وضع داكن
18-04-2024
Logo
حياة المسلم 1- إذاعة حياة إف إم- الحلقة : 035 - القضاء والقدر.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

المذيع:
  بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، يا ربنا صلِّ وسلم، أنعم وأكرم على نبينا ورسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، أهلاً ومرحباً بكم مستمعينا الكرام على الهواء مباشرةً عبر أثير إذاعتكم حياة FM، نتواصل في حلقة جديدة من حلقات برنامجكم مع الدكتور محمد راتب النابلسي، وباسمكم نرحب بفضيلة العلّامة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي، حياكم الله دكتور.
الدكتور راتب :
 بارك الله بكم، ونفع بكم.
المذيع:
 حديثنا عن القضاء والقدر معكم مستمعينا فما هو القضاء والقدر؟ وهل كلاهما واحد؟ وهل هناك فرق بينهما؟ ما الرابط والعلاقة بين القضاء والقدر وبين ما يقولون إنه نصيب كالزواج، وما نرتبط فيه من أفكارنا في الرزق والمعاصي وما نظنه أنه قدر علينا، هذا هو حديثنا، وأبدأ بالمحور الأول والسؤال الأول ما هو القضاء؟ وما هو القدر؟

تعريف القضاء و القدر :

الدكتور راتب :
 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد، وعلى آله وأصحابه الطيّبين الطاهرين، أمناء دعوته، وقادة ألوِيَتِه، وارضَ عنّا وعنهم يا ربّ العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وُحول الشهوات إلى جنّات القربات.
 بالتفصيل والتبسيط، البطولة في التبسيط، قد تكون هناك معان معقدة جداً فتبسيطها جزء من عرضها على الأخوة المستمعين، القضاء حكم والقدر معالجة، فلو أن هناك طبيباً في مستشفى مرّ على مرضاه، قاس ضغط المريض الأول، فإذا الضغط مرتفع جداً فحكم عليه أن ضغطه مرتفع، وأن الضغط المرتفع هو القاتل الصامت، فأمر بحمية عن الملح كلياً، فحينما قاس الضغط وجده مرتفعاً حكم عليه أن ضغطه مرتفع، فلما أمر بمنع الملح في الأكل قدر له المعالجة، فبتبسيط شديد القضاء هو الحكم، والقدر هو المعالجة، فالإنسان إذا كان يمشي بطاعة الله، الله عز وجل علم منه استقامته، وعلم منه إخلاصه، أو عدم إخلاصه، فقدر له مكافأة إذا كان على ما ينبغي، وقدر له معالجة إذا كان على خلاف ما ينبغي.
المذيع:
 ممكن نوضحها بمثال دكتور؟
الدكتور راتب :
المثل الثاني مرّ على مريض آخر وجد ضغطه منخفضاً جداً، فأمر بطعام فيه ملح زائد، الأول أمر بطعام لا يوجد به ملح كمعالجة للضغط المرتفع، والثاني أمر بطعام فيه ملح زائد ليرتفع الضغط، أحياناً يعلم الله عز وجل أن هذا العبد يمشي وفق منهج الله، يتوخى طاعة الله، دخله حلال، زواجه إسلامي، ربى أولاده تربية عالية، الله يقدر له حياة طيبة، فالحياة الطيبة من قدر الله عز وجل، من قدر الله لهذا العبد الذي آمن به وطبق منهجه، قال تعالى:

﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً ﴾

[سورة مريم: 96]

﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ﴾

[ سورة النحل: 97 ]

 فالحياة الطيبة هي المكافأة الإلهية لمن عمل صالحاً من ذكر او أنثى، فحينما يعلم الله من عبده طاعته وإخلاصه في الطاعة، وتوخيه مرضاته، وطبق منهجه تماماً هذا هو القضاء، أي حكم عليه أنه كما ينبغي فقدر له المكافأة بحياة طيبة، وحينما علم من عبد آخر أنه خرج عن منهج الله، إما بجهل لهذا المنهج، أو لشهوة غلبت عليه، فيقدر الله له شيئاً متعباً، شيئاً مزعجاً لعله يرده إليه، قال تعالى:

﴿ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾

[ سورة السجدة : 21]

المذيع:
 كتعريف القضاء شرعاً ما هو؟
الدكتور راتب :
 الحكم، والقدر المعالجة، حكم الله عليه أنه وفق منهجه فقدر له حياة طيبة، والثاني حكم الله عليه أنه معرض عن ذكر الله فحكم له بمعيشة ضنك.
المذيع:
 حكم الله جاء بناء على سلوك الإنسان؟

 

الفهم الخاطئ للقضاء و القدر ينهي العدل الإلهي :

الدكتور راتب :
 أبداً، قال تعالى:

﴿ إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ ﴾

[سورة يس: 12]

 ونكتب - فعل مضارع - ما قدمه، أما أن يتوهم الإنسان أن الإنسان قبل أن يولد كتب عليه أنه شقي، هذا الفهم للقضاء والقدر فهم خطير جداً، هذا الفهم ينهي العدل الإلهي، ينهي الجنة والنار، ينهي الثواب والعقاب، جيء لسيدنا عمر بشارب خمر فقال: أقيموا عليه الحد، فقال: والله يا أمير المؤمنين إن الله قدر عليَّ ذلك، بالمفهوم الشائع عند الجهلة، فقال: أقيموا عليه الحد مرتين، مرة لأنه شرب الخمر، ومرة لأنه افترى على الله، قال له: ويحك يا هذا إن قضاء الله لم يخرجك من الاختيار إلى الاضطرار..
المذيع:
 إذاً الإنسان مسير وليس مخيراً؟

 

الإنسان مخير و ليس مسيراً :

الدكتور راتب :
 هو مسير لما اختار، قال تعالى:

﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً ﴾

[سورة الإنسان : 13]

﴿ و لِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ ﴾

[سورة الأنعام: 132]

فالإنسان مخير فإذا توهمنا أن نلغي الاختيار ألغينا الدين، ألغينا العدل، ألغينا الثواب، ألغينا العقاب، ألغينا الجنة، ألغينا النار، أخطر عقيدة تشاع بين المسلمين عقيدة الجبر، أن الله كتب علينا الشقاء من عالم الأزل، ويأتي الإنسان إلى هذه الدنيا مهما فعل مكتوب عليه أن يكون شقياً، فما قولك بمدرسة افتتحت واحد أيلول، جمع المدير الطلاب جميعاً في باحة واحدة وقال: سأتلو عليكم أسماء الناجحين في آخر العام، وأسماء الراسبين، ليس معقولاً.
المذيع:
 ما من داع ليتعب أحد..
الدكتور راتب :
 أنا حينما أفهم القضاء والقدر قضاء جبر ألغيت الدين كله، أما القضاء والقدر فهو كشف، علم الله بنا ليس علم جبر، بل علم كشف، أوضح الفكرة، أنت ساكن بالطابق الخامس، وهذا البيت مطل على ساحة، فيها طريقان، طريق إلى ملهى وطريق إلى مسجد، هذا الطريق لا يوجد به إلا مسجد في النهاية، والطريق الثاني فيه ملهى، وأنت تقف في الشرفة، رأيت رجلاً مشى نحو الملهى، أنت هل أجبرته على أن يذهب للملهى؟ هو لا يراك أصلاً، هل أجبرته على أن يذهب للملهى؟ لا، علم كشف لا علم جبر، إذا المدرس قال: هذا الطالب سينجح و يكون الأول، هل يكون الأستاذ هو من درس عنه؟ ثم قال: وهذا الطالب لن ينجح، هذا العلم اسمه علم كشف لا علم جبر، ما لم ننزه الذات الإلهية، هذا الدين يقوم على تنزيه الذات الإلهية، وأي طعن في عدل الله، وفي مسلمات العقل والمنهج، هذا طعن بالدين، أي لا يوجد عقيدة استغلت أسوأ استغلال وكان لها أثر مخيف كعقيدة القضاء والقدر، وحينما أقول لك عملاق الإسلام، هؤلاء الصحابة الكرام الكبار الراشدون، الذي قال: أقيموا عليه الحد مرتين، مرة لأنه شرب الخمر، ومرة لأنه افترى على الله.. هذا الشيء ليس معقولاً إطلاقاً، الله عز وجل يقول:

﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً ﴾

[سورة الإنسان: 3]

﴿ سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ ﴾

[ سورة الأنعام : 148]

المذيع:
 الله عز وجل خلق الإنسان وجعله صاحب الخيار، هو يختار ماذا يريد..
الدكتور راتب :
 الآية:

﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً ﴾

[سورة الإنسان: 3]

المذيع:
 ربنا أتاح السبيلين وكل إنسان يختار.
الدكتور راتب :

﴿ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ﴾

[سورة الكهف : 29 ]

﴿ سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا ﴾

[ سورة الأنعام : 148]

 ثلاث آيات سيدي:

﴿ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ﴾

[سورة الكهف : 29 ]

 على من يعود فاعل يشاء؟
المذيع:
 الإنسان..
الدكتور راتب :
 الإنسان، قال تعالى:

﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً ﴾

[سورة الإنسان: 3]

 الآن:

﴿ سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا ﴾

[ سورة الأنعام : 148]

 هذه مقولة أهل الشرك..

﴿ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ ﴾

[ سورة الأنعام : 148]

 بعد القرآن لا يوجد كلام.
المذيع:
 الله عز وجل خلقنا، وخلق لكل إنسان طريقين.

 

الله عز وجل خلق الإنسان ليسعده :

الدكتور راتب :
 خلقنا ليسعدنا، قال تعالى:

﴿ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ﴾

[ سورة هود:119] 

لا يوجد أن الله خلقنا للعذاب، لا يوجد أن الله خلقنا للمصائب، هذا كله كلام العامة تحت قدمك.
المذيع:
 ربنا خلق كل إنسان وأمامه طريقين، طريق الخير وطريق الشر، طريق الإيمان وطريق الكفر، كل إنسان يختار، لكن الله العليم الخبير يعلم مسبقاً اختياري قبل أن أختاره، لكن لا يختار عني ولا يجبرني، أن فلاناً مؤمناً، وفلاناً صالحاً، وفلاناً فاسقاً، لأن هذا يتنافى مع العدل المطلق.
الدكتور راتب :
 عبروا عن هذه الفكرة التي تفضلت بها علم الله في المستقبل علم كشف لا علم جبر.
المذيع:
 أما الخيار فهو للإنسان.
الدكتور راتب :
 أبداً، وإذا ألغي الخيار ألغي الدين، ألغي الثواب، ألغي العقاب، ألغيت الجنة، ألغيت النار، وأصبح الدين تمثيلية سمجة.
المذيع:
 حاشاه أن يكون كذلك، في ظل الآيات التي فسرتها دكتور قال تعالى:

﴿ إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ﴾

[ سورة القصص: 56 ]

على كل إنسان أن يختار كي يثمن عمله :

الدكتور راتب :
 لأنني يا محمد أعطيت كل إنسان خياراً، فأنت لا تستطيع أن تهديهم قصراً أنا أعطيتهم حرية، قال تعالى:

﴿ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ﴾

[ سورة هود: 118 ]

 لكن شاءت حكمة الله أن يعطى الإنسان خياراً ليثمن عمله.
المذيع:
 لكن الله يهدي من يشاء، من الذي يشاء؟ الإنسان، أي الذي يشاء الهداية ربنا يفتح له أبواب الهداية، هذا ما علاقته بالقضاء والقدر؟

 

الله تعالى أمر عباده تخييراً و نهاهم تحذيراً :

الدكتور راتب :
 هو القضاء والقدر لا يوجد شيء ثان، لكن لا يوجد عقيدة ركب عليها عقائد وثنية، وعقائد أساسها الجهل كعقيدة القضاء والقدر، الله ما كتب له أن يهتدي، لماذا خلقه إذاً؟ قال تعالى:

﴿ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ﴾

[ سورة هود:119]

 قرآن..
المذيع:
 بعض الناس لماذا لا تصلي؟ حتى يكتب الله لنا الهداية..
الدكتور راتب :
 أعوذ بالله.
المذيع:
 هذه الإجابة حرام.
الدكتور راتب :
 أبداً، سيدنا علي قال: لعلك ظننت قضاء لازماً وقدراً حاكماً إذاً لبطل الوعد والوعيد، وانتفى الثواب والعقاب، إن الله أمر عباده تخييراً، وكلف يسيراً ولم يكلف عسيراً، وأعطى على القليل كثيراً، فهمه عميق جداً، ولم يعص مغلوباً ولم يطع مكرهاً.
المذيع:
 ما الذي كتبه الله على الإنسان قبل أن يخلق؟

 

من أعرض عن الله يعالجه الله في الدنيا قبل الآخرة :

الدكتور راتب :
 يوجد قوانين، هذا الإنسان إذا أعرض عن الله سيعالج معالجة صعبة في الدنيا، قال تعالى:

﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴾

[ سورة طه: 124 ]

 من: اسم شرط جازم، القصة أن الإله رب، معنى رب، أنت أب جاء ابنك لا سمح الله بجلائه وقد نال علامات متدنية جداً، أنت أب ولك على ابنك سلطة، وترجو له أن يكون شخصية متألقة في مستقبل أيامه فتعاقبه، عقابه نتج من تقصيره في الدراسة، أنت عندما قرأت الجلاء، و رأيت أن ابنك قد أخذ علامات متدنية هذا القضاء، فلما منعت عنه المبلغ المادي اليومي لأسبوع عالجته، القضاء علم والقدر معالجة.
المذيع:
 ما الذي قدره الله على الإنسان قبل أن يُخلق، أجله ورزقه وسعيد هو أم شقي؟

 

من أطاع الله سعد بطاعته و من عصاه شقي بمعصيته :

الدكتور راتب :
 هذا الكلام يحتاج إلى تفسير، كأن الله عز وجل أمر الملكين أن يكونا معه، فاكتبا ما إذا كان سيكون شقياً أو سعيداً، اكتبا ماذا سيفعل، أنا أرسلت ابني إلى أوروبا ليدرس، أردت أن أتأكد من سلوكه، أرسلت له شخصاً من طرفي يكون معه دائماً، و أمرته أن يكتب لي كل شيء عنه، الابن مخير كل شيء يفعله سيكتب عليه، فاكتب لي اهتم بالدراسة أم ترك الجامعة، اكتب أيها الملك أكان مطيعاً لله فسعد بطاعته أم عصى ربه فشقي بمعصيته.المذيع:
 قضية الهداية والاستقامة مربوطة بالإنسان، هو صاحب القرار، الرزق هل الإنسان من خلال سعيه يرزق أم من الله؟

 

تأديب الله الإنسان ليعود إلى طريق الاستقامة :

الدكتور راتب :
 قد يُحرم المرء الرزق بالمعصية، الله عز وجل أعطاك الاختيار، هو معه ملايين الأدوات المؤدبة، أحياناً يؤدب الإنسان بمصيبة، أحياناً بشبح مصيبة، أحياناً بفقر، أحياناً بقهر، أحياناً بمرض، صدق ولا أبالغ أحياناً يأتي المرض يرد الإنسان من الإلحاد إلى الإيمان، ورم خبيث بمقتبل حياته ومعه شهادات عليا، وهو كان يعتقد أن الدين أفيون الشعوب، والله معي قصص من خلال الدعوة لا تصدق، درس في فرنسا كومبيوتر، وحقق علامات عالية، واختصاص نادر، وجاء لعندي و أنا في الجامع، وقال: لا يوجد معصية تتصورها إلا فعلتها، لكن لم أقتل أحداً، جاء إلى الشام وفتح مكتباً ومارس اختصاصه، وشاهد كل شيء أمامه يتحرك، ليس معقولاً الأشخاص، الطرقات، السيارة، ما ترك طبيباً، ذهب إلى ستة وثلاثين طبيباً، ثم ذهب لأكبر طبيب في فرنسا، هذا الطبيب قال له: مشكلتك منتهية لا يوجد أمل، اذهب إلى الهند، وابق هناك حتى الموت. يبدو أن هذا الإنسان جاء إلى الشام، وبيته إلى جانب الجامع، في درس من الدروس كنت أتكلم عن الأمور التي تمشي بقضاء الله وقدره، والإنسان الله أحياناً يعالجه، يقول لي: أنا أول يوم أصلي بحياتي، صار يبكي في الصلاة، والتزم الشرع، واحتمال شفائه واحد بالمليون، وشفي شفاء تاماً، الله كبير، عامله كل شيء بيده، أن يخلقك للعذاب مستحيل، رحيم، قال تعالى:

﴿ وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ ﴾

[سورة الكهف: 58]

 أنت تتمنى أن تعذب ابنك؟ يوجد مفاهيم للقضاء والقدر من أخطر ما يكون، والله منفرة من الدين، منفرة من رب العالمين.
المذيع:
 ممكن أن توضح كيف يكون الفهم الخاطئ للقضاء والقدر حتى تكون واضحة للمستمعين.

 

الفهم الخاطئ للقضاء والقدر :

الدكتور راتب :
 جيء لسيدنا عمر بشارب خمر فقال: أقيموا عليه الحد، فقال: والله يا أمير المؤمنين إن الله قدر عليَّ ذلك، هذا كلام العامة كلهم، الله مقدر عليه المعصية، مقدر عليه الشقاء، لا يوجد أمل، امرأة تقول عن ابنتها: هذه البنت مسكينة ليس لها حظ، ما هذا الحظ؟ فتاة مؤمنة مستقيمة محجبة لها عند الله وعد كبير، قال تعالى:

﴿ أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾

[ سورة القصص :61 ]

المذيع:
 ما هو وعد الله لها؟
الدكتور راتب :
 الوعد بالاستخلاف، الوعد بالتمكين، الوعد بالحفظ، الوعد بالسعادة، الوعد بحياة طيبة.
المذيع:
 الذي ذكرته كثير من الناس يقول لك: الزواج عبارة عن نصيب وقدر.
الدكتور راتب :
 لماذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: " تخيروا لنطفكم " لماذا قال؟ معنى هذا أن النبي كان مخطئاً؟ لماذا يقولون:

(( فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ ))

[ متفق عليه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ]

 لماذا؟ لو كان الأمر قضاء ما من داع لهذا الكلام، إذاً قضية منتهية ليس لك رأي فيها:

(( فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ ))

[ متفق عليه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ]

(( تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لأَرْبَعٍ : لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاك ))

[ صحيح البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ]

المذيع:
عبارة الناس أن الزواج قدر خطأ أم فهمها خطأ؟
الدكتور راتب :
 بعد أن ينعقد العقد، الله سمح به صار قضاء وقدراً.
المذيع:
 لكن أنت الذي اخترت شريك حياتك.
الدكتور راتب :
 بعد أن ينعقد العقد، وصارت زوجة لك، الله سمح بهذا الشيء، أنت اخترت وهو سمح.
المذيع:
 ما المقصود أن الزواج نصيب؟
الدكتور راتب :
 كلام العامة، قال تعالى:

﴿ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ ﴾

[سورة النور: 26]

 أي ينبغي أن يكون.
المذيع:
 العامة تقول: إذا فلانة مكتوب لك أن تأخذها ولو من عيون الأسد ستأخذها، هل هذا الكلام صحيح؟
الدكتور راتب :
 أريد الدليل، نحن بالدين، والدين خطير جداً، لولا الدليل لقال من شاء ما شاء، عندما تلغي الدليل أنا مالك عمان كلها، كل أبنيتها ملك لي لكن من دون دليل.
المذيع:
 الزواج خيار ..

 

الزواج خيار :

الدكتور راتب :
 تخيروا لنطفكم..

(( فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ ))

[ متفق عليه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ]

(( من تزوَّج المرأة لجمالها أذلَّه الله، من تزوَّجها لمالها أفقره الله، من تزوَّجها لنسبها زاده الله دناءةً فعليك بذات الدين تربت يداك ))

[ ورد في الأثر ]

المذيع:
 العوام يقولون: إذا فلانة لك لا تتعب سوف تتزوجها.
الدكتور راتب :
 هذه آية أم حديث؟
المذيع:
 دكتور قول الله عز وجل:

﴿ وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ ﴾

[ سورة الذاريات: 22]

لكل إنسان رزق عند الله لكن طريقة وصوله تتعلق باختيار الإنسان :

الدكتور راتب :
 في الحقيقة أن الله عز وجل قال:

﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ﴾

[سورة الروم: 40]

لمجرد أن تخلق لك رزق عند الله، هذا الرزق لك قطعاً، لكن طريقة وصوله إليك باختيارك، أي دخلت إلى بستان فيه أشجار تفاح، الشجرة الثالثة، الغصن الرابع، الفرع السابع، التفاحة الثامنة هذه لك قطعاً، لكن ممكن أن تأكلها هدية، أو تسولاً، أو سرقة، أو شراء، هذه باختيارك، لك عند الله رزق أما وصوله إليك فباختيارك، تختار عملاً شريفاً تأخذ رزقاً حلالاً، عندما يسرق الإنسان يكون قد سرق رزقه لكن بطريقة غير مشروعة، فهي قضية في العقيدة ثابتة، ما هو لك هو لك لا يأخذه غيرك.
المذيع:
 نسميه هنا قدر هو لك؟
الدكتور راتب :
 طبعاً ممكن، الطريق باختيارك، قال تعالى:

﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ﴾

[سورة الروم: 40]

 جعل الفعل بصيغة الماضي، ثم رزقكم أيضاً فعل ماض، مثلاً أب أرسل ابنه إلى بريطانيا، أودع له في المصرف مصروف خمس سنوات.
المذيع:
 هل الرزق هو سعي أي من يجتهد يكافأ أم أن الرزق مقدر تقديراً؟

 

السعي أصل الرزق :

الدكتور راتب :
 لا بد من أن تسعى، إن الله كتب عليكم السعي فاسعوا:

(( لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَوَكَّلُونَ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرُزِقْتُمْ كَمَا يُرْزَقُ الطَّيْرُ، تَغْدُو خِمَاصًا، وَتَرُوحُ بِطَانًا ))

[الترمذي وابن ماجه من حديث عمر قال الترمذي : حسن صحيح ]

المذيع:
 الطير لو لم تغدُ لا يصلها رزقها؟
الدكتور راتب :
 لا، كتب عليك السعي، عندك ثروات.
المذيع:
 لماذا يوسع على إنسان في الرزق وإنسان بنفس المستوى من السعي لا يوسع عليه؟
الدكتور راتب :
 لحكمة بالغة بالغة عرفها من عرفها، وجهلها من جهلها.
المذيع:
 الأصل في هذه القضية السعي، وأن يسعى الإنسان إلى أن يكون مع الله عز وجل.
الدكتور راتب :
 إن الله كتب عليكم السعي فاسعوا، قال تعالى:

﴿ فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ ﴾

[سورة الملك: 15]

المذيع:
 أصل الرزق السعي.
الدكتور راتب :
 أنت مكلف بالسعي .
المذيع:
 لا نقل: إذا فلان مقدر له رزقه يصل لعنده، الدعاء كما ورد في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: " إن الدعاء والقدر يتصارعان فأيهما غلب أصاب.

 

الدعاء يرد القضاء :

الدكتور راتب :
 طبيب كلية جاءه مريض فحصه، إحدى الكليتين متوقفة، فحكم على هذا المريض أنه لا بد من أن تستأصل هذه الكلية، واضحة؟ وعده بعد عشرة أيام بالعمل الجراحي، فلما جاء بعد عشرة أيام تأكد من باب التأكد أراد أن يفحص هذه الكلية التي توقفت، فحصها فإذا هي تعمل، هل يستأصلها؟
المذيع:
 الأصل لا.
الدكتور راتب :
 فلذلك الدعاء يرد القضاء كيف؟ أنت عندما جاءتك لا سمح الله أزمة، مشكلة، مصيبة، وأنت فهمتها فهماً صحيحاً، فهمتها أن هذه معالجة إلهية، فهمتها أن هذه تأديب من الله، فهمتها أن هذه لفت نظر، فتبت عن هذا الذنب الذي سبب هذه المشكلة، فلما تبت عن هذا الذنب توقفت المصيبة أصلاً، لا يرد القضاء إلا الدعاء، الدعاء يرده، أنت تعاني من مشكلة، أو اقترفت شيئاً خلاف الشرع، أخذت ما ليس لك، وقفت موقفاً غير شرعي بموضوع ما، فهذه المعصية تستدعي معالجة إلهية، تستدعي قضاء قدر من الله إما رادع أو مكرم لك.
المذيع:
 لكن دكتور الابتلاء يأتي بسبب معصية، أحياناً يكون الإنسان يسير في طريق الله وربنا يقدر عليه..

 

مرور كل إنسان بثلاث مراحل؛ التأديب والابتلاء والتكريم :

الدكتور راتب :
 أنت تمر بثلاث مراحل؛ وهذه المراحل إما أن تأتي متمايزة أو متداخلة، يوجد مرحلة فيها تقصير بالعبادات، تجاوز في الطاعات، فأي تقصير أو تجاوز حدود يقتضي أن يعالج، هذه مرحلة التأديب، يمر بها كل مؤمن، أول مرحلة في حياته أطلق بصره يؤدب، أخذ سعراً غالياً من إنسان لا يوجد عنده معلومات دقيقة بالأسعار، رفع السعر عليه يؤدب، الإنسان عندما يعصي الله يؤدب، هذه مرحلة التأديب، فالإنسان فهم على الله حكمته فاستقام، الآن يدخل في مرحلة ثانية هي الابتلاء، يبعث له حالة هو مستقيم لكن يقف الموقف الكامل منها، كان بمرحلة التأديب فهم على الله علة هذا التأديب فاستقام على أمره، الآن بمرحلة ثانية هي الابتلاء، هذا الطالب كاتب وظيفته، يا ترى هل كتبها تلقائياً أم أخذ الحل من رفيقه؟ الآن بالمرحلة الثالثة التكريم، حياة المؤمن تستقر على التكريم، قال تعالى:

﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ﴾

[ سورة النحل: 97 ]

 مرحلة التأديب، مرحلة الابتلاء، مرحلة التكريم، أطول مرحلة التكريم، والحياة تستقر على التكريم، للمؤمن طبعاً.
المذيع:
 معنا اتصال سمر تفضلي يا أختي...
 سؤالي عن الدعاء والقدر، أحد الأشخاص شاهد رؤيا في المنام وخاف أن تتحقق هذه الرؤيا، وكان قد قرأ قرآناً قبل النوم، هناك آية قرأها " يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ " اطمأن هل رؤياه صحيحة أم لا؟

 

المؤمن بين التبشير و التحذير بحسب أعماله :

الدكتور راتب :
 الرؤيا الصادقة من الله عز وجل، ما معنى صادقة؟ إذا كان هذا الإنسان محسناً فيها بشارة، وإذا فيها إساءة فهي تحذير، فبين التبشير والتحذير، إذا كان الإنسان مقيماً على معصية، أو ينوي أن يفعل شيئاً لا يرضي الله، قد يرى مناماً مخيفاً، هذا المنام المخيف رسالة من الله عز وجل، وأحياناً يرى مناماً مريحاً جداً عقب نية، نوى أن يعين أخاه في الإنفاق، نية طيبة يرى مناماً مريحاً، الرؤية المخيفة من الرحمن، والمبشرة من الرحمن، أما يرتكب أشد المعاصي فيرى نفسه مرتاحاً وبمكان جميل هذه إغواء من الشيطان، أو أنه عمل أعمالاً سيئة، شاهد نفسه بحالة طيبة، إما من الشيطان إضلال أو تخويف من الطاعة، أو من الرحمن تبشير أو تحذير.
المذيع:
 اتصال أخي سليمان تفضل...
 سؤالي يوجد السعي، ويوجد المشي، السعي هو أسرع من المشي، ورد في القرآن:

﴿ فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ ﴾

[سورة الملك: 15]

 الأصل في الرزق المشي، ما هو الفرق بين قول الله تعالى:

﴿ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ﴾

  وبين قوله تعالى

﴿ فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ ﴾

الغفلة عن الله أكبر مرض يصيب الناس في الحياة الدنيا :

الدكتور راتب :
 المناكب أطراف الطريق، كأن هناك توجيهاً لطيفاً من الله لا تغرقوا في الدنيا، ابق في الحدود المعقولة منها:

﴿ فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ ﴾

[سورة الملك: 15]

منكب الطريق طرفه، أما أن تغوص فيها إلى درجة أن تنسى سرّ وجودك وغاية وجودك فهنا المشكلة، أكبر مرض يصيب الناس في الحياة الدنيا الغفلة عن الله، قال تعالى:

﴿ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا ﴾

[سورة الفتح: 11]

 فالإنسان حينما يشتغل بالدنيا المحدودة يأتي الموت ينهي المال، ينهي الصحة، ينهي الزوجة، الأولاد، المكاسب، الأرصدة، ممكن بعد الموت المقتنيات الثمينة تفتح وتؤخذ، لم يركب أحد سيارته، تؤخذ، وتركب، وتباع، بعد الموت ينتهي كل شيء.
المذيع:
 في حديث النبي صلى الله عليه وسلم يوضح فيه أركان الإيمان، الركن السادس والإيمان بالقدر خيره وشره، ما المقصود بذلك؟

 

تناقض الشر المطلق مع وجود الله عز وجل :

الدكتور راتب :
 أولاً: الشر هنا ليس مطلقاً، كلام دقيق جداً، عندنا شر مطلق وشر موظف للخير، أولاً: الشر المطلق يتناقض مع وجود الله، لا يوجد بالكون شر مطلق إطلاقاً، يوجد شر موظف للخير، الدليل قال تعالى:

﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ ﴾

[ سورة القصص: 4-6]

 فهذه الشدة موظفة للخير، بل ما من طاغية على وجه الأرض من آدم إلى يوم القيامة إلا ويوظف الله طغيانه لخدمة دينه والمؤمنين من دون أن يشعر، ومن دون أن يريد، وبلا أجر، وبلا ثواب:

﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً ﴾

[ سورة القصص: 4]

 أي استخدم الورقة الطائفية:

﴿ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ ﴾

[ سورة القصص: 4]

 ثم..

﴿ وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ ﴾

[ سورة القصص: 5]

 لا يوجد بالكون شر مطلق، الشر المطلق يتناقض مع وجود الله، هناك شر موظف للخير..
المذيع:
 أنتقل إلى أسئلة مستمعينا عبر الفيس بوك..
 سؤال مأمون يقول: أنا بالسيارة سمعت امرأة تدعو على ابنتها أن تذهب وتدهس بالسيارة، هل هذا قضاء وقدر إن حصل لها شيء؟
الدكتور راتب :
 لا، الله لا ينفذ أي دعاء ..
المذيع:
 موضوع تأخير الزواج هل هو قضاء وقدر؟

 

لكل شيء قدره الله عز وجل حكمة لا يعلمها إلا هو :

الدكتور راتب :
 هناك حكمة من الله علمها من علمها، وجهلها من جهلها.
المذيع:
 ألا ينجب الإنسان هل هناك حكمة في ذلك؟
الدكتور راتب :
 نعم، قال تعالى:

﴿ وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيم ﴾

[ سورة الشورى: 50]

 يوم القيامة الإنسان حينما يبلغه الله حكمة القضاء والقدر، إذا لم يذب مثل الشمعة محبة لله على ما ساق له لا يكون الدين حقاً، لذلك المؤمن يرى مقامه في الجنة فيقول: لم أر شراً قط، كل المتاعب التي حصلها وتحملها لم أر شراً قط، والكافر يكون غارقاً في النعيم المادي فيقول: لم أر خيراً قط.
المذيع:
 كل شيء جعله الله مكتوباً كرزقنا وزواجنا وموتنا وهدايتنا ماذا تقول؟
الدكتور راتب :
 هدايتنا أي لم يكتب للإنسان الهدى؟ التغى الدين كله.
المذيع:
 هذا يتناقض مع الفهم الصحيح.

 

تعلق إرادة الله بالحكمة المطلقة :

الدكتور راتب :
الرزق مكتوب لكنه مكتوب بحكمة، ملخص الملخص ليس في الإمكان أبدع مما كان، هذه الحقيقة تكشف يوم القيامة، الذي وقع في الدنيا من إكرام، أو من مصائب، أو من زلازل، أو من اجتياحات، أو من قهر، أو من ظلم حكام، كل شيء وقع في الكون أراده الله، أي سمح به، وكل شيء أراده الله وقع، معكوسة، وإرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة، فالذي وقع لو لم يقع لكان الله ملوماً، والذي وقع لو لم يقع لكان نقصاً في حكمة الله، والحكمة المطلقة متعلقة بالخير المطلق، شر مطلق لا يوجد في الكون، لأنه يتناقض مع وجود الله، عندنا خير، و عندنا شر نسبي موظف للخير.المذيع:
 الموضوع كبير ويحتاج إلى التحدث أكثر في حلقة جديدة، ونتحدث عن الاستخارة وبعض المفاهيم، نختم بدعاء.

الدعاء :

الدكتور راتب:
 اللهم احفظ لنا إيماننا وديننا، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارض عنا، اجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً وسائر بلاد المسلمين، واحقن دماء المسلمين في كل مكان، واحقن دماءهم في الشام، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي، وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين، الفاتحة.

خاتمة و توديع :

المذيع :
 إلى هنا نصل معكم إلى ختام برنامجكم، بارك الله بكم فضيلة العلّامة الدكتور محمد راتب النابلسي، نتابع حديثنا عن القضاء والقدر، وأشار فضيلة الشيخ إلى أن الله عز وجل جعل قضاءه وهو الحكم والقدر وهي معالجة هذه الأمور على الإنسان المخير، على الإنسان أن يختار ما يريد فالله هيأ له سبل الهداية وسبل الضلال، قال تعالى:

﴿ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ﴾

[سورة الكهف : 29 ]

 الله عز وجل يعلم مسبقاً ماذا سنفعل ولكنه جعل ذلك لنا، فالإنسان الذي يسير نحو الرزق ويسعى إليه، والعمل الإيجابي يقدره الله عليه، سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك. 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور