وضع داكن
28-03-2024
Logo
حياة المسلم 1- إذاعة حياة إف إم- الحلقة : 024 - عبادة التفكر.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

المذيع :
  بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، اللهم صلّ وسلم، وأنعم وأكرم على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
 السلام عليكم ورحمة الله وتعالى وبركاته، أهلاً وسهلاً بكم حديثنا مع فضيلة العلّامة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي عن عبادة التفكر، قال تعالى:

﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾

[ سورة آل عمران : 190-191 ]

 الحسن البصري يقول: تفكر ساعة خير من قيام ليلة. نرحب بفضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي، ونبدأ عن عبادة التفكر.

 

عبادة التفكر :

الدكتور راتب:
 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد، وعلى آله وأصحابه الطيّبين الطاهرين، أمناء دعوته، وقادة ألوِيَتِه، وارضَ عنّا وعنهم يا ربّ العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وُحول الشهوات إلى جنّات القربات.
 بارك الله بكم أخي الكريم، ونفع بكم، وأعلى قدركم، وجعل هذه الإذاعة منبراً إسلامياً، تحت قوله تعالى:

﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾

[ سورة فصلت : 33 ]

 الحقيقة الدقيقة أن الله عز وجل صاحب الأسماء الحسنى والصفات العلا الذات الكاملة أصل الجمال والكمال والنوال، والإنسان أي إنسان على وجه الأرض من سبعة مليارات ومئتي مليون حريص على سلامته وسعادته واستمراره، فسلامته باتباع تعليمات الصانع، وهو الله عز وجل، و الإنسان أعقد آلة في الكون، ولأنه أعقد آلة لا بد أن يتبع الإنسان تعليمات الخالق الصانع، لأن الجهة الصانعة هي الجهة الوحيدة الخبيرة، قال تعالى:

﴿ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ﴾

[ سورة فاطر : 14 ]

 إلا أن الله عز وجل صاحب الأسماء الحسنى والصفات العلا، لا يمكن لعبد ما أن يحكم الاتصال به إلا بأسباب، وبشروط، هذه الذات الكاملة لا تقبل إنساناً منحرفاً، ولا إنساناً مخطئاً، ولا إنساناً ظالماً، ولا إنساناً مقصراً، فالإنسان بآلية دقيقة جداً سأشرحها إن شاء الله أن هذا الكون الذي تحت سمعنا وبصرنا هو الثابت الأول في الدين، هذا الكون يشف عن خالق عظيم، وعن مربّ رحيم، وعن مسير حكيم، هذا الكون يشف عن ذات عليا، وصفات علا، يشف عن إله ، كن فيكون، زل فيزول، فلذلك الإنسان يفكر بالكون، وأول نقطة في هذا اللقاء الطيب أقول لأخوتي المستمعين الفضلاء: أنت حينما تقرأ آية في القرآن الكريم فيها أمر ماذا تقتضي منك هذه الآية؟ أن تأتمر، وإذا قرأت آية فيها نهي ماذا تقتضي منك هذه الآية؟ أن تنتهي، إن قرأت قصة نبي أن تتعظ، إلى آخر موضوعات القرآن الكريم الكبرى، فإذا قرأت ألفاً وثلاثمئة آية بالقرآن تتحدث عن الكون والإنسان، السؤال الخطير ماذا تقتضي هذه الآيات؟ ما من آية إلا وتقتضي موقفاً منك، افعل ولا تفعل، قال الله تعالى:

﴿ وَالفَجرِ* وَلَيالٍ عَشرٍ ﴾

[سورة الفجر: ١-٢]

﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى *وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى *وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى ﴾

[سورة الليل1-3]

 هذه الآيات التي تتحدث عن الكون، والتي تتحدث عن الإنسان ما الموقف منها؟ الحقيقة الدقيقة أن هناك قانوناً هذا القانون هو الإدراك، الانفعال، الحركة، ينطبق هذا القانون على كل أهل الأرض، شخص يمشي في بستان فوجد أفعى ما الذي يحصل؟ طبعاً بثقافته أي مجموع معلوماته، قصصه، مشاهداته، ما يجري في بلده، ما يلقى من خطب عليه، حديثه مع والدته، هذه الثقافة أوسع كلمة تشمل العادات والتقاليد، والأفكار والمفاهيم، وما إلى ذلك، هذا الإنسان حينما يرى كوناً عظيماً وإلهاً قادراً تقتضي هذه الثقافة ثقافة التفكر في خلق السماوات والأرض أن أتصل بهذا الإله العظيم، إذاً الثقافة الأولى أن هذا الكون هو الثابت الأول، وهو مظهر الأسماء الحسنى والصفات العلا، هذا الكون يشف عن ذات الله، وعن كماله، وعن أفعاله، وعن حكمته، وعن رحمته، وعن كل شيء، فأنا حينما أتفكر في خلق السماوات والأرض هذا التفكر أصل في الدين، بل هو أكبر عبادة على الإطلاق، والدليل:

﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾

[ سورة آل عمران : 190-191 ]

 ويتفكرون فعل مضارع يفيد الاستمرار.

 

الله تعالى أصل الجمال و الكمال و النوال :

 هذه الجولة في التفكر في خلق السماوات والأرض، وبعد قليل سوف أذكر بعض النماذج، ترجع من خلالها مؤمناً بإله عظيم، أسماؤه حسنى، وصفاته فضلى، وكل هذا من الكون يؤخذ، هذا الإله العظيم عنده الجمال والكمال والنوال، جميل:

((إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ))

[أحمد عن عبد الله بن مسعود ]

 وذات كاملة، وصاحب النوال إذا أعطى أدهش، ورد:

(( إني والإنس والجن في نبأ عظيم، أخلق ويعبد غيري، وأرزق ويشكر سواي، خيري إلى العباد نازل، وشرهم إليّ صاعد، أتحبب إليهم بنعمي وأنا الغني عنهم، ويتبغضون إليّ بالمعاصي وهم أفقر شيء إليّ، من أقبل عليّ منهم تلقيته من بعيد، ومن أعرض عني منهم ناديته من قريب، أهل ذكري أهل مودتي، أهل شكري أهل زيادتي، أهل معصيتي لا أقنطهم من رحمتي، إن تابوا فأنا حبيبهم- لأنه يحب التوابين- وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم))

[ البيهقي والحاكم عن معاذ، والديلمي وابن عساكر عن أبي الدرداء ]

 هذا الإله العظيم خالق السماوات والأرض، المربي، الحكيم، المسير، صاحب الأسماء الحسنى والصفات العلا، هذا الإله عند الجمال والكمال والنوال، كل ما يتطلع إليه الإنسان، هو الجميل، أي جمال الكون جمال المخلوقات ما أخذ إلا جزء من مليارات الأجزاء من جمال الله، ألا ترى وجه طفل يأخذ بالألباب؟ براءة وصفاء، ألا ترى بحراً أزرق اللون وجبال خضراء؟ ألا ترى الورود والأزهار؟ في الكون جمال كثير جداً، كل هذا الجمال بدءاً من الإنسان، وبعد ذلك الطيور الجميلة، والفراشات الرائعة، وكل المخلوقات التي أودع الله فيها الجمال كالطاووس، وكل الجبال الخضراء، والسهول، والبحار، والسماء الزرقاء، والنجوم في الليل، هذه أخذت مسحة من جمال الله، فكيف لو اتصلت بأصل الجمال؟ أنت مثلاً حينما تأكل فاكهة طيبة تحبها، بعد أن تمضغها يأتي ما يسمى بالبلع، وقبل البلع اللسان يلصق هذه اللقمة بسقف الحلق، في سقف الحلق أعصاب الحس، أعصاب الذوق، تقول: ما أطيب هذا الطعام لثانية أو ثانيتين، هذا الاتصال مع شيء من خلق الله فكيف لو كان الاتصال مع أصل الجمال؟ أصل الجمال الشكل، والكمال السلوك، والنوال العطاء، الكرم.

 

الصلاة عماد الدين وعصام اليقين :

 الآن أنت حينما تصلي تتصل بأصل الجمال والكمال والنوال، لذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم:

((أرحنا بها يا بلال ))

[الطبراني عن رجل من الصحابة]

 لذلك ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحدثنا ونحدثه فإذا حضرت الصلاة فكأننا لا نعرف ولا يعرفنا، لذلك لا خير في دين لا صلاة فيه، لذلك الصلاة عماد الدين، وعصام اليقين، وسيدة القربات، ومعراج المؤمن إلى رب الأرض والسماوات، أي هذا الدين كله يبنى على اتصال الكائن الضعيف المخلوق بالخالق، المفتقر إلى الغني، المقهور إلى القاهر، الجاهل إلى العالم، القاسي إلى الرحيم، كل أسماء الله حسنى، وكل صفاته علا، والمؤمن حينما يتصل بهذه الذات الكاملة يشتق من كمالها كمالاً، هنا الشاهد، لذلك قال تعالى:

﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي﴾

[سورة طه:14]

 أمر إلهي، والآية الثانية، قال تعالى:

﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ﴾

[سورة البقرة:125]

 إنك إذا أديت واجب الصلاة ما الذي حصل؟ إنك اتصلت بالخالق، اتصلت بالجميل، اتصلت بالكامل، اتصلت بالعظيم، اتصلت بالمعطي، إلى آخره، هذا الاتصال المحكم مع الله من خلاله تشتق كمالاً من كمال الله، هذا الكمال يعينك على أن تتصل بالله ثانيةً، صار هناك تقارب، الله رحيم وأنت رحيم، الله قوي وأنت قوي بالله، الله عادل وأنت منصف، فكلما اقتربت صفات العبد المتصل مع أسماء الله الحسنى وصفاته العلا كان الاتصال مسعداً ومحكماً وعظيماً، وهذا أصل الصلاة في الدين.
 ممكن الصيام يعفى منه الإنسان المريض، والمسافر، والزكاة تسقط عن الفقير، والحج يسقط، الأركان كلها تسقط إلا الصلاة، الفرض الوحيد المتكرر الذي لا يسقط بحال، الصلاة عماد الدين، وعصام اليقين، وسيدة القربات، ومعراج المؤمن إلى رب الأرض والسماوات.

 

التفكر في خلق السماوات والأرض العبادة الأولى التي تعرف الإنسان بالله :

 الآن أنا مضطر أن أذكر آلية السعادة، أنت أمام كون هو الثابت الأول، إذا تفكرت في خلق السماوات والأرض والآية تقول:

﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ ﴾

[ سورة آل عمران : 190-191 ]

 الشاهد:

﴿ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾

[ سورة آل عمران : 191 ]

 فالتفكر في خلق السماوات والأرض هي العبادة الأولى التي تعرفك بالله.
المذيع :
 إذاً التفكر عبادة؟
الدكتور راتب:
 الأولى التي تستطيع من خلالها أن تتعرف إلى عظمة الله، إذاً التفكر أصل، لذلك في القرآن موضوعات التفكر، ألف وثلاثمئة آية في القرآن تلفت نظرنا إلى مظاهر الكون، قال تعالى:

﴿ وَالشَّمسِ وَضُحاها* وَالقَمَرِ إِذا تَلاها ﴾

[سورة الشمس: ١-٢]

المذيع :
 إذاً هذه ألف وثلاثمئة آية هي دعوة للتفكر؟
الدكتور راتب:
 طبعاً، أنا قلت قبل قليل: إذا كان بالقرآن الكريم آية فيها أمر ماذا تقتضي منك هذه الآية؟ أن تأتمر، وإذا قرأت آية فيها نهي ماذا تقتضي منك هذه الآية؟ أن تنتهي، إن قرأت قصة نبي أن تتعظ، ألف وثلاثمئة آية بالقرآن تتحدث عن الكون والإنسان، تقتضي أن تتفكر في خلق السماوات والأرض، وهذه الآيات توجت في قوله تعالى:

﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾

[ سورة آل عمران : 190]

 فهذه الآيات تقتضي أن تتفكر، لأن التفكر يضعك وجهاً لوجه أمام عظمة الله، والتفكر أقصر طريق إلى الله، وأوسع باب ندخل منه على الله، لأنه يضعك وجهاً لوجه أمام عظمة الله.
المذيع :
 حديثنا عن عبادة التفكر والتأمل، قلت لنا قبل قليل: إن التفكر يضعك وجهاً لوجه أمام عظمة الله، والتفكر أقصر طريق إلى الله، وأوسع باب ندخل منه على الله، لو نتوسع بشرحها وبنماذج من هذا الكلام..

 

نماذج عن آيات الله في الآفاق :

الدكتور راتب:
 لو سألتني أقرب نجم ملتهب إلى الأرض عدا الشمس، أقول لك: هو نجم يبتعد عن الأرض أربع سنوات ضوئية، ماذا تعني أربع سنوات ضوئية؟ يقطع الضوء في الثانية الواحدة ثلاثمئة ألف كيلو متر، في الدقيقة ضرب ستين، في الساعة ضرب ستين، في اليوم ضرب أربع وعشرين، في السنة ضرب ثلاثمئة وخمسة وستين، في أربع سنوات ضرب أربع، هذا الرقم يستخرج في دقيقة على آلة حاسبة، لو كان هناك طريق لهذا النجم، أقرب نجم ملتهب، لو يوجد طريق معبد له، ولدينا مركبة أرضية نحتاج أن نقطعه إلى خمسين مليون عام، خمسون مليون عام كي تصل إلى أقرب نجم ملتهب إلى الأرض، الآن متى نصل إلى نجم القطب بعده عنا أربعة آلاف سنة ضوئية؟ متى نصل إلى مجرة المرأة المسلسلة، بعدها عنا مليونا سنة ضوئية؟ متى نصل إلى أحدث مجرة اكتشفت حديثاً تبعد عنا ثلاثة عشر ألف مليون سنة ضوئية؟ كنا بأربع سنوات ضوئية، لذلك اقرأ قوله تعالى:

﴿ فَلا أُقسِمُ بِمَواقِعِ النُّجومِ ﴾

[سورة الواقعة: ٧٥]

 مواقع أي بالمسافات بين النجوم، من أربع سنوات إلى أربعة آلاف إلى أربعة عشر ألف مليون سنة ضوئية:

﴿ فَلا أُقسِمُ بِمَواقِعِ النُّجومِ*وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَو تَعلَمونَ عَظيمٌ ﴾

[سورة الواقعة:75-76]

 هذه من آيات الله في الآفاق.
 الآن الشمس أكبر من الأرض بمليون وثلاثمئة ألف مرة، أي يمكن أن يدخل في جوف الشمس مليون وثلاثمئة ألف أرض، وبين الأرض والشمس مئة وستة وخمسون مليون كيلو متر، يقطعها الضوء في ثماني دقائق، أنت حينما ترى الشمس قد أشرقت، هي أشرقت قبل ثماني دقائق، لكن حتى وصل شعاعها إليك اقتضى أن ننتظر ثماني دقائق، فحينما قال الله عز وجل:

﴿وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ﴾

[سورة البروج:1]

 الأرض في دورتها حول الشمس - المسار اهليلجي- تمر باثني عشر برجاً، وأنا في أمريكا شاهدت هذه الأبراج كلها بقبة في متحف فلكي كبير جداً، إلا أن هذه النجوم بينها خطوط، الخطوط تمثل برج العقرب، أسماء البروج هي نجوم لو وصلت بين هذه النجوم بخطوط لكان الشكل الذي سمي به هذا البرج، فلذلك هذه الأبراج أحدها اسمه برج العقرب، هناك نجم صغير أحمر متألق اسمه قلب العقرب، هذا النجم الصغير الأحمر المتألق يتسع للشمس والأرض مع المسافة بينهما، هذا الإله العظيم يعصى؟ ألا تخشى ناره؟ ألا ترجى جنته؟ الإنسان حينما يكتشف هذه الحقائق بعد فوات الأوان..
المذيع :
 يبدو أننا مقصرون في عبادة التفكر لا نتأمل هذه المعاني.
الدكتور راتب:
 لأن هذه العبادة توصلنا إلى الله عز وجل:

﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ﴾

[ سورة آل عمران : 190]

﴿ فَسيروا فِي الأَرضِ فَانظُروا كَيفَ كانَ عاقِبَةُ المُكَذِّبينَ ﴾

[سورة آل عمران: ١٣٧]

 الإنسان إن لم يستخدم عقله بإيمانه يوجد عنده خلل لا يحتمل..
المذيع :
 وجاء الخطاب لأولي الألباب، أن يعمل الإنسان عقله في هذه القضايا.

 

أصل الدين معرفة الله عز وجل و التفكر طريق الإيمان :

الدكتور راتب:
 ألف وثلاثمئة آية في القرآن ماذا تفعل بها؟ نحن بدأنا هذا اللقاء الطيب آية في القرآن الكريم فيها أمر ماذا تقتضي منك هذه الآية؟ أن تأتمر، وإذا قرأت آية فيها نهي ماذا تقتضي منك هذه الآية؟ أن تنتهي، إن قرأت قصة نبي أن تتعظ، إذا قرأت ألفاً وثلاثمئة آية عن الكون، قال تعالى:

﴿ وَالْفَجْرِ * ولَيَالٍ عَشْرٍ* وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ ﴾

[ سورة الفجر: 1-3]

 التفكر طريق الإيمان، وأصل الدين معرفة الله عز وجل، إذا عرفت الآمر ثم عرفت الأمر تفانيت في طاعة الآمر، أما إذا عرفت الأمر ولم تعرف الآمر تفننت في التفلت من الأمر، أنا ممكن أن أوضح الفكرة بمثل من الدول النامية التي نعيش بها، قد تأتيك رسالة من دائرة البريد، تعال غداً الساعة العاشرة تسلم رسالة مسجلة، لا تتحرك فيك شعرة، وقد لا تذهب، وقد تأتيك رسالة من فرع من الفروع إذا دخلت لا تخرج، لا تنام الليل، الفرق بين الأمرين؟ الآمر، فإذا عرفت الآمر ثم عرفت الأمر تفانيت في طاعة الأمر.
 أنت مواطن محترم، راكب سيارتك، والإشارة حمراء، وهناك شرطي واقف، والآن يوجد كاميرا تصور، والآن في الأردن تصور إذا كنت تضع حزام الأمان أم لا تضعه، وإذا كنت تدخن أو لا تدخن، كنت تتكلم بالهاتف أو لا تتكلم، ممكن أن يأخذوا لك عشرين مخالفة بهذه الصورة، لماذا ننضبط؟ لسبب بسيط لأن علم واضع القانون يطولك من خلال هذا الشرطي أو الكاميرا.
 مثل آخر؛ التجار في كل البلاد عندما يستوردون تذهب نسخة من استيراداتهم إلى المالية، فإذا طولبوا بتقديم ميزانية لأرباحهم، لا يستطيعون أن يغفلوا هذه الصفقة، لأن المالية عندها نسخة من هذه الصفقة، وما دام الآمر يعلم، علمه يطولك، لا تستطيع أن تخفي صفحة عن المالية، وقدرته تطولك، بإمكانهم أن يوقفوا الترخيص لمحلك التجاري، ويكلفوك بضريبة أخرى تأديبية ثمانية أضعاف، مادام الآمر علمه يطولك و قدرته تطولك، لا يمكن أن تعصيه، دعك من خالق السماوات والأرض، من إنسان وزير المالية، وزير الداخلية، عمل نظاماً وقانوناً فيه عقوبات رادعة، أبداً لا تخالفه، لعلمك اليقيني أن علمه يطولك و قدرته تطولك، فكيف إذا كان الله عز وجل هو الآمر؟ قال تعالى:

﴿ اللَّهُ الَّذي خَلَقَ سَبعَ سَماواتٍ وَمِنَ الأَرضِ مِثلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأَمرُ بَينَهُنَّ لِتَعلَموا أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَد أَحاطَ بِكُلِّ شَيءٍ عِلمًا ﴾

[ سورة الطلاق: ١٢]

 ماذا اختار الله من أسمائه؟ العليم والقدير، أي الله عز وجل علمه يطولك وقدرته تطولك فكيف تعصيه؟ أنا لا أرى على وجه الأرض أغبى من العصاة لأنهم ما أدخلوا الله في حساباتهم.
المذيع :
 وهذا كان سؤالي لماذا لا نتفكر في عظمة الله وبالتالي لماذا نعصيه؟

 

أزمة أهل النار و هم في النار أزمة علم فقط :

الدكتور راتب:
 لأننا عرفنا الأمر ولم نعرف الآمر، قلت لك: تأتيك ورقة من دائرة البريد لا تذهب، أما حينما تدعى من جهة قوية وإذا ما لبيت الدعوة هناك مشكلة، ولا تنام الليل، والله ما تكلمت عن شيء، حينما تعرف من هو الآمر، وتعرف عظمة هذا الآمر، وتعرف ما يترتب عليك لو خالفته تبادر إلى طاعته، أزمة أهل النار و هم في النار هي أزمة علم فقط، والدليل:

﴿ وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾

[ سورة الملك: 10]

المذيع :
 أزمة علم ماذا؟
الدكتور راتب:
 معلومات ما عرفوها، جاؤوا إلى الدنيا ما عرفوا الله، أكلوا، وشربوا، وتمتعوا.
المذيع :
 لكن أحياناً وصلتهم الدعوة قد عرفوا.
الدكتور راتب:
 مادام لم يطلبوها لم يهتموا بها.
المذيع :
 ماذا عن عباد الله الموحدين الذين يؤمنون بالله رباً عظيماً لا شريك له، وأن محمداً صلى الله عليه وسلم هو نبيه؟ هل هم بحاجة إلى التفكر والتأمل كعبادة بين فينة وأخرى بل هي لغير المسلمين؟

 

من لم يتبع سنة النبي لن يقطف من ثمار الدين شيئاً :

الدكتور راتب:
 إذا رمزنا للحق بالشمس، شخص معه مرض جلدي علاجه الوحيد الشمس، جلس بغرفة مظلمة رطبة قميئة وقال: يا لها من شمس ساطعة، ما أعظم نور الشمس إنها شمس مشرقة، إنها شمس شافية، لو مدح الشمس إلى يوم القيامة ما لم يعرض جسمه المصاب بمرض جلدي إلى أشعة الشمس، كل هذا الكلام لا يقدم ولا يؤخر، مشكلة المسلمين أنهم عظموا هذا الدين، نحن أمة الوحيين، أمة سيد الخلق وحبيب الحق، اذكر ما شئت ما لم تتبع لن تقطف من الدين شيئاً، هذه حقيقة مرة، ما لم تتبع منهج النبي صلى الله عليه وسلم لن تقطف من الدين شيئاً.

تسخير الكون للإنسان تسخير تعريف و تكريم :

 لذلك الله عز وجل يقول:

﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ ﴾

[ سورة النساء : 147]

 لأن الله عز وجل سخر هذا الكون كله للإنسان تسخير تعريفٍ و تسخير تكريم، موقف الإنسان من هذا الكون المسخر لك تسخير تعريف أن تؤمن، موقف الإنسان من هذا الكون المسخر لك تسخير تكريم أن تشكر، فإذا آمنت وشكرت توقفت جميع المصائب في حياتك، توقفت جمع المعالجات التربوية في حياتك، توقف كل شيء، قال تعالى:

﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ ﴾

[ سورة النساء : 147]

 أنت أب وجاء ابنك آخر العام معه علامات تامة بالمواد كلها، وهناك ثناء على أخلاقه عال تضربه؟ هل هناك أب يضرب ابنه؟ أم تقبله وتحمله وتفتخر به وتعطيه هدية كبيرة وتثني عليه وتأخذه معك؟ هذا شيء طبيعي، الله عز وجل قال:

﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ ﴾

[ سورة النساء : 147]

 كلام لا يقبل يا سيدي، لا يمكن أن يساق لإنسان شيء إلا بسبب، الحديث القدسي في الصحاح:

((.. فمن وَجَدَ خيراً فليَحْمَدِ الله ومن وجد غير ذلك فلا يَلُومَنَّ إلا نَفْسَهُ ))

[مسلم والترمذي عن أبي ذر الغفاري]

 هذا شيء دقيق جداً أنا أقول: الإنسان لا يحابي نفسه، ولا يقف موقفاً غير واقعي، ما نزل بلاء إلا بذنب، ولا يرفع إلا بتوبة..
المذيع :
 مع فضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي حديثنا متواصل تحت عنوان عبادة التفكر، لو قام إنسان بهذا الزمان بمشاهدة برنامج وثائقي أو مجلة علمية فيها من صور الجمال لهذا الكون ما يدفع الإنسان إلى تسبيح الله وشكره وتعظيمه لهذا الكون الجميل هل هذا جزء من عبادة التفكر؟

 

تسبيح الله وشكره وتعظيمه جزء من عبادة التفكر :

الدكتور راتب:
 إما أن تصنع طعاماً، أو أن تأكل طعاماً جاهزاً، ففي هذه الحالة الطعام جاهز، أما صناعته فممتعة أكثر بكثير، من بديهيات العلم أن الأرض تدور حول الشمس في مسار إهليلجي، أي بيضوي، ما معنى بيضوي؟ أي له قطران قطر أطول و قطر أصغر، الأرض في القطر الأطول، تتجه إلى القطر الأصغر، ما الذي يحصل؟ حينما تقل المسافة بينها وبين الشمس بحسب قانون الجاذبية تزداد الجاذبية، الذي يحكم الجاذبية الكتلة والمسافة، فإذا قلّت المسافة ازدادت الجاذبية، هناك احتمال أن تنجذب الأرض إلى الشمس، فإذا جُذبت إليها تبخرت في ثانية واحدة، لأن حرارة الشمس عشرون مليون درجة، ما الذي يحصل؟ الله عز وجل يرفع سرعة الأرض، فتنشأ قوة نابذة تكافئ القوة الجاذبة الجديدة، فتبقى في مسارها، يد من؟ علم من؟ قدرة من؟ حكمة من؟ قال تعالى:

﴿ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا ﴾

[ سورة فاطر: 41 ]

 شيء سهل أن تستيقظ كل يوم فيه شمس تمشي على خط ثابت، ممكن أن نحسب الشروق قبل مئة سنة، افتح أي تقويم، قبل مئة سنة، يقول لك: الشمس تشرق الساعة الخامسة وثلاث وعشرين دقيقة، معنى هذا أن هناك نظاماً دقيقاً جداً، العظيم ينبغي أن يُطلب وده، وهذا الإله العظيم ينبغي أن يطاع فلا يعصى؟ قال تعالى:

﴿ سَنُريهِم آياتِنا فِي الآفاقِ ﴾

[سورة فصلت: ٥٣]

 الآفاق شيء مذهل، تتابع الأرض سيرها فإذا صلت إلى القطر الأطول، الآن هناك حالة أخرى، المسافة زادت بين الأرض والشمس، وبحسب قانون التجاذب مع ازدياد المسافة تضعف الجاذبية، فلئلا تتفلت من جاذبية الشمس، وتنتهي الحياة كلياً، لأن الحرارة تصبح مئتين وستين تحت الصفر، وتنتهي الحياة برداً، الحياة تنتهي مرتين؛ مرة إذا انجذبت إلى الشمس، ومرة إذا بعدت عنها، وتفلتت من جاذبيتها، تضعف سرعتها لينشأ من ضعف سرعتها قوة نابذة أقل تكافئ القوة الجاذبة الأقل وتبقى على مسارها، ما هذه الآيات؟ إذا قال الله عز وجل:

﴿ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ ﴾

[ سورة فصلت: 53 ]

 الإنسان في رأسه شعر، تقريباً الحد المتوسط ثلاثمئة ألف شعرة، لكل شعرة شريان و وريد و عصب و عضلة و غدة دهنية وغدة صبغية.
 هذه العين الطبقة الأولى طبقة شفافة، ما معنى طبقة شفافة؟ كل الجسم يتغذى بالشعريات إلا الطبقة الأولى بالعين تتغذى بالحلول، الخلية الأولى تأخذ غذاءها وغذاء جارتها، وينتقل الغذاء بالحلول، لو انتقل بالشعريات لرأيت ضمن شبكة، ما هذه الحكمة؟
 عندنا حدقة بالضوء تصغر وتكبر، والأبلغ من ذلك شيء لا يصدق، أي أخ مستمع كريم يحمل شهادة ثانوية يكون درس بعلم الضوء أن العدسة إذا وضعت إلى جانبها شمعة، وجئت بقطعة كرتون أبيض حركتها في مكان محدد، ترتسم صورة الشمعة مقلوبة بدقة بالغة، هذا المكان اسمه محرق العدسة، أنت حينما ترى مباراة كرة قدم، وترى اللاعبين يركضون، والكرة تطير، كيف تتابع هذا المنظر؟ بدقة بالغة، معنى ذلك تجري هناك مطابقات مذهلة لا يستطيع علماء الأرض ضبطها، يجب أن نقيس المسافة أولاً ثم نضغط على الجسم البلوري ضغطاً يساوي واحد من مليون من الميكرون حتى يزداد احتدابه حتى يقع على الشبكية، هذه العملية سيدي أنا لا أصدق لو اجتمع علماء الأرض على أن يقوموا بمطابقة خمس دقائق لا يستطيعون، عندك مطابقة، العدسة لها محرق هو الشبكية، أنا بدل أن أغير مكان المحرق سوف أغير احتداب العدسة عن طريق عضلات هدبية تقوم بأعمال مذهلة، وأنت لا تشعر تتابع كرة قدم، تركب سيارتك تمشي، هذا أعقد شيء يقوم في جسم الإنسان، إن عرفت الله عرفت كل شيء..
المذيع :
 بعد أن تفكرنا وبعد أن زادت عظمة الله عز وجل في عقولنا وفي قلوبنا وبعد أن تأملنا عظيم خلق الله ما الخطوة الثانية المطلوبة من المسلم؟

 

التعرف إلى الله من خلال رسله وأنبيائه وكتبه :

الدكتور راتب:
 تتخذ قراراً أن تتعرف إلى الله من خلال رسله وأنبيائه وكتبه.
المذيع :
 وكيف يكون ذلك؟
الدكتور راتب:
 تفتح القرآن الكريم، تحضر مجلس علم، تسأل عالماً، لا بد من البحث عن الحقيقة، حينما تكتشف مبدئياً أن لهذا الكون إلهاً عظيماً، وأن هذا الإله العظيم فكرة دقيقة أمهد لها بمثل، إذا أنت عندك محل تجاري ضخم جداً في عمان، وتريد أن تستورد من أضخم شركة كومبيوترات في أمريكا إي بي إم، فذهبت إليهم، معقول هذه الشركة تدفع لها المبلغ تقول لك: خذ معك الكومبيوترات أم هناك أمر شراء وطوابع وكفاءات وكفالات؟ هذا معنى الكلام، كمال الخلق يدل على كمال التصرف، حينما تفكر في خلق السماوات والأرض تشعر أن هذا الإله العظيم لا يليق بكماله أن يدع عباده من دون توجيه، كمال الخلق يدل على كمال التصرف، أما عندما تشتري بطيخة من بائع بطيخ ، يزن البطيخة ويقول لك: ثلاثة دنانير، لا يوجد أمر قبض، ولا أمر صرف، ولا طلب شراء، هذا يسمونه بيع المعاطاة، أنت تعامل خالق الأكوان، إذاً عندما تفكر بخلق السماوات والأرض، وتصل إلى قناعة يقينية أن هناك إلهاً عظيماً، وأن كمال الخلق الذي يبدو من خلال هذا الكون يدل على كمال التصرف، وأن الله عز وجل لا يليق بكماله أن يخلق الخلق عبثاً، قال تعالى:

﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ ﴾

[سورة المؤمنون: 115]

 تعالى الله أن يخلق الخلق عبثاً، فأنت عندما تفكر بعظمة هذا الكون تنتقل إلى عظمة خالق الكون، وهذا الخالق العظيم لا يمكن أن يدعنا بلا توجيه، بلا تعليمات، بلا رسل، بلا أنبياء، كمال الخلق يدل على كمال التصرف، تبحث عن الحقيقة في القرآن الكريم، فإذا قرأت القرآن عرفت سرّ وجودك، وغاية وجودك، أنت إنسان تحتاج إلى فلسفة إسلامية، لماذا خلقت؟ ما حقيقة الكون؟ ما حقيقة الدنيا؟ ما حقيقة الإنسان؟ ماذا يعني الموت؟ ماذا بعد الموت؟

 

ما كلّ ذكي بعاقل :

 لذلك قالوا: ما كل ذكي بعاقل، أي قد تحمل دكتوراه بالفيزياء النووية، وإن لم تكن متعرفاً إلى الله عز وجل، وإلى كتابه الكريم، وإلى حكمة الدنيا، وإلى الموت، وما بعد الموت، لا تعد عاقلاً، العاقل الذي عرف سرّ وجوده، وغاية وجوده، عرف ما بعد الموت، عرف الجنة، وعرف النار، عرف الخالق، عرف المسير، العليم، الحكيم، القرآن الكريم، فحينما نغفل عن سرّ وجودنا وعن غاية وجودنا نهبط عن مستوى إنسانيتنا إلى مستوى لا يليق بنا.
 بالمقابل الجماد شيء مادي له وزن، وله أبعادٌ ثلاثة، بماذا يتميز عليه النبات؟ بالنمو، له وزن، و له أبعادٌ ثلاثة، نضيف فقط النمو، الآن الحيوان، له وزن، وله أبعادٌ ثلاثة، وينمو كالنبات لكنه يتحرك، القطة تمشي، الآن الإنسان، هو كيان مادي؛ وزن، طول، عرض، ارتفاع، وينمو مثل النبات، ويتحرك كبقية المخلوقات، بماذا تميز؟ بقوة إدراكية أودعها الله، هذه القوة الإدراكية إذا لباها بطلب العلم هنا ارتقى عند الله، إن لم يلبها هبط عن مستوى إنسانيته إلى مستوى لا يليق به، لنستمع لوصف الله للكفار، قال تعالى:

﴿ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ ﴾

[سورة النحل: 21]

 قال الشاعر:

ليس من مات فاستراح بميت  إنما الميت ميت الأحياء
***

المذيع :
 ما المقصود بها؟
الدكتور راتب:
مات قلبه، جسمه يعيش، آية ثانية:

 

﴿ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً ﴾

[ سورة الفرقان : 44]

 الأنعام غير مكلفة، هم أضل من الأنعام.
المذيع :
 ذلك الإنسان لم يمعن عقله في آيات الله فأصبح كالأنعام.
الدكتور راتب:
 قال تعالى:

﴿ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ ﴾

[ سورة المنافقون: 4 ]

 أموات، أنعام، خشب مسندة، أما أقصى شيء فقد قال تعالى:

﴿ مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً ﴾

[ سورة الجمعة : 5 ]

 فالإنسان ما لم يطلب العلم، ما لم يتعرف إلى خالقه، إلى رب العالمين، إلى مسيره، إلى حقيقة هذا الدين، إلى ماذا بعد الموت، حقيقة الدار الآخرة، حقيقة الدنيا، لا يعد عاقلاً ولو يحمل أعلى شهادة بالذرة، ما كل ذكي بعاقل، العاقل يعرف كليات الحياة.
المذيع :
 بعد أن تحدثنا عن التفكر، والخطوة الثانية أن نتعرف إلى الله، وإلى كتابه ورسله، كيف لنا أن نحيي عبادة التفكر في حياتنا ما هي النصائح؟

 

كيفية إحياء عبادة التفكر في حياتنا :

الدكتور راتب:
 والله أنا أرى كل شيء تستخدمه تستعمله فكر به، أنت على المائدة يوجد قطعة جبن، ولبن، ومشتقات الحليب، هذه البقرة كيف توافق حليبها مع حاجة الإنسان؟ هذه واحدة.
 صغير البقرة بحاجة إلى أربعة كيلو حليب، تعطي ثمانية وستين كيلو، البقر تعطي ليس لأولادها للإنسان، هذا الحليب الذي نصنع منه الجبن و القشدة و اللبن، وكل مشتقات الحليب الغذاء الأول الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا شرب حليباً يقول:

(( اللَّهمَّ بارك لنا فيه وزِدْنَا منه.. ))

[ ابن ماجه عن ابن عباس]

 قال تعالى:

﴿ فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ ﴾

[ سورة عبس : 24]

﴿ فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ ﴾

[ سورة الطارق: 5 ]

 حوين منوي يتصل ببويضة من الأنثى بعد تسعة أشهر تجد جنيناً، في دماغه مئة و أربعون مليار خلية سمراء استنادية لم تعرف وظيفتها بعد، في العين الملتحمة، القزحية، الشبكية، ما الشبكية؟ الشبكية مساحتها ميلي وثلث، تتسع لمليون وثلاثمئة ألف مستقبل ضوئي، أكبر آلة تصوير رقمية احترافية ثمنها ملايين في الميلمتر المربع عشرة آلاف مستقبل، من أجل دقة الصورة، والإنسان يرى تسعة ملايين لون يفرق بين تسعة ملايين لون، إذا أخذنا اللون الأخضر درجناه بين تسعة ملايين العين البشرية تفرق بين درجتين، قال تعالى:

﴿ أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ﴾

[ سورة البلد:8- 10 ]

المذيع :
 جميل أن يتفكر الإنسان في خلق الله، وأن يتدبر ويتأمل الأشياء التي كانت اعتيادية في حياته كيف وصلت إليه ليصل إلى الخالق عز وجل، الله يفتح عليكم دكتور نختم حلقتنا بالدعاء..

 

الدعاء :

الدكتور راتب:
 اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، مولانا رب العالمين، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك، اللهم لا تؤمنا مكرك، ولا تهتك عنا سترك، ولا تنسنا ذكرك، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارض عنا، اجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً وسائر بلاد المسلمين، واحقن دماء المسلمين في كل مكان، واحقن دماءهم في الشام، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي، وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين، الفاتحة.

خاتمة و توديع :

المذيع :
 بارك الله بكم فضيلة العلّامة الدكتور محمد راتب النابلسي، دلنا شيخنا على ألف وثلاثمئة آية في القرآن الكريم تدعونا إلى التفكر والتدبر، فتعالوا نحيي عبادة التفكر في حياتنا، نكون في الطريق عبر التلفاز، عبر الفضائيات التي تتحدث عن خلق الله لهذا الكون، سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور