وضع داكن
20-04-2024
Logo
برنامج تحية الإفطار - الحلقة : 14 - جنة الدنيا هي جنة القرب.
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا بما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

جنة الدنيا هي القرب من الله :

 أيها الأخوة الأكارم؛ أيها الأخوة الأحباب؛ في القرآن الكريم آية تلفت النظر، قال تعالى:

﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ﴾

[ سورة الرحمن : 46]

 و زوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين، قال تعالى:

﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ﴾

[ سورة الرحمن : 46]

 قال العلماء: جنة في الدنيا وجنة في الآخرة. بل قال بعضهم: لن ندخل جنة الآخرة إلا إذا ذقنا جنة الدنيا، ما جنة الدنيا؟ قرب من الله، قرب من الذات الكاملة، من أصل الجمال والكمال والنوال، فإذا كنت مع الله كان الله معك، إذا كنت مع الله كنت أسعد الناس، كنت موفقاً، كنت متطلعاً إلى حياة أفضل دائماً وأبداً، لذلك قال تعالى:

﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ﴾

[ سورة الرحمن : 46]

 جنة في الدنيا هي جنة القرب...

فـلو شاهدت عيناك من حسننــــا  الذي رأوه لما وليت عنــــــــــا لغـيرنـــا
ولو سمعت أذناك حسن خطابنا  خلعت عنك ثياب العجب وجئتنـــــــــــا
ولو ذقت مـن طعم المحبـــة ذرة  عذرت الذي أضحى قتيلاً بحبنـــــــــــا
ولو نسمت من قربنا لك نسمـة  لمــــت غريباً واشتيـــــــــاقاً لقربنـــــــــــا
ولو لاح مـن أنوارنا لك لائــــــح  تـــــــــــــــــركت جميع الكائنات لأجلنـا
* * *

 أنت مع من؟ مع خالق الأكوان، مع أصل الجمال والكمال والنوال، إذا كان الله معك فمن عليك؟ وإذا كان عليك فمن معك؟ لذلك قال بعض العلماء: مساكين أهل الدنيا... شفقة على حالهم، على سوء اختيارهم، أرادوا الدنيا ولم يعبؤوا بالآخرة، أرادوا جنة صغيرة طارئة مشحونة بالمتاعب والآلام، وتركوا جنة الآخرة، مساكين أهل الدنيا، جاؤوا إلى الدنيا وخرجوا منها ولم يذوقوا أطيب ما فيها، إن أجمل ما فيها القرب من الله عز وجل.
 لذلك قال أحدهم كلاماً رائعاً ودقيقاً: ماذا يفعل أعدائي بي؟ بستاني في صدري، جنتي معي، إن حبسوني فحبسي خلوة، وإن أبعدوني فإبعادي سياحة، وإن قتلوني فقتلي شهادة، فماذا يفعل أعدائي بي؟
 أنا أقول كلاماً لا أبالغ فيه: إن لم تقل ليس على وجه الأرض من هو أسعد مني إلا أن يكون أتقى مني هناك مشكلة في إيمانك مع الله. لذلك:

﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ﴾

[ سورة الرحمن : 46]

المؤمن دائماً في سعادة حقيقية :

 والله ملمح سريع أو حكاية سريعة، زرنا مريضاً في بلاد الشام، علمت من قبل أنه طريح الفراش، شلل رباعي لستة وثلاثين عاماً، والله أردت أنا وبعض العلماء أن نرفع من معنوياته، الذي لفت نظري وصدمني أنه هو من رفع معنوياتنا، فإذا عرفت الله عرفت كل شيء، وإن فاتتك هذه المعرفة فاتك كل شيء، إن رأيت هذا الذي أصابك من الرحيم، من الحكيم، من القدير، وفعل هذا امتحاناً لك، ليرفع مكانتك عنده، والآخرة هي الأصل، الآخرة فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، هذه الدنيا الفانية الطارئة مشحونة بالمتاعب، والآلام، مشحونة بالهموم والأحزان، إذا أقمت أمر الله في بيتك أولاً، وفي نفسك، وفي عملك، سلمت وسعدت، لذلك دائماً وأبداً المؤمن في سعادة حقيقية.

