه وفقراء المسلمين.

 

3 – شروط وجوبها:

من شروط وجوبها اليسار الغنى، الموسر هو مالك نصاب الزكاة زائداً على حاجاته الأساسية، أو هو الذي لا يحتاج إلى ثمن الأضحية أيام العيد فقط، أو هو الذي لا يحتاج إلى ثمن الأضحية خلال العام كله، على اختلاف بين المذاهب في تحديد معنى الموسر.

4 – شروط صحة الأضحية:

وينبغي أن يكون الحيوان المضحى به سليماً من العيوب الفاحشة التي تودي إلى نقص في لحم الذبيحة، أو تضر بآكلها، فلا يجوز أن يضحي بالدابة البين مرضها، ولا العوراء، ولا العرجاء، ولا العجفاء، ولا الجرباء، ويستحب في الأضحية أسمنها وأحسنها، كان عليه الصلاة والسلام يضحي بالكبش الأبيض الأقرن.

5 – وقت نحر الأضحية:

وقت نحر الأضحية بعد صلاة عيد الأضحى، وحتى قبيل غروب شمس اليوم الثالث من أيام العيد، على أن أفضل الأوقات هو اليوم الأول ما بعد صلاة عيد الأضحى، وقبل زوال الشمس.

6 – أنواع الأضحية التي تصح للذبح في العيد:

يكره تنزيهاً الذبح ليلاً، ولا تصح الأضحية إلا من النعم من الإبل والبقر والغنم، من ضأن ومعز، بشرط أن يتم الضأن ستة أشهر، وأن تتم المعز سنة كاملة عند بعض الأئمة.

7 – كم أضحية يذبح المسلم ؟

ويجزئ المسلم أن يضحي بشاة عنه، دققوا، وعن أهل بيته جميعاً المقيمين، زوجة وأربعة أولاد وثلاث بنات، هذه الأضحية عنهم جميعاً، والذين ينفق عليهم، والدته عنده، وأخته عنده، هم جميعاً مشتركون في الأجر، هذا عمل جماعي.

8 – مندوبات الأضحية:

ومن مندوبات الأضحية أن يتوجه المضحي نحو القبلة، وأن يباشر الذبح بنفسه إن قدر عليه، وأن يقول: بسم الله، والله أكبر، اللهم هذا منك وإليك، اللهم تقبل مني، ومن أهل بيتي، وله أن يوكّل غيره، وعندها يستحب أن يحضر أضحيته، لقول النبي عليه الصلاة والسلام لفاطمة:

(( قومي إلى أضحيتك فاشهديها، فإنه يغفر لك عند كل أول قطرة دم من دمها ))

[ الترغيب والترهيب بسند فيه ضعف ]

9 – ماذا يفعل المسلم بلحم الأضحية ؟

ويستحب أن يوزعها أثلاثاً، فيأكل هو وأهل بيته الثلث، ويهدي لأقربائه، ولو كانوا أغنياء الثلث، ولأصدقائه وجيرانه، ثم يتصدق بالثلث الأخير على الفقراء والمسلمين، لقوله تعالى:

﴿ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ (36) ﴾

( سورة الحج )

قال تعالى:

﴿ وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (36) لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ (37) ﴾

( سورة الحج )

الدعاء :

اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت، فإنك تقضي بالحق، ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، ولك الحمد على ما قضيت، نستغفرك و نتوب إليك، اللهم اهدنا لصالح الأعمال لا يهدي لصالحها إلا أنت، اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، مولانا رب العالمين، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك، اللهم بفضلك ورحمتك أعل كلمة الحق والدين، وانصر الإسلام، وأعز المسلمين، وأذل الشرك والمشركين، خذ بيد ولاة المسلمين لما تحب وترضى يا رب العالمين، إنك على ما تشاء قدير، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، لا تأخذنا بالسنين، ولا تعاملنا بفعل المسيئين يا رب العالمين، اللهم اسقنا الغيث، ولا تجعلنا من القانطين، اللهم اسقنا الغيث، ولا تجعلنا من القانطين، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أعل كلمة الحق والدين، وانصر الإسلام، وأعز المسلمين، وأذل الشرك والمشركين، دمر أعداءك أعداء الدين اجعل تدميرهم في تدبيرهم، اجعل الدائرة تدور عليهم يا رب العالمين، انصر عبادك المؤمنين في مشارق الأرض ومغاربها، وفي شمالها وجنوبها، إنك على ما تشاء قدير، وبالإجابة جدير.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور