وضع داكن
29-03-2024
Logo
تركيا - ديناً قيماً 2 - الحلقة : 23 - العمل.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

الدكتور عمر عبد الكافي:
 أحمد الله رب العالمين، وأصلي وأسلم على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما بعد؛ أحبتي في الله وبصحبة عالمنا الجليل أستاذنا الدكتور محمد راتب النابلسي، نسعد أن نتواجد ضيوفاً عليكم في بيوتكم، عسى أن نكون ضيوفاً ظلنا خفيف بهذا الوجه المضيء لشيخنا، وبكلامه الذي هو عبارة عن سلاسل من ذهب، نسأل الله أن ينفعنا بما نسمع ونستمع ونستفيد ونتعلم منه إن شاء الله، مرحباً فضيلة الشيخ..
الدكتور راتب :
 بارك الله بكم، ونفع بكم.
الدكتور عمر عبد الكافي:
 نريد أن نحدث المحبين على الشاشة عن قيمة العمل ونظرة الإسلام إلى العمل.

الإنسان كائن متحرك تحركه حاجات ثلاث :

الدكتور راتب :
 سيدي الإنسان في الأساس كائن متحرك، ما الذي يحركه؟ الحاجة إلى الطعام والشراب حفاظاً على بقائه كفرد، وما الذي يحركه؟ حفاظاً على النوع دون أن يشعر للبحث عن زوجة، أو الزوجة تنتظر زوجاً، وما الذي يحركه؟ أكل وشرب وأنجب وتزوج، تحركه رغبته في التفوق، سمِّي هذا: بقاء الذكر، الإنسان بعد أن أكل وشرب وتزوج وأنجب حقق أهدافه العادية، الآن يحب التفوق، وعلو الهمة من الإيمان، الإنسان حينما يقبل أن يكون رقماً تافهاً ليس له معنى، يأتي إلى الدنيا ويغادرها ولم يدر به أحد، هناك إنسان يحب ان يترك بصمة في الحياة..
الدكتور عمر عبد الكافي:
لذلك هند بنت عتبة، زوجة أبي سفيان، تمسك معاوية وهو دون الثالثة، وتمر به على صناديد مكة عند الحرم، فيقول الوليد بن المغيرة وهو رجل بحاثة ويستطيع أن يضع بصمة معينة، قال: هذا الغلام لو كبر لساد قومه، قالت: ثكلته إن لم يسد العالم كله. هذه همة أم، أم تصنع أمة، وأم تعلي همة، لكن العمل، لماذا فضيلة الشيخ أبناؤنا في بلادنا العربية والإسلامية كسلى، متواكل، إن شاء الله، ربنا يسهل، غداً يحلها ربنا، سبحان الله نحن الأمة المرحومة، فإذا ذهب إلى بلد أجنبي وعاش واندمج في منظومة العمل صار متفوقاً، وصار نشيطاً، صار يذهب إلى العمل الساعة التاسعة إذ هو من السادسة صباحاً يركض في الجليد و في البرد، وكم نسمع عن قصص نجاحات نفخر بها أن يكون من أبنائنا، من أمتنا الإسلامية، ما الذي حركه؟ ما الذي نفخ فيه هذا الأمل فصار عاملاً يعمل بجد؟ وما الذي تكاسل به أو ارتكس إلى الأرض في بلادنا؟

اضطراب الموازين في المجتمع تضعف قيمة العمل :

الدكتور راتب :
 والله أنا أرى أن اضطراب الموازين والقيم في مجتمع ما تضعف قيمة العمل، ممكن إنسان من دون أي يعمل يصل إلى أكبر ثروة، بطريقة أو بأخرى، وإنسان يجهد ليلاً ونهاراً ولا يحصل الكفاف، حينما تضطرب الموازين في مجتمع ما تسقط قيمة العمل، يحل محلها قيم أخرى مرفوضة في الإسلام:

((.. لَوْ أنَّ فاطمةَ بنْتَ محمدٍ سَرَقَت لقطعتُ يَدَهَا))

[متفق عليه عن عائشة]

القانون فوق الجميع، يوجد تكافؤ فرص للجميع..
الدكتور عمر عبد الكافي:
 سبحان الله تذكرني بفرخ الطائر عندما يبدأ يلقمه أبوه وأمه الطعام في منقاره، فإذا بدأ يتعود على أن يلتقط الحبة بنفسه، وينتظر من أبيه وأمه أن يطعماه ضرباه بالجناح أن حس على دمك، اشتغل، قيمة الإنسان بأن يعمل بعد أن أعطى الله آل داود كل هذا الملك، والجبال تؤوب معه، والطير والريح لسيدنا سليمان غدوها شهر ورواحها شهر، ويتواضع، ولا يجرح إحساس نملة، فتبسم ضاحكاً من قولها، وبعد هذا كله قال: هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر، لما ألان الله الحديد لداود عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام أمره ربه ولابنه، قال تعالى:

﴿ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ﴾

[ سورة سبأ: 13 ]

 كأن الشكر ارتبط بالعمل، والعمل ارتبط بالشكر..

 

العمل الصالح أرقى أنواع الشكر :

الدكتور راتب :
 أرقى أنواع الشكر هو العمل الصالح، قال تعالى:

﴿ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْراً ﴾

[ سورة سبأ: 13 ]

 هناك شكر قلبي.
الدكتور عمر عبد الكافي:
 أي تعرب هذه حال؟ أن تكون حالة العمل شكراً؟
الدكتور راتب :
 طبعاً أو تمييز، يصح الوجهان.
الدكتور عمر عبد الكافي:
 العمل هو عبارة عن هوية الإنسان، فإن لم يعمل فقد أضاع هويته.

 

حجم الإنسان عند الله بحجم عمله الصالح :

الدكتور راتب :
 حجم الإنسان عند الله بحجم عمله الصالح، الدليل قال تعالى:

﴿ وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا ﴾

[ سورة الأنعام: 132]

الدكتور عمر عبد الكافي:
 ثم هوية المؤمن في الاستمرار على العمل الصالح، يبدأ قوياً ثم يضعف.

 

إتقان العمل جزء من الدين :

الدكتور راتب :
 سيدي دفن صحابي، فحفار القبر ترك فرجة هكذا بقبر وتحتها ميت، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم:

(( إن الله يحب من العبد إذا عمل عملاً أن يتقنه ))

[الجامع الصغير عن عائشة]

بقبر فكيف بصناعة غير متقنة؟ أحياناً يكون الاستيراد عشرة أمثال الكلفة، في بلدنا عدم الإتقان يخفض قيمة البضاعة، إتقان العمل جزء من الدين.

 

اختلال الموازين بين الغرب و الشرق :

الدكتور عمر عبد الكافي:
 كان محمد عبدو - رحمة الله عليه - عندما سافر إلى فرنسا ورجع، قال: وجدت هناك مئة أسطول في أمة يقول لها كتابها: إن ضربت على خدك الأيسر فأدر له خدك الأيمن، وعدت إلى بلادي فوجدت فيها مئة مسطول، يقول لهم ربهم:

﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ﴾

[ سورة الأنفال : 60 ]

وشتان بين مئة أسطول ومئة مسطول، فقضية المساطيل أنا لا أعرف هو لماذا لا يريد أن يعمل؟ الأب الذي يدمر كيان ابنه التربوي عندما يرسب في الامتحان يقول: لا تحزن يا بني، قضاء وقدر، المؤمن مبتلى، المؤمن مصاب، حتى في موازين النظرة إلى الناس، الزوجة في البيت إذا مرضت، أم زوجها تقول عنها: هذا من أعمالها، هذا من سوء سلوكها، هذا مما تصنعه معنا، أما إذا مرضت أمها هي فتقول: المؤمن أشدّ الناس بلاء، الأنبياء ثم الأولياء، هذا اختلال الموازين..
الدكتور راتب :
 سيدي ممنوع أن أنزل قانوناً إلهياً على شخص معين، ممنوع، أقول: من عمل سوءاً يجز به، أما أقول: فلان لأنه أساء، أنت لست إلهاً.
الدكتور عمر عبد الكافي:
 أنت تحكم على الناس.
 العمل يظن بعض الناس مثلاً في شهر كشهر رمضان، شهر عبادة، يأتي الطبيب يقول: يا دكتور راتب أنا محروم من صلاة التراويح، محروم أن أصلي العشاء خلفك، أنا عندي عيادة وعندي مستشفى و عندي كذا، هو يشعر بعقدة الذنب أنه لم يصلّ مع أن العمل الذي يقوم به قد يرقى إلى درجة الفريضة، موظف برج المراقبة، وحارس الأمن، الذي يحرس المؤسسة أو المصرف، لماذا هذا الخلل في الفهم أن هذا ليس عملاً أخروياً وليس عليه ثواب؟

 

طلب العلم يصحح المفاهيم الخاطئة عند الناس :

الدكتور راتب :
 لا بد من طلب العلم، أما المعلومات الساذجة المتداولة بين الناس فهذا ليس علماً، أما يوجد عالم، يوجد درس علم، يوجد كتاب، يوجد سؤال لعالم.
الدكتور عمر عبد الكافي:
 نأتي إلى العمل، لماذا أنسى عندما أبدأ العمل أنني أصحح وأجدد النية أولاً، أي الموظف وهو ذاهب إلى العمل لماذا لا يجدد النية؟ أنا لماذا ذاهب إلى العمل؟ يسأل نفسه، من أجل المنظرة؟ لا، من أجل أن أدير حركة الكون وأشارك فيها، وربما أصنع صناعة بلدي تستوردها بالعملة الصعبة، وإلى آخره، ولا أحتاج إلى الآخرين، والطبيب كذلك، والمعلم كذلك، نحن قد نقلق من أربعة أو خمسة أولاد في البيت، والمعلم أعانه الله والمعلمة يوجد عندها ثلاثون أو أربعون عاهة أو مصيبة في الصف الدراسي سبحان الله، إن لم يجدد هذا المعلم نيته فيما يصنع فلن يقبل منه شيء.

التعليم أرقى مهنة عند الله :

الدكتور راتب :
 لكن أنا سيدي أريد أن أهمس في أذن هذا المعلم قول النبي صلى الله عليه وسلم:

(( إِنَّمَا بُعِثْتُ مُعَلِّمًا ))

[ ابن ماجه عن عبد الله بن عمرو]

التعليم صنعة الأنبياء، التعليم معالجة النفوس، أنا أقول: أرقى مهنة عند الله التعليم لأنها تقترب من صنعة الأنبياء.
الدكتور عمر عبد الكافي:
 وإن كان العمل غير قائم على علم ما قيمته؟
الدكتور راتب :
 وأخطر شيء بالتعليم أن تقيّمه من خلال دخل المعلم، هذا خطأ كبير، مع أن هناك بلاداً تعطي المعلم مبالغ معقولة جداً.
الدكتور عمر عبد الكافي:
 نحن نعملها عكسي، المعلم في المراحل الأولى دخله أقل دخل.
الدكتور راتب :
 هو مربّ، أكثر عادات الطلاب السيئة من معلمهم، لو دخن المعلم أمام طلابه هذه مشكلة كبيرة جداً، لو تكلم بكلمة غير راقية أمام طلابه هذا شيء مخيف، تسلم المعلم أثمن شيء في حياتك ابنك، لإنسان مقهور، دخله أقل من حاجاته بكثير، وهذه مشكلة، أنا أقول: هناك شيء يحير، هناك ثلاث مؤسسات للتربية، الأسرة؛ أقنعنا المرأة بالخروج من البيت، المعلم، أعطيناه أقل دخل، المرجعية الدينية طعنا بها، هذه ثلاث مؤسسات لغرز القيم بنفوس الناس.

 

خاتمة و توديع :

الدكتور عمر عبد الكافي:
 أسأل الله تعالى أن يفهمنا، وأن يعلمنا، وأن يجعلنا من الذين يعملون بجد، في مجالات العمل المختلفة، وأن ينشئ جيلاً يفهم قيمة العمل، وقضية العمل، بارك ربنا بك، شكر الله لك لهذه المعلومات القيمة، جزاكم الله كل خير.
 أحبتي في الله سعدنا بكم، ولا تنسونا من صالح دعائكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

إخفاء الصور