وضع داكن
29-03-2024
Logo
برنامج بيت المسلم – الحلقة : 11 - تربية الأبناء1 - أهمية التربية والعوامل الفاعلة لها.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

الدكتور بلال:
  بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا الأمين وعلى آله وأصحابه أجمعين.
 أخوتي أخواتي؛ أينما كنتم أسعد الله أوقاتكم بالخير واليمن والبركات والطاعات، نحن معاً في حلقة جديدة من برنامجنا: "بيت المسلم" ندخل إلى هذا البيت، الذي نسأل الله أن يكون عامراً دائماً بذكر الله ومحبته، بمعية شيخنا الفاضل فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي، السلام عليكم سيدي.
الدكتور راتب :
 عليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبارك الله بكم.
الدكتور راتب :
 أكرمكم الله.
 سيدي بعدما أمضينا الحلقات السابقة بالحديث عن الزوج والزوجة، والبيت زوج وزوجة وأولاد.
 نبدأ اليوم الحديث عن الأولاد، الأولا في القرآن الكريم قرة العين، وهم البشرى، وهم هبة الله تعالى، يتحدث القرآن عنهم بشيء من الود، والحب.
 لذلك ندخل اليوم إن شاء الله إلى موضوع تربية الأولاد، لماذا كانت تربية الأولاد من الأهمية بمكان فيه كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؟

حرص الإنسان على سلامته و سعادته و استمرار وجوده :

الدكتور راتب :
 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم.
 الحقيقة أنه أريد أن أتحدث عن الحاجات التي تتسع لكل البشر، يوجد ثمانية مليارات إنسان، هل واحد من هؤلاء البشر جميعاً، من أي عرق، من أي جنس، من أي طائفة، من أي دينٍ لا يتمنى السلامة قطعاً من مرض؟ من قهر؟ من فقر؟ هل هناك شخص لا يتمنى السعادة؟ هل هناك إنسان لا يتمنى اتساعاً بالدخل أو بيتاً واسعاً أو زوجة صالحة أو أولاداً أبراراً؟ كلهم، هل هناك إنسان لا يتمنى الاستمرار؟ أن يعيش عمراً مطولاً؟ كلهم.
 الحقيقة الإنسان حريص على سلامته، السلامة تحقق بالاستقامة، بتطبيق تعليمات الصانع، والصانع الجهة الوحيدة الخبيرة فيما ينفعك أو يضرك أيها الإنسان، وسعادته بالاتصال بأصل الجمال، والكمال، والنوال، أما استمراره فهناك حاجة إلى السلامة بالاستقامة، وحاجة إلى السعادة بالاتصال بالله، وحاجة إلى الاستمرار، الأعمار تنهي حياة الإنسان، أما الإنسان فيستمر بأولاده، لذلك الحاجة إلى أولاد صالحين، هذه الحاجة تؤكد الحاجة الثالثة في الإنسان الاستمرار، لذلك لا يمكن أن ترى إنساناً سعيداً وأولاده أشقياء، مستحيل، هذا شيء يعد من البديهيات، فالإنسان يشقى بشقاء أولاده.
الدكتور بلال:
 هذه مقدمة رائعة سيدي، جزاكم الله خيراً، إذاً ابنك استمرار لك، تربيته هي الاستمرار، هل يمكن أن نستفيد بقضية التربية من اسم الله الرب، كيف نوفق بينهما؟

 

نظام الأبوة والبنوة في الحياة من آيات الله الدالة على عظمته :

الدكتور راتب :
 طبعاً الله الرب، أي مربّ، ولكرامة الإنسان عند الله أعطاه شيئاً من أسمائه، فالله مربّ، والإنسان يربي أولاده، والله كريم، والإنسان كلفه أن يكون كريماً، أن يتخلق بأخلاق الله، و هذه فيها أصل نصي صحيح، فالله مربّ، لكن كيف مربّ؟ جعل هذا الابن من أب، وأودع بالأب شيئاً فطرياً، أي أب مؤمن غير مؤمن، مستقيم غير مستقيم، غني أو فقير، مدني أو ريفي، أي أب في الأرض جبلت محبة أولاده في كيانه، هذه فطرة.
 فلذلك العناية بالأبناء هي في الحقيقة عناية بالذات، لأنه مستحيل أن يسعد الإنسان وابنه شقي، عندنا دليل قرآني لطيف جداً.

﴿ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى ﴾

[ سورة طه: 117]

الدكتور بلال:

﴿ يُخْرِجَنَّكُمَا ﴾

[ سورة طه: 117]

 آدم وزوجه حواء.
الدكتور راتب :
 أما:

﴿ فَتَشْقَى ﴾

[ سورة طه: 117]

 إشارة لطيفة إلى أن شقاء الزوجة شقاء حكمي للزوج، الآن يقاس عليها وشقاء الأولاد شقاء حكمي للأب والأم، فالإنسان إذا اعتنى بأولاده، يعتني بنفسه، إذا أسعدهم يسعد نفسه، إذا رفعهم إلى مقام عليّ، يرتقع معهم إلى مقام علي.
 وهناك ملمح لطيف جداً: لا يوجد إنسان إلا ويغار من إنسان آخر، كائناً من كان، حتى لو كان أخاه النسبي، إلا الأب مع أولاده، يتمنى أي أب في الأرض أن يكون ابنه فوقه في المكانة، والدخل، والعلم.
 هذه حالة لي أنا فهم خاص فيها، الله عز وجل غني عنا، لكنه يفرح بإيماننا، فكما أن الله عز وجل يفرح جعلنا من أب وأم يقربان معنى الذات الإلهية منا، كيف أن الله يفرح، هو غني عنا يفرح بهدايتنا.

(( لله أفرح بتوبة عبده من الضال الواجد، والعقيم الوالد، والظمآن الوارد))

[رواه السيوطي عن أنس]

 لذلك نحن من أب وأم، هذان الإنسانان الوحيدان في الأرض يتمنيان لنا السعادة فوق ما هي فيهم.
الدكتور بلال:
 وهذا سيدي يتصل في قسم الله تعالى في سورة البلد:

﴿ وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ ﴾

[ سورة البلد: 3]

الدكتور راتب :
 نعم، أي من آياته الدالة على عظمته نظام الأبوة والبنوة في الحياة.
الدكتور بلال:

﴿ وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ ﴾

[ سورة البلد: 3]

الدكتور راتب :
 كنت مرة في مستشفى- مستشفى أطفال - لفت نظري المتعلمة تبكي، وابنها على يديها، وغير المتعلمة، والمدنية، والقروية، والمثقفة، وغير المثقفة، والملتزمة، وغير الملتزمة، سبحان الله! أودع في قلوب الآباء والأمهات رغبة جامحة في إطعام أبنائهن، وإكسائهم، وسلامتهم.
الدكتور بلال:

﴿ وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ ﴾

[ سورة البلد: 3]

الدكتور راتب :
 إلا أن الأب المؤمن يضيف إلى هذه الحاجات أن يكون ابنه مؤمناً، مستقيماً مهتدياً.
الدكتور بلال:
 وهذا يقودنا سيدي أو يعيدنا إلى اسم الرب، الرب جل جلاله، هل يربي أجسامنا فقط؟

 

الرب يربي أجسامنا وأنفسنا :

الدكتور راتب :
 لا، يربي أجسامنا وأرواحنا، بالمفهوم المألوف، أجسامنا وأنفسنا.

﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ﴾

[ سورة الشمس: 7-8]

 وهذه الآية دقيقة جداً، أي من عظمة خلق الله في الإنسان أنه إذا أخطأ عنده كاشف ذاتي، إذا أخطأ نفسه المبرمجة برمجة رائعة جداً تكشف له خطأه.

﴿ فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا ﴾

[ سورة الشمس: 8]

 إذا فجرت، وتقواها إذا اتقت.
الدكتور بلال:
 ولم يودع فيها الفجور.
الدكتور راتب :
 لا، أعوذ بالله.
الدكتور بلال:
 معاذ الله.
الدكتور راتب :
 هذا شيء يتناقض مع وجود الله.
الدكتور بلال:
 لكن إذا فجرت تعلم أنها فجرت.
الدكتور راتب :
 وهناك معنى آخر؛ الفجور ليس له وجود حقيقي، ناتج عن بعد الإنسان عن الله عز وجل.
 إذا كانت السيارة غالية جداً، ووقعت في الوادي، إلى قعر الوادي، أصبحت بشكل لا يحتمل، هل هناك معمل صنعها هكذا؟ هذا السقوط، الشيء السلبي ليس له خالق، ليس موجوداً، ناتج عن عدم تطبيق التعليمات.
الدكتور بلال:
 إذاً سيدي الرب يربي أجسامنا وأنفسنا، وينبغي نحن إذا ربينا أولادنا أن نعتني بأجسادهم وبنفوسهم، وهذا ما سوف نتحدث عنه لاحقاً إن شاء الله.
 سيدي مع هذه الهجمة الشرسة المعلنة ضد الأسرة المسلمة والمسلمين، تقولون ما الورقة الرابحة اليوم بأيدينا؟

 

أولادنا هم الورقة الرابحة الوحيدة التي بقيت في أيدينا :

الدكتور راتب :
 والله أنا أقول: لم يبقَ في أيدي المسلمين من ورقة رابحة إلا أولادهم، هذا ابنك بإمكانك أن تربيه إسلامية، تربية أخلاقية، تربية إيمانية، تربية عملية، أن تجعل منه جيلاً آخر، هذه الورقة الرابحة الوحيدة التي بقيت في أيدينا، أولادنا.
الدكتور بلال:
 سيدي وقد جاء في الحديث:

((أفضل كسب الرجل ولده))

[الطبراني عن أبي بردة بن نيار]

الدكتور راتب :
 ترك عمارات، لو ترك ابناً غير مؤمن هذا كله يبيعه في القمار أحياناً، ترك ابناً مؤمناً، يعد هذا الابن المؤمن استمرار لوالديه، ما الدليل؟

﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ﴾

[ سورة الطور:21]

 العلماء قالوا: ألحقنا بهم أعمال ذريتهم، الحقيقة أكبر تجارة مع الله أن تربي أولادك، ابنك أعماله الصالحة طوال حياته في صحيفتك، وابن الابن وهكذا، لذلك:

﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ﴾

[ سورة الطور:21]

 أي ألحقنا بهم أعمال ذريتهم.
الدكتور بلال:

﴿ وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ ﴾

[ سورة يس:12]

 سيدي سابقاً في الجاهلية بعض قبائل العرب مثلما ذكر القرآن الكريم:

﴿ وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ ﴾

[ سورة التكوير: 8-9]

 كانوا يئدون البنات، اليوم إذا أب أهمل ابنته أو أهمل ابنه هو لم يقتله؟

 

إهمال تربية البنات يتحملها الأب و الأم :

الدكتور راتب :
 حينما توأد البنت مصيرها إلى الجنة، أما الأب الذي أفسد ابنته يوجد أثر دقيق جداً أتأثر به أنا كثيراً: تقف البنت وقد استحقت نار يوم القيامة، تقول: ياربي لا أدخل النار حتى أدخل أبي قبلي، لأنه كان هو السبب في دخولي النار.
 إذا الشخص لم ينتبه إلى بناته، لتربيتهم، لإيمانهم، لحجابهم، لتعريفهم بالله عز وجل، كل الأخطاء الناتجة عن بناته يتحملها في النهاية.
الدكتور بلال:

﴿ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ ﴾

[ سورة البقرة:191]

الدكتور راتب :
 أي هذه الموؤدة قتلت شهيدة، ذهبت إلى الجنة، أما التي ربيت وتفلتت بثيابها، ولم يعترض أبوها على ثيابها بل افتخر بجمالها، وتفلتها، وبأنها متحررة سوف يدفع الثمن باهظاً يوم القيامة.
الدكتور بلال:
 سيدي التربية هل تقع على عاتق الأب والأم فقط؟ أم من المسؤول عنها أيضاً في المجتمع؟

 

المنزل والمسجد والمجتمع والمدرسة أربع جهات مسؤولة عن التربية :

الدكتور راتب :
 والله التربية مفهوم واسع جداً، أنا لا أصدق أن جهة واحدة تُسأل عن التربية، التعليم له علاقة، الإعلام له علاقة، التفلت له علاقة، عدم مراعاة الجانب الشرعي في ثياب المرأة في بلاد معينة.
 بفرنسا مثلاً وضعت على رأسها قطعة قماش بدافع من دينها الأسلامي، فرنسا قامت ولم تقعد، هذا حجاب، أما حينما تغدو المرأة شبه عارية ولا كلمة، هذا تناقض، تناقض مريع لا يتحمل.
الدكتور بلال:
 هم قالوا سيدي: التربية أربعة ميمات؛ من المنزل والمسجد والمجتمع والمدرسة، ما أهمية المدرسة تحديداً في المعلم؟

الأم و الأب هما الجهة التربوية الأولى في حياة الإنسان :

الدكتور راتب :
 حقيقة لي رأي شخصي: الجهة التربوية الأولى في حياة الإنسان هي أمه وأبوه، فالأم والأب لو لم يتكلما كلمة، الأب مثلاً كذب على زوجته على مسمع من ابنته أو ابنه، علمهما الكذب، الأب عندما أخلف وعده، عندما بالغ بازدواج الشخصية أمام الناس شيء وكلامه رائع، وفي البيت كلامه شيء، فالحقيقة ما من داع أن يوجه الأب أحد حركاته، وسكناته، وغضبه، ورضاه، وهندامه، ولباسه، وشأنه الشخصي، تربيته الصامتة هذه أبلغ من التربية الناطقة.
الدكتور بلال:
 هذا المنزل، والمدرسة؟

المدرسة هي الجهة المسؤولة الثانية في التربية ثم المرجعية الدينية :

الدكتور راتب :
 الأن الجهة المسؤولة الثانية المدرسة، هذا المعلم، أي المعلم تولى نقل الطالب إلى مستوى تربوي أعلى.
 الثالثة: المرجعية الدينية، المشكلة الآن إذا الأم أقنعناها أن تترك البيت، وأن تهتم بشأنها الخاص، بمكانتها في الوظيفة على حساب أولادها، فأولادها تركوا للخادمة، فالمؤسسة الأولى القوية الناحجة الرائعة في التربية شُغلت عن أولادها، وإذا أعطينا المعلم أقل راتب في البلد، من يأتي إلينا؟ غير المتفوق، الذي أخفق في الحياة، الفاشل في حياته، هذا سيتولى تربية أولادك، وابنك أغلى شيء في حياتك، قد يتكلم بكلمة لا تليق، قد يدخن أمام الأولاد مثلاً، ثم المرجعية الدينية إذا حاربناها، فنحن الآن كأن هناك خطة عميقة جداً من طرف أعداء المسلمين، بإضعاف الأم المربية، بأن نقنعها أن تخرج من البيت، وإضعاف المعلم، وإضعاف الجهات الدينية.

خاتمة و توديع :

الدكتور بلال:
 المسجد والمنزل والمدرسة والمجتمع.
 بارك الله بكم سيدي، ونفع بكم، إن شاء الله في لقاءات قادمة نبدأ في الحديث عن تفاصيل هذه التربية، جزاك الله خيراً، وأحسن إليكم.
 أخوتي وأخواتي؛ لم يبقَ لي في نهاية هذا اللقاء إلا أن أشكر لكم حسن المتابعة سائلاً المولى جلّ جلاله أن نلتقيكم دائماً وأنتم على أحسن حال، إلى الملتقى الذي أستودعكم عند الله الذي لا تضيع ودائعه.
 والسلام عليكم ورحمه الله وبركاته

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

إخفاء الصور