وضع داكن
19-04-2024
Logo
برنامج منهج التائبين - الحلقة : 08 - علاقة الفطرة بالتوبة.
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

الدكتور بلال:
  بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد صاحب الخلق العظيم، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
 إخوتي، أخواتي أينما كنتم أسعد الله أوقاتكم بكل خير، نحن معاً على طريق من طرق التوبة، نسلك منهج التائبين لنصل معكم بعونه تعالى إلى رضا رب العالمين، ضيفنا الدائم في منهج التائبين فضيلة شيخنا الدكتور محمد راتب النابلسي.
 السلام عليكم سيدي.
الدكتور راتب :
 عليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الدكتور بلال:
 سيدي اليوم حديثنا في منهج التائبين عما يتعلق بالفطرة، وعلاقتها بالتوبة، وكيف تكون الفطرة معينة للإنسان إلى التوبة لله عز وجل.
 بادئ ذي بدء؛ سيدي ما هي الفطرة؟

تعريف الفطرة :

الدكتور راتب :
 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
 الفطرة حالة نفسية متوافقة تماما مع منهج الله
الفطرة؛ حالة نفسية، بنية نفسية، هذه الحالة النفسية متوافقة توافقاً تاماً مع المنهج، أي ما من أمر أُمرنا به إلا فُطرنا على محبته، وما من شيء نهانا الله عنه إلا وفُطرنا على كراهيته.

﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ﴾

[ سورة الروم: 30]

 أي أمر أُمرنا به فُطرنا على محبته، برمُجنا عليه، وأي أمر نُهينا عنه فُطرنا على كراهيته، لذلك جاءت الآية:

﴿ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ ﴾

[ سورة الحجرات: 7]

 فهذا الدين الإسلامي يسمى دائماً دين الفطرة، أي يتناغم مع فطرنا، مع حاجاتنا، مع مثلنا، مع أهدافنا، مع علة وجودنا، الإنسان عندما يؤمن يرتاح، يجد نفسه، يرتاح راحة تامة، السعادة لا تعني أنه غني، ولا تعني أنه قوي، ولا تعني أنه صحيح، تعني أنه حقق وجوده في الحياة، حقق الهدف الذي من أجله خلق.

﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ﴾

[ سورة الروم: 30]

الدكتور بلال:
 جزاكم الله خيراً، هل الفطرة، هناك مصطلح آخر في القرآن الفطرة والصبغة.

﴿ صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً ﴾

[ سورة البقرة: 138]

الفرق بين الفطرة والصبغة :

الدكتور راتب :
 الصبغة أن تسعى وتتحلى بمكارم الأخلاق
هذا سؤال دقيق جداً، بارك الله بك، الفطرة أن تحب الخير وأن تكره الشر، الفطرة أن تحب الصدق وأن تكره الكذب، الفطرة أن تحب العطاء وأن تكره الأخذ، أما الصبغة فأن تصطبغ بهذه الكمالات، أن تحب الخير شيء وأن تكون خيراً شيء آخر، أن تحب الكريم شيء وأن تكون كريماً شيء آخر، أن تحب الاستقامة شيء، وأن تكون مستقيماً شيء آخر، فالفطرة محبة، تقدير، الصبغة تحلٍّ بهذه الأخلاق، أي إنسان يتمنى أن يكون كريماً، أما الذي ينفق ماله ابتغاء مرضاة الله فهو الذي تمتع بالصبغة، والصبغة أساسها أنك إذا أقبلت على الله اشتققت منه الكمال، مكارم الأخلاق مخزونة عند الله تعالى، فإذا أحبّ الله عبداً منحه خلقاً حسناً، إذا أردتم رحمتي فارحموا خلقي.
الدكتور بلال:
 سيدي هذه الفطرة والصبغة قبل أن نتحدث عن علاقة الفطرة بالتوبة، أيضاً نقول العقل، العقل ما علاقته بالفطرة؟

علاقة العقل بالفطرة :

الدكتور راتب :
 العقل جهاز، كمبيوتر، حاسوب، آلة حاسبة، العقل يعتمد على ثلاثة مبادئ، مبدأ السببية، ومبدأ الغائية، ومبدأ عدم التناقض، هذا الكون مصمم عن طريق الأسباب، الأسباب لا تعني أن السبب خلق النتيجة، بل تعني أن الله عز وجل أراد أن تكون للنتائج مقدمات، من فعل هذه المقدمات أخذ هذه النتائج، فلذلك العقل هو جهاز، أعقد جهاز في الكون، هذا الجهاز المعقد إلى ما لا نهاية عاجز عن فهم ذاته، هذا العقل هو الذي كرم الله به الإنسان، لا يوجد بالمخلوقات مخلوق كالإنسان بعقله.
 عقل الإنسان أعقد جهاز في الكون
والعقل الحقيقة هو مئة وأربعون مليار خلية سمراء استنادية لم تعرف وظيفتها بعد، الذاكرة كحبة العدس، يوجد فيها سبعون مليار صورة، والعقل عاجز عن فهم ذاته، والعقل والنقل يتوافقان، أي حينما نقيم جفوة بين العقل والنقل هناك مشكلة كبيرة، سببها أن هذا النقل غير صحيح، حديث موضوع أحياناً، أو أن العقل غير صريح، يوجد عقل تبريري، تأتي دولة عظمى تحتل دولة بترولية، تقول: جئنا من أجل الحرية، هذا كلام غلط، كلام تبريري، فالعقل الصريح يتوافق توافقاً تاماً مع النقل الصحيح.
 بل إن الحق- والحق هو الله - يمكن أن يكون دائرة تتقاطع فيها أربعة خطوط، خط النقل الصحيح، لكل كلمة صفة، لأن هناك نقلاً غير صحيح، وخط العقل الصريح، لأن هناك عقلاً غير صريح، تبريري، وخط الفطرة السليمة لأن هناك فطرة منطمسة، وخط الواقع الموضوعي هناك عقل مزور، كأن الحق دائرة تتقاطع فيها أربعة خطوط؛ خط النقل الصحيح، والعقل الصريح، والفطرة السليمة، والواقع الموضوعي.
الدكتور بلال:
 سيدي ذكرتم- أريد أن أعود إلى قضية الفطرة، ثم نربطها بالتوبة- الفطرة المنطمسة، أو المشوهة، كيف تطمس الفطرة؟

طمس الفطرة :

الدكتور راتب :
 الإنسان إذا ألف المعاصي، واستمرأها، واستمر عليها تنطمس فطرته، يصبح الباطل هو الاصل عنده، إذا كان كسبه كله غير مشروع، عندئذٍ تنطمس هذه الفطرة، ويؤثر أن يتابع هذا الطريق الخاطئ.
الدكتور بلال:
 أي يمكن أن يرتكب المعاصي ويقول: لم أشعر بشيء، إذاً الأصل أن الإنسان إذا ارتكب معصية تؤنبه فطرىه؟

لا صغيرة مع الإصرار ولا كبيرة مع الاستغفار :

الدكتور راتب :
 الحقيقة أن هذا الذنب كلما كبر عند الإنسان صغر عند الله، وكلما صغر عن الإنسان كبر عند الله.
 أنا أقول كلمة دقيقة: تمشي بطريق عرضه حوالي ستين متراً، على يمينه واد سحيق، وعلى يساره واد سحيق، الصغيرة حرف المقود سنتمتراً، لكن هذا السنتمتر لو ثبت إلى الوادي، والكبيرة حرفه تسعين درجة، لكن لو تراجعنا عن هذا الحرف سلمنا.
 لذلك قيل: من مبادئ الفقه لا صغيرة مع الإصرار، ولا كبيرة مع الاستغفار.
الدكتور بلال:
 سيدي إذاً الإنسان حينما يخالف منهج الله إنما هو يخالف مبادئ فطرته، ما الذي يحصل هنا؟

الكآبة عاقبة من خالف مبادئ فطرته :

الدكتور راتب :
 المعصية تورث الكآبة
الكآبة، الآن عندنا بالعالم الغربي نسب الكآبة عالية جداً، عندنا دكتور في علم النفس، أحد خمسة علماء في العالم، قال: نسب الكآبة في أوروبا وأمريكا مئة و اثنان وخمسون بالمئة، دهشنا بهذه النسبة، قال: مئة معهم كآبة، واثنان وخمسون مصابون بكآبتين، أية معصية لله تسبب كآبة، هذا ضيق القلب.
شخص سأل عالماً: ما بال الأقوياء والأغنياء معهم مئات الملايين؟ كيف يعاقب هؤلاء؟ قال: بضيق القلب.
 شخص مؤسسته تملك سبعمئة مليار، جوبز، على فراش الموت قال: هذا الرقم لا يعني لي شيئاً.
الدكتور بلال:

﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً ﴾

[ سورة طه:124]

الدكتور راتب :
 معيشة الضنك لها تفاسير كثيرة، أما تفاسيرها لمن كان غنياً أو قوياً فضيق القلب، عنده كآبة.
الدكتور بلال:
 إذاً سيدي الآن وصلنا إلى الربط، عندما يخالف الإنسان منهج الله عز وجل يختل توازنه بسبب تعارض بين فطرته والتكليف وبين ما قام به، كيف يستعيد توازنه؟

 

التوبة لإعادة التوازن عند التعارض بين الفطرة و بين ما يقوم به الإنسان :

الدكتور راتب :
 بالتوبة، التوبة الحقيقية:

(( إذا رجع العبد العاصي إلى الله نادى منادِ في السماوات والأرض أن هنئوا فلاناً فقد اصطلح مع الله ))

 التوبة تعيد للإنسان توازنه
أي رحمة الله عز وجل تتجلى بشكل صارخ في قبول التوبة، لكن يوجد آيات تحتاج إلى لفت نظر، تابوا فتاب الله عليهم، تابوا، ندموا، وأقلعوا، وعزموا، فقبل الله توبتهم.
 يوجد آية ثانية:

﴿ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا ﴾

[ سورة التوبة:119]

 ساق لهم بعض الشدائد، بعض المنغصات، بعض الضيق النفسي كي يحملهم على التوبة، الله عز وجل ينتظرنا.
 لو يعلم المعرضون انتظاري لهم، وشوقي إلى ترك معاصيهم، لتقطعت أوصالهم من حبي، ولماتوا شوقاً إليّ، هذه إرادتي بالمعرضين فكيف بالمقبلين؟
الدكتور بلال:
 سيدي إذاً هناك بعض الناس إذا حصل هذا التعارض بين مبادئ فطرته وبين ما قام به يحاول أن يستعيد توازنه بغير التوبة.

 

الطعن بالآخرين لمن يحاول أن يستعيد توازنه بغير التوبة :

الدكتور راتب :
 بسلوك مرضي، يتهم الآخرين، المستقيمين، بأنهم ضيقو الأفق، يطعن بالآخر كي يستعيد توازنه، أو ينفي هذا النص لا يتأكد من صحته، أو يطعن بالناس، أما الطريق الأسهل والأفضل فأن يتوب إلى الله توبة نصوحة.
 البعض يسعى لاتهام الآخرين عوضا عن أن يتوب
وإذا تاب العبد توبة نصوحة أنسى الله حافظيه، والملائكة، وبقاع الأرض كلها خطاياه وذنوبه.
الدكتور بلال:
 إذاً سيدي المعصية هي خروج عن مبادئ الفطرة، وعن مبادئ العقل.
الدكتور راتب :
 عن منهج الله، منهج، عقل، فطرة.
الدكتور بلال:
 كله يتفق مع بعضه.
الدكتور راتب :
 المصدر واحد، لو فرضنا عندنا حد يساوي حداً آخر، عندي حد ثان يساوي ذلك الحد، ما دام هذان الحدان يساويان حداً واحداً فهما قطعاً متساويان، أي أمر أُمرنا به الفطرة ترتاح له، والعقل يقبله.
الدكتور بلال:
 أحياناً سيدي بعض الناس تتعبهم فطرتهم، حتى لا يستطيع النوم من معاصيه وآثامه، ولا يعرف الطريق يظن أنه في حالة، أو في شيء.

طلب العلم للتخلص من أمراض النفس :

الدكتور راتب :
 هو الحقيقة لا بد من طلب العلم، والدليل:

﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾

[ سورة النحل: 43]

 نحن أي ظاهرة في الجسم نسارع إلى الطبيب، نقلق على صحتنا، والحقيقة أمراض الجسم مهما عظمت تنتهي عند الموت، ولكن أمراض النفس مع الأسف الشديد تبدأ بعد الموت.
الدكتور بلال:

﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾

[ سورة الشعراء: 88- 89]

الدكتور راتب :
 وقالوا عن القلب السليم: قلب سلم من شهوة لا ترضي الله، وسلم من تصديق خبر يتناقض مع وحي الله، وسلم من عبادة غير الله.

 

خاتمة وتوديع :

الدكتور بلال:
 جزاكم الله خيراً سيدي، وأحسن إليكم.
 أخوتي الأكارم؛ لم يبقَ لي في نهاية هذا اللقاء الذي طاب بحضور شيخنا وبمتابعتكم الطيبة إلى أن أشكر لكم حسن المتابعة والإنصات، نسأل الله تعالى أن نلتقيكم دائماً وأنتم في خير حال.
 إلى الملتقى أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه.
 والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور