وضع داكن
23-04-2024
Logo
الدرس : 239 - التعبير العلمي والأدبي- رسالة لصلاح الدين- الدين فردي وجماعي.
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الأدب هو التعبير المثير عن حقائق الحياة :

 أيها الأخوة الكرام؛ هذه اللغة لها أساليب، هناك أسلوب علمي في اللغة، مثلاً تقول: هذا المغني سيئ الصوت، لكن يوجد تعبير أدبي، أحد الشعراء وصف مغن قال:

عواء كلب على أوتار مندفــــة  في قبح قرد وفي استكبار هامان
وتحسب العين فكيه إذا اختلفا  عند التنغم فكي بغل طحـــــــــــــــــــان
***

 هذا شعر.
 عُرف الأدب بأنه التعبير المثير عن حقائق الحياة، التعبير العلمي غير مثير، مثلاً فلان بخيل، هذا تعبير علمي، لكن بالأدب:

بيض المطابخ لا تشكو إماؤهم  طبخ القدور ولا غسل المناديل
***

 بحياته لم يدعُ أحداً على طعامه، فعندنا تعبير علمي، وتعبير أدبي، الآن التعبير الأدبي كم إطار له؟ النثر إطار، والقصة إطار، والمسرحية إطار، والشعر إطار، وهناك إطار اسمه الرسالة.

 

رسالة اعتذار لصلاح الدين الأيوبي :

 مرة أنا وجهت رسالة إلى البطل صلاح الدين، قلت له: عذراً لك صلاح الدين، وألف عذر، أنت الذي طردت الفرنجة القدامى من بلاد الشام، ومصر، والعراق، وأنت الذي حررت دمشق والقدس من أيديهم، وقد قلت قولتك المشهورة: لن يرجعوا إليها ما دمنا رجالاً.
 عذراً لك صلاح الدين لقد رجعوا، لقد رجعوا في المرة الأولى بعد الحرب العالمية الأولى، ولما دخل قائدهم غورو إلى دمشق توجه إلى قبرك في الأموي، توجه إلى قبرك والحقيقة ركل القبر برجله وقال: ها قد عدنا يا صلاح الدين.
 فعذراً لك وألف عذر، ولقد رجعوا مرة ثانية بسبب أخطاء ارتكبها بعضنا، ولسان حالهم يقول ثانية: ها قد عدنا يا صلاح الدين، ولئلا تقلق علينا كثيراً، إنهم يقولون: إنما عدنا إليكم كي تنعموا بحرية كحريتهم، وسلام كسلامهم، ورخاء كرخائهم، ولا أتمنى عليك أيها القائد الفذ أن تسأل: هل حققوا هذه الأهداف بوسائل من جنسها أم بوسائل مناقضة لها؟
 من أجل أن تكون مستريحاً لا تسأل، إن وسائلهم كانت الإفقار، والإضلال، والإفساد، والإذلال، إنها رِدَة ولا صدّيق لها، إنها هجمة تترية ولا قطب لها، إنها حملة فرنجية وأنت الغائب عنها.
عذراً يا صلاح الدين كنت دائماً ترتسم على شفتيك ووجنتيك ملامح الحزن، فكنت إذا سُئلت: لمَ لا تضحك يا صلاح الدين؟ كان جوابك دائماً: إنني أستحي من الله أن أضحك وما يزال الأقصى بيد المعتدين، ما ضحك أبداً.
 عذراً يا صلاح الدين أنت الذي وصلك خبر اعتراض أمير الفرنجة أرناط، الذي احتل قلعة الكرك في الأردن، ومن هناك راح يقطع الطريق على الحجاج المسلمين، المتوجهين من الشام نحو الحجاز، فكان يقتل الرجال ويسبي النساء، وهو يقول لهم: نادوا محمداً لينتصر لكم، فلما سمعت ما قاله بكيت، وانسابت الدموع من عينيك، وقد قلت قولتك المشهورة: أنا سأنوب عن رسول الله لنصرة دينه، وأمته، وهذا ما كان منك أيها البطل، الذي ما هدأ لك بال، ولا سكنت لك جارحة حتى وفيت بوعدك يوم حطين، يوم انتصرت على ملوك أوربا أجمعين- سبع و عشرون دولة انتصر عليهم.
 ويوم وقع أرناط الذي قال: نادوا محمداً لينتصر لكم في الأسر، فمثل بين يديك وذكرته بما قال، وقلت له: يا أرناط أنا أنوب اليوم عن رسول الله بالدفاع عن أمته.
 عذراً لك يا صلاح الدين أنت الذي كنت كل مساء بعد أن ترجع من قتال الأعداء القدامى يوم حطين تخلع عباءتك، وعمامتك، وتنفذ ما علق عليها من غبار في كيس، وتجمع هذا الغبار حيث أوصيت أولادك أن إذا مِت أن يضعوا هذا الكيس تحت رأسك، وتقول لهم: إن سألتني الملائكة عن هذا الكيس أقول لهم: هذا غبار المعارك التي خضتها ضد الفرنجة.
 عذراً لك يا صلاح الدين يا من هزمت الفرنجة القدامى، حتى صار اسمك على لسان النساء في أوروبا، يخوفون بك أولادهم في الليل ليناموا، تقول الأم لابنها: نمْ يا ولدي وإلا سيأتي صلاح الدين لأوروبا كلها، كلمة رعب، لقد قذفت الرعب في نفوس هؤلاء، وشكلت لهم عقدة نفسية اسمها صلاح الدين.
 فعذراً لك وألف عذر، أيها القائد الفذ، لما حلّ بنا بعدك، من أجل أن تكون منسجماً مع إيمانك الكبير بالله نقول لك: نحن بعدك هان أمر الله علينا فهنا على الله، هذا ملخص الملخص، هان أمر الله علينا فهنا على الله، وقد تحققت نبوءة القرآن الكريم فينا، فقال تعالى:

﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً ﴾

[ سورة مريم: 59]

 وقد لقينا ذلك الغي.
 من أجل أن نطمئنك نذكرك بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:

((لا تزال من أمتي أمَّة قائمة بأمر الله لا يضرهم مَن خَذَلهم ولا مَن خالَفَهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك، سمع معاذاً يقول: وهم بالشام))

[البخاري عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه]

 لذلك في بداية الرسالة المحمدية أفضل بلدين مكة والمدينة، وفي آخر الزمان أفضل بلدين بلاد الشام.

(( رأيت عمود الإسلام))

 يوجد ثلاثون حديثاً صحيحاً عن بلاد الشام، أحدها:

(( رأيت عمود الإسلام قد سلّ من تحت وسادتي، فأتبعته بصري فإذا هو بالشام))

[ الطبراني والحاكم عن ابن عمرو ]

 والأردن من الشام من بلاد الشام.

(( فعليكم بالشام في آخر الزمان))

 قال مستشارك عنك ومرافقك: كنت خاشع القلب، غزير الدمعة، إذا سمعت القرآن الكريم، أو تلوته دمعت عيناك، وكنت - رحمك الله- كثير التعظيم لشعائر الدين، كنت ناصراً للتوحيد، قامعاً أهل البدع، لا تؤخر الصلاة عن وقتها، وكانت لك ركعات تصليها في جوف الليل، وإذا سمعت أن العدو داهم المسلمين خررت إلى الأرض ساجداً تدعو بهذا الدعاء: " إلهي قد انقطعت الأسباب الأرضية في نصرة دينك، ولم يبقَ إلا الإخلاد إليك، والاعتصام بحبلك، والاعتماد على فضلك، أنت حسبي ونعم الوكيل".

 

المؤمن لا ييئس و الأمة الإسلامية لا تموت :

 أيها الأخوة الكرام، كلمة مبشرة: 

((مثل أمتي كالمطر، يجعل الله في أوله خيراً وفي آخره خيراً ))

 

[الطبراني عن عمار بن ياسر رضي الله عنه]

 حديث آخر:

(( الخيرُ فيّ وفي أمتي إلى يوم القيامة))

[ البيهقي عن جابر]

 أخواننا الكرام، اليأس يقترب من الكفر، المؤمن لا ييئس، وهذه الأمة لا تموت، لكنها تنام أحياناً، الآن نائمة.
 بالمناسبة كلمة مؤلمة جداً: الذي يقبع في الظلام، في ظلام الكفر والمعصية والإباحية ينتصر على النائم في ضوء الشمس، الشمس حق، أنا أرمز للشمس بالحق، معنا الوحيان، وحي السماء، ووحي السنة، النائم في ضوء الشمس- والشمس هي الحق- ينهزم، والذي يعمل في الظلام ينتصر، يوجد قوانين بالأرض.

 

عظمة هذا الدين أنه دين فردي و جماعي :

 أخواننا الكرام؛ عظمة هذا الدين- أنا أخاطب الشباب- أنه دين فردي، ودين جماعي، أي أنت أيها الشاب تطبقه وحدك، تغض بصرك، تضبط لسانك، تحسن لوالديك، تطلب العلم، تتصدق من مالك، تفعل الخيرات، تقطف كل ثماره الفردية وحدك، الدليل:

﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ ﴾

[ سورة النساء: 147 ]

 آية عامة ليوم القيامة.

﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ ﴾

 طفل جاء آخر السنة معه الجلاء، علاماته تامة كلها، وهناك ثناء على أخلاقه، ماذا يفعل أبوه معه؟ يقبّله، يضمه، يشتري له هدية، دراجة مثلاً، إنسان عادي كافأ ابنه المتفوق كذلك، وهذا الدين فردي وجماعي، لا تثبط عزيمتك، فساد عام، لا، طبق هذا الدين وحدك أيها الشاب، غض بصرك عن محارم الله، تقطف كل ثماره وحدك، أما ثماره الجماعية فلا تقطف إلا بعودة إلى الله جماعية، الدليل:

﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾

[ سورة الأنفال: 33]

ما دامت سنتك قائمة في حياتهم فهم في مأمن من عذاب الله.
 أنا سأقول كلمة: إن أردت أت تفهم الدين فهماً عميقاً لا تثبط عزائمك أبداً، عندك بيت أنت تستطيع أن تقيم الإسلام في نفسك أولاً، صلاة، غض بصر، ضبط لسان، بر والدين، إحسان، إتقان عمل، نصح للمسلمين، مهما كان العصر فيه فسق وفجور، تستطيع بكل أريحية أن تطبق هذا الدين وحدك، وعندئذٍ تقطف ثماره اليانعة وحدك، سكينة تسعد بها ولو فقدت كل شيء، وتشقى بفقدها ولو ملكت كل شيء، توفيق بحياتك، صلاة متقنة، بكاء في الصلاة، شعور بالقوة، شعور بالأمن، شعور بالسكينة.
 أقسم لكم بالله الآثار الإيجابية لإنسان تاب إلى الله لا تعد ولا تحصى، سعادة، على حكمة، على بصيرة نافذة، على موقف قوي، على شخصية قوية، على إنصاف، على حكمة.

((اسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصُوا))

[ابن ماجه وأحمد والدارمي عَنْ ثَوْبَانَ]

 الخيرات، شيء ببيتك، شيء بعملك، وشيء بشخصيتك، وشيء بمكانتك، أنت مؤمن، أنت متميز.
 فلذلك أخواننا الكرام؛ لا تثبط عزيمتك عندما ترى الفساد العام، النساء الكاسيات العاريات في الطرقات، دور اللهو، الملاهي، هذا كله موجود بالأرض، وموجود في عهد النبي، كان هناك منافقون، وفسق، وفجور، هذا شأن الحياة.
 فلذلك:

﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً ﴾

[ سورة الكهف: 28]

حاجة كل إنسان إلى حاضنة إيمانية :

 لكن آخر نقطة في هذا اللقاء الطيب: كيف يستطيع الإنسان أن يتمسك بالدين بقوة؟ أنا أقول لكم: أنت بحاجة إلى حاضنة إيمانية، أنت بحاجة لرفيق مؤمن، إن أردت أن تذهب في نزهة مع شخص مؤمن، قم لأداء الصلاة، يوجد غض بصر، وضبط لسان، والدليل:

﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً ﴾

[ سورة الكهف: 28]

فأنت الزم الجماعة، الإنسان بالجماعة يقوى، الجماعة فيها صديق مؤمن، لا تقم علاقة حميمة مع غير المؤمن.
 أذكر قصة مؤلمة جداً: جماعة من التجار بحلب، يدمنون الخمر، أحدهم ذهب إلى الحج وتاب إلى الله توبة نصوحة، وبعد أن رجع الخطأ الكبير الذي ارتكبه أنه ما ترك هؤلاء، يوجد سهرة جيء بالخمر، هو لا يشرب، قال له واحد من كبار الأغنياء: كم كلفتك الحجة؟ - وقتها كانت الحجة بخمسين ألفاً، وكان الدولار بثلاث ليرات سورية- قال له: كلفتني خمسين ألفاً، قال له: هذا شيك بخمسين ألفاً واشرب معنا، فشرب، ثم مات بعد اثني عشر يوماً، مات شارب خمر.

﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ ﴾

[ سورة الكهف: 28]

 يا أخوان، علاقات عمل لا شيء فيها أبداً، لا علاقة لها بدينك أبداً، أي علاقة تهدمك؟ العلاقة الحميمة، نزهة، سبعة أيام على البحر مع أناس فسقة ستغلط كثيراً أمامهم.

﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً ﴾

[ سورة الكهف: 28]

 تحتاج إلى حاضنة إيمانية، إلى صديق حميم مؤمن، إلى أن تسهر مع شباب مؤمنين، إلى أن تعمل نزهة مع أناس مؤمنين.

﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ ﴾

  الآية الثانية تؤكد هذا المعنى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾

[ سورة التوبة: 119]

 بارك الله بكم، ونفع بكم.
 والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارضَ عنا، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي، وعلى آله وصحبه وسلم.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

إخفاء الصور