وضع داكن
25-04-2024
Logo
برنامج بيت المسلم – الحلقة : 14 - التربية الأخلاقية2 - القدوة بالأخلاق - الصدق - الأمانة - العفة.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

الدكتور بلال:
 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد صاحب الخلق العظيم، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
 أخوتي الأكارم، أخواتي الكريمات؛ أينما كنتم أسعد الله أوقاتكم بكل خير، نحن معاً في مستهل حلقة جديدة من: "بيت المسلم" .
 دخلنا إلى بيت المسلم بمعية شيخنا الدكتور محمد راتب النابلسي السلام عليكم سيدي.
الدكتور راتب :
 عليكم السلام ورحمة الله وبركاته، ونفع بكم.
الدكتور بلال:
 ونفع بكم سيدي، سيدي نتحدث اليوم، وما زلنا في التربية الأخلاقية، تربية الأولاد تربية أخلاقية، نتابع الحديث في التربية الأخلاقية، أشرتم إشارة سريعة في اللقاء السابق إلى قضية القدوة في الأخلاق، لكن أريد أن أركز عليها قليلاً لأن الأخلاق أشد ما تتمثل في الواقع وليس في السطور وفي الكتب، فما علاقة القدوة بالأخلاق؟

علاقة القدوة بالأخلاق :

الدكتور راتب :
 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
 الحقيقة أن الإنسان له لسان ينطق، وله أعضاء تتحرك، ولغة العمل أبلغ من لغة القول، والناس يتعلمون بعيونهم لا بآذانهم، إذا كان الابن قد رأى أباه لا يبدل ثيابه أمامه، بل في غرفة النوم، و لا يتكلم كلمة نابية في البيت، و لا يتابع شيئاً على الشاشة لا يرضي الله، هذا الأب المستقيم لو لم يتكلم بكلمة واحدة توجيهية لأولاده يحملهم على طاعة الله، فالقدوة قبل الدعوة، الإنسان يقنع إذا رأى الفضيلة تتحرك.
 قيل: إن القرآن كون صامت، والقرآن كون ناطق- دقق الآن- والنبي الكريم قرآن يمشي.
 وأنا أرى - وأرجو أن أكون على صواب- ما لم يرَ المسلمون اليوم إسلاماً يمشي أمامهم، إن تحدث فهو صادق، إن وعد فهو أمين، إن استثيرت شهوته فهو عفيف، هذا المسلم المستقيم هو أكبر داعية للإسلام، والحقيقة الدعوة بالقدوة أبلغ بكثير من الدعوة بالكلمة.
الدكتور بلال:
 إذاً يفترض بالمربين، بالآباء، بالأمهات، أن يكونوا أخلاقيين في واقعهم، في سلوكهم، حتى يقتدي بهم أبناؤهم.
الدكتور راتب :
 أخلاقيتهم أبلغ من أقوالهم، بيت منضبط، لا يوجد به كلمة فاحشة، ولا برنامج على الشاشة لا يرضي الله، ولا تصرف عنيف، ولا تفلت من الثياب، هناك الكثير من البيوت مثلاً أخت كبيرة ثيابها متفلتة أمام أخيها، يغيب عن الناس أحياناً أن على المرأة أن تكون أمام المحارم بثياب الخدمة، و ثياب الخدمة شرحها العلماء؛ قبة مرتفعة، الأكمام إلى النصف، وتحت الركبة، هذه ثياب الخدمة، تقول: أخي، وإذا أخوك؟ هذا تفلت غير مقبول إطلاقاً، عندنا ثياب الخدمة للمحارم، الزوج موضوع ثان، أما المحارم فلا بد من ثياب الخدمة، إذا بيت فيه حشمة، فيه أدب، لا يوجد به كلام بذيء، و لا أغاني تملأ الفضاء، ولا برامج لا ترضي الله، هذا البيت المنضبط وحده قدوة، وحدة دعوة، وحدة رسالة.
الدكتور بلال:
 سيدي، كأني تلمست من كلامكم أنكم وضعتم يدكم على رؤوس الأخلاق، قلتم إن تحدث فهو صادق، إن عاملك فهو أمين، وإن استثيرت شهوته فهو عفيف.
 والآن أنطلق من هذه المقولة إلى التطبيق العملي للتربية الأخلاقية، بالصدق، بالأمانة، بالعفة، أي أهم ما يربى عليه الابن هو الصدق والأمانة والعفة.

أركان الأخلاق :

الدكتور راتب :
 الإنسان تكلم، أربعة أخماس حياته كلام، فهو صادق، ما روى حديثاً كاذباً، ما فبرك - المصطلح الشائك- قصة ليس لها أصل، ما ادعى شيئاً ليس له، ما أنكر شيئاً لغيره، فهو صادق، عاملك ما كذب عليك برأس المال فهو أمين، قال لك: هذا برأس ماله، و كلامه صحيح، عندما حدثك فهو صادق، وعندما عاملك فهو أمين، الآن استثيرت شهوته فهو عفيف، صدق بالكلام، أمانة بالمعاملة، عفة بالشهوة، هذه كأنها أركان الأخلاق.
الدكتور بلال:
 سيدي لو بدأنا بالصدق، لماذا يكذب الأولاد، ظاهرة الكذب عند الأطفال؟

الكذب عند الأطفال :

الدكتور راتب :
 أنا لي رأي أرجو أن يكون مقبولاً؛ جميع أخطاء الأولاد بسبب الآباء والمعلمين معاً، فإذا كان هناك قسوة بالغة من الأب لابد أن يكون هناك كذب، مثلاً آنية انكسرت، والله بابا أنا انكسرت معي، خير إن شاء الله، بابا هذه ثمنها مرتفع انتبه في المرة الثانية، فقط، أما ضرب مبرح الآن سيكذب مرة ثانية، فالقسوة بالمعاملة تولد الكذب أحياناً، فكأن الأب حمل ابنه على أن يكذب لقسوته عليه.
الدكتور بلال:
 إذاً أهم سبب في الكذب هو قسوة الأب.
الدكتور راتب :
 القسوة مرفوضة كلياً، لأن كل شيء يمكن أن يأتي بثمرة إلا القسوة لها ثمار عكسية.
الدكتور بلال:

((ما كان الرفق في شيء قط إلا زأنه))

[الترمذي وابن ماجه والإمام أحمد عن أنس بن مالك]

الدكتور راتب :
 فالأب القاسي يحترم بوجوده، لكن بغيابه يوجد تفلت كبير، إذا سافر تفلت أكبر.
الدكتور بلال:
 سيدي وقد قيل: علموا ولا تعنفوا، فإن المعلم خير من المعنف.
الدكتور راتب :
 أعتقد أن العنف لا يلد إلا العنف، والعنف له آثار خطيرة جداً على شخصية الابن، لأن الضرب المبرح يكسر كرامته، والضرب على الوجه أيضاً له أثر خطير جداً، اتقوا الوجه.
الدكتور بلال:
 وحتى الكلام الجارح.
الدكتور راتب :
 لا يوجد كلام جارح، ولا ضرب على الوجه، ولا تعنيف لا يحتمل، لكن حينما يربي الأب ابنه تربية عالية، يكفيه إن أخطأ ابنه أن يعرض عنه قليلاً، فكلما ضعف الحب لابد من الضرب، لذلك من أطاع عصاك فقد عصاك.
الدكتور بلال:
 سيدي إذاً الكذب كما تفضلتم، لن نتحدث بالتفاصيل لأنها طويلة، لكن تحدثتم عن السبب الأهم القسوة المفرطة تؤدي إلى كذب الأولاد.
الدكتور راتب :
 أي لو كان الابن صدق بخطأ ما وجد عقوبة قاسية، وجد نصيحة حامية، لا يكذب.
الدكتور بلال:
 يتعلم عدم الكذب، الجانب الآخر من الأخلاق كما قلتم الأمانة، بعض الأطفال أثناء العمر الصغير يحب التملك لا تسمى سرقة يأخذ شيئاً ليس له.

 

تعليم الأطفال الأمانة :

الدكتور راتب :
 أنا أعترض على أن تسمي طفلاً أخذ مبلغاً من جيب أبيه ليشتري حلوى، هذه ليست سرقة أبداً، حسن ظن بالأب، لا أسميها سرقة، لا تعط العمل الطفيف المبني على البراءة اسم جريمة، هذه غلط كبير.
الدكتور بلال:
 يوجهه فقط.
الدكتور راتب :
 هذا الشيء لا يجوز بابا، لو استأذنت أعطيك ما تشاء.
 أنا مرة اجتهدت اجتهاداً أضع في مكان مالاً منوعاً، خذ وسجل، فالابن ارتاح جداً، يوجد مبلغ جيد، مقسم إلى أجزاء، وهناك دفتر، خذ قدر ما تريد وسجل، عندما شعر أنه متاح له أن يأخذ ما يشاء فهو ضبط نفسه ضبطاً ذاتياً، المنع يعمل رغبة بالمخالفة، أما إذا كان الشيء ميسوراً، يوجد مال في مكان معروف، ومنوع، وهناك دفتر وقلم، اكتب، أخذت هذا المبلغ، أنا لي ثقة بك، أنت بحاجة أمن حاجتك بهذا المبلغ.
الدكتور بلال:
 إذا شب الابن أكبر بقليل كما قلنا سيدي وتفضلتم لا يسمى سرقة، لكن إذا شب قليلاً ولمحنا بدأ ربما يأخذ شيئاً ليس له هل هناك مشكلة في البيت؟
الدكتور راتب :
 قالوا: لاعبه سبعاً، وأدبه سبعاً، وراقبه سبعاً، ثم اتخذه صديقاً لك، قاعدة مهمة جداً، بالبداية ملاعبة فقط، تربية باللعب، بعد السابعة صار عنده وعي، صار عنده مبادئ وقيم، هذه حرام، هذه لا تجوز، هذه الحاجة ليست لك، وأدبه سبعاً، ثم راقبه، صار مراهقاً، إن عاملته كطفل لا يتحمل، وإن وثقت به كرجل لا يحقق لك طموحك، فيحتاج إلى مراقبة، ثم اتخذه صديقاً مدى الحياة.
الدكتور بلال:
 أحياناً سيدي لا تكون الحاجات مؤمنة بالبيت بشكل كاف فيلجأ الأطفال إلى أخذ ما ليس لهم.
الدكتور راتب :
 أنا لي اجتهاد أرجو أن يكون مقبولاً عند الأخوة المشاهدين، الأب الذي يعمل بجهد كبير ليؤمن لأولاده حاجاتهم الأساسية، وبعض الثانوية، له أجر كبير، والله هو في عبادة، بأعلى درجة من العبادة.
الدكتور بلال:
 متى تكون الحرفة عبادة سيدي؟

الحرفة عبادة إن كانت مشروعة و سلك بها الطرق المشروعة :

الدكتور راتب :
 الحرفة عبادة إن كانت في الأصل مشروعة، ليس ملهى، تجارة، وسلك بها الطرق المشروعة، لم يأخذ قرضاً ربوياً، لم يستدن بالتقسيط الربوي، فهي بالأصل مشروعة، بيع أقمشة مثلاً، سلك بها الطرق المشروعة، وابتغى منها كفاية نفسه، ومن حوله، وخدمة المسلمين، ولم تحمله على معصية، أو تهاون بأوامر الشرع، انقلبت إلى عبادة.
 لذلك قالوا: عادات المؤمن عبادات، وعبادات المنافق سيئات، عبادات المؤمن أي اشترى بيتاً، وتزوج، وأسس البيت، وأحضر طعاماً لأولاده، وكساء، وأخذهم نزهة، وأعطاهم شيئاً من حاجاتهم الثانوية، بعض الألعاب، هذه عند الله عبادة، هذه العبادة التعاملية.
الدكتور بلال:
 إذاً يمكن أن نحصن الطفل من ألا يأخذ ما ليس له في المدرسة، أو من بيت الجيران، عن طريق كفايته، هذا أهم شيء.

تحصين الطفل عن طريق كفايته :

الدكتور راتب :
 بالشيء المعقول، أنا أستخدم كلمة معقول أي وسط، لست مكلفاً أن تعطيه ما يتمنى، أو ما يشتهي، ولا أن تحرمه من حاجاته الأساسية، أما بحاجة إلى لعبة، اللعبة عند الطفل شيء كبير جداً، يحتاج إلى لعبة، الآن يحتاج إلى كمبيوتر صغير، لا يوجد مانع.
الدكتور بلال:
 بشرط ضبطه طبعاً، أليس الفقر، أحياناً عائلة فقيرة لا تستطيع تأمين قوت أولادها، متى يعذر الفقير بفقره، ومتى لا يعذر؟

أنواع الفقر :

الدكتور راتب :
 والله عندما يكون عندنا فقر الكسل نحن عندنا ثلاثة أنواع من الفقر، فقر لسيدنا الصديق، ماذا أبقيت يا أبا بكر؟ قال: الله ورسوله، هذا اسمه فقر الإنفاق، بطولة، بطولة كبيرة جداً، وعندنا فقر الكسل، الكسول فقير، لا يوجد عنده رغبة ليعمل، دائماً يؤجل، يسوف، يسلم لغيره المهام، هذا فقر الكسل.
الدكتور بلال:
 هذا لا يعذر بفقره.
الدكتور راتب :
 غير معذور، هذا كسول، مذموم بفقره، أما فقر القدر معاق، فقر القدر معاق، الكسل مذموم، الإنفاق محمود.
الدكتور بلال:
 وينبغي أن يحرص الإنسان على كفاية نفسه وأهله.

 

حرص الإنسان على كفاية نفسه وأهله :

الدكتور راتب :
 أنا أقول: لا ينبغي، بل يجب، أبلغ من ينبغي.
الدكتور بلال:
 ليس الفقر مطلوباً شرعاً.
الدكتور راتب :
 أبداً ما قال ذلك، هذه الحياة الدنيا لمن؟ للمؤمن، إذا سكن ببيت صحي، وأتى لأولاده بطعام صحي، وكان الأثاث مقبولاً، للأولاد الذكور غرفة، وللإناث غرفة ثانية، هذا شرعي، وهذه كلها أوامر الشرع.

خاتمة و توديع :

الدكتور بلال:
 جزاكم الله سيدي وأحسن إليكم، ما زلنا في التربية الأخلاقية، وسنتابع الحديث عنها مستقبلاً إن شاء الله، وأحسن الله إليكم.
 أخوتي، أخواتي؛ لم يبقَ لنا في نهاية هذا اللقاء إلا أن نشكر لشيخنا توجيهاته التربوية القيّمة، وأن أشكر لكم حسن المتابعة، وأرجو الله تعالى أن ألقاكم دائماً على خير، أستودعكم الله.
 والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الاستماع للدرس

00:00/00:00

إخفاء الصور