شروط اللذة :

 أما اللذة فهي شيء آخر، اللذة حسية تحتاج إلى ثلاثة شروط، ولحكمة بالغة ينقصنا أحد هذه الشروط دائماً، في البدايات شباب وصحة ووقت فراغ لكن لا يوجد مال، في منتصف الحياة يوجد مال وصحة لكن لا يوجد وقت، في النهاية عنده فراغ و مال لكن لا يوجد صحة، هكذا الدنيا سقفها منخفض جداً، الآخرة لا سقف لها، قال تعالى:

﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ﴾

[ سورة الرحمن : 46]

 لذلك هناك آلاف القصص تجد إنساناً يملك ملايين مملينة، بيل غيتس يملك ثلاثة وتسعين ملياراً، قال: هذا الرقم لا يعني عندي شيئاً..
 أبل سبعمئة مليار، هذا الرقم لا يعني عندي شيئاً .. ماذا نستنبط؟ هناك رزق وهناك كسب، الرزق المستهلكات، ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأبقيت، ثلثا الرزق مستهلك لا أثر له في المستقبل، أما الكسب فسوف تحاسب عليه درهماً درهماً، ولم تنتفع به، فالبطولة أن نهتم بأرزاقنا.

العمل الصالح علة وجودنا الأولى في الدنيا :

 البطولة أيضاً أن نهتم بأعمالنا الصالحة لأنها علة وجودنا، وغاية وجودنا، والدليل قال تعالى:

﴿ رَبِّ ارْجِعُونِ* لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا﴾

[ سورة المؤمنون : 99-100]

 لم يقل هذا الذي قال هذا: لعلي أبني بيتاً، أضيف طابقاً لبيت، أشتري مركبة أخرى، قال تعالى:

﴿ رَبِّ ارْجِعُونِ* لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا﴾

[ سورة المؤمنون : 99-100]

 وسمي العمل صالحاً لأنه يصلح للعرض على الله، مادام خالصاً وصواباً.
 لذلك أكاد أقول: إن العمل الصالح علة وجودنا الأولى في الدنيا، هذا العمل الصالح ثمن الجنة، ثمن جنة إلى أبد الآبدين، فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، ومغبون وغير عاقل الذي يؤثر الدنيا على الآخرة، هذه الدنيا طارئة، هي جيفة، جيفة زائلة، من رغب فيها ليس عاقلاً، ولا ذكياً، ولا متفوقاً، والدنيا ساعة اجعلها طاعة، والنفس طماعة عودها القناعة.

الدنيا حياة متدنية فيها متاعب و مشكلات :

 إذا رأيت الدنيا لا تنسى اسمها دنيا، حياة متدنية، فيها متاعب، فيها مشكلات، فيها أحياناً شقاء، فيها زواج غير ناجح، فيها تجارة كاسدة، فيها عدو قوي، فيها منغصات، فيها متاعب، هذه الدنيا لم يسمح ربنا لها أن تمد الإنسان بسعادة ثابتة، طبعاً مستحيل متنامية ولا ثابتة بل متناقصة، كل شيء قبل أن تبلغه له بريق، فإذا بلغته زال بريقه، دقق في شراء سيارة، في السكن في بيت، في الزواج، بأي شيء لم يكن من قبل كان متألقاً قبل بلوغه، فإذا بلغته انتهى تألقه، ما سمح الله للدنيا إذاً أن تمدك بسعادة مستمرة طبعاً مستحيل متنامية، لا مستمرة بل متناقصة، لذلك الإنسان إذا بلغ خريف العمر ولم يكن من أهل الجنة يشعر بآلام وكآبة لا يعلمها إلا الله، أما المؤمن كما قيل حينما يرى مقامه في الجنة فيقول: يا رب لم أر شراً قط، بينما الآخرون الذين تفلتوا، واتبعوا شهواتهم، ولم يعرفوا ربهم، يقولون: لم نر خيراً قط.
 أرجو الله أن يحفظ لنا إيماننا، وأهلنا، وأولادنا، وصحتنا، ومالنا، واستقرار بلادنا ...

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور