وضع داكن
18-04-2024
Logo
الدرس : 247 - تذكير لما بعد الموت - وضع الانسان في الآخرة.
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

الأحمق لا يدخل حساب الله له في حساباته :

 أيها الأخوة الكرام؛ مثل من واقع حياتنا، تركب مركبتك، وتمشي بطريق طويل، في لوحة البيانات ضوء تألق باللون الأحمر، هذا الضوء إنذار، الزيت في المحرك قلّ، فإذا قل يحترق المحرك، أما لو انتبهت لهذا الإنذار فتضيف لتراً واحداً من الزيت فتنتهي المشكلة، هذا الضوء ليس تزيينياً لكنه ضوء تحذيري، يوجد ضوء تزييني، وضوء تحذيري، هذا الضوء الأحمر في لوحة السيارة هذا ضوء تحذيري، الزيت نسبته قلت، فإن لم تبادر وتضيف لتر زيت يحترق المحرك، وقد يكلفك خمسين ألفاً، الآن نصف اللتر ثمنه دينار، المسافة كبيرة جداً، هذا المثل مقدمة لآية كريمة قال تعالى:

﴿ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ ﴾

[ سورة فاطر: 37]

 ما هو النذير؟ العلماء لهم آراء كثيرة، ورائعة، سن الأربعين نذير، من بلغ الأربعين ولم يغلب خيره شره فليتجهز إلى النار، أربعون سنة وإلى متى؟

إلى متى وأنت باللذات مشغول  وأنت عن كل ما قدمت مسؤول؟
***

 إلى متى؟

﴿ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ ﴾

[ سورة فاطر: 37]

 فسن الأربعين هو النذير، من بلغ الأربعين ولم يغلب خيره شره فليتجهز إلى النار، بعضهم قال: سن الستين، اجتهاد، أربعون، أو ستون، أي بعد الأربعين لا يوجد عذر، أكل، وشرب، وسافر، ومتع بصره بما يشتهي، وصاحب أصدقاء، وعمل ما شاء.

إلى متى وأنت باللذات مشغول  وأنت عن كل ما قدمت مسؤول؟
***

﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾

[ سورة الحجر:92-93]

والله ليس من عادتي أن أروي منامات إطلاقاً، ليست داخلة بدعوتي إطلاقاً، لكن لي أستاذ في سوريا بالتعليم الثانوي، كان أستاذي، يروي لنا قصة أن له عمة يحبها كثيراً، توفاها الله عز وجل، رآها في المنام تحترق، تلتهب، ظنّ أن هذا أضغاث أحلام، بعد عشرة أيام رأى نفس المنام، أقسم بالله ثمانية أشهر والنيران تلتهب هذه العمة، بعد ثمانية أشهر رآها بحالة رائعة جداً، تلبس ثوباً أبيض، وجهها منيراً، قال لها: عمتي ما قصتك؟ قالت له: الحليب، ما معنى هذه الكلمة؟ بعد ستة أشهر بعدما سأل الأقارب، والأباعد، علم أنه كان لها أولاد زوج، ولها أولاد، ببيتها يوجد أولادها، وأولاد زوجها، كان زوجها متزوجاً امرأة أخرى، وأنجب منها أربعة أولاد، وفي البيت يوجد أولادها وأولاد زوجها، تعطي أولادها كأس حليب كامل، و أولاد زوجها نصف الكأس حليباً ونصفه ماء، قالت له: الحليب.
 تضحك على الناس وتنفد؟ تبني مجدك على أنقاض الناس وتنفد؟ تبني حياتك على موتهم وتنفد؟ تبني غناك على فقرهم وتنفد؟ تبني أمنك على خوفهم وتنفد؟ أنا ما رأيت أغبى من الطغاة، لأنهم ما أدخلوا محاسبة الله لهم في حساباتهم، كتلة غباء، إله يتركك تبني مجدك على أنقاض الناس؟ وحياتك على موتهم؟ وعزك على ذلهم؟ وأمنك على خوفهم؟

﴿ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ ﴾

[ سورة فاطر: 37]

العناية بالأبناء لأنهم امتداد لآبائهم :

 الشيء الثاني: تصور أنت أنك بالثامنة عشرة، المرأة شيء كبير جداً عندك، كلما تقدم بك السن الموضوع يصغر، يصغر، يصغر، إذاً أنت في مرحلة الإدراك لم يكن دقيقاً، أعطيت المرأة حجم أكبر من حجمها، أو المال أعطيته حجماً أكبر من حجمه.
أعرف شخصاً كان مصنعاً ناجحاً جداً، عنده صناعة ألبسة راقية جداً، توفي بجلطة، بثانية توفي، رأى صديق المتوفى ابنه يمشي في الطريق قال له: إلى أين أنت ذاهب يا بني؟ والكلمة قاسية، قال له: ذاهب لأسكر على روح أبي، إذا الشخص لم يربّ أولاده فهناك مشكلة كبيرة جداً، ابنك امتدادك.
 كنت أقول بأمريكا: لو بلغت منصباً ككلينتون- في ذلك الوقت كان كلينتون حاكماً- وثروة كأوناسيس - أكبر غني بالعالم - وعلماً كأنشتاين، ولم يكن ابنك كما تتمنى فأنت أشقى الناس، ابنك امتدادك، وأنت عندما تعتني بابنك تعتني بنفسك، تعتني بسلامتك.

﴿ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً ﴾

[ سورة الفرقان: 74]

 الآن كل واحد منا إذا أراد أن يذهب رحلة مدة أسبوعين، أسبوعان فقط، يكتب قوائم لهذه الرحلة، أن يكون الجواز معك، ومعك مبلغ معين، وعملة ثانية هي العملة التي أنت ذاهب لبلدها، و تختار فندقاً، عشرة أيام تحتاج إلى إعداد لمدة يومين، لذلك:

إلى متى وأنت باللذات مشغول  وأنت عن كل ما قدمت مسؤول؟
***

بطولة الإنسان أن يدخل الموت بحساباته :

 أخواننا الكرام، لا أعرف إذا كانت الكلمة مناسبة، لا تحب أحداً، فقط أحبب نفسك، أن يكون عندك أنانية مفرطة ينبغي أن تتبع تعليمات الصانع.
 نعيد المثل مرة ثانية: الزيت، الضوء الأحمر شاعل، الزيت قليل، يكلفك ديناراً واحداً و هو سعر لتر من الزيت، إن لم تنتبه تحتاج إلى خرط المحرك، يحترق المحرك، من دون زيت يحترق المحرك، هذا الإنذار، قال:

﴿ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ ﴾

[ سورة فاطر: 37]

 النبي الكريم قال:

((إن أكيس الناس أكثرهم للموت ذكراً، وأحسنهم له استعداداً))

[الحارث في مسنده عن زيد بن علي]

ألا ومن علامات العقل التجافي عن دار الغرور، والإنابة إلى دار الخلود، والتزود لسكنى القبور، والتأهب ليوم النشور.
 أعرف شخصاً بالشام، عنده بيت عربي كبير، نمطه عربي، عمل قبراً بالبيت- القصة غريبة- يضطجع فيه كل يوم خميس و يتلو قوله تعالى:

﴿ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً ﴾

[ سورة المؤمنين:99 - 100]

 يخاطب نفسه يقول: قومي لقد أرجعناكِ.

﴿ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً ﴾

[ سورة المؤمنين:99 - 100]

 بطولة الإنسان أن يدخل النهاية الحتمية أي الموت بحساباته.
 أذكر مرة دعيت إلى تعزية في البقعة، وهي أفقر مكان في عمان، وعندي بعدها تعزية بعبدون، بالبقعة البيت متواضع جداً جداً، بعبدون البيت يفوق حدّ الخيال، ثريات الرشنج، كريستال، سيرميك، فرش رقم واحد، درجة أولى، وأنا أتأمل بالثريات قلت: من اختار الثريات؟ المرحوم، من اختار الكنبات الراقية؟ المرحوم، من اختار البلاط؟ المرحوم، أين المرحوم الآن؟
 أخواننا الكرام؛ كلنا سنموت، كل ذكائك، وبطولتك، وكياستك، وعقلك، وتوفيقك، ونحاجك أن تدخل هذه الساعة التي لا بد منها في حساباتك.

(( عبدي رجعوا وتركوك، وفي التراب دفنوك، ولو بقوا معك ما نفعوك، ولم يبقَ لك إلا أنا، وأنا الحي الذي لا يموت ))

 أذكر قصة أن أحد أكبر أغنياء مصر، توفي والده وقد بلغه هذا النص:

(( عبدي رجعوا وتركوك، وفي التراب دفنوك، ولو بقوا معك ما نفعوك، ولم يبقَ لك إلا أنا، وأنا الحي الذي لا يموت ))

 ماذا سيفعل؟ بحث عن شخص فقير، نحن عندنا بالشام كيس خيش، أي كيس قمح، هذا الفقير كان يلبس كيس خيش و قد فتحه من النصف من أجل رأسه، ومن الطرفين من أجل يديه، وربطه بحبل، قال له ابن المتوفى: تنام مع أبينا ليلة وتأخذ عشرة جنيهات؟ قال له: أتمنى والله - القصة رمزية – وضعوه جانب الأب، وفتحوا له فتحة كي يستنشق الهواء، جاء الملكان، قال أحدهما للآخر: يوجد اثنان بالقبر بالعادة يكون هناك شخص واحد، من أين جاء الثاني؟ الثاني حي و ليس ميتاً فحرك رجله، فقال الملك الأول للثاني: تعال نبدأ به، أجلسوه، هو يلبس كيس قمح وقد فتحه من منتصفه لإدخال رأسه، ومن الطرفين ليديه، وقد ربطه بحبل، بدؤوا بالحبل، قالوا له: هذا من أين أحضرته؟ قال لهم: من البستان، كيف دخلت إلى للبستان؟ هنا لم يعرف الجواب فضربوه ضرباً مبرحاً، خرج من القبر وقال: أعان الله والدكم.

﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾

[ سورة الحجر:92-93]

 لا تصدق أن تعمل عملاً خاطئاً أي تبني مجدك على أنقاض الآخرين، تبني حياتك على موتهم، تبني غناك على فقرهم، تبني عزك على ذلهم، وتنفد، يوجد إله سيحاسب، وسيعاقبك.

من أدرك أن علم الله و قدرته تطوله لا يمكن أن يعصيه :

 أنت عندما تمشي بعمان، وتجد الإشارة حمراء، لماذا تقف؟ سؤال دقيق أيديولوجي، لأن وزير الداخلية قد أصدر قانون السير، وهناك مادة إذا تجاوزت الإشارة الحمراء تدفع مئة دينار فرضاً، أو تحجز المركبة، والآن يوجد عقاب هو إلغاء سير السيارة سنة بأكملها، وعقاب هو تجميد المركبة سنة، لماذا لم تتوقف؟ لأنك مؤمن أن علم واضع هذا القانون يطولك، من خلال من؟ من خلال الشرطي، والآن يوجد كاميرا، فواضع القانون علمه يطولك، وقدرته تطولك، إذاً لا يمكن أن تعصيه، كمواطن، شرطي، ليس خالق السماوات والأرض، الله ماذا قال:

﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً ﴾

[ سورة الطلاق: 12]

 ماذا اختار من أسمائه؟ العلم والقدرة، علمه يطولنا، وقدرته تطولنا، خثرة بالدماغ يفقد ذاكرته.
 عندنا كان بالشام رئيس وزارة، يخرج من البيت ولا يرجع، يبحثون عنه لأنه فقد ذاكرته، لا يعرف طريق العودة للبيت، فأنت تحت ألطاف الله، إذا خثرة من الدم لا ترى بالعين أغلقت أحد شرايين الدماغ تفقد ذاكرتك، بمكان آخر حركتك، شيء مخيف، جسمك بالغ التعقيد، مئة وأربعون مليار خلية سمراء استنادية في الدماغ لم تعرف وظيفتها بعد، أربعة عشر مليار خلية قشرية هذه فيها الذاكرة، فيها المحاكمة، فيها التخيل، فيها التصور، كل نشاطات الدماغ موجودة بالقشرة.

﴿ هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ ﴾

[ سورة لقمان: 11]

 أخواننا الكرام؛ لذلك:

﴿ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ ﴾

[ سورة فاطر: 37]

العاقل من يحتاط للأمر قبل وقوعه :

 الآن:

فيا خجلي منه إذا هـو قال لـــــــي  أيا عبدنــــــــا ما قــــــــــــــــرأت كتابنــــا
أما تستحي منا ويكفيك ما جــرى  أما تختشي من عتبنا يوم جمعنــــا
أما آن أن تقلع عن الذنب راجعاً  وتنظــــــــــــر ما به جـــــــــــاء وعدنـــــا
فأحبابنا اختاروا المحبة مذهبـــــاً وما  خالفوا في مذهب الحب شرعنـا
***

 الآن دققوا:

فـلو شاهدت عيناك من حسننــــا الذي  رأوه لما وليت عنــــــــــا لغـيرنـــا
ولو سمعت أذناك حسن خطابنا  خلعت عنك ثياب العجب وجئتنـــــــــــا
ولو ذقت مـن طعم المحبـــة ذرة  عذرت الذي أضحى قتيلاً بحبنـــــــــــا
ولو نسمت من قربنا لك نسمـة  لمــــت غريباً واشتيـــــــــاقاً لقربنـــــــــــا
***

يقولون إن صيادين مرّا بغدير- غدير أي مستنقع- فيه ثلاث سمكات- هذه قصة مروية عن ابن المقفع- كيسة أي عاقلة، وأكيس منها، وعاجزة، أما أكيسهن أي أعقلهن فإنها ارتابت، وتخوفت، وقالت: العاقل يحتاط للأمور قبل وقوعها، فالغدير فيه فتحة على النهر، فلم تعرج على شيء حتى خرجت من المكان الذي يدخل منه الماء من النهر إلى الغدير، فنجت، هذه أكيس سمكة، عندما سمعت كلام الصيادين خافت فاحتاطت للأمور قبل وقوعها.
 الأقل كياسة بقيت في مكانها، حتى عاد الصيادان، يوجد عندها حل جاهز فذهبت لتخرج من حيث خرجت رفيقتها فإذا بالمكان قد سُدّ، فقالت: فرطت وهذه عاقبة التفريط، غير أن العاقل لا يقنط من منافع الرأي، الآن هنا يوجد مشكلة، علقت لأنها أهملت، العاقل يحتاط للأمر قبل وقوعه، الأقل عقلاً يحتاط له عند وقوعه، لكنها ذكية فتماوتت، فطفت على سطح الماء، منقلبة تارةً على بطنها، وتارةً على صدرها، فأخذها الصياد بيده، ووضعها على الأرض بين النهر والغدير فوثبت في النهر فنجت، لكن أعصابها احترقت، لأنها تأخرت باتخاذ الأسباب، أول سمكة مرتاحة، لم تعرج على شيء، حتى خرجت من المكان الذي يدخل منه الماء من النهر إلى الغدير فنجت، هذه أكيس واحدة، الأقل كياسة، الأقل ذكاء بقيت في مكانها حتى عاد الصيادان، فذهبت من حيث خرجت رفيقتها، فإذا بالمكان قد سُدّ، فقالت: فرطت وهذه عاقبة التفريط، غير أن العاقل لا يقنط من منافع الرأي ثم إنها تماوتت، وأما العاجزة فلم تزل في إقبال وإدبار حتى صيدت.
 هذا مثل دقيق جداً، البشر كيس، وأكيس، وعاجز، الأكيس يحتاط للأمر قبل وقوعه، كنا بسن معينة، مضى أربعون سنة، كيف مضوا؟ والله كلمح البصر، أربع و أربعون، سبع و ستون، ست و سبعون، فإذا الشخص بلغ الثمانين صار بين الحياة و الموت.
 دفنوا مرة أحد أخوتنا الكرام في قبر، بعدما وضعوه في القبر، وضعوا البلاطة التي تغطي الفتحة، فكانت البلاطة أضيق من الفتحة بحوالي عشرة سنتمتر، فعندما أهالوا التراب على القبر نزل الكثير من التراب فوق الميت، أين بيته الفخم؟ بيته كان بأرقى أحياء دمشق، أين مكانته؟ أين هيمنته؟ أين دخله الكبير؟ أين اجتماعاته؟ أين حفلاته؟ أين سهراته؟ أين سياحته؟ هذه الدنيا.
 كل مخلوق يموت، ولا يبقَ إلا ذو العزة والجبروت:

والليل مهما طال فلا بد من طلوع الفجر  والعمر مهما طال فلا بد من نزول القبر
***

(( عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به ))

[ رواه الشيرازي و الحاكم والبيهقي عن علي ]

 النبي الكريم يمشي في مكان فيه قبر، قال هذه الكلمة:

(( صاحب هذا القبر إلى ركعتين مما تحقرون من تنفلكم))

[ رواه ابن المبارك عن أبي هريرة ]

 ركعتان بسرعة قل هو الله أحد، ركع سجد، قال:

(( صاحب هذا القبر إلى ركعتين مما تحقرون من تنفلكم خير له من كل دنياكم))

[ رواه ابن المبارك عن أبي هريرة ]

 كل الدنيا، بيت بأرقى أحياء المدينة، سيارتان أو ثلاث، أفضل له من كل دنياكم.

 

العاقل من يمشي على الحق و لا يهمل حياته :

 أذكر مرة أنا مدرس، كان عندي ساعة فراغ بسبب متعلق بالبرنامج، وبيتي بعيد عن الثانوية، كان الفراغ الساعة الرابعة، أما الخامسة والسادسة فكان عندي حصص، أين سأذهب؟ فجلست عند المدير، صدقوني والله سأقول لكم كلاماً أنا أحفظه حرفياً، قال لي: أنا قدمت طلباً للجزائر- إعارة ، يأخذ أربعة أمثال راتبه، هكذا النظام عندنا بسورية، يعار المدرس لبلد آخر لأن هناك صداقات بينهما - سأبقى أربع أو خمس سنوات هناك، و لن آتي بالصيف إلى الشام، قلت له: لماذا؟ قال لي: السنة الأولى أقضي الصيف بفرنسا، والثانية بألمانيا، و الثالثة بإيطاليا، و الرابعة بسويسرا، أرى البلاد وأشاهد آثارها، وتحفها، وثقافاتها، هو مثقف ثقافة جيدة، معه فلسفة، هو يتكلم وأنا أسمع له، قال لي: عندما تنتهي هذه السنوات آتي إلى الشام، أشتري بيتاً، وأشتري محل تحف، هذا لا علاقة له بالتموين، فازات كريستال، وأشياء مرتفعة السعر، هو يتكلم بالتفاصيل، ثم قال لي: يكون أولادي قد كبروا يدامون بالمحل بعد الظهر، وأنا أداوم قبل الظهر، شيء عجيب! ذكر لي مخططاً والله لا أبالغ لعشرين سنة قادمة، وأنا أسمع له، أنتهت ساعة الفراغ و هي عبارة عن خمسين دقيقة، رجعت لصفي، أكملت الساعة الخامسة و السادسة ثم اتجهت نحو بيتي بحي العفيف، وبعد الظهر كان عندي ساعة بمدرسة خاصة ثانية، نزلت للمدرسة أتممت الساعة وعدت إلى بيتي، فوجدت نعوته على الجدار، والله بنفس اليوم.

(( عبدي رجعوا وتركوك، وفي التراب دفنوك، ولو بقوا معك ما نفعوك، ولم يبقَ لك إلا أنا، وأنا الحي الذي لا يموت ))

 أخواننا الكرام؛ أذكى شخص فينا، أعقل شخص فينا، أشطر شخص فينا من يعد لهذه الساعة التي لا بد منها، لا يلغي دراسته، ولا زواجه، يدرس، ويتزوج، لكنه يمشي على الحق، يمشي على الصراط المستقيم.
 لذلك:

(( ما من عثرةً، ولا اختلاج عرق، ولا خدش عودٍ، إلا بما قدمت أيديكم وما يعفو الله أكثر))

[ أخرجه ابن عساكر عن البراء ]

 لا يوجد شي صدفة.

 

النذير إنذار من الله لعبده أن يا عبدي قد اقترب اللقاء :

 الآن يوجد آخر إنذار ما هو؟ موت الأقارب، تعيش مع أخيك، ليلاً نهاراً، أخوك صار ميتاً، مع والده أحياناً، مع والدته، مع صديقه، مع جاره، موت الأقارب نذير.
 هذا الدرس ملخصه: 

﴿ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ ﴾ 

[ سورة فاطر : 37]

 سن الأربعين هو النذير، سن الستين هو النذير.
 الآن التطورات السلبية بالصحة، معه كوليسترول، معه جفاف بالمفاصل، يحتاج إلى مفصل صناعي، كل الأعراض الصحية السلبية هي نوع من النذير، الشيب نذير.
 عبدي شاب شعرك، وانحنى ظهرك، وضعف بصرك، فاستح مني فأنا أستحي منك.
 درسنا اليوم النذير، الأربعون نذير، الستون نذير، موت الأقارب نذير، القصص أمامنا ذنير، عندكم مئات النذر، هذه النذر رحمة بنا، أفضل من أن يؤخذ الإنسان بغتة.
 حفظ الله لكم إيمانكم جميعاً، وأهلكم، وأولادكم، وصحتكم، واستقرار بلادكم هذه أكبر نعمة لا يعرفها إلا من فقدها.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

إخفاء الصور