- ندوات تلفزيونية / ٠04برنامج ديناً قيماً
- /
- ٠2ديناً قيماً 2 - تركيا
مقدمة :
الدكتور راتب :
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد الصادق الوعد الأمين.
أيها الأخوة المشاهدون؛ لازلنا في برنامج: " ديناً قيماً " ولا زلنا في موضوعات متنوعة، والموضوع اليوم الاستقامة، ونحن بصحبة شيخنا ومربينا العالم الجليل الدكتور عمر عبد الكافي.
الدكتور عمر عبد الكافي:
مرحباً أكرمك الله، اعذرني في بداية الحلقة ألبس نظارة شمس، لأن أمامي شمسين، شمس في الاستديو وشمس هي أنت، الله يرضى عليك.
الإنسان كائن متحرك تحركه حاجات ثلاث :
الدكتور راتب :
أخجلتني.
أيها الأخوة الكرام؛ الإنسان كائن متحرك، ما الذي يحركه؟ حاجات ثلاث، الحاجة إلى الطعام والشراب من أجل بقائه كفرد، والحاجة إلى الزواج لبقاء النوع، والحاجة إلى بقاء الذكر لتأكيد الذات، وهذه الحاجة الثالثة مهمة جداً، والإسلام سمح لهذه الحاجات الثلاث أن تلبى وفق منهجه، ما فطر عليه الإنسان الشرع مبرمج على تلبية هذه الحاجات، فالحاجة إلى الطعام والشراب من أجل أن يبقى حياً، أما الحاجة إلى الزواج فمن أجل بقاء النوع، لولا الزواج لانتهى النوع البشري، لكن الحاجة الثالثة، الإنسان أكل وشرب وتزوج وأنجب، عنده حاجة ثالثة إلى أن يشار إليه بالبنان، المهندس الأول، العالم الأول، هذه الحاجة لتأكيد الذات سماها علماء النفس: بقاء الذكر، هذه الحاجة تلبى في الإسلام، الإنسان إذا أطاع الله عز وجل، ودعا إليه، رفع الله شأنه، هذا شيء طبيعي جداً، وكل إنسان له صلة مع الله طبق منهجه له معاملة خاصة، له معاملة في الإعزاز، والتكريم، والحكمة، والإلهام، ونتائج الإيمان لا تعد ولا تحصى.
الاستقامة :
الدكتور عمر عبد الكافي:
إذا أذنت لي فضيلة الشيخ، الاستقامة حتى في اللغة من مادة قَوَم، أو قَوْم، فكأن القوم بدون استقامة ليسوا قوماً، وليسوا أقواماً، هذا أمر، والاستقامة تكون في النيات أولاً ثم في الأفعال والأقوال، عندما أمره قال:
﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ ﴾
الإنسان لا يعرف الاستقامة إلا إذا قوم قلبه، أي أصبح قلبه أرضاً خصبة لتلقي النور الإلهي، فإذا تلقى النور الإلهي صارت الاستقامة بالنسبة له سهلة، ولذلك قال الحسن البصري: نحن في نعمة لو علمها الملوك لقاتلونا عليها بالسيوف، هذه نعمة الاستقامة، ولذلك الإنسان حتى في علم الرياضيات أقصر الطرق ما بين نقطة ونقطة هو الخط المستقيم، أما الطرق المعوجة فقد قال تعالى:
﴿ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ﴾
الاستقامة للأسف الشديد قد يظنها بعض البعيدين عن فهم الدين أنها تكلف، الاستقامة تكلف بين أن يقول الحق بين قوم جبناء، أن يكون أميناً في أخذ المال بين أناس مرتشين، أن يكون عالماً نافعاً بين أناس جهال لا يريدون العلم، لكن هذه لا تعطل المستقيم عن استقامته، ولذلك إذا استقام الإنسان على طريق الهدى في الدنيا باتباع الأوامر واجتناب النواهي أقامه الله على الصراط المستقيم يوم القيامة، حتى يؤتى بالحاكم العادل يوم القيامة يهتز به الجسر، أو ينتفض به الجسر انتفاضة يطير كل عضو من أعضائه في مكان لا يجمعها إليه إلا عدله، فالعدل عنوان من عناوين الاستقامة، عدم الظلم عنوان من عناوين الاستقامة.
الدكتور راتب :
تأكيداً لمقولتكم الرائعة الحديث يقول:
((اسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصُوا ))
شراح الحديث قالوا: لن تحصوا الخيرات. أي يوجد سكينة، وسعادة، وتوفيق، وحبور، وبيت موفق ناجح، وعمل موفق.
((اسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصُوا ))
لن تحصوا الخيرات.
الاهتمام بالأعراض دون الأمراض :
الدكتور عمر عبد الكافي:
ولذلك معذرة الناس - وهذه مشكلة الناس فيما نراعي في قضية الدعوة - يعالجون دائماً ويهتمون دائماً بالعرض، ولا يهتمون بعلاج المرض، هو يقول لك: الولد لا يصلي، هو لم يبحث لم لا يصلي؟ هل عوده من صغره؟ الولد يكذب، هذا عرض، المرض الأساسي سوء التربية، البنت ترفض الحجاب، ليست القضية أنها ترفض الحجاب، القضية هي أنك أنت رفضت تربيتها، أمها للأسف شغلت بأنها تراقب المحمول، وشغلت أمام المرآة أربعاً وعشرين ساعة، وشغلت مع صديقاتها، ونسيت أن هناك بنتاً يجب أن نجهزها لبيت، بعد أن نموت بدل أن يدعو لنا الزوج الذي تزوجها يدعو علينا، هذه الاهتمام بالأعراض دون الأمراض.
الدكتور راتب :
تأكيداً لمقولتكم كل ما نعاني منه كعالم إسلامي هو من أعراض الإعراض، تنسب كل أخطائنا وتجاوزاتنا إلى ضعف استقامتنا.
الدكتور عمر عبد الكافي:
قال تعالى:
﴿ فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ ﴾
الخلق الحسن الأصيل يأتي من الاتصال برب العالمين :
الدكتور راتب :
وأنا أقول سيدي: المستقيم إن لم يقل ليس على وجه الأرض من هو أسعد مني إلا أن يكون أتقى مني عنده مشكلة باستقامته، واستقيموا إليه، الاستقامة أنواع؛ ولكن هناك استقامة إليه، الطريق سالك مع الله، يوجد خط ساخن مع الله يقدر أن يناجيه ليلاً..
الدكتور عمر عبد الكافي:
والأبواب مفتحة مدة أربع وعشرين ساعة، لا يوجد شيء اسمه: العمل انتهى، تعال غداً..
الدكتور راتب :
إنسان وجد نفسه في بطن حوت، قال تعالى:
﴿ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ ﴾
إنسان احتمال نجاته صفر، في ظلمة الليل، و ظلمة البحر، و ظلمة بطن الحوت، قال تعالى:
﴿ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ ﴾
أروع ما في الآية أنها قلبت إلى قانون:
﴿ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾
مهما تكن مشكلة الأخ