وضع داكن
19-04-2024
Logo
حياة المسلم 1- إذاعة حياة إف إم- الحلقة : 016 - رحماء بينهم.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

المذيع :
  بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وأتمّ الصلاة وخير التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
 السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، أهلاً وسهلاً بكم مستمعينا الكرام على الهواء مباشرة عبر أثير إذاعتكم حياة fm في مجلس العلم والإيمان، في رحلتنا في طلب العلم مع فضيلة العلّامة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي، فأهلاً وسهلاً بكم مستمعينا، ومرحباً بكم فضيلة الدكتور محمد، أهلاً وسهلاً يا دكتور.
الدكتور راتب:
 بارك الله بكم، ونفع بكم.
المذيع :
 دكتورنا الكريم نبدأ بقوله سبحانه وتعالى بعد أعوذ بالله الشيطان الرجيم:

﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ﴾

[سورة الفتح : 29 ]

 وهذا هو عنوان لقائنا مع فضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي، نتحدث عن هذه الصفة التي طلبها الله منا، والتي بادت تنكمش قليلاً في مجتمعاتنا، فلم تعد الرحمة هي سيدة العلاقات بين كثير من أبناء أمة محمد، بل أصبح هناك مفاهيم أخرى، نتحدث عن رحماء بينهم.

 

قانون الالتفاف والانفضاض :

الدكتور راتب:
 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد، وعلى آله وأصحابه الطيّبين الطاهرين، أمناء دعوته، وقادة ألوِيَتِه، وارضَ عنّا وعنهم يا ربّ العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وُحول الشهوات إلى جنّات القربات.
 الحقيقة الدقيقة أن آية في القرآن الكريم تتعلق بالرحمة يحتاجها كل إنسان في الحياة اليومية، بدءاً من الأب والأم والمعلم والمدرس والمرشد وأستاذ الجامعة ورئيس الدائرة إلى أعلى منصب قيادي، ما الآية؟ قال تعالى:

﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ﴾

[ سورة آل عمران : 159 ]

 أي يا محمد من خلال اتصالك بنا امتلأ قلبك رحمة، هذه انعكست ليناً، وهذا اللين سبب التفاف الناس حولك، بسبب الرحمة التي استقرت في قلب محمد من خلال اتصاله بالله التف الناس حوله، فصح أن نقول: هناك آية في كتاب الله يترجمها قانون الالتفاف والانفضاض، أي أب لا يتمنى أن يلتف أبناؤه حوله؟ أي أم لا تتمنى ذلك؟ أي رئيس دائرة؟ أي معلم صف؟ أي منصب قيادي حتى أعلى منصب لا يتمنى أن يلتف أتباعه حوله؟ هذا الالتفاف له قانون.

﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ﴾

[ سورة آل عمران : 159 ]

 هذه الباء باء السبب، أي يا محمد بسبب رحمة استقرت في قلبك من خلال اتصالك بنا كنت ليناً لهم، فلما كنت ليناً معهم التفوا حولك، هذا اللين في المعاملة نتج عنه الالتفاف، فلو كنت منقطعاً عن الله، يمتلئ القلب قسوة، وهذه القسوة تنعكس على الناس غلظة وفظاظة، عندئذ ينفض الناس من حولك، هذا قانون الالتفاف والانفضاض، سببه الرحمة، فالأنبياء رحماء وعقلاء.
المذيع :
 ومنبع رحمتهم اتصالهم بالله عز وجل، هل يقاس ذلك؟
الدكتور راتب:
 هذه الرحمة الحقيقية، هناك إنسان ذكي جداً يتصنع الرحمة، يظهر الرحمة، ما دام أمام جمهور، أمام أشخاص، من أجل تلميع صورته أمامهم، يعمل عملاً رحيماً، لكن قلبه ليس فيه رحمة، بينما المؤمن امتلأ قلبه رحمة من خلال اتصاله بالله، هذه الرحمة انعكست ليناً، واللين سبب الالتفاف.
المذيع :
 إذا أراد إنسان أن يتتبع خطا الأنبياء فيتصل بالله هل سيلين قلبه؟

 

الاتصال بالله سببه أن القلب اشتق الرحمة من الخالق سبحانه :

الدكتور راتب:
 قطعاً، هذه قوانين، الإنسان حينما يتصل بالرحيم يشتق الرحمة منه، قال تعالى:

﴿ وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾

[ سورة الأعراف: 180 ]

 الله رحيم، عليم، حكيم، قدير، غني، فادعوه بها، هذه الباء باء الاستعانة، كأن تقول: كتبت بالقلم، فادعوه بها، أنت توسل إلى أن تتصل بالله من خلال كمال مشتق من أسمائه الحسنى، أنت إذا اتصلت بالله اشتق القلب رحمة من اسم الرحيم، فإذا رحمت عباده سمح الله لك أن تتصل به:

(( إن كنتم تحبون رحمتي فارحموا خلقي ))

[ الديلمي عن أبي بكر]

 ومن لا يرحم لا يرحم.
المذيع :
 إذاً هو قانون ليس حكراً على الأنبياء، أنا الآن أشكلت عندي تأتي الرحمة حينما نتصل بالله ونكون مؤمنين أم حينما نتراحم بيننا فيرضى الله عنا فنصبح من المؤمنين؟
الدكتور راتب:
 الاتصال بالله سببه أن القلب اشتق الرحمة من الله، النقطة الأولى الاتصال بالله، لكن أحياناً يفعل فعلاً رحيماً بذكاء، هذا الذكاء يملكه أهل الدنيا، وقد يعملون أعمالاً طيبة جداً لكنهم يقتلون الشعوب، قد يرحمون طفلاً، وقد يرحمون حيواناً، وقد يرحمون جرواً، لكنهم يقتلون الشعوب، فلذلك الإنسان حينما تستقر الرحمة بقلبه لا يمكن إلا أن ينطلق من أن يرحم الناس، هذه صفة الأنبياء، نبي الرحمة.
المذيع :
 لماذا نشهد قوماً أو جمعاً من الناس المؤمنين والملتزمين لكنهم قساة وأبعد ما يكونوا عن الرحمة؟

الفرق بين الارتزاق بالدين و بين التفرغ له :

الدكتور راتب:
 أنت قلت ملتزماً، أي بعينك على الشبكية رأيته يصلي ويصوم، من خلال اتصالك به رأيته يتكلم بالدين، لكن يا ترى هل أحكم اتصاله بالله فاشتق الرحمة أم تاجر بالدين؟ فرق كبير، لذلك قال الإمام الشافعي: "لأن أرتزق بالرقص أفضل من أرتزق بالدين". الدين يرتزق به، والدين يقدم لأتباعه أحياناً دخلاً كبيراً، هذا تاجر بالدين.
المذيع :
 حتى نوضح يرتزق بالدين ليس يعمل بمهنة مرتبطة بالدين.
الدكتور راتب:
 موضوع ثان، عندما يتقاضى الخطيب أجراً من الأوقاف يأخذ هذا الأجر أحل من حليب أمه، لأنه متفرغ للخطابة، والتدريس، والصلوات، وينام بالجامع، هذا ليس له علاقة، الذي يعمل بالحقل الديني، ويتقاضى أجراً من الأوقاف نظير هذا الأجر اسمه معاشاً ليأكل ويشرب، هذا أحلّ من حليب أمه.
 أما أنا حينما أصدر فتوى لست قانعاً بها، وفي شيء خطير جداً هناك نوعان من الفتاوى؛ فتوى تفتى بجهل، وصاحبها آثم إثماً كبيراً، لكن هناك فتوى تفتى بخلاف ما يعلم الذي أفتى بها، هذا مجرم أفتى بخلاف ما يعلم، الأول أفتى بجهل ولا يعذر به، المفتي يحاسب، أما الذي يعلم الحقيقة تماماً ويحرفها أو يتعامى عنها فهذا تاجر بالدين، هذا ما ينطبق عليه قول الإمام الشافعي: "لأن أرتزق بالرقص أفضل من أرتزق بالدين".
المذيع :
 كل إنسان يتصل بالله يكون رحيماً بالناس.

الأحمق من لا يدخل الله في حساباته :

الدكتور راتب:
 ومن لا يرحم لا يرحم، قال تعالى:

﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ﴾

[ سورة آل عمران : 159 ]

 هذه الباء باء السبب، و أي مؤمن أية صفة متعلقة بالنبي لكل مؤمن منها نصيب، بقدر إيمانه وإخلاصه،

﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ﴾

  هذه الرحمة تنعكس ليناً هذا اللين سبب التفاف الناس حولك، لو كان هناك انقطاع عن الله يمتلئ القلب قسوة، هذه القسوة سبب الغلظة والفظاظة، كأن الله عز وجل يقول لسيدنا محمد: أنت أنت يا محمد، أنت سيد الخلق وحبيب الحق وسيد ولد آدم، أنت النبي، وأنت الرسول، أنت الذي أوتيت الوحي، وأوتيت القرآن، حدثني عن الموضوع ساعة أنت أنت أنت بكل هذه الخصائص:

﴿ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾

[ سورة آل عمران: 159 ]

 أصل هذا الدين التراحم:

(( إنما أنا رحمة مهداة ))

[الحاكم عن أبي هريرة ]

 من لا يرحم لا يرحم:

(( إن كنتم تحبون رحمتي فارحموا خلقي ))

[ الديلمي عن أبي بكر]

 بجرة قلم يرحم، وبجرة أخرى لا يرحم، يختار الثانية، الله كبير، أقول لك من هو الغبي؟ أنا إيماني الذي يدخل بكل خلية بجسمي، وكل قطرة بدمي أشعر أن الغبي هو الذي لا يدخل الله في حساباته، الغبي هو الذي خطط بعيداً عن الله عز وجل.
المذيع :
 حينما أمرنا بالرحمة هذه الرحمة موجهة لمن يشاركوننا التوحيد في الإسلام أم رحمة للخلق؟ لكل البشر؟

 

بطولة المؤمن بالرحمة العامة وليس بالخاصة :

الدكتور راتب:
 رحمة عام، هنا نقطة دقيقة بارك الله بك على هذا السؤال، حتى الطفل يعيش، حتى يتلقى عناية من والديه، حتى يتلقى طعاماً وشراباً، حتى يتلقى معالجة إذا أصابه مرض، أودع في قلب الأب والأم بفطرتهم أن يرحموا أولادهم، هذه الرحمة التي يفعلها الأب تجاه أولاده، والأم تجاه أولادها- الكلام دقيق - الأجر عليها متواضع جداً، لأنها أودعت فيهم ليس لهم اختيار، لكن حينما ترحم غريباً، طفل في الطرقات أخذته إلى ميتم وعلمته، هذا عمل كبير، لذلك النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إنها رحمة عامة ". بطولة المؤمن بالرحمة العامة وليس بالخاصة، لو أن ملحداً يحب ابنه، أودع في قلب كل أب محبة أولاده، هذه الإيداع حتى كل أب يرحم ابنه، مرة كنت في مستشفى الأطفال لفت نظري الأم البدوية تعانق ابنها المريض وتبكي، والأم المتفلتة بثيابها تعانق ولدها وتبكي، الأم الغير المتعلمة تعانق ولدها وتبكي، هذه رحمة أودعت في قلب الأمهات ضماناً لتربية الأولاد، ولكن الرحمة التي نؤجر عليها هي الرحمة العامة، أن ترحم ابنك وأي طفل آخر، أن ترحم من يلوذ بك ومن لا يلوذ بك، مادامت الرحمة عامة ترقى بها، الرحمة الخاصة ليست من كسبك أساساً، هذه فطرة أودعت فيك.
المذيع :
 الرحمة للمسلم ولغير المسلم، للإنسان وللنبات ولكل خلق الله.

المؤمن على ثغرة من ثغر هذا الدين فلا يؤتين من قبله :

الدكتور راتب:
 قال تعالى:

﴿ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا ﴾

[ سورة المائدة: 8]

 شنآن قوم بغض قوم، من هم الأعداء التقليديون للمؤمن؟ الكفار، يقول الله:

﴿اعْدِلُوا﴾

 لو عدلتم مع أعدائي قربتموهم مني، قربتموهم منكم، لذلك أنا أقول: إذا أنت منهي عن أن تظلم مسلماً أنا أرى أنك منهي مليون ضعف على أن تظلم إنساناً غير مسلم، إذا ظلمت مسلماً يشار إلى اسمك فقط، فلان ظلمني، أما إذا ظلمت غير المسلم فيشار إلى إسلامك كله، الإسلام غلط، لذلك:

﴿ رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا ﴾

[ سورة الممتحنة : 5 ]

 كيف؟ أنا عندما أقدم تصريحاً كاذباً كمسلم، وهذا الطرف الآخر الكافر وجد التصريح كاذباً، فاعتقد أنه هو الصح إذاً أقنعته بكفره، وسببت له أن يحتقر هذا الدين، لأنك مسلم كلمة سوف أقولها دقيقة جداً: الإنسان بالغرب بأمريكا بأستراليا حينما يتعامل مع مسلم هو يتعامل مع ما يتوهم أنه إسلام، و أنت عندما تغلط مع مسلم يشار إلى اسمك لا سمح الله بالذات، أما إذا اخطأت مع إنسان غير مسلم فيتهم دينك مباشرة، شيء خطير، أنا أقول للجالية الإسلامية في بلاد الغرب: عندما تقدم تصريحاً كاذباً، أنا مرة دخلت إلى قاعة بألمانيا فيها آلاف مؤلفة يستمعون إلى محاضرتي، جاء من يهمس في أذني أن كل هؤلاء قدموا تصريحات كاذبة أنهم لا يعملون، فإذا كان لا يعمل بهذا التصريح، التصريح لا يحتاج إلى تحقيق إطلاقاً، لمجرد أن يكتب أنا لا أعمل، يتقاضى تسعمئة يورو كل شهر، وعن كل ابن ثلاثمئة يورو، فكلهم يعملون تهريباً ويتقاضون هذا المبلغ، هل يستطيعون جميعاً أن يقنعوا ألمانياً واحداً بالإسلام؟ مستحيل، الذي قدم تصريحاً كاذباً انتهى، فلذلك المؤمن لا يكذب، هذا شيء خطير، هذا المسلم الذي يعيش في الغرب هو الإسلام، إن أخطأ الإسلام أخطأ، إن تجاوز الحد الإسلام تجاوز الحد، إن كذب الإسلام فيه كذب، لذلك يجب أن تعد للمليار قبل أن تتصرف في عالم غير إسلامي، يجوز في بلاد المسلمين أن يشار إلى الشخص بذاته، فلان أخطأ معنا، أما في الغرب فيشار إلى الإسلام من هنا جاء أنت على ثغرة من ثغر هذا الدين فلا يؤتين من قبلك، وكم من عدد كبير من الأجانب أسلموا بسبب موقف إسلامي من مسلم.
المذيع :
 حديثنا ما يزال تحت عنوان:" رحماء بينهم " وذلك قول الله عز وجل:

﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ﴾

[سورة الفتح : 29 ]

 قد أرشدتنا إلى أن الرحمة مطلب من كل مسلم ومسلمة مع جميع خلق الله، مع المسلم ومع غير المسلم، بذات الوقت هذه الآية تقول:

﴿ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ ﴾

[سورة الفتح : 29 ]

 كيف يمكن أن ندمج المفهومين معاً، أن نتراحم بهم وأن نكون أشداء؟

 

للعفو أثر كبير جداً :

الدكتور راتب:
 أحياناً لأن الإنسان كان أرعن بقيادة سيارته ودهس طفلاً، إذا عفوت عنه تعطيه دافعاً جديداً ليتابع رعونته في القيادة، أما حينما تحاسبه فتردعه لذلك قال تعالى:

﴿ وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ ﴾

[ سورة الشورى: ٤٠]

 حينما يغلب على ظنك أنك بعفوك عنه تصلحه، ينبغي أن تعفو عنه، سائق دهس طفلاً، لكن أنت متأكد أنه يمشي بسرعة خمسة، نظامية وبهدوء، والابن قفز أمام المركبة، ودهسه ولم يمت، هذا السائق ما عمل غلطاً يمشي بشكل صحيح، الأب إذا عفا عنه يرقى عند الله كثيراً، يعلم يقيناً أن السائق ما أساء، القانون ضد السائق دائماً، هذا العفو له أثر كبير.
 أما الابن طائش، أرعن، يقود المركبة برعونة، لا أعفو عنه، يجب أن أؤدبه، أما شخص متقدم بالسن لا يسير بسرعة إطلاقاً فهناك خطأ من الطفل.
المذيع :
 إذا شاب صغير وشعرت أنه ندم، عفوي عنه يصلحه.
الدكتور راتب:
 حينما يغلب على ظنك أنك بعفوك عنه تصلحه.
المذيع :
 كيف نسقط هذه القاعدة على الكفار نتراحم معهم ونكون أشداء، هذا الموقف يكون ونحن في حالة حرب أم سلم؟

 

الفرق بين أخلاق السلم و أخلاق الحرب :

الدكتور راتب:
 الكافر أولاً إنسان، فإذا رحمته تركت أثراً كبيراً جداً في نفسه، الإنسان الكافر يتصور أن الدين خرافات وغلط، والدين أوهام، عندما يجد موقفاً فيه بطولة من مؤمن تخربطه أنت، أنا أذكر قصصاً كثيرة جداً، مؤمن رحم هؤلاء، شخص مأخوذ وهو جريح إلى المستشفى، يوجد طبيبان، الأول قال: يجب أن يموت هذا كافر، الثاني قال: لا، مستحيل، هذا إنسان، والجريح يسمع، كم ترك أثراً سيئاً الذي قال يجب أن يموت، وعندما سمع الثاني أنه يجب أن يعينه على شفائه كم تغيرت نظرته له، لذلك ميل القلب هو الأساس، حتى لو كان كافراً إذا رحمته أقبل عليك، أنا سوف أقول لك كلمة أدق من ذلك: هذا الغيظ مع الكفار بالمعركة فقط، هذه اسمها أخلاق الحرب، قال تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ﴾

[ سورة التوبة:73]

 أما بالسلم فقد قال تعالى:

﴿ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾

[ سورة فصلتٍ: 34]

 إذاً أنا أقول: هناك أخلاق السلم وأخلاق الحرب، قال تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ﴾

[ سورة التوبة:73]

 في الحرب، أما في السلم فقد قال تعالى:

﴿ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾

[ سورة فصلتٍ: 34]

 أنت بالرحمة تملك قلبه، أنت بالرحمة تجعله يميل نحوك، العبرة لا أن أقتله، ولا أن أعاقبه، أن أستميل قلبه، لماذا حينما يأخذ المسلم أسيراً يعامله معاملة لا يراها من إنسان آخر فيسلم محبة؟ الإنسان عندما يعطل عقله أن يسلم يوجد طريق لقلبه، أخذناه أسيراً، أطعمناه مما نأكل، ألبسناه ما نلبس، ما كلفناه فوق طاقته، وجد بيتاً منضبطاً فيه رحمة، ما كلفوه فوق طاقته، يأكل مما يأكلون، ينام في غرفة، يرتدي ثياباً، هذه المعاملة الطيبة للأسرة جعلته يميل، قال تعالى:

﴿ فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا ﴾

[ سورة البقرةٍ: 137]

 وعندئذ أخوانكم في الدين، القصد أن أقنعه بالدين، ولكن هناك إقناع أيديوجي بالكلام، أو إقناع بالإحسان قوي جداً، كثير من المسلمين فتحوا بلاد الإسلام عن طريق الإحسان، فتحوا سمرقند ودخلوا إليها بخلاف الشرع، ما عرضوا الإسلام على أهلها، فلما علم بذلك سيدنا عمر بن عبد العزيز أعطى أمراً على قصاصة ورق اخرج من المدينة، اطلع على قصاصة، فلما بلغهم أن فتحها ما كان إسلامياً، وأخطأ قائدهم، جاء أمر من الخليفة بالخروج، قالوا: لا، نحن أسلمنا، عظمة هذا الدين أنه شيء كبير، هذا دين الله عز وجل، ديننا الرحمة، دين المودة، دين الإنصاف، قال تعالى:

﴿ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا ﴾

[ سورة المائدة: 8]

 من هم أعداء المؤمن التقليديون؟ الكفار، شنآن قوم بغض قوم على ألا تعدلوا اعدلوا، هو أقرب للتقوى.
المذيع :
 هذه الشبهة وإن كانت خارج الحلقة، ما هو الفتح الإسلامي؟ عندما نقول: قائد الجيش في سمرقند لم يفتحها فتحاً إسلامياً، ما الذي فعله كان خطأ وما هو الفتح الإسلامي؟

 

بنود الفتح الإسلامي :

الدكتور راتب:
 أولاً: يعرض عليهم الإسلام، أول عمل، لا بد من عرض الإسلام على هؤلاء، فإن أسلموا فنحن منهم وهم منا، لم يعد هناك شيء اسمه انتصار، صار هناك أخوة، هم أخوانكم في الدين، فنحن إذا عرضنا الإسلام على بلد قبل أن نحاربه، وخضع لهذا الدين انتهى الأمر، لم يعد هناك شيء إطلاقاً، لم يعد هناك حرب، لم يعد هناك جزية، لم يعد هناك قتل، كله التغى، أما إن رفضوا الإسلام فنعرض عليهم الجزية، ما الجزية؟ بدل نقدي، الإنسان عندما يعفى من الخدمة الإلزامية صحياً يدفع بدلاً أنه أعفي من إسهامه في الدفاع عن بلده.
المذيع :
 ما الذي يأخذونه مقابل الجزية التي يدفعونها للإسلام؟
الدكتور راتب:
 أنهم يحمونهم، المقابل هذا الذمي غير المسلم في حماية المسلمين، وأمنه من أمن المسلمين، ومصالحه محققة في هذه البلاد، كل هذه الخدمات مقابل أنه هو دفع ضريبة، أي دفع بدلاً نقدياً، نحن نقول: الحروب في الإسلام حروب أيديولوجية عقائدية، لا يحارب معنا غير المؤمن، فهذا أعفي من الحرب نحن نريد مقابل إعفائه أن يقدم خدمات، فصارت الجزية هي بدل نقدي لمن لا يصح أن يحارب معنا فقط، الجزية مقابل حماية حياته، مصالحه، تأمين فرص عمل له، طعامه وشرابه.
المذيع :
 هذه الأولى يعرض عليه الإسلام فإن أسلموا أخوان لنا، وإن لم يسلموا الجزية مقابل حمايتهم وخدمات لهم.
الدكتور راتب:
 رفضوا الإسلام والجزية يقاتلون، المقاتلة مرحلة ثالثة، فإذا بدأنا بالمقاتلة هناك خطأ بالفتح.
المذيع :
 الذي فعله أمير الجيش في سمرقند بدأ بالثالثة بفتح البلاد، فوصل الخبر إلى خليفة المسلمين.
الدكتور راتب:
 قال له: انسحب من البلاد، بعد أن فتحت وأعرض عليهم الجزية أو الإسلام وافقوا على الإسلام جميعاً، وانتهى الأمر، هذه قصة مشهورة، ولكن الحقيقة أغرب ما فيها أنه كتب على قصاصة، جيش فتح بلداً يكتب على قصاصة: انسحب.
المذيع :
 ما الذي تقرؤه في هذه القصاصة؟ لماذا اختار عمر بن عبد العزيز القصاصة؟
الدكتور راتب:
 قد تكون غير مقصودة ولكن أمره نافذ في كل بلاد المسلمين، هو خليفة، وإذا كان هناك مخالفة شرعية فهي مرفوضة.
المذيع :
 يا الله ما أجمل عدل الإسلام، والعدل ...
الدكتور راتب:
 قال تعالى:

﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأمُرُ بِالعَدلِ وَالإِحسانِ ﴾

[ سورة النحل: ٩٠]

المذيع :
 نتحدث عن الرحمة ولو أردنا أن نضرب بعض النماذج والأشكال لهذه الرحمة؟

 

تعريف الرحمة :

الدكتور راتب:
 أنت تعيش مع ضعفاء أحياناً، أن ترحم الضعيف، تطعمه إن كان جائعاً، تكسوه إن كان عارياً، تؤويه إن كان مشرداً، تنصره إن كان مظلوماً، تعلمه إن كان جاهلاً، هذه الرحمة، يجب أن تحمي له حياته، وتسكنه في مأوى، وتؤمن له دخلاً، وتعاونه، وتدافع عنه، وتنصره إذا كان مظلوماً، هذه معنى الرحمة، تؤمن له حياة كريمة، هذه كلها مقابل الجزية، دفع ضريبة، هذا دين الله، كم الكون عظيم والله كماله مطلق! إذا لم يكن الدين هكذا هذا ليس ديناً، الدين لا يوجد فيه انتقام، لا يوجد به استعلاء، الدين لا يوجد به أن تعيش أنت بحياة والآخرين بحياة ثانية، الحقيقة هناك أشياء كثيرة تنفر من الدين الآن لسوء فهم المسلمين لدينهم.
المذيع :
 كيف لنا في هذا الزمان أن نكون رحماء مع بيئاتنا وعائلاتنا سواء مع الذميين غير المسلمين مع دول الغرب؟ كيف فينا أن نشيع الرحمة الآن في هذا الزمان؟

 

الأشياء التي فطرت عليها أجرها قليل :

الدكتور راتب:
 أريد أن أوضح الأمر بدقة، إذا واحد وجد ابنه جائعاً، أي أب كائناً من كان ماذا يفعل؟ يبادر إلى إطعامه، عندما يجد إنساناً آخر غير ابنه جائعاً هذه الرحمة العامة، الرحمة الخاصة الأجر فيها ضعيف جداً، لأنها ليست كسبية، فطرية، الأجر بالرحمة الخاصة التي أودعت فينا ضعيف جداً، لكن متى يكون هناك أجر كبير مع ابنك؟ عندما تهديه إلى الإيمان، أما أكل، شرب، لباس فأي أب في الأرض يسعى جاهداً إلى إطعام أولاده، وسقياهم، وإلى كسوتهم.
المذيع :
 ألا يؤجر برعايته لأولاده؟
الدكتور راتب:
 طبعاً لكن هذه فطرة، هل من الممكن أن يصدر قانون بإلزام المواطنين بتناول طعام الإفطار؟
المذيع :
 غير منطقي.
الدكتور راتب:
 لماذا؟ لأن الإنسان يأكل بالفطرة، فكل شيء فطرت عليه لا يوجد به أمر، شيء بديهي، الأمر ليس له معنى إطلاقاً، فالأشياء التي فطرت عليها لا يوجد بها أوامر دينية، أما أمرك بإطعام الفقير، فأنت حينما ترحم الآخر، تطعمه إن كان جائعاً، تكسوه إن كان عارياً، تعالجه إن كان مريضاً، تنصره إن كان مظلوماً، تؤويه إن كان مشرداً، فهذه الرحمة.
المذيع :
 حينما نتحدث ونقول: رحماء بينهم، ماذا عن عكس هذه المفاهيم؟ بعض الناس بين قوسين باسم الدين يكون غليظاً، يكون شديداً، ويعتقد أن هذا الزمان الناس متراخية فيه فلا بد من الشدة والغلظة، ما تعليق فضيلتكم؟

اللين في مخاطبة الآخرين و الابتعاد عن الشدة و الغلظة :

الدكتور راتب:
 الجواب: الله عز وجل أمر رسولاً من أولي العزم سيدنا موسى ومعه أخوه هارون أمره أن يخاطب أكفر كفار الأرض، الذي قال:

﴿ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ﴾

[ سورة النازعات: 24]

 والذي قال:

﴿ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي ﴾

[ سورة القصص: 38 ]

 هذا الكافر الذي تكلم بهذه الكلمات الكفرية قال تعالى:

﴿ اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً ﴾

[ سورة طه: 43 -44 ]

 إذا نبي كريم مأمور، رسول من أولي العزم أمر أن يخاطب أكفر كفار الأرض، هذا أخوك المسلم له أخطاء، أخطاء قد تكون فكرية أو سلوكية لماذا تجهز عليه بنصيحتك؟
 إذا كان خالق السماوات والأرض يأمر نبيه وهو من أولي العزم أن يقول لفرعون قولاً ليناً، فلِمَ الغلظة يا أخي؟ لِمَ القسوة؟ قال تعالى:

﴿ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾

[ سورة آل عمران: 159 ]

 يقول الله عز وجل لسيدنا محمد: أنت أنت على كل ما أوتيت من أخلاق ومن علم ومن قرآن ومن وحي:

﴿ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾

[ سورة آل عمران: 159 ]

 أنا أقول: نبي ورسول ومعه الوحي ومعه بيان السماء وأوتي المعجزات أكمل ... قال له أنت أنت بالذات، يقول لسيدنا محمد: أنت أنت يا محمد، أنت سيد الخلق، وحبيب الحق، وسيد ولد آدم، أنت النبي، وأنت الرسول، أنت الذي أوتيت الوحي، وأوتيت القرآن، حدثني عن الموضوع ساعة أنت أنت أنت بكل هذه الخصائص:

﴿ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾

[ سورة آل عمران: 159 ]

 إذاً إذا الشخص ليس رسولاً، ولا نبياً، ولا يوجد معه وحي، ولا يوجد معه تأييد إلهي، وفيه غلاظة، لم الغلظة يا أخي؟ قال تعالى:

﴿ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾

[ سورة فصلت: 34]

 هذا المنهج سيدي الغلظة بالحرب فقط، قال تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ﴾

[ سورة التوبة:73]

 عندنا أخلاق الحرب وأخلاق السلم، أخلاق السلم، قال تعالى:

﴿ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾

[ سورة فصلت: 34]

المذيع :
 سبحان الله ابتعادنا عن تطبيق هذه المفاهيم يمكن هو اليوم الذي لا يجعل العالم يتشرب هذه الأخلاقيات، وهذه التفاصيل الراقية في الدين الإسلامي، ابتعادنا عنها يعطي صورة مغايرة لواقع الإسلام. معنا اتصال أخي احمد تفضل..
السائل:
 عندي ملاحظة في دعاء عندنا في الأردن ويفتون فتاوى ما أنزل بها من سلطان، في القرآن الكريم:

﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ﴾

  وفي آية ثانية:

﴿ وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ ﴾

 هناك أناس يضلون.

 

توافق فطرة الإنسان مع الدين :

الدكتور راتب:
 قال تعالى:

﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ﴾

[ سورة الروم: 30]

 أي إنسان على وجه الأرض فطرته تتوافق مع الدين، فإذا جاء توجيه فيه غلط غير صحيح، فيه قسوة، فيه مبالغة، فيه ظلم، الإنسان يرفضه بالفطرة، هذه الفطرة الحقيقة أنها معرفة ابتدائية بالأمر والنهي، دون بحث، أي إنسان ما تلقى توجيهاً بحياته، وجلب وجبة طعام، وأمه منذ ثلاثة أيام ما أكلت، وأكلها وحده، يحس أنه حقير، ولو لم يتلق كلمة حق من أي إنسان، من أي دين، أنت مجبول على العمل الصالح والاستقامة، قال تعالى:

﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ ﴾

[ سورة الروم: 30]

 هكذا الإنسان مبرمج، أو مولف، أو مجبول، قال تعالى:

﴿ بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ ﴾

[ سورة القيامة: 14-15 ]

 دخلت للبيت، طلبت منك أمك دواء، قلت لها: الصيدليات كلها مغلقة، سكتت، هو يعلم علم اليقين أن هناك صيدليات مناوبة، فإذا ذهب لينام يشعر بتأنيب ضمير، يشعر بضيق، والدته مريضة وتحتاج إلى دواء معين، وقال لها: كله مغلق، لو ذهب بسيارته، ودار على كل الصيدليات المناوبة ولم يجد الدواء يرجع وينام نوماً ثانياً، بالحالتين الأم ما أخذت الدواء، لكن أول مرة ما كلف نفسه أن يسعى، ثاني مرة كلف نفسه فما أصاب، الإنسان يحاسب حساباً دقيقاً جداً جداً، أنا أذكر أن واحداً كان له عمة يحبها كثيراً، لكن كانت تضع لأولادها الأصليين كأس حليب كامل، وأولاد زوجها نصف الكأس حليب والنصف الآخر ماء- قصة طويلة - حوسبت حساباً دقيقاً جداً، الإنسان عندما يغلط يحاسب، ولو تعمقت أكثر يحاسب نفسه، لأنه بني على فطرة سليمة.
المذيع :
 ماذا عن الذي يفتي بغير علم؟

 

تقويض الدين عن طريق التأويل أو الفتوى أو الأشخاص السيئين :

الدكتور راتب:
 أنا أقول الذي يفتي بغير علم ارتكب خطأ، أكبر خطأ في الإسلام، لكن الذي يفتي بخلاف ما يعلم فهم مجرم، شيء ثان.
المذيع :
 ماذا يعمل إن كان لا يعلم؟
الدكتور راتب:
 يتعلم، يقول: أنا لا أعرف أعطني مهلة للغد، والله أنا تقريباً آخذ منهجاً في حياتي، أقول له: أمهلني ليوم غد، ارجع، أين مزلة الأقدام؟ في الفتاوى والتأويلات، هذا الدين يفجر من داخله بالفتاوى والتأويلات، أنت لا تستطيع أن تلغي الدين كجهة قوية تعادي الدين، ماذا يفعلون؟ يعطون تأويلات خاطئة للآيات والأحاديث، أو يهيئون أشخاصاً تافهين ليسوا محل احترام، أو يعطون تأويلات باطلة ، إما بالتأويل أو بالفتوى أو باصطناع شخصيات، فإذا أردت أن تحطم هذا الدين يمكن أن تقوض دعائمه عن طريق التأويل والفتاوى وأشخاص من مستوى متدن جداً.
المذيع :
 إذا أراد أن يكون رحيماً من استمع هذا الكلام لكنه يشكو قسوة من قلبه كيف له أن يعود رحيماً؟

الإيمان هو الخلق :

الدكتور راتب:
 أنت هل تصدق أن هذا الدين العظيم لا يبدل تبديلاً جذرياً، الذي يقول: لا أقدر، الشيء الذي تتوهم أنك لا تستطيعه هو الشيء الذي لا تريد أن تفعله، لا يوجد إنسان يكون صادقاً مع الله يتبدل تبدلاً جذرياً، تبدلاً كاملاً، يكون قاسياً يصير رحيماً، يكون كاذباً يصير صادقاً، يكون غير منصف يصبح منصفاً، إذا ما الإسلام قلب المؤمن مئة وثمانين درجة هذا الإسلام لا جدوى منه، يبقى على عاداته وتقاليده وانحيازه لأقربائه وقسوته على من يخالفه، بهذه الأخلاق وهو عند الله مؤمن؟ مستحيل، سيدي الإيمان هو الخلق، فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك في الإيمان، الناس ما علاقتهم بالمؤمن؟ أخلاقه فقط، هم ليسوا معه في البيت، ليسوا معه بقيام الليل، معه بأخلاقه، الإيمان هو الخلق، ومن زاد عليك في الخلق زاد عليك في الإيمان.
المذيع :
 الله يفتح عليكم دكتور نختم حلقتنا بدعاء علها تكون ساعة استجابة..

الدعاء :

الدكتور راتب:
 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، مولانا رب العالمين، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك، اللهم لا تؤمنا مكرك، ولا تهتك عنا سترك، ولا تنسنا ذكرك، اللهم اجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً وسائر بلاد المسلمين، واحقن دماء المسلمين في كل مكان، واحقن دماءهم في الشام، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي، وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين، الفاتحة.

خاتمة و توديع :

المذيع :
 بارك الله بكم فضيلة العلّامة الدكتور محمد راتب النابلسي، إلى هنا مستمعينا ينتهي هذا اللقاء، كان حديثنا لهذه الحلقة تحت عنوان: "رحماء بينهم"، ولعل الله يجعلنا وإياكم من أهل الرحمة فتشملنا رحمته، سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور