وضع داكن
23-04-2024
Logo
حياة المسلم 1- إذاعة حياة إف إم- الحلقة : 146 - واجب الفرد نحو الأمة
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

المذيع :
  بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، اللهم صلّ وسلم، أنعم وأكرم على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
 السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، أهلاً وسهلاً بكم مستمعينا الكرام على الهواء مباشرة عبر أثير إذاعتكم حياة fm في حلقة جديدة، في رحلتنا في طلب العلم مع فضيلة العلّامة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي، فأهلاً وسهلاً بكم مستمعينا، ومرحباً بكم فضيلة الدكتور محمد، أهلاً وسهلاً يا دكتور.
الدكتور راتب:
 بارك الله بكم، ونفع بكم، وأعلى قدركم.
المذيع :
 دكتورنا الكريم نتحدث في ظل الأحداث التي تشهدها الأمة عن واجب الفرد نحو الأمة في ظل هذه الأحداث العصيبة، في ظلّ هذه الظروف التي تمر على الأمة الإسلامية في أكثر من مكان ما يتعرض له أخواننا من مسلسل القتل والدمار في سوريا، في ظل الأحداث المتصاعدة في فلسطين، والاعتداءات المتزايدة من قوات الاحتلال الصهيوني عليهم، لو تأملنا قول النبي صلى الله عليه وسلم: " من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم "، نبدأ مع فضيلتكم بتعليق بما يجري في هذه الأيام في فلسطين المحتلة.

الابتلاء قدر كل إنسان و علة وجوده :

الدكتور راتب:
 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
الله جلّ جلاله عند علماء العقيدة واجب الوجود، وجوده قطعي، وما سواه ممكن الوجود، معنى ممكن أن يكون أو لا يكون، معنى ممكن أيضاً أن يكون على ما هو كائن، أو على خلاف ما يكون، الآن السؤال: أليس من الممكن أن يكون الكفار في كوكب آخر والمؤمنون في كوكب لا يوجد أية مشكلة؟ أو الكفار في قارتين وبقية المؤمنين في القارات البقية؟ ممكن في حقبة زمنية أخرى؟ ممكن، لكن شاءت حكمته أن نكون معاً على أرض واحدة، وفي زمن واحد، لأن الحق لا يقوى إلا بالتحدي، ولأن أهل الجنة لا يستحقون الجنة إلا بالبذل والتضحية، فهذا قدرنا وعلة وجودنا، قال تعالى:

﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ﴾

[ سورة الملك : 2 ]

 الابتلاء قدرنا، والابتلاء علة وجودنا، و لا يوجد إنسان يصل إلى الجنة إلا بعد الابتلاء، من الأنبياء فما دون، الله عز وجل منح الإنسان حظوظاً، المال حظ، الذكاء حظ، الوسامة الحظ، الغنى حظ، هذه الحظوظ موزعة في الدنيا توزيع ابتلاء فالغني مبتلى بالغنى، يمسك أم ينفق، الفقير مبتلى بالفقر، يصبر أم يضجر، القوي، الضعيف، العالم، الجاهل، كل إنسان مبتلى في حدود ما آتاه الله، لذلك الدعاء الذي لا ينسى:

((اللَّهُمَّ مَا رَزَقْتَنِي مِمَّا أُحِبُّ فَاجْعَلْهُ قُوَّةً لِي فِيمَا تُحِبُّ، اللَّهُمَّ وَمَا زَوَيْتَ عَنِّي مِمَّا أُحِبُّ فَاجْعَلْهُ فَرَاغًا لِي فِيمَا تُحِبُّ ))

[ الترمذي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْخَطْمِيِّ الْأَنْصَارِيِّ ]

 أي بتعبير دارج: لا نشم رائحة الجنة إلا بعد الابتلاء، قال تعالى:

﴿ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ ﴾

[ سورة المؤمنون : 30]

﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ﴾

[ سورة الملك : 2 ]

 البطولة لا أن تنجو من الابتلاء، أن تنجح في الابتلاء.

الانتماء لمجموع الأمة :

 المؤمن حينما ينتمي لمجموع الأمة، أنا لا أنسى مرة جئت إلى الشام من المغرب بطائرة، كان قائد الطائرة تلميذ عندي، أخذني إلى غرفة القيادة، رأيت بعيني طرطوس وصيدا، رأيت مسافة قدرها خمسمئة كيلو متر، لأني على ارتفاع اثني عشر ألف متر، فكلما علت مكانة الإنسان اتسعت رؤيته، وأنا أضيف واتسعت عاطفته، فما لم يكن انتماؤك إلى مجموع المؤمنين فلست مؤمناً، الانتماء يقتضي التفاعل مع مآسيهم، أو مع انتصاراتهم، يقتضي التعاون، يقتضي المؤاثرة، يقتضي البذل، التضحية، علة وجودنا الابتلاء في الدنيا، والابتلاء النجاح به ثمن الآخرة، الله خلقنا لآخرة، لجنة عرضها السماوات والأرض فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، هذه الجنة ثمنها في الدنيا، لذلك الله عز وجل أعطانا عقلاً، غذاؤه العلم، أعطانا قلباً، غذاؤه الحب الذي يسمو بنا، أعطانا جسماً، غذاؤه الطعام والشراب، فإذا غذينا عقولنا بالعلم، وقلوبنا بالحب الذي يسمو بنا، وأجسادنا بطعام اشتري بمال حلال ارتقينا عند الله، أما إذا اكتفينا بواحدة تطرفنا، وفرق كبير كبير بين التفوق والتطرف، والتطرف نوعان، تطرف تفلتي إباحي أو تشددي، التكفير والتفجير.
المذيع :
 يأتي هنا سؤال ما هو واجب الفرد نحو الأمة في هذه الأحداث وفي هذه الأثناء؟ الناس تستاء لما يحدث من اعتداءات متكررة على المستضعفين في العراق، في سوريا، في مصر، في اليمن، في فلسطين، في هذه الأيام بزيادة هذه الاعتداءات ما هو واجبي أنا نحو هذه الأمة لنصرتها؟

واجب الفرد نحو الأمة :

الدكتور راتب:
 والله واجبي أن أتفاعل مع ما يجري من مآس، بحسب إمكانياتي، القوي بقوته، والغني بماله، والعالم بعلمه، والضعيف بدعائه، والبعيد بقربه، وضيق الدخل بتشوقه إلى أن يكون معيناً لهؤلاء الضعاف.
المذيع :
 سيأتي من يقول: هذا لا يحرك ساكناً.
الدكتور راتب:
والله الجواب دقيق؛ إذا كان طريق القوة سالكاً وفق منهج الله يجب أن تكون قوياً، لأن خيارات القوي في تحقيق أهدافه واسعة جداً، أما حينما أرضى أن أكون ضعيفاً، أرضى أن أستغل وأسكت، أرضى ألا أتكلم، أرضى أن أؤثر السلامة، سندفع الثمن باهظاً، الحقيقة أن الحياة فيها جهاد، الجهاد أنواع، أول أنواع الجهاد جهاد النفس والهوى، فالمهزوم أمام نفسه لا يستطيع أن يواجه نملة، هذا أرقى أنواع الجهاد جهاد النفس والهوى، الآن عندنا الجهاد البنائي، أنت مهندس أتقن عملك، هذا جهاد، أنت طبيب أتقن عملك، انصح الناس، انصح المرضى، المهن الراقية لها سلبية، أنها لا يقدر الإنسان أن يكتشف خطأها، يمكن ينصحك بعشرة أدوية، وأنت بحاجة لدواء واحد، يمكن ينصحك بعمل جراحي أنت لست بحاجة له.
المذيع :
 هذا يساهم في تجميل المجتمع، لكن الآن قلوب الناس تحترق ألماً لما يحصل لأخواننا المسلمين حينما يرون المسلمين في ميانمار يقتلون لدينهم، يريد الإنسان أن يكون ناصراً حقيقياً لا أن يكون فقط في الدعاء أو من بعيد.

من دعا الله من أعماق قلبه فالاستجابة حتمية :

الدكتور راتب:
 أنت هل تصدق أن خالقاً عظيماً قال:

﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾

[ سورة غافر:60]

 فإذا دعوناه من أعماق قلوبنا الاستجابة حتمية، قال تعالى:

﴿ إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾

[ سورة غافر: 51 ]

﴿ وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾

[ سورة الروم: 47]

 هذا كلام خالق الأكوان، أقول لك كلمة دقيقة: زوال الكون أهون على الله من ألا يستجيب لدعاء المؤمنين.
المذيع :
 لماذا لازال الواقع مؤلماً؟
الدكتور راتب:
 لأن هناك مخالفات كثيرة هذه حجاب تحجبنا عن الله.
المذيع :
 فلا يستجاب الدعاء.

من هان أمر الله عليه هان على الله :

الدكتور راتب:
 طبعاً هذا الكلام من النهاية:

(( ولن يُغْلَبَ اثنا عَشَرَ ألفا مِنْ قِلَّةٍ ))

[أبو داود والترمذي عن عبد الله بن عباس]

 لن لتأبيد النفي، المسلمون اليوم مليارا إنسان، وليست كلمتهم هي العليا، وليس أمرهم بيدهم، وللطرف الآخر عليهم ألف سبيل وسبيل، هان أمر الله علينا فهنا على الله، يا ترى بيوتنا إسلامية؟ دخلنا إسلامي؟ إنفاقنا إسلامي؟ لقاءاتنا إسلامية؟ سمرنا إسلامي؟ سهرنا إسلامي؟ نحن على أبواب رمضان ما رأيك أمة بأكملها رمضان شهر الولائم والمسلسلات مثلاً؟! هذا أعظم شهر في السنة، شهر دورة تدريبية، دورة مكثفة، شهر العبادة، شهر القرآن الكريم، الإنفاق، الزكاة، البذل، التضحية، المعاونة، الدعوة إلى الله، ينقلب إلى شهر مسلسلات، وشهر ولائم وعزائم، هذه مشكلة كبيرة، ملخص الكلمة: هان أمر الله على المسلمين فهانوا على الله.
المذيع :
 ومن يقول لك دكتور هناك في الغرب فرطوا أكثر منا يوجد معاص وكفر وإلحاد؟
 

من بعد عن الله فمصيره واضح :

الدكتور راتب:
 هناك جواب دقيق جداً، أنت طبيب وجاءك مريضان، الأول معه التهاب معدة حاد، قلت له: لا بد من حمية قاسية تستمر ستة أشهر على الحليب فقط، وتشفى شفاء تاماً، الثاني وجدت معه ورماً خبيثاً منتشراً في كل جسمه، هذا المريض سأل الطبيب: ماذا آكل؟ قال له: حليب فقط لستة أشهر، أما الثاني فسأله: ماذا آكل؟ قال له: كُلْ ما شئت، قال تعالى:

﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ ﴾

[سورة الأنعام: 44]

 ليس باباً بل أبواب، ليس شيئاً بل كل شيء، الذي يقول لك وهو يعاني من ورم خبيث منتشر: ماذا آكل؟ قل له: كُلْ ما شئت، انتهى الأمر، المصير صار واضحاً، المصير صار واضحاً جداً، فنحن عندما نكون بأمة بعدت عن الله بعداً شديداً انتهى الموضوع، المعالجة انتهت.
المذيع :
 هل هذا الشعور من الأسى والألم الذي ينتاب الكثير من الفتيات والشباب إزاء أمتهم نتيجة للتنكيل الذين تتعرض له الأمة هل هذا شعور إيجابي؟ هل هو علامة جيدة؟

الشعور بالأسى لما حلّ بالمسلمين شعور إيجابي :

الدكتور راتب:
 شعور إيجابي، شعور انتماء، أنا أقدس المتألمين، الشخص طالما بيته فخم، ومركبته فارهة، ودخله كبير لا يهمه، ينتمي إلى ذاته، ينتمي إلى شهواته، ينتمي إلى مصالحه، فكيف إذا كان هو بالهيئة مسلماً ويعاون غير المسلمين؟ كيف؟ هذه أكبر خيانة.
المذيع :
 في حديثنا عن الولاء والبراء ماذا يفترض للمسلم أن يوالي في هذه الأيام؟

الولاء و البراء :

الدكتور راتب:
 كأن الولاء والبراء الفريضة السادسة، أن توالي المؤمنين ألماً، ومعاونةً، وبذلاً، وتضحية، وإن كانوا ضعافاً وفقراء، وأن تتبرأ من الكفار والمشركين ولو كانوا أقوياء وأغنياء، الإنسان ببعده عن الله يميل إلى القوي، إلى الغني، ويزهد بعلاقته مع الفقير، لكن علامة الولاء والبراء هي الفريضة السادسة، أن توالي المؤمنين بمشاعرك، بمالك، بعلمك، بجهدك، حتى بعواطفك ولو كانوا فقراء وضعفاء، وأن تتبرأ من الكفار والمشركين ولو كانت مصلحتك معهم المادية، ولو كانوا أقوياء وأغنياء.
المذيع :
 لذلك قلت: من يتألم لواقع المؤمنين هذه علامة إيمان، أي مسؤول تصدر عنه تصريحات أن من حق هذا الكيان أن يدافع عن نفسه عن كذا، هذا يعتبر خيانة لله ولرسوله ولأمة المسلمين.

الله تعالى وحده من يتكفل بتحجيم كل إنسان :

الدكتور راتب:
 طبعاً، بديهي، أريد أن أقول كلمة دقيقة جداً أرجو أن تكون واضحة عند الأخوة المستمعين والمشاهدين: الإنسان لا يموت ليأخذ أبعاده الكاملة.
المذيع :
 ما معنى هذا؟
الدكتور راتب:
 هتلر قتل خمسين مليوناً، الإنسان عندما يسفك دماء المسلمين هذه أبعاده الحقيقية، قدر ما تتزين وتتلطف وتتكلم بالإنسانية و العروبة، هذا كله كلام فارغ، التقييم هو الفعل فقط، التقييم الوحيد هو الفعل، تكلم ما شئت، امدح نفسك ما شئت، استرسل في الحديث عن بطولاتك ما شئت، لكن الله عز وجل يتكفل أن يحجم كل إنسان.
المذيع :
 دكتور حالات الافتراق بالمواقف بين الشعوب وبين قيادات الشعوب، الشعوب تثور في الشوارع تريد أن تنتصر لكن غالبية الدول العربية ساكنة في مكانها هل سنسأل أم سيسألون هم كقيادات لهذه الأمة الإسلامية؟

مسؤولية كلّ إنسان عن نفسه و بيته و عمله :

الدكتور راتب:
 سوف يسألون أضعاف ما نسأل نحن، نحن ضعاف.
المذيع :
 سوف أسأل عن ماذا دكتور؟
الدكتور راتب:
 المؤمن يسأل عن نفسه أولاً، وعن بيته ثانياً، وعن عمله ثالثاً، ثلاث دوائر أنت ملك فيها، أنت قائد فيها، أنت الآمر الناهي، نفسك، الصلاة، الصوم، الحج، الزكاة، إنفاق مالك، غض بصرك، معاونة المؤمنين، التعاون معهم، بيتك، زوجتك، متفلتة لا يصير.
المذيع :
 في جانبي نحو الأمة هل أسأل؟
الدكتور راتب:
 تحاسب عن ثلاث دوائر، أنت دائرة، وبيتك دائرة، وعملك دائرة، العمل تحاسب عنه، انتهت بهذه الدوائر الثلاث مسؤوليتك.

تسخير الكون للإنسان تسخير تعريف و تكريم :

 الآن الأمة قال تعالى:

﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ ﴾

[ سورة النساء : 147]

 هذه للأفراد، هذا المؤمن إذا الله عز وجل سخر له الكون تسخير تعريف وتكريم، الموقف الكامل من تسخير التعريف أن تؤمن، الموقف الكامل من تسخير التكريم أن تشكر، فإذا آمنت وشكرت حققت الهدف من وجودك، عندئذ توقفت المعالجات الإلهية كلياً، قال تعالى:

﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ ﴾

[ سورة النساء : 147]

 شكرتم ردّ الفعل على التكريم، وآمنتم ردّ الفعل على الإيجاد.

الطغاة أغبى بني البشر :

 أما غير المؤمنين فقد قال تعالى:

﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ ﴾

[سورة الأنعام: 44]

 هذا اسمه استدراج، قال تعالى:

﴿ وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ ﴾

[سورة الأعراف: 182-183]

 ما معنى متين؟ نحن عندنا صفة فيزيائية اسمها المتانة، وعندنا القساوة، القساوة مقاومة قوى الضغط، أمتن عنصر في الأرض يقاوم قوى الضغط الألماس، سنتمتر مكعب يتحمل خمسمئة وخمسين كيلو ضغط ولا يسحق، أمتن عنصر الفولاذ، قال تعالى:

﴿ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ ﴾

[سورة الأعراف: 183]

 أي هذا العبد القوي الذي بيده سلطة أحياناً معه جيش، معه طيران، معه مدرعات، هذا مربوط بحبل لا ينقطع، هو في قبضة الله عز وجل، لذلك أغبى بني البشر الطغاة، لأنهم ما أدخلوا محاسبة الله لهم في حسابهم:

﴿ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ ﴾

[سورة الأعراف: 183]

 لا يمكن أن يتفلت من قبضة الله عز وجل.
المذيع :
 كل إنسان سوف يسأل ضمن إمكانياته؟
الدكتور راتب:
 ضمن ثلاث دوائر؛ دائرة نفسه، وبيته، وعمله، هنا تنتهي المسؤولية.
المذيع :
 الأمة الإسلامية تحتاج إلى دعم مالي ومن يمتلك المال سوف يسأل إن لم يدفع، وكلما ارتفع المنصب كلما ازداد حجم المسؤولية عند الله، من خان الأمة يعتبر خائناً عند الله، ومن سكت يحاسب على سكوته، بيده إمكانيات تمكنه مما هو أكثر من الشجب..
الدكتور راتب:
 الشيء الذي لا يصدق هناك من يحاسب على السكوت أيضاً في بعض الدول حديثاً.
المذيع :
 حديثنا عن واجب الفرد نحو الأمة، كثير من التخذيل والتخبيط الذي يصل إلى الناس حينما لا يرون التغير الحقيقي، يقول لك: الدعم بالمال جيد ولكن ماذا يفعل؟ الدعاء ممتاز، الناس تريد تغيراً حقيقياً، مثلاً يرون العدو يساند نفسه بالعدو، يرى الولايات المتحدة تتخذ قرارات دبلوماسية وتنفيذاً عملياً وتنقل سفارتها وتعترف بهذا الكيان.

من لم يكن انتماؤه إلى مجموع المسلمين فليس مؤمناً :

الدكتور راتب:
 هذا من ضعف المسلمين، ضعف المسلمين له أمثلة كثيرة، تفرقهم ضعف، انتماءاتهم الضعيفة ضعف، اهتمامهم بشأنهم الذاتي ضعف، ما لم يكن الانتماء إلى مجموع المؤمنين فلست مؤمناً، الدليل قال تعالى:

﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾

[ سورة الحجرات: 10 ]

 بمجموعهم إخوة:

﴿ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ﴾

[ سورة الحجرات: 10 ]

 حجم الإنسان عند الله بحجم عمله الصالح، والعمل الصالح يصلح للعرض على الله، وشرطاه أن يكون خالصاً وصواباً، خالصاً ما ابتغي به وجه الله، وصواباً ما وافق السنة، وعلة وجودنا الوحيدة في الدنيا العمل الصالح، قال تعالى:

﴿ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ﴾

[ سورة المؤمنون : 99-100]

 علة وجودنا الوحيدة ليست قضية ثانوية، العمل الصالح ليس وردة نزين صدورنا بها، بل هو هواء نستنشقه.
المذيع :
 هل ترى بعض الجهود الالكترونية في هذا الدعم وإعلام العالم بما يحصل هل هي جهود مفيدة؟

الطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق :

الدكتور راتب:
 الطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق، هناك دعم مالي، دعم أيديولوجي، دعم إعلامي، دعم معنوي، كل أنواع الدعم أعمال صالحة إلى الله، لأن الطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق.
المذيع :
 نشارك أخي إبراهيم تفضل..
 عندي سؤال الآية:

﴿ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ﴾

[ سورة النساء: 37]

 ما المقصود بكتمان ما آتاهم الله من فضله؟

التهرب من دفع المال كتم لفضل الله :

الدكتور راتب:
 يكون غنياً كبيراً يقول لك: السوق مسموم، لا يوجد بيع، لا نلحق مصروفنا، كله كذب، يكتمون وقد يكون ربحه كبيراً جداً، حتى لا يدفع يدّعي الكساد، يدّعي أن بضاعته غير رائجة، هذه كلها أشياء من أجل ألا يدفع، لكن الله يعلم.
المذيع :
 نشارك أخي إبراهيم تفضل..
 إذا شخص يريد أن يقترض مني وأنا معي و لكني أحتاجهم لمشروع.

شروط إقراض الآخرين :

الدكتور راتب:
 لا، إذا أنت عندك مشروع حيوي في حياتك، ممكن أن تعتذر، أنا معي مبلغ بسيط لكن أهيئه لمشروع ثان، أما إذا أنت واثق من أمانته، واثق أنه سوف يؤدى لك في الوقت المناسب، بينما يتجمع معك كامل المبلغ لا يوجد مانع من أن تعاونه.
المذيع :
 تفضلي ليلى..
 سؤالي حول المسلمين بشكل عام والفلسطينيين كيف الإنسان يوازن بين وعد الله عز وجل في القرآن الكريم وبين أن نكون آمنين في بيت المقدس، ونحن الآن في مرحلة متردية.

الإيمان بحكمة الله قبل معرفتها :


الدكتور راتب:
 أنت عندما تؤمنين إيماناً قطعياً يقينياً أن الحياة الدنيا دار ابتلاء لا دار جزاء، ومنزل ترح لا منزل فرح، فمن عرفها لم يفرح لرخاء، ولم يحزن لشقاء، قد جعلها الله دار بلوى، وجعل الآخرة دار عقبى، فجعل بلاء الدنيا لعطاء الآخرة سبباً، وجعل عطاء الآخرة من بلوى الدنيا عوضاً، فيأخذ ليعطي ويبتلي ليجزي. أنا حينما أؤمن بالله عز وجل كل أفعال الله، قال تعالى:

﴿ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ ﴾

[ سورة آل عمران: 26 ]

 لم يقل: بيدك الخير والشر، قال: بيدك الخير، معنى ذلك أن إيتاء الملك خير، وقد يكون نزعه خيراً، هذه حكمة الله عز وجل أنا أؤمن بها قبل أن أعرفها، لكن لا بد من أن أعرفها بعد حين.
المذيع :
 الأخت ليلى..
 لمن يعتبر هذا جيد أما للذي لم يعتبر؟

الإيمان العادي البسيط لا يصمد أمام المشكلات الكبيرة جداً :

الدكتور راتب:
 يجب أن يقوي إيمانه، إيمانك العادي البسيط التلقي فقط لا يصمد أمام المشكلات الكبيرة جداً، نحن نعاني من مشكلات كبيرة جداً، الإيمان التقليدي الترددي هذا لا يقدم ولا يؤخر، لا يصمد أمام هذه المشكلات، مؤمن واثق من نصر الله عز وجل، مؤمن متفائل لا يمكن من سابع المستحيل إلا وأن تحقق وعود الله للمؤمنين بالنصر.
المذيع :
 نواصل حديثنا دكتور عن واجب الفرد نحو الأمة هل هذا الواجب هو فريضة أم قضية كمالية من أراد...

واجب الفرد نحو أمته فرض و لكن ضمن إمكاناته :

الدكتور راتب:
 فريضة، ما لم يكن انتماء الإنسان اليوم إلى مجموع المؤمنين فليس مؤمناً، يوجد أشخاص دخلهم كبير، بيوتهم فارهة، مركباتهم حديثة، إنفاقهم كبير، و الأمة لا تهمه احتلت أم لم تحتل، انتصرت أم لم تنتصر، سعدت أم شقيت، ما لم يكن هناك انتماء للمؤمنين عن طريق الاهتمام والمعاونة فليس الإنسان مؤمناً، فقد إيمانه.
المذيع :
 إذاً ليست قضية كمالية، هي فريضة، كل مسلم ضمن طاقاته، أي الدوائر الثلاثة كما تفضلت.
 هل هناك واجب نحو الشأن العام لفترة معينة وفي كثير من الدول كان الأشخاص وخاصة المتدينين يبتعدون عن الوظيفة الحكومية؟

الانسحاب من الشأن العام إضعاف للأمة :

الدكتور راتب:
 الابتعاد عن الشأن العام دفع الناس ثمنه مليون ضعف، عندما تقول: لا دخل لي، يباعون بالعزاء، من أخذ أمي عمي، سلامتك يا رأسي، هذا كلام الأكثرية، هذا ماذا نسميه بالمنطق؟ الانسحاب من الشأن العام، عندما انسحبوا من الشأن العام، واكتفوا بالشأن الخاص، تجارته ومعمله، الأمة ضعفت، فجاء الآخرون واستغلوا هذا الانسحاب من الشأن العام فملكوا كل شيء، ملكوا الأسلحة الفتاكة، ملكوا القوة، ملكوا كل شيء، وتفننوا بإذلال الشعب، كل واحد قال: لا دخل لي دافع الثمن.
المذيع :
 أحياناً انضمام الإنسان إلى الشأن العام تشوبه شائبة من المخالفات الشرعية.

من كان إيمانه بالآخرة قوياً يختار طريق الصمود والعطاء :

الدكتور راتب:
 المؤمن يقدر ضمن الحدود الشرعية أن يعمل حركة صحيحة، هذا المنهج منهج الله عز وجل، منهج الخالق ألا يمكن أن يتسع للاهتمام بالشأن العام؟ إذا شخص أتقن عمله، أعرف معملاً يبيع مادة غذائية، إذا طحن هذه المادة الغذائية لونها غامق، يوجد مادة تبيض ولكنها مسرطنة، يرتفع السعر عشر ليرات يربح ملايين، هذا فيه إيمان؟ ساهم بنشر الأمراض الخبيثة، قال تعالى:

﴿ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ ﴾

[ سورة المؤمنون : 30]

لا نشم رائحة الجنة قبل أن ننجح بالابتلاء، والساقطون كثر، عندما شاهد مصلحته التجارية كبيرة اقتنصها ولو كان هذا على حساب دينه، إنسان يركب دراجته في طريق مستو، وصل إلى مكان فوجد فيه طريقين، طريق هابط وطريق صاعد، أيهما أهون وأمتع لراكب الدراجة؟ النازل، وأيهما أصعب وأشق؟ الصاعد، إلا أن هذا الطريق النازل ينتهي بحفرة ما لها من قرار، و الصاعد ينتهي بقصر منيف، أنت عندما تسعى للآخرة تختار طريق العطاء، ليس طريق الانحناء والإذلال، كلما كان إيمانك بالآخرة قوياً، تختار طريق الصمود والعطاء، وكلما كان الإيمان ضعيفاً بالآخرة تعيش لحظتك، كنت بأمريكا منذ شهر، سئلت: ماذا رأيت؟ قلت: شعب يعيش لحظته، همه الرفاه فقط، أين هموم الأمة؟ أين الجهاد في سبيل الله؟ أين تقوية المؤمنين؟
المذيع :
 أنت كنت تقصد المسلمين في أمريكا أم تقصد عموم الأمريكيين؟
الدكتور راتب:
 المسلمون أيضاً في تقصير، مصالحه مؤمنة، وعنده اهتمام ضعيف بأمته.
المذيع :
 لكن دولتهم رقم واحد في العالم، وكل واحد يهتم بنفسه.

خيارات القوي بالعمل الصالح لا تعد ولا تحصى :

الدكتور راتب:
 أنا أقول كلمة دقيقة: إذا كان طريق القوة سالكاً وفق منهج الله يجب أن تكون قوياً، لأن خيارات القوي في العمل الصالح لا تعد ولا تحصى، القوي بجرة قلم يحق حقاً، ويبطل باطلاً، إن كان له منصب رفيع، والعالم بالمحاضرات يقوي عزيمة الأمة، والغني بماله يعطف على اللاجئين والفقراء والمستضعفين وطلاب العلم، الطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق.
المذيع :
 إذاً الإنسان مطالب لأن يكون ثرياً، وصاحب منصب؟
الدكتور راتب:
 إذا كان طريق القوة سالكاً وفق منهج الله يجب أن تكون قوياً، لأن خيارات القوي بالعمل الصالح لا تعد ولا تحصى، ولأن علة وجودك في الدنيا هي العمل الصالح، إذاً إذا كنت قوياً بمالك تحل مليون مشكلة، بمنصبك تحل مليار مشكلة، أو علمك، القوة ثلاثة أنواع قوة؛ منصب، وعلم، ومال.
المذيع :
 كثيراً ما تربينا أن يتجنب الإنسان المنصب، فالمسؤولية تكليف وليست تشريفاً.

من يتمتع بإمكانات قيادية عالية عليه ألا ينسحب من الحياة :

الدكتور راتب:
 القرآن الكريم عكس ذلك، قال تعالى:

﴿ قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ﴾

[سورة يوسف: 55]

 إنسان عنده إمكانات قيادية عالية لماذا ينسحب من الحياة؟ من اجتهد وأخطأ فله أجر، ومن أصاب فله أجران، فأنت حينما تقتحم الحياة العامة بين الأجر والأجرين دائماً.
المذيع :
 الإنسان إذا كان وصوله إلى منصب كبير بعلم أو بمال أو بمنصب قيادي يستطيع من خلاله أن ينصر الأمة يصبح عليه فريضة وواجب أن يتقدم لهذا الخير.
الدكتور راتب:
 أخي الكريم وزيرة نفط بريطانية زارت بلداً في الشرق الأوسط، استقبلها الوزير في المطار ومعه ثلة من كبار موظفي الوزارة، الموظف الرابع مدت يده لتصافحه فاعتذر قال لها: آسف، فالوزير انزعج انزعاجاً لا حدود له، قال له: كانت سوف تأكلك إذا صافحتها؟ قال له: هذا الحاضر، قال له: لا تحضر الغداء، قال له: لن آتي، والغداء بأفخم مطعم، جلس هذه الوزيرة البريطانية قرب الوزير ثم قالت له: أين فلان الذي لم يصافحني صباحاً، شعر بالحرج ثم قال لها: اعتذر، قالت له : أريده، استدعوه، قالت له: لمَ لم تصافحني؟ قال لها: أنا مسلم وديني يمنعني أن أصافح أجنبية، وأنت امرأة أجنبية، فقالت للوزير: إذا كان المسلمون أمثال هذا الرجل لكنا تحت حكمكم. أنا أعتز بطاعتي لله عز وجل.
المذيع :
 حديثنا متواصل مع مستمعينا حول واجب الفرد نحو الأمة، في البداية أشرتم دكتور أن واجب الفرد نحو الأمة هو فريضة على كل مسلم، وليس قضية كمالية، ويجب على كل مسلم أن يشعر بواجبه نحو أمته، ثم أشرتم إلى أن المسلم يجب أن يكون له وجود في الشأن العام للأمة، ولا يقتصر على مصلحته الفردية كتجارة أو عمل، ويجب أن يسعى المسلم إلى أن يكون قوياً إذا كانت قوته تؤهله أن يكون خادماً للأمة وفق ما أباح الله، شيخنا الكريم سوف أكون معك صريحاً، مثلاً إذا أراد أن يكون قوياً في الدفاع عن واجب الأمة قد يتعرض في دولته العربية والإسلامية إلى التحقيق، أو إلى التعذيب، أو إلى السجن، وحتى في بعض الدول القتل، ماذا يفعل الإنسان هل يأمن بنفسه وروحه أم ينصر أمته، أم أن هناك توازناً؟

لا يكلف الله نفساً إلا وسعها :

الدكتور راتب:
 سؤال دقيق، حينما يغلب على ظنك أنك تستطيع أن تفعل شيئاً يجب أن تفعله دون أن تدفع الثمن باهظاً، هناك ثمن غير باهظ، إذا كان غلب على ظنك ويقينك أنك بإمكانك أن تخدم الأمة وتدفع ثمناً بسيطاً فلا يوجد مانع، أما إذا كانت الحياة سوف تنتهي فهذا صار انتحاراً، ساعتئذ لا يكلف الله نفساً إلا وسعها.
المذيع :
 ألا يعد هذا سكوت عن الحق؟

للدفاع عن الأمة طريقان :

الدكتور راتب:
 لا، لأن هنا قال تعالى:

﴿ فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى ﴾

[ سورة الأعلى: 9 ]

 إذا القوي وصل إلى درجة أن يبيد أمة هذا لا يوجد ذكر معه، يجب أن تقوي نفسك، الحوار أحياناً لا جدوى منه، لا ينفع إطلاقاً.
المذيع :
 المطلوب في تلك اللحظة؟
الدكتور راتب:
 الاستعداد بقوة.
المذيع :
 حتى تجابه قوته قوة منافسة لها.
الدكتور راتب:
 القوة تواجه بقوة، الكلام بكلام، أما قوة بكلام فلا يصح هذا.
المذيع :
 هل يعذر الإنسان إذا سكت خوفاً على أمنه ومصلحته وبيته؟
الدكتور راتب:
 والله هذه قضايا فردية لكل شخص، إذا غلب على ظنه أنه يحقق شيئاً إيجابياً للأمة يجب أن يضحي، أما إذا فعل شيئاً فقط دفع خسارة لوحده، و لم يستفد شيئاً، تأتي الآية:

﴿ فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى ﴾

[ سورة الأعلى: 9 ]

المذيع :
 إذا كان كلامه أو تدخله سوف يبنى عليه تغيير عليه أن يتقدم و ويتقبل التضحية في سبيل الله.
الدكتور راتب:
 قال تعالى:

﴿ قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ﴾

[سورة يوسف: 55]

المذيع :
 أما إذا كان دفاعه عن الأمة مجرد كلام لا يقدم ولا يؤخر.
الدكتور راتب:
 انتحار لا فائدة منه.
المذيع :
 في قضية الشأن العام التي تكلمنا عنها قبل قليل أحياناً دخول الإنسان في الشأن العام يكون فيه بعض المضار، أو بعض الحرمات الشرعية، لو دخلت أنا في مجال عمل حكومي فرضاً، فيها بعض الأعمال مريحة ولكن في بعض الأحيان تأتيك أوامر عليا وتختلف مع قيمك وثوابتك.

حياتنا خيار بين شرين :

الدكتور راتب:
 يوجد جواب لسيدنا عمر، يقول: ليس بخيركم من عرف الخير، ولا من عرف الشر، ولكن من عرف الشريَّن، وفرق بينهما واختار أهونهما.
 نحن كل حياتنا الخيار بين شرين، لا بين خير وشر، أكثر حياتنا الخيار بين شرين.
المذيع :
 فالإنسان ليس خوفاً أو جبناً.
الدكتور راتب:
 حكمة، ليس بحكيم من لم يدار من لا بد من مداراته حتى يفرج الله عليه.
المذيع :
 نحن على عتبات شهر رمضان قد يكون يوم غد، وقد يكون في اليوم المقبل، بماذا تنصح المستمعين الكرام لاغتنام هذا الشهر؟

شهر رمضان شهر عبادة :

الدكتور راتب:
هو شهر عبادة، مع كل أسف وكل ألم أصبح عند معظم المسلمين شهر ولائم ومسلسلات، المسلسل خطورته أنه يطرح قيم تناقض الدين دون أن تشعر، كل إنسان منا كمسلم له خطوط دفاع، يريك المسلسل أحياناً رجل الدين بقرية، صحته سيئة جداً، وزوجته عند الجيران، وأولاده في الحارة، يريك هذا الذي لا يوجد به دين زوجته تستقبل أصدقاء زوجها في غيابه، ويسهرون معاً، وبيته فخم جداً، ويملك سيارتين أو ثلاث، هم ما قالوا عن الدين ولا كلمة لكن فجروه من داخله، إذا كنا نعيش على المسلسلات ينتهي إسلامنا كله، أغلب الظن المغزى يأتي قبل أن ينتهي المسلسل بكلمتين أو ثلاث، يكونون قد عرضوا عليك الكفر، وقوته، وإباحيته، ورفاهه الشديد، وعرضوا عليك الإنسان الدين كيف أفقه محدود، وبيته سيئ، وزوجته عند الجيران، وأولاده في الحارة، في الأفلام خطورة تفوق حدّ الخيال، ليس خطورة إثارة جنسية، لا هذه موجودة، خطورة تبديل قيم، عدوان على القيم، هذه المشكلة، وهذا لا يمنع أن يكون هناك مسلسلات إسلامية، ولها أثر كبير، إذا كان هناك شيء ديني مدروس تماماً له أثر كبير.
المذيع :
 من يريد أن يكون رمضان هذا رمضان التغيير من أين يبدأ؟

بدء التغيير في رمضان يكون بمعاهدة الله على الاستقامة التامة :

الدكتور راتب:
 يبدأ بمعاهدة الله عز وجل على الاستقامة التامة التي ترضي الله عز وجل، عندنا صيام ضبط اللسان، ضبط العين، ضبط السمع، البصر كله يضبطه، يوجد غناء، وإطلاق بصر، وأفلام، وأشياء لا ترضي الله عز وجل، ولقاءات مختلطة، وولائم الهدف منها التباهي، هذه كلها أشياء تتناقض مع الصيام، إما شهر عبادة، أو شهر عادة، انقلب رمضان عند بعض الشعوب إلى شهر عادة، ألفنا أن نسهر للسحور، أو نأكل الساعة الواحدة، ولا نصلي الصبح حاضراً، وننام، وعندنا سهرة اختلاط وأكل وشرب.
المذيع :
 كل عام وأنتم والعائلة الكريمة بألف خير يا دكتور، وكل مستمعينا الكرام، الله يفتح عليكم دكتور نختم حلقتنا بالدعاء؟

الدعاء :

الدكتور راتب:
 اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، مولانا رب العالمين، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك، اللهم لا تؤمنا مكرك، ولا تهتك عنا سترك، ولا تنسنا ذكرك، اللهم أعنا على الصيام والقيام وغض البصر وحفظ اللسان، وبلغنا الجنة بسلام، وكل عام وأنتم بخير، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي، وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين، الفاتحة.

خاتمة و توديع :

المذيع :
 بارك الله بكم فضيلة العلّامة الدكتور محمد راتب النابلسي، إلى هنا مستمعينا ينتهي هذا اللقاء، كانت هذه حلقتنا حول واجب الفرد نحو الأمة، سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور