وضع داكن
19-04-2024
Logo
حياة المسلم 1- إذاعة حياة إف إم- الحلقة : 039 - استخلاف الإنسان وعمارة الأرض.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

المذيع:
  بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وأتمّ الصلاة وخير التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، أهلاً ومرحباً بكم مستمعينا الكرام على الهواء مباشرةً عبر أثير إذاعتكم حياة fm، نتواصل في حلقة جديدة من حلقات برنامجكم مع الدكتور محمد راتب النابلسي، وباسمكم نرحب بفضيلة العلّامة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي، حياكم الله دكتور.
الدكتور راتب :
 بارك الله بكم، ونفع بكم.
المذيع:
 أهلاً وسهلاً شيخ محمد، والحمد لله على السلامة، حلقتنا حول قوله تعالى:

﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ﴾

[ سورة النور: 55 ]

 حديثنا في هذا اليوم عن الاستخلاف في الأرض، ما هو المقصود بهذا المصطلح؟ وهل كل الناس مأمورون أن يسعوا بأن يكونوا مستخلفين أم أنها مرتبة لبعض الناس؟ حول هذه الأسئلة وأكثر يدور نقاشنا، أبدأ معكم شيخنا ما هو المقصود بمصطلح الاستخلاف في الأرض؟

الاستخلاف في الأرض :

الدكتور راتب :
 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد، وعلى آله وأصحابه الطيّبين الطاهرين، أمناء دعوته، وقادة ألوِيَتِه، وارضَ عنّا وعنهم يا ربّ العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وُحول الشهوات إلى جنّات القربات.
أخي الكريم أخوتي المستمعين؛ بارك الله بكم جميعاً، الإنسان حينما خلق في عالم الذر، عالم حمل الأمانة، الأمانة عرضت على السماوات والأرض والجبال، أي على كل المخلوقات، وكأن كلمة السماوات والأرض مصطلح قرآني يعني الكون، والكون ما سوى الله، جميع الخلائق من دون استثناء خلقوا جميعاً دفعة واحدة في عالم الأزل، هذا العالم سماه العلماء: عالم الذر، في هذا العالم عرضت الأمانة على السماوات والأرض والجبال، نوع من الخلائق أو جزء من الخلائق آثروا الشهوة فكانوا من صنف الحيوان، وصنف آثروا العقل فكانوا من صنف الملائكة، وصنف قبلوا حمل الأمانة فجمعوا في كيانهم بين العقل والشهوة، لذلك عن سيدنا علي رضي الله عنه ورد: " الملك ركب من عقل بلا شهوة، والحيوان ركب من شهوة بلا عقل، أما الإنسان فرُكب من كليهما، فإن سما عقله على شهوته أصبح فوق الملائكة، وإن سمت شهوته على عقله أصبح دون الحيوان ". الدليل القرآني:

﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً ﴾

[سورة مريم: 96]

﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ﴾

[سورة البينة: 7]

 أي خير ما برأ الله، قال تعالى:

﴿ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ ﴾

[سورة البينة: 6]

 الإنسان يرقى ويرقى ولا ترى رقيه فيتضاءل أمامه كل عظيم، ويسقط ويسقط ولا ترى سقوطه فيتعاظم عليه كل حقير، فالإنسان إذا حمل الأمانة كما أراد الله كان فوق الملائكة، وإن لم يحملها ونقض الوعد كان دون الحيوان، لذلك إما أن تكون فوق الملائكة وهذا باختيارك، وبإرادتك، وبرغبتك، أو أن يكون الإنسان كما نرى ونسمع في العالم من جرائم، وحروب، ومن سيل للدماء، هذا كله لأنه دون الحيوان، الحيوان يأكل ليشبع، أما الإنسان فيقتل للقتل كما نرى ونسمع، لذلك النقطة الدقيقة لأنك من بني البشر أنت في عالم الأزل قبلت حمل الأمانة، ولأنك قبلت حمل الأمانة كان من الممكن أن تكون فوق الملائكة، وإذا فرط الإنسان في حمل الأمانة هبط عن مستوى إنسانيته إلى مستوى لا يليق به، قال تعالى:

﴿ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ ﴾

[سورة النحل: 21]

﴿ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ ﴾

[ سورة المنافقون: 4 ]

﴿ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً ﴾

[ سورة الفرقان : 44]

﴿ كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً ﴾

[ سورة الجمعة : 5 ]

 الخيار دقيق جداً وصعب، إما أن تكون مؤهلاً لتكون فوق الملائكة، أو دون الحيوان، والأمر بيدك..
المذيع:
 عندما نقرأ قول الله عز وجل:

﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ ﴾

[ سورة النور: 55 ]

 ما المقصود بكلمة الاستخلاف؟ هل هي الولاية والحكم؟

 

إقامة منهج الله في الأرض :

الدكتور راتب :
 أنا مضطر أن أروي حديثاً:

(( خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ))

[ متفق عليه عن أبي هريرة]

 تكريماً له، كما أن الله يختار أعطى الاختيار لهذا الإنسان، كما أن الله يعاقب سمح لأولي الأمر أن يعاقبوا، المستخلف في الأرض من أجل أن يقيم منهج الله، قد يكافئ المحسن، وقد يعاقب المسيء، هناك عدة صفات نستنبطها من قول النبي صلى الله عليه وسلم:

((خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ))

[ متفق عليه عن أبي هريرة]

 الله عز وجل فرد، والإنسان فرد لا مثيل له، أي لا يوجد إنسان في الأرض يطابق إنساناً آخر، العلماء اكتشفوا الآن غير البصمة، قزحية العين، لا يوجد إنسان على وجه الأرض من آدم إلى يوم القيامة تطابق قزحية عينه عينك، الآن بالمطارات الهوية الحقيقية صورة حدقة العين، البصمة، رائحة الجلد، الحوين المنوي، القصة طويلة، يوجد حوالي عشرين أو ثلاثين بنداً لا يمكن لمخلوق في الأرض أن يشابه مخلوقاً آخر، بلازما الدم مثلاً.
الدكتور راتب :
 هل الاستخلاف فقط يكون للصالحين؟

 

الاستخلاف يكون لكل البشر :

المذيع:
 لا، للإنسان، قال تعالى:

﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ﴾ 

[ سورة الأحزاب : 72 ]

 في عالم الأزل، لأنك من بني البشر أنت في عالم الأزل قبلت حمل الأمانة، الآن في الدنيا الإنسان مخير، إما أن ينفذ عهده ويحمل أمانته، أو أن يخلف بعهده ويلقي أمانته عرض الطريق.
المذيع:
 دكتور لو تأملنا قول الله عز وجل:

﴿ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً ﴾

[ سورة البقرة: 30 ]

 كيف نربطها بفهمنا لمصطلح الاستخلاف في الأرض؟

 

الإنسان خليفة الله في الأرض :

الدكتور راتب :
 خليفة أي يخلفني في إدارة الأرض، يخلفني في معاقبة المسيء، يخلفني في مكافئة المحسن، هذا معنى خليفة، الله يدير هذه الأرض، وسمح للإنسان نيابة عنه أن يديرها، يعاقب الله عز وجل المسيء، ويكافئ المحسن من خلال الاستخلاف.
المذيع:
 ما العلاقة بين الدعاء والاستخلاف لو تأملنا قوله تعالى:

﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ ﴾

[سورة النمل: 62]

العلاقة بين الدعاء و الاستخلاف :

الدكتور راتب :
العلاقة سهلة جداً، لو أن إنساناً شعر بألم بإحدى كليتيه، وذهب إلى الطبيب المختص، فوجد أن هذه الكلية لا تعمل، لا بد من استئصالها، بعد ثمانية أيام جاءه ليستأصلها، فحصها ثانية رآها تعمل أيستأصلها؟ يلغى الأمر، إذاً الدعاء يوقف القضاء، الله عز وجل بعلمه أن الإنسان انحرف، فقدر له علاجاً له معنى القضاء، بالبساطة الشديدة طبيب يمر بالمستشفى وجد مريضاً ضغطه مرتفع جداً، عندما وجد ضغطه مرتفعاً هذا القضاء، الحكم، حكم على ضغطه أنه مرتفع من خلال مقياس الضغط، فأعطى علاجاً له بإيقاف الملح، زار مريضاً آخر وجد أن ضغطه منخفض جداً، فأمر أن يزداد له الملح في الطعام، فالقضاء حكم، والقدر معالجة، لكن إذا كان هناك وضع يقتضي المعالجة تاب هذا الإنسان، هذا معنى الدعاء يوقف القضاء.
المذيع:
 دكتور نصوص شرعية كثيرة تحثنا على ألا نطلب السلطة في هذه الأرض، وأن التكليف والمسؤولية هي تكليف وليس تشريفاً، أيضاً إذا تأملنا قول الله عز وجل:

﴿ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ ﴾

[ سورة الأعراف:129 ]

 فهل على الإنسان أن يسعى ليكون خليفة حاكماً في هذه الأرض أم يبتعد عن هذه المسؤولية؟

 

العمل الصالح علة وجود الإنسان في الدنيا :

الدكتور راتب :

﴿ قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ﴾

[سورة يوسف: 55]

 إذا إنسان كفء، ويحمل اختصاصاً، وعنده إخلاص لبلده، وعرض عليه منصب، يجب أن يأخذ هذا المنصب، لأن علة وجود الإنسان هو العمل الصالح، والدليل:

﴿ وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا ﴾

[ سورة الأنعام: 132]

 والإنسان إذا اقترب أجله، ماذا يقول؟

﴿ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ﴾

[ سورة المؤمنون : 99-100]

الآن خيارات القوي، ما معنى قوي؟ قوي بالمال، قوي بالعلم، قوي بالسلطة، لذلك الغني أول عبادة يكلف بها إنفاق المال، بل إن الله ما جعل الغني غنياً إلا ليصل بماله إلى أعلى درجات الجنة، وما جعل الله القوي قوياً، قوة سلطة، منصب، إلا ليصل بقوته إلى أعلى درجات الجنة، وما جعل العالم عالماً إلا ليصل بعلمه إلى أعلى درجات الجنة، فالقوة بالمعنى الدقيق هي قوة العلم، قوة المنصب، قوة المال، فإذا كان طريق القوة سالكاً وفق منهج الله ينبغي أن تكون قوياً، إما بقوة العلم، أو قوة المال، أو قوة المنصب، بقوة المال تنشئ معهداً شرعياً، تطعم الأيتام، تنفق على المساكين، والطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق، والله يوجد مجال للعمل الصالح لا يعد ولا يحصى في الأرض، أنا كنت في إيطاليا في ميلانو سمعت عن رجل محسن من موريتانيا ماذا يفعل؟ يأتي إلى أولاد الأفارقة المسلمين، يرسل الأب ابنه كي يتسول، يعود له طوال النهار بدولار واحد، أعطى الأب عشرة دولارات و قال له:أعطنا ابنك، علمه علوماً شرعية، علوماً دينية، والله أبواب الأعمال الصالحة لا تعد ولا تحصى، بل إن الأبواب الصالحة بعدد أنفاس الخلائق، الإنسان بالعمل الصالح يرقى إلى الله عز وجل، الله استخلفنا على الأرض لإدارتها، والدليل:

﴿ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ﴾

[ سورة الأنبياء: 105]

 دقق في كلمة

﴿الصَّالِحُونَ﴾

  هنا الصالحون لا تعني صلاحاً إيمانياً، إنما صلاح لإدارتها، فالصالحون لإدارتها هم يرثون الأرض، من هنا جاء قول ابن تيمية الدقيق: إن الله ينصر الأمة الكافرة العادلة على الأمة المسلمة الظالمة.
 الدنيا تصلح بالكفر والعدل، ولا تصلح بالظلم والإيمان، فلذلك الإنسان حينما يرث الأرض إذا كان مخلصاً في إدارتها له عند الله مكافأة، لذلك ما أحسن عبدٌ - أي عبد على الإطلاق من آدم إلى يوم القيامة- من مسلم أو كافر، إلا وقع أجره على الله في الدنيا أو في الآخرة.
 إنسان في بلد غير ديّن إطلاقاً، عمل تأميناً صحياً، هذا عمل لخير الإنسانية، له عند الله مكافأة، أحب أن أعطي كلمات دقيقة جداً، إذا عمل تأميناً صحياً هذا عمل لخير الإنسانية ولو كان في بلد غير مؤمن، ما دام قدم خدمات لبني البشر له عند الله مكافأة في الدنيا، وأنت ترى الآن الأقوياء شعوبهم مخدمة خدمة عالية جداً، وهذه أحد أسباب قوتهم.
المذيع:
 هذه الفلسفة الشرعية لفكرة الاستخلاف هل على الإنسان الصالح المقتدر أن يبحث عن السلطة أم يتجنبها؟

 

البحث عن السلطة و عدم تجنبها لمن وجد في نفسه الكفاءة و القوة :

الدكتور راتب :
 إذا كان واثقاً من إيمانه، ومن ضبط شهواته، واثقاً من نفسه، سيدنا يوسف قال:

﴿ قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ﴾

[سورة يوسف: 55]

إذا كان عنده إمكانية أن يدير، إذا كل الأكفاء انسحبوا لمن بقيت الأرض؟ للضعفاء، للمنحرفين، لأصحاب المصالح والشهوات، إذا الصالح ما قبل أن يستلم منصباً رفيعاً، وهو واثق من صلاحه، ومن استقامته، ومن ورعه، لمن أبقيت هذا المنصب؟
المذيع:
 هذا إذا عرض عليه المنصب، كيف يحاول أن يتبوأ هذا المنصب مثلاً أن يرشح نفسه؟
الدكتور راتب :
 يجب أن يحاول من إدارته أن يتولى هذا المنصب، لكي يخدم الناس، عفواً القوي بجرة قلم بتوقيع يحق حقاً، ويبطل باطلاً، يعزز معروفاً، ويزيل منكراً، القوة شيء كبير في الحياة، ونحن من ضعفنا ضعفنا، الأمة الإسلامية تملك نصف ثروات الأرض، وأكبر نسبة فقر في العالم عند المسلمين، بهذه المفهومات الخاطئة، ليس لنا علاقة، فخار يكسر بعضه، هذه كلمات الناس، لا، أنت متفوق في علمك، تملك خبرة جيدة، وأتيح لك عمل صالح، منصب رفيع، يجب أن تقول: أنا أهل له، وتتولاه.
المذيع:
 سيدنا أبو ذر عندما طلب الولاية من النبي صلى الله عليه وسلم لم يعطه إياها.
الدكتور راتب :
 قال له: أنت ضعيف.
المذيع:
 لكنه كان من الصالحين.
الدكتور راتب :
 لا يكفي، قال تعالى:

﴿ قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ ﴾

[سورة القصص: 26]

 لا يكفي أن يكون أميناً، يجب أن يكون قوياً، قد تتوافر القوة ولا تتوافر الأمانة، هذه المشكلة، أو تتوافر الأمانة يوجد قوة، قال له: إنك ضعيف.
المذيع:
 الأصل في فكرة الاستخلاف أن يبتعد الإنسان عن أن يكون مسؤولاً، لكن إذا وجد في نفسه الأمانة والمهنية الدنيا عليه أن يطلبها؟

 

من ارتفع مقامه اتسعت رؤيته :

الدكتور راتب :
 والله فرض عليه، إذا أنت كنت معلم صف، و يوجد عندك ثلاثون طالباً، فكل خيرك لثلاثين، لو كنت مدير مدرسة، عندك ألف وثلاثمئة طالب، خيرك صار لألف وثلاثمئة، لو كنت مدير تربية عندك محافظة، فيها مليون طالب، فيها خمسة آلاف مدرّس، فخيرك لمليون طالب ولخمسة آلاف مدرّس، لو كنت وزير تربية وعملت مناهج صحيحة إيمانية، تشير إلى الله، وإلى علة وجود الإنسان، أنت أنقذت أمة بكاملها، فكلما ارتفع المنصب ترتفع الرؤية، مرة كنت آتي من المغرب إلى سوريا، الطيار كان طالباً عندي، فدعاني إلى غرفته، قبل أن ندخل القطر صدقوا أني شاهدت من طرطوس إلى صيدا بنظرة واحدة، كم المسافة؟ أربعمئة وخمسون كيلو متراً، رأيتهم بنظرة واحدة، معنى ذلك أن الإنسان كلما ارتفع مقامه اتسعت رؤيته، الطيار يرى على الأرض تقريباً خمسمئة كيلو متر، يراها بنظرة واحدة.
المذيع:
 أنت قلت دكتور إن الإنسان إذا كان أكثر أمانة فوصل إلى منصب وزير للتربية، وكان هناك مناهج تدل الناس على الله، هل تكفي هذه المناهج بل عليه أن يقدم مناهج دنيوية تعلم العلوم والرياضيات؟

ثلاث مؤسسات تبني الأمة :

الدكتور راتب :
 مدرسون جيدون، أصحاب كفاءة وإخلاص، يرفع الرواتب حتى يقبل الذكي أن يأتي إلى التدريس، عندنا خطر كبير جداً، من الذي يبني الأمة؟ وهذا كلام خطير جداً، ثلاث مؤسسات؛ الأسرة، والمدرسة، والمرجعيات الإسلامية، فإذا أوهمت الفتاة أنها إذا ربت أولادها فقط متخلفة، يجب أن تخرج كل يوم إلى عمل، لمن بقي الأولاد؟ للخادمة، هذه أول مؤسسة لبناء الأمة، الأسرة، بعض الدول أرقى عبارة تكتب على هوية الإنسان: ربة منزل، للمرأة إذا ربت أولادها، بعد التربية هناك المعلم، إذا المعلم فقير إلى درجة غير معقولة إطلاقاً، من الذي يختار التعليم؟ الطبقة الدنيا الدنيا، أنت تسلم هذا المعلم ابنك الذي هو فلذة كبدك، قد يدخن أمامه.
المذيع:
 قال تعالى:

﴿ إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً ﴾

[ سورة الكهف: 84 ]

 هل التمكين هو ذاته الاستخلاف أم هناك فرق بين هذه المصطلحات القرآنية؟

 

كل إنسان مستخلف أما الممكن فهو من كان ذا منصب :

الدكتور راتب :
 كل إنسان مستخلف، أما الممكن في الأرض فمن سمح الله له أن يكون ذا منصب، مكنا له في الأرض، وزير مثلاً.
المذيع:
 مثال على الاستخلاف.
الدكتور راتب :
 لا يوجد إنسان غير مستخلف، كل إنسان مستخلف فيما دونه، حتى الخادم مع سيده مستخلف، هل خدمه خدمة صحيحة أم غشه بالخدمة؟ حينما غاب السيد هل التفت إلى أولاده أم أهملهم؟
المذيع:
 مصطلح الاستخلاف مسؤولية مع أمانة كبيرة جداً، أما التمكين فهو منصب.
الدكتور راتب :

﴿ إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ ﴾

[ سورة الكهف: 84 ]

المذيع:
 معنا اتصال تفضلي أختي أم خالد...
السائل:
 بالنسبة للقضاء والقدر مثل المريض والعلاج، القضاء المريض وعلاجه القدر..

 

القضاء و القدر :

الدكتور راتب :
 القضاء الحكم والقدر المعالجة...
المذيع:
 أختي أم خالد...
السائل:
 أعرف أن القضاء يتغير بالدعاء لكن القدر لا يتغير فكيف يتناسب مع الذي قلته؟
الدكتور راتب :
 لأن الله عز وجل في عالم الأزل حينما عرض الأمانة على الإنسان، وقبل أن يحملها، كل إنسان في عالم الأزل كان له موقف، فجاء إلى الدنيا بصورة، وبوضع، وبأم، وبأب، وبمكانة معينة، وبجغرافيا معينة، أنسب شيء لموقفه في عالم الأزل، أنا مخير فيما كلفت فقط، أما أنا لم أختر أمي وأبي، ولا اخترت كوني ذكراً أم أنثى، وما اخترت قدراتي العامة، يوجد مليون شيء أنا لم أختره، لكن يقيناً هذا لصالحي، والدليل يوم القيامة، قال تعالى:

﴿ وآخِرُ دَعْوَاهُمْ أنِ الحَمْدُ لِلَّه رَبّ العالَمِينَ ﴾

[ سورة يونس : 10 ]

 وقد عبر عن هذا الإمام الغزالي فقال: ليس في إمكاني أبدع مما أعطاني.
المذيع:
 فكرة القضاء والقدر مع الدعاء، الدعاء يرد القضاء هل لنا أن نوضحها دكتور؟
الدكتور راتب :
 إذا طبيب اكتشف أن الكلية لا تعمل، هذا عمل فحصاً وجد أن هذه الكلية لا تعمل، فلا بد من استئصالها، لو فرضنا جدلاً هذه الكلية عادت لتعمل هل نستأصلها؟ لا ، معنى ذلك إذا إنسان يتعامل بالمال الحرام، والمال الحرام له عقاب عند الله فانتبه، وهناك إنسان نصحه، ثم سمع درس علم، واستفاد، وترك الحرام، العلاج المقدر لمن يكسب المال الحرام توقف، هذا العلاج، هذا معنى الدعاء يرد القضاء.
المذيع:
 ربنا مطلع على كل الأمور قبل أن تحصل وهذا لا يعني أن الله عز وجل فرض على الإنسان؟

 

الله عز وجل علمه علم كشف لا علم إجبار :

الدكتور راتب :
الله عز وجل علمه علم كشف لا علم إجبار، كيف؟ إذا شخص يقف في الطابق العاشر في الشرفة، وهو يطل على ساحة فيها عدة طرق، لو طريق يتجه نحو دار سينما أو ملهى، وطريق يتجه نحو مسجد، هو بالطابق العاشر رأى إنساناً يتجه نحو الطريق الموصل إلى الملهى، هو عرف إلى أين يمشي، لكن معرفته ليس لها علاقة باختيار الماشي، الله عز وجل علمه علم كشف لا علم إجبار.
المذيع:
 الله يعلم الأحداث قبل أن تحدث، لكنه جعل خيار الإنسان ليكون عادلاً في الحساب.
الدكتور راتب :
 الله عز وجل علمه علم كشف لا علم إجبار.
المذيع:
 تفضل أخونا يوسف...
السائل:
 حول قضية الاستخلاف في الأرض كيف نوفق بين ما تفضلت به وهو جائز ومقبول وبين المقولة التي تقول: طالب الولاية لا يولى؟

الولاية مسؤولية كبيرة جداً :

الدكتور راتب :
 الولاية مسؤولية كبيرة جداً، والإنسان المؤمن الورع يخاف منها، وعندما كلف سيدنا عمر أن يستخلف ابنه قال: كفى آل الخطاب أن يسأل منهم رجل واحد. أنت مسؤول عن كل إنسان، عن كل فقير، عن كل جريمة وقعت، إذا كان سببها تقصير أولي الأمر، هذا المؤمن كلما كبرت معرفته بالله يخاف من الله أكثر، المؤمن مطلوب منه ألا يقبل، أما إذا كلف فالله يعينه، الإنسان إذا طلب الولاية وكل إليها، أما إذا كلف بها أعين عليها، إن طلبها طمعاً في دخلها ووجاهتها وكل إليها، وقد تزل قدمه، أما إذا تركها خوفاً من المسؤولية ثم أجبر على أن يفعلها أعين عليها.
المذيع:
 الأصل في الإنسان ألا يطلب المسؤولية ولا يتولى الاستخلاف، ولكن إذا كلف بها وكان أهلاً لها يجب أن يقبلها.
الدكتور راتب :
 عندي حالة خاصة إذا كلف بولاية ولم يكن له قرار حقيقي، أي لن يكلف أن يأخذ القرار، صار أداة ليس له قيمة، لا تقبل أن تكون أداة رخيصة بيد القوي، لا تقبلها.
المذيع:
 القاعدة إذا لم يكن هناك إلا أنا لأشغل هذه المسؤولية أذهب إليها أما إذا كان هناك من هو خير مني فأدعها.
الدكتور راتب :
 يعان عليها من الله عز وجل.
المذيع:
 تفضل أبو عبادة...
السائل:
 الاستخلاف في الأرض أيضاً الوالدان مستخلفان لكي يرعوا أولادهم؟

 

الأب و الأم مستخلفان برعاية أولادهم :

الدكتور راتب :
 عن أي والدين؟ نظام أسرة، الأب والأم مكلفان أن يرعوا أولادهم.
المذيع:
 هل يعد الأب والأم مستخلفين؟
الدكتور راتب :
 أي أب وأي أم هو مستخلف.
المذيع:
 تفضل أبو عبادة...
السائل:
 بعض الآباء لا علاقة لهم بالدين، الأولاد ينشؤون بعيدين عن الصلاح، سوف يكون هذا الجيل بعيداً عن الالتزام، بعيداً عن الدين، كيف سيحاسبون؟

أيّ إنسان على وجه الأرض قيم الدين مودعة في فطرته :

الدكتور راتب :
 الجواب إذا شخص والده فقير، لماذا يبحث عن المال؟ واقعه فقر لماذا يبحث؟ لأن الدين مركوز بالفطرة أخي الكريم، أي إنسان على وجه الأرض قيم الدين مودعة في فطرته، قال تعالى:

﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّه﴾

[ سورة الروم: 30]

 أي أمر إلهي الله عز وجل أمرك فيه أودع محبته في قلبك، أي نهي الله نهاك عنه أودع كراهيته في قلبك، فالإنسان إذا عصى الله يشعر بالكآبة، لذلك آلاف الأشخاص نشؤوا في بيئة سيئة جداً لم يتحملوها صار معهم كآبة، والكآبة قادتهم إلى الإيمان بالله.
المذيع:
 ماذا يفعل الابن الذي نشأ في عائلة بعيدة عن الدين؟
الدكتور راتب :
 قل لي كم إنسان والجه فقير صار غنياً؟ مليون إنسان، لماذا لم يقبل وضع والده المادي؟ لماذا أنت تأخذ الاختيار فقط للأمور المالية، السائل عفواً و لست أنت، لماذا من الناحية المادية ما قبل أن يكون فقيراً، فدرس وأخذ دكتوراه وصار غنياً، والإنسان إذا شاهد والده سيئاً، يجب أن يختار شيئاً بخلاف واقع أبيه.
المذيع:
 أخي يوسف تفضل...
السائل:
 الدكتور قال: إن الإنسان إذا استطاع أن يأخذ منصباً، وهو متأكد من ورعه، ولن يطغى، فعليه أن يتقدم لهذا المنصب، النقطة كيف يتأكد الإنسان من ورعه وقد رأينا الكثير من الورعين استلموا مثل هذه المناصب وفسدت أخلاقهم وإيمانهم؟

 

من ذاق طعم القرب من الله من المستحيل أن يعصيه :

الدكتور راتب :
 معنى هذا أن إيمانهم غير صحيح، أنا أقصد الموقن قال تعالى:

﴿ قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ﴾

[سورة يوسف: 55]

 النقطة الدقيقة تكمل الجواب قال تعالى:

﴿ بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ ﴾

[ سورة القيامة: 14-15 ]

 الوهم شي ء والواقع شيء آخر..
المذيع:
 كعلامات دكتور كيف لي أن أعرف أنني سوف سأثبت أمام هذه المهمة أم لا؟
الدكتور راتب :
هذا الإنسان سيدخل في حالة شك مرضي، شخص يمشي طوال عمره بشكل صحيح، لم يأكل مالاً حراماً، لم يكذب، ما ترك صلاة، يلتزم دروس العلم، وصل إلى يقين صعب أن يتراجع عن هذا واحداً بالمليون، إذا شخص أكل طعاماً طيباً، هل يأكل طعاماً سيئاً؟ ذاق طعم القرب من الله، أساساً الله عز وجل كان يربيه، إذا غلط يحجبه عنه، لا ينام الليل، هذا مربى سيدي، إذا أخطأ خطأ عن غير قصد لا يوجد عليه محاسبة، رفع عن أمتي الخطأ والإكراه وما أجبروا عليه والنسيان..
 الإنسان لا يلغي سيارة فخمة جداً إذا المرآة معطلة، يصلحها ويركبها، لا يلغي عطاء كبيراً من أجل توهم، هذه صارت وسوسة، وهي مرض نفسي.
المذيع:
 إذا عدنا إلى فكرة الاستخلاف عندما الله عز وجل قال:

﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾

[ سورة البقرة: 30 ]

 لماذا كانت الحكمة الإلهية أن يكون المستخلف على هذه الأرض الإنسان لم يكن ملكاً أو شيئاً آخر؟

 

الإنسان مكلف و التكليف يحتاج إلى اختيار :

الدكتور راتب :
 الملك معه عقل فقط، والحيوان معه شهوة فقط، كلاهما غير مكلف، شخص اختار عملاً جيداً جداً، وآخر اختار عملاً شهوانياً، كلاهما غير مكلف لأنه غير مختار، والتكليف يحتاج إلى اختيار، الإنسان عندما قبل حمل الأمانة أعطاه مقومات، والكون أكبر شاهد على الله، كل شيء في الكون يخبرك بوحدانية الله، وكماله، ووجوده، أما الإنسان حينما يختار منصباً رفيعاً يكون واثقاً من نفسه، أما إذا لم يكن واثقاً من نفسه الآية فهمها فهماً خاطئاً، قال تعالى:

﴿ بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ ﴾

[ سورة القيامة: 14-15 ]

 سيدي قد تقنع جميع أهل الأرض بشيء معين لبعض الوقت، وقد تقنع بعضهم لكل الوقت، أما أن تقنعهم جميعاً بشيء غير صحيح لكل الوقت فهذا مستحيل وألف ألف مستحيل، أم أن تجهل نفسك ولا ثانية، ولا دقيقة:

﴿ بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ ﴾

[ سورة القيامة: 14-15 ]

المذيع:
 الاستخلاف وهذه الأمانة الشرعية ما المفروض أن يتغير بالشباب الذي يستمعون إلينا؟ ماذا عليهم أن يفعلوا؟

 

مسؤولية الشباب و الشابات ليكونوا مستخلفين في الأرض :

الدكتور راتب :
 أن يتفوقوا في دراستهم حتى يستحقوا أن يحتلوا مركزاً يسمح لهم أن يقرروا، صاحب قرار، صاحب توقيع، أنت عندما تحضر إنساناً تسلمه بلدية، ليس من الممكن أن يكون هناك نهب، قصة مشهورة حاكم في تركيا كان رئيس بلدية استانبول، قبل استلامها كان هناك عجز بالميزانية، حوالي مليارين، بعد استلامها صار هناك فائض، مليارا ليرة، سئل ما هذه المكانة الكبيرة قبل استلامها وبعد استلامها؟ قال: لأني لم أسرق فقط. قال تعالى:

﴿ بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ ﴾

[ سورة القيامة: 14-15 ]

المذيع:
 إضافة للتفوق العلمي ماذا تنصح شبابنا وبناتنا؟
الدكتور راتب :
أنصحهم بالتفوق، نحن لسنا بحاجة إلى أشخاص، نحن بحاجة إلى من يعيش في سبيل أمته، أقول لك كلمة ثانية الحقيقة أن الأمة لا ترحب كثيراً بمن يموت في سبيلها، هي بحاجة إلى من يعيش في سبيلها، إذا شخص أخذ اختصاصاً عالياً، وبنى أمته، معه اختصاص نادر في بلده، وبقي في بلده، ما جذبته أوروبا، وذهب إلى هناك، وخدم أهل الدنيا، هذه بطولة، أنت معك رسالة في الحياة، الشاب إذا تفوق في علمه، هذا ملك أمته، وعمله صالح، وله مكانة كبيرة جداً، لذلك أنت بحاجة أن تحمل رسالة، من دون رسالة الحياة مملة، بلده ممل، أما برسالة فبلده أول بلد يجب أن يخدمه، لأنه أكل من خيره.
المذيع:
 حديثنا عن الاستخلاف في الأرض، وقد وضح فضيلة الأستاذ الدكتور محمد أن كل إنسان مستخلف بالمسؤولية، وفي الأمانة التي بين يديه، سيد العمل مستخلف في أن يرعى من يعملون لديه من العمال، ومن الخدم، وكل شخص منهم مستخلف على الأمانة التي بين يديه، في وظيفته، وكان يتحدث فضيلته عن مسؤولية الشباب والشابات ليكونوا مستخلفين في الأرض بأن يكونوا متفوقين في دينهم، وأن يكونوا متفوقين في دنياهم، وأن يعمروا بلدانهم، حتى يعود النصر من جديد.
الدكتور راتب :
 أنا كنت في أمريكا في ولاية ديترويت، فيها خمسة آلاف طبيب يحملون بورد من بلد عربي ما قولك؟ أليست بلادهم أحوج لهم؟
المذيع:
 بل بلادهم لا توفر نفس الفرص، ولا نفس الرواتب، ولا الجنسية.
الدكتور راتب :
 يجب أن تضحي، يوجد جنة، لماذا الله عز وجل جعل التضحية في جنة للأبد؟ يجب أن نضحي، أنا أعرف أطباء والله دخلهم فلكي جاؤوا إلى بلدهم، وطبعاً يوجد تخلف في المستشفيات والأدوية لكنهم خدموا أمة، إذا شخص لم يخدم أمته هناك مشكلة كبيرة جداً.
المذيع:
 الآن لو شاب أو فتاة تقوى من الناحية الإيمانية، ثم تقوى من الناحية العلمية والدنيوية، حتى لو ذهب إلى الخارج، وأخذ العلم من مناهله، وعاد بعد ذلك إلى بلده بنية بنائها وتطويرها، هل هذا يعد عبادة في سبيل الله؟

 

أكبر عبادة من أخذ العلم من مناهله ثم عاد ليخدم أمته :

الدكتور راتب :
 والله هذا أكبر جهاد، أنا قلت: يوجد بولاية واحدة خمسة آلاف طبيب يحملون بورد، نحن كي نرسل مريضاً إلى أمريكا ندفع ملايين من أجل العلاج، إذا جاء البورد لعندنا، أمريكا صارت في بلادنا، هذا الذي يأتي معه رسالة، إذا معه رسالة لخدمة أمته ودينه، يأتي إلى بلاده يخدم أهل البلد.
المذيع:
 إذاً هي رسالة للشباب والفتيات بأن يزدادوا علماً ثم يعودوا ويبنوا بلادنا حتى تصبح قوية كما كنا في الماضي، نريد أن نختم بدعاء..

الدعاء :

الدكتور راتب:
 اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، مولانا رب العالمين، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك، اللهم لا تؤمنا مكرك، ولا تهتك عنا سترك، ولا تنسنا ذكرك، اللهم صن وجوهنا باليسار، و لا تبذلها بالإقتار، فنسأل شر خلقك، و نبتلى بحمد من أعطى، و ذم من منع، و أنت من فوقهم ولي العطاء، و بيدك وحدك خزائن الأرض و السماء، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارض عنا، اجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً وسائر بلاد المسلمين، واحقن دماء المسلمين في كل مكان، واحقن دماءهم في الشام، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي، وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين، الفاتحة.

خاتمة و توديع :

المذيع :
 بارك الله بكم فضيلة العلّامة الدكتور محمد راتب النابلسي، متحدثاً عن الاستخلاف في الأرض.
 إلى هنا نصل إلى ختام هذه الحلقة، سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور