وضع داكن
20-04-2024
Logo
تركيا - ديناً قيماً 2 - الحلقة : 15 - الشكر.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

الدكتور عمر عبد الكافي:
 أحمد الله رب العالمين، وأصلي وأسلم على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما بعد؛ أحبتي في الله أينما كنتم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد؛ هذا لقاء متجدد مع شيخنا الجليل وعالمنا الرباني فضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي، مرحباً بكم دكتور..
الدكتور راتب :
 بارك الله بكم، ونفع بكم، وأعلى قدركم.
الدكتور عمر عبد الكافي:
 فضيلة الشيخ نريد أن تذكرنا بقضية الشكر لأن الله عز وجل يقول:

﴿ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ﴾

[سورة سبأ: 13]

 وكان سيدنا موسى يقول: يا رب كيف أشكرك وشكرك نعمة تسوجب الشكر؟ قال: يا موسى الآن شكرتني. فالعجز عن الإدراك إدراك، فالإنسان لماذا يقل شكره رغم كثرة النعم؟ هل لأنهم يستقلون النعم أم لأنهم استمرؤوا النعم ألفوا النعمة؟ أين الخلل؟

 

من آمن و شكر حقق علة وجوده :

الدكتور راتب :
 حبك الشيء يعمي ويصم، حينما تتعلق بالدنيا، وبالمال، وبجمع المال وممارسة الشهوات، هذا حب حجبهم عن الله عز وجل، لكن قد يلفت نظرنا، قال تعالى:

﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ ﴾

[ سورة النساء : 147]

لمَ هاتان الكلمتان؟ هذا الكون مسخر للإنسان، خلق لكم ما في الأرض جميعاً؛ تسخيران، تسخير تعريفٍ و تسخير تكريم، الموقف الكامل من تسخير التعريف أن تؤمن، والموقف الكامل من تسخير التكريم أن تشكر، فإذا آمن العبد وشكر حقق كفرد علة وجوده، لذلك تأتي الآية المطمئنة:

﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ ﴾

[ سورة النساء : 147]

 ولأن الإسلام إسلامان، إسلام فردي وإسلام جماعي، بمعنى أن المسلم لو طبق هذا الدين في دوائره الثلاث، في نفسه أولاً، وفي بيته ثانياً، وفي عمله ثالثاً أدى الذي عليه، بقي من الله الذي له، هذا الإسلام فردي، لو إنسان علق انضباطه بالدين لهداية الأمة، هذا خطأ كبير، عندنا إسلام فردي، أنت إذا طبقت أيها المستمع والمشاهد طبقت أحكام هذا الدين قطفت كل ثماره الفردية، سكينة، توفيقاً، طمأنينة، علاقة زوجية ناجحة، أولاداً أبراراً..
الدكتور عمر عبد الكافي:
 هو عندما طبق الدين فضيلة الشيخ صار شاكراً؟

 

الدين فردي و جماعي :

الدكتور راتب :
 نعم، إن شكرتم وآمنتم، الكون مسخر تسخير تعريف وتسخير تكريم، الموقف الكامل من تسخير التعريف أن يؤمن، والموقف الكامل من تسخير التكريم أن يشكر، فإذا آمن وشكر حقق الهدف من وجوده لكن كفرد، أما الأمة قال تعالى:

﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾

[ سورة الأنفال : 33 ]

 مادامت سنة النبي صلى الله عليه وسلم مطبقة في حياتهم هم في مأمن من عذاب الله، كأننا نفهم أن الدين فردي وجماعي، فالإنسان إذا أراد أن يتحجج أن الناس لا يطبقون الدين هذا أخطأ خطأ كبيراً، طبقه في الدوائر الثلاث التي أنت محاسب عليها.

 

ضرورة تطابق سلوك الإنسان مع تعاليم الإسلام :

الدكتور عمر عبد الكافي:
 من الناحية اللغوية، دابة شكور أي ظهرت عليها آثار النعمة، إن رأيت حصاناً أو حيواناً معيناً أخذ البال منه في المزرعة، فتظهر عليه آثار النعم، الآن نعمة الإسلام الكبيرة، الناس تظهر عليها آثار النعم الدنيوية، نرى السيارة الفارهة، والبيت الواسع، و إلى آخره، لكن لا تظهر عليه آثار نعمة الإسلام الكبرى، مثلاً إن الصلاة عند الله

﴿ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء و الْمُنكَرِ﴾

لكن نرى أنه يبغي، ويتعدى الحدود، رغم أنه يصلي، إنسان آخر نهاه رب العباد، قال تعالى:

﴿ وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً ﴾

[ سورة الحجرات: 12 ]

 كلما جلس في مكان عنده قضية الإسقاط، ينزل كل العيوب بالآخرين، ودائماً يشير إلى الآخرين، يقولون في المثل العامي: عيوب الناس أراها وعيوبي أرمها خلف ظهري، هذا الإنسان الذي لم تظهر عليه أثر نعمة الإسلام كيف يكون شاكراً؟
الدكتور راتب :
 مستحيل، سيدي يوجد بحث لطيف هناك بعلم النفس دراسة اسمها: خارطة الإنسان، يسأل خمسمئة سؤال وتوضع له خارطة، علاقته بوالدته، ووالده، وزوجته، وأولاده، وجيرانه، ومن حوله، إلى آخره، لو أخذنا خارطتين للإنسانين كلما وجدنا هذه الصفة تشابه هذه الصفة نعمل خطاً عرضياً، الحب أساسه كثرة الخطوط العرضية، لذلك المؤمن يحب المؤمن، صادق صادق، أمين أمين، عفيف عفيف.
الدكتور عمر عبد الكافي:
 أي لو جعلت أنا استنباطاً من كلام فضيلتكم لو جعلت الإسلام كخارطة وشخصيتي أنا وسلوكي كخارطة إذاً انضبطت مع تعاليم الإسلام بخطوط عرضية..
الدكتور راتب :
 هذا هو التطابق.
الدكتور عمر عبد الكافي:
 الإنسان في قضية الشكر هل هو يشكر خوفاً من أن تضيع النعمة أم أنه يعلم من المعطي له فيشكر المعطي؟

مستويات الشكر :

الدكتور راتب :
 فيما أعلم، الشكر ثلاثة مستويات، شكر باطني؛ الإنسان وهو صامت ممتن من الله على نعمه، هذا شكر داخلي، وهناك شكر لفظي، يا ربي لك الحمد أكرمتنا، هيأت لنا أسباب الحياة، الزوجة صالحة، الأولاد أبرار، هناك مهنة راقية يحترفها الإنسان، أما أرقى أنواع الشكر فهو قوله تعالى:

﴿ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ﴾

[سورة سبأ: 13]

 صار هناك شكر باطني، امتنان القلب من الله، وشكر لفظي، الحمد لله، وشكر عملي، مقابلة النعم الإلهية بخدمة البشر.
الدكتور عمر عبد الكافي:
 لذلك الناس للأسف عندهم قصور أحياناً إلا من رحم ربي، قصور في فهم الشكر، يظن أن الشكر هو شكر لساني، وأن كل جارحة من جوارح الإنسان وجب الإنسان أن يشكر رب العباد عليها، ولذلك الإنسان لما قال تعالى:

﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ﴾

[سورة إبراهيم: 34]

 النعمة الواحدة لا أستطيع أن أشكرها فكيف بالنعم المحيطة بي؟!
الدكتور راتب :
 هل يعقل أن تقول للإنسان: خذ هذا الدينار وعده؟ يبدو أن

﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ ﴾

 كمفرد، النعمة الواحدة لو دققت فيها تجد فيها آلاف الأبعاد.

 

التفكر و التدبر :

الدكتور عمر عبد الكافي:
 فضيلة الشيخ هناك متفكر، وهناك متدبر، كل الناس يفكرون حتى الكائنات الأقل رتبة، لكن ليس كل الناس يتدبرون، أنا إذا وضع أمامي رغيف الخبز، إذا فكرت فيه أنني جائع أريد أن آكله، أما إذا تدبرت وترقيت أنظر من هذا الفلاح الذي سخره الله لي؟ أن يذهب ببذرة القمح ويبذرها في الأرض، ويراعي القمح حتى يحصده، ثم يدرسه، ثم يعمل الطحان الطحين، والعجان يعجنه، والخباز يخبزه، ثم يصل إلى المائدة أمامي، سبحان الله كم من البشر خدموا هذا الرغيف حتى وصل إلي؟ هل أنا استشعرت هذا الأمر؟ الله عز وجل حتى في قضية الدعاء لو يعطينا رب العباد على قدر ما ندعوه فقط لتوقفت حياتنا، فمن منا يدعو أن يا ربي اجعلني أخذ هذه اللقمة وأدخلها في فمي ولا تدخلها في عيني؟ ويجعل الأسنان تمزق، والمري تدخل فيه اللقمة سلسة وتستقر في المعدة، ما دعا أحد بهذا لكنه محض فضل إلهي.

 

النعم التي أنعمها الله على الإنسان لا تعد و لا تحصى :

الدكتور راتب :
 لو ترك الله عز وجل هضم الطعام للإنسان ما اشتغل شيء إطلاقاً، البنكرياس ثم المرارة، الله عز وجل أعطانا نعماً لا تعد ولا تحصى، لكن سمح لنا بآخر مرحلة أن نقوم بها نحن، هذه المرحلة الأخيرة نمتحن بها، هذا الرغيف خبز آخر مرحلة أكلته أو أطعمته أو قسمته بينك وبين الصديق الجائع، أما هذه النعم فلها عمر مديد، ومعقدة جداً، هنا التعقيد تعقيد إعجاز لا تعقيد عجز

أنا فيما أتصور هناك النعمة الأولى نعمة الإيجاد، قال تعالى:

﴿ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً ﴾

[ سورة الإنسان: 1 ]

 كلما فتحت كتاباً ورأيت أن طبعه بتاريخ قبل ولادتي أقول: أثناء طبع هذا الكتاب من أنا؟ لا شيء، قال تعالى:

﴿ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً ﴾

[ سورة الإنسان: 1 ]

 هذه نعمة الإيجاد، الآن ونعمة الإمداد، أمدك بالوالدين، وبالطعام، والشراب، والهواء، لا تعد ولا تحصى .. ونعمة الهدى والرشاد، فنعمة الإيجاد، ونعمة الإمداد، ونعمة الهدى والرشاد، شخص عرف أن له رباً رحيماً، وخالقاً كريماً، و هناك جنة ونار، والجنة ثمنها بيده، استقامة، وطاعة لله، وإحساناً.
الدكتور عمر عبد الكافي:
 بين بعضنا لماذا لا يشكر بعضنا بعضاً؟ لماذا الزوجة لا تشكر زوجها؟ وبعض الأزواج لا يشكرون زوجاتهم، يقول لك: ماذا تعمل؟

ضرورة شكر بعضنا بعضاً :

الدكتور راتب :
 تدخل إلى البيت تجده نظيفاً، جاهزاً، والزوجة تلبس أجمل ما عندها ولا كلمة شكر، والله أنا أحياناً أدعى إلى ولائم أبلغ صاحب البيت أن يبلغ أهله الشكر، كلمة الشكر رائعة جداً، والله لو أن إنساناً شكر زوجته تبقى مدة أسبوعين لا تذهب من بالها هذه القصة، كل شيء جاهز ولا يوجد شكر.
الدكتور عمر عبد الكافي:
آخر الحلقة نقول كلمة لأبنائنا من الأزواج أنه هو أمام أبنائه بعد أن قدمت الزوجة هذا الطعام فليقبل يد الزوجة، ويدعو أبناءه وبناته لتقبيل يد الزوجة التي تعبت في هذا الأمر، ليست عملية صعبة.
الدكتور راتب :
 نو بروبليم..

خاتمة و توديع :

الدكتور عمر عبد الكافي:
 بارك الله بك، وبهذه الكلمة الإفرنجية ننهي حلقتنا عن الشكر، شكراً والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

إخفاء الصور