2019-05-22
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد، وعلى آل بيته الطيّبين الطاهرين، وعلى صحابته الغر الميامين، أمناء دعوته، وقادة ألوِيَتِه، و ارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
العبادة علة وجود الإنسان في الدنيا :
أيها الأخوة المشاهدون؛ علة وجودنا في الدنيا العبادة، قال تعالى:
﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾
ومن أدق تعريفات العبادة هي طاعة، خضوع لمنهج الله، انصراف إلى أمره ونهيه، طاعة طوعية ما أرادها الله قسرية، لأن العبادة القسرية لا تسعد، ولا قيمة لها، ولا جدوى منها إطلاقاً، طاعة طوعية، بمحض اختيارك، برغبتك، بمبادرة منك، ممزوجة بمحبة قلبية.أنواع العبادة :
لذلك العبادة أنواع؛ هناك عبادة شعائرية، الصلاة والصوم و الحج والزكاة والشهادة، وقد تحدثنا عنها كثيراً، وعندنا عبادة أخرى عبادة الهوية، الغني عبادته الأولى إنفاق المال، وما جعل الله الغني غنياً إلا ليصل بماله إلى أعلى درجات الجنة، وما جعل الله القوي قوياً إلا ليصل بقوته إلى أعلى درجات الجنة، وما جعل الله العالم عالماً إلا ليصل بعلمه إلى أعلى درجات الجنة، لذلك إذا كان طريق القوة سالكاً وفق منهج الله يجب أن تكون قوياً، لأن خيارات القوي في العمل الصالح لا تعد ولا تحصى، ولأن علة وجودك في الدنيا العمل الصالح، إذاً العبادة الشعائرية كالصلاة والصيام والحج والزكاة هذه لا تصح ولا تقبل إلا إذا رافقتها عبادة تعاملية، التعاملية إن رافقت الشعائرية تقف ثمارها..
سيدنا جعفر رضي الله عنه حينما سأله النجاشي عن الإسلام، فقال:
(( .. كنا قوماً أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار...فكنا على ذلك، حتى بعث الله إلينا رسولاً منا نعرف نسبه، وصدقه، وأمانته، وعفافه...))
إن حدثنا فهو صادق، وإن عاملنا فهو أمين، وإن استثيرت شهوته فهو عفيف، ويأتي نسبه تاجاً على رأسه..(( ... فدعانا إلى الله لتوحيده، ولنعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا...))
دقق الآن بدأنا بالعبادة التعاملية غير الشعائرية:(( ... وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء ))
إذاً عبادات شعائرية، اتصال بالله، عبادات تعاملية هي ثمن الاتصال بالله، التعاملية ثمن والشعائرية نتيجة.العبادات التعاملية أصل في نجاح العبادة الشعائرية :
لذلك الإنسان إذا أحكم استقامته، وكان له عمل صالح، وعاش مع المؤمنين بحاضنة إيمانية، تنفيذاً لقوله تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾
﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا ﴾
معنى أغفلنا لا تعني إطلاقاً أننا جعلناه غافلاً بل وجدناه غافلاً، عاشرت القوم فما أجبنتهم أي ما وجدتهم جبناء، وعاشرت القوم فما أبخلتهم أي ما وجدتهم بخلاء، قال تعالى:﴿ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ﴾
لذلك عندنا عبادات شعائرية، مناسبات للاتصال بالله، ماذا نفهم من دخولك للمسجد؟ تدخل بيت الله كي تتلقى من خطيب المسجد أو من مدرس في المسجد أمر الله عز وجل، تتلقى تعاليم الله في المسجد، تدخله ثانية لتقبض الثمن في الصلاة، فأنت في المسجد تتقبل التعليمات، وتتقبل من الله المكافأة، لكن أين دينك؟ في بيتك، في السوق، في محلك التجاري، في بيعك، في شرائك، هذه العبادات التعاملية أصل في نجاح العبادة الشعائرية.الدعاء :
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، مولانا رب العالمين، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك.