وضع داكن
26-04-2024
Logo
إذاعة القرآن الكريم - دار الفتوى : الإنسان والأمانة وخصائصها.
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

المذيع:
 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله الذي جعل العلم حياة للقلوب، وجعل العلماء آباء للأرواح، والصلاة والسلام على خير من طلع عليه الصباح، سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وأتباعه من أهل الفلاح.
 وبعد: أحييكم أخوة الإيمان في هذا اللقاء الفريد وأحيي ضيفنا، من هو عزيز على قلوبنا تعرفه أرواحنا، واعتادت على صوته أسماعنا، فضيلة الاستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الدكتور راتب :
 وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
المذيع:
 أهلاً وسهلاً بكم، نورتم، تساءلت بيني وبين نفسي كيف أغتنم لحظات من العمر مع الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي؟ وعن ماذا أسأله؟ ففتحت كتاب الله تعالى، وهُديت للمراد وخير ما نسأل عنه هو كتاب الله سبحانه وتعالى.
 فضيلة الدكتور في سورة الأنفال في الآية الرابعة والعشرين يقول الله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴾

[ سورة الأنفال: 24]

 ثم بعد آيتين يقول الله جل شأنه:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾

[ سورة الأنفال: 27]

 صدق الله العظيم.
 سؤالي لكم دكتور: هل بين الآيتين من تلازم؟

الفرق بين الفلاح و النجاح :

الدكتور راتب :
 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
 لابد من مقدمة مختصرة كي نلقي من خلالها ضوءاً على هذا السؤال الطيب.
 كان الله ولم يكن معه أحد، ثم خلق النفوس كلها في عالم الأزل، عندنا عالم الأزل، وعالم النفوس، ففي عالم الأزل قال تعالى:

﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ ﴾

[ سورة الأحزاب: 72 ]

 مفهوم الأمانة بالعلم السياقي أن تتسلم إدارة نفسك، وأنت عندئذٍ ترقى إلى أعلى عليين إذا زكيتها، ويسقط الإنسان إلى أسفل سافلين إن لم يزكها.

﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا ﴾

[ سورة الشمس: 9 ]

 أي عرفها بربها من خلال خلقه، وعرفها بمنهجه من خلال رسله، وطبق هذا المنهج، وتقرب إلى الله عز وجل، فسلم وسعد في الدنيا والآخرة.
 فلذلك الذي يلفت النظر لم يرد في القرآن كله كلمة نجاح، وردت كلمة فلاح، النجاح أحادي فقد تنجح في جمع المال، بيل غيتس يملك ثلاثة وتسعين ملياراً، جوبز يملك سبعمئة مليار، وقد تنجح في تسلم منصب، رئيس وزراء اليابان بقي بالمنصب سبعين سنة، وقد تنجح، وقد تنجح، أما الفلاح فشمولي، أن تنجح في معرفة الله، معرفةً، وطاعةً، وعبادةً، وتقرباً، وأن تنجح مع نفسك، عرفتها بالله، حملتها على طاعته، تقربت إليه، وفي بيتك، وفي عملك، فإذا نجحت مع الله معرفة وعبادة وطاعة وتقرباً، ومع نفسك عرفتها بربها، بمنهجه، افعل ولا تفعل، برسوله، وأقمت هذا الدين في بيتك، وفي عملك، فأنت من الفالحين، والفلاح شمولي، ولم ترد ولا مرة واحدة كلمة ناجحين، فالفلاح أرقى من النجاح.

طلب العلم فريضة على كل مسلم :

 الحقيقة أن هذا الدين مئات الموضوعات، بل ألوف الموضوعات، بل عشرات ألوف الموضوعات، هل يمكن أن أضغطه في كلمات؟
 كنت مرة في أمريكا دعاني أخ كريم لأرقى معمل سيارات، فقال لي الدليل: في هذه السيارة ثلاثمئة ألف قطعة، أنا كراكب سيارة أرى لها غلافاً معدنياً، ومحركاً، ومقاعد، ومقوداً، وعجلات، سبع قطع.
 فهل أستطيع أن أضغط الدين كله بكليات؟ الجواب: نعم، أولاً: الجانب العقدي، الأيديولوجيا، التصور، الفكر، المنطلقات النظرية، كلها مثل بعضها، جانب تصوري، جانب عقدي، جانب أيديولوجي، جانب فكري، إذاً لابد من طلب العلم، الدليل:

﴿ اقْرَأْ ﴾

[ سورة العلق: 1 ]

 أول كلمة، بأول آية، بأول سورة:

﴿ اقْرَأْ ﴾

[ سورة العلق: 1 ]

 لماذا؟ هذه الطاولة شيء جامد، لها طول، عرض، ارتفاع، وزن، حجم، النبات يزيد على الجماد بالنمو، والحيوان يزيد عليهما بالحركة، القطة تمشي، والإنسان يزيد على الجماد، والنبات، والحيوان، بقوة إدراكية أودعها الله فيه، هذه القوة الإدراكية تلبى بطلب العلم، فإن لم يطلب الإنسان العلم دقق فيما قال الله عنه:

﴿ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ ﴾

[ سورة النحل:21]

 نبضه ممتاز، ثمانون، ضغطه ممتاز 8 ـ 12، عند الله ميت.

﴿ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ ﴾

[ سورة المنافقون:4]

 آية ثانية، خشب، جماد.

﴿ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ ﴾

[ سورة الفرقان: 44]

 بهائم، وأقسى وصف:

﴿ كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً ﴾

[ سورة الجمعة: 5]

 فالإنسان إذا هبط عن مستوى إنسانيته إلى مستوى لا يليق به انتهى، لذلك لابد من طلب العلم، وخيارنا كبشر مع العلم ليس خيار وردة حمراء نزين بها صدورنا، خيار هواء نستنشقه، وإلا نفقد الحياة.
 فلابد من طلب العلم، وطلب العلم حتم واجب على كل مسلم، لكن هذا طلب العلم فيما يعلم بالضرورة، كلام دقيق جداً.
 هذا المظلي قد يجهل عدد حبال المظلة، وقد يجهل من أي مادة صنعت الحبال، وقد يجهل شكل المظلة، دائرية، بيضوية، مستطيلة، مربعة، وقد يجهل، وقد يجهل، إلا معلومة واحدة إذا جهلها نزل ميتاً، طريقة فتح المظلة.
 هذا سماه العلماء ما ينبغي أن يعلم بالضرورة، هذا يحتاجه كل إنسان، طبيب مهندس، محام، دكتور، غير متعلم، لابد منه.

عظمة هذا الدين أن أي إنسان يطبقه يقطف ثماره :

 لكن يوجد نقطة دقيقة جداً: عظمة هذا الدين أنه لمجرد أن تطبقه تقطف ثماره، كيف؟ مكيف جاء إنسان أُمي، لا يقرأ ولا يكتب، ضغط زر الفتح جاءه هواء بارد، يأتي شخص معه دكتوراه في التكييف، هذا أستاذ جامعة، يذكر التفاصيل، إلا أن عظمة هذا الدين أن الانتفاع به ليس أحد فروع العلم به، صدق، قطف ثمار الصدق، ما غش الناس، غض بصره عن النساء، أحسن لزوجته، لأولاده، هذا الدين ننتفع به كلياً عبادة إذا طبقناه، عن علم، أو عن غير علم، أما العلماء فيعلمون، الذي عنده إمكان أن يبين للطلاب آلية التكييف صار هذا أستاذ جامعة، فنحن عظمة هذا الدين أي إنسان طبقه تقليداً عن علم، أو عن غير علم قطف ثماره، من أجل العدل الإلهي.

الدعوة إلى الله فرض عين على كل مسلم :

 أما الدعوة إلى الله فهي فرض عين، وعلى كل من فهم شيئاً أن ينقله إلى من حوله، شخص حضر خطبة جمعة، تأثر تأثراً بالغاً بشرح آية، حدث بها زوجتك، أولادك، رفاقك، زملاءك، شركاءك بالعمل، هذه الدعوة كفرض عين في حدود ما تعلم ومع من تعرف، أما فرض الكفاية فتحتاج إلى تفرغ، وإلى تعمق، وإلى تبحر، هذا إذا قام به البعض سقط عن الكل.
 فأول شيء بالدين الأيديولوجيا، الفكر، العنصر الثاني الاستقامة، ما لم تستقم على أمر الله لن تقطف من ثمار الدين شيئاً، إطلاقاً، الاستقامة سلبية، تقول: أنا ما أكلت مالاً حراماً، أنا ما كذبت، أنا ما غششت، أنا ما أفسدت بين شخصين، لكن لا يكفي السلبيات، نحتاج إلى إيجابيات، أنفقت من مالي، من علمي، من خبرتي، من طاقتي، من جهدي، إذاً عندنا عمل صالح سلبي، وعمل صالح إيجابي عطاء.

نعمة الأمن لا تعدلها نعمة على الإطلاق :

 إذاً أول شيء الأيديولوجيا، المنطلق النظري، العقيدة، وثاني شيء الاستقامة وهي سلبية، وثالث شيء العمل الصالح وهو إيجابي، ورابع شيء إحكام الاتصال بالله.

﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ﴾

[ سورة الأنعام: 82 ]

 إنكم يا عبادي إن صليتم ذكرتموني، أما إذا ذكرتكم فأنا منحتكم نعمة لا يتمتع بها في الأرض إلا المؤمن.

﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ ﴾

[ سورة الأنعام: 81- 82 ]

 لو أن الله قال: أولئك الأمن لهم ولغيرهم، لهم الأمن فيها قصر وتخصيص.

﴿ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾

[ سورة الأنعام: 82 ]

 فنعمة الأمن لا تعدلها نعمة، هذه من آثار الصلاة، السكينة تسعد بها ولو فقدت كل شيء، وتشقى بفقدها ولو ملكت كل شيء، والتوفيق، والسعادة.

الفرق بين اللذة و السعادة :

 اللذة غير السعادة، اللذة تحتاج إلى وقت، ومال، وصحة، ودائماً ينقصنا واحدة، بالبداية لا يوجد مال، بالوسط لا يوجد وقت، مع التقدم بالسن لا يوجد صحة، أما السعادة فلمجرد أن تنعقد صلتنا بالله نسعد، وإن لم نقل: ليس على وجه الأرض من هو أسعد مني إلا أن يكون أتقى مني فهناك مشكلة.

أفضل إنسان من دعا إلى الله وعمل صالحاً و قال إنني من المسلمين :

 أرجو الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا جميعاً بما علمنا، وأن يجعل هذه الإذاعة في ميزان حسنات من أسسها، ومن عمل بها، لأن الإذاعة دعوة إلى الله.

﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ ﴾

[ سورة فصلت: 33]

 ليس على وجه الأرض إنسان واحد أفضل عند الله ممن دعا إلى الله، لا يكفي، تحرك، أكل، شرب، اختار عملاً، دعا إلى الله وعمل صالحاً، جاءت الحركة وفق دعوته، لا يكفي:

﴿ وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ اللَّهِ ﴾

[ سورة فصلت: 33]

 لم يقل: لا يوجد غيري، كل إنسان يتوهم أنه هو الوحيد بالدعوة معه مرض التوحد، هو فريق، عنصر من فريق العمل.
 هنيئاً لكم هذه الإذاعة، أنا أؤثر الإذاعة على الشاشة، الإذاعة صوت، وفكر، الشاشة فيها صور، تعليقات، الإذاعة بالسيارة، بالمطبخ ربة المنزل، أنا أؤثر الدعوة الإذاعية ألف مرة عن الدعوة المصورة.
 بارك الله بكم، ونفع بكم.

خاتمة وتوديع :

المذيع:
 دكتور محمد راتب النابلسي أشكركم شكراً خالصاً، وجزاكم الله عنا وعن المسلمين كل خير، بارك الله بكم، ونفعنا بعلمكم في الدارين، آمين، وجمعنا الله بفردوس جناته كما جمعنا في الدنيا على روضات علمه، ومرضاته، أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه.
 والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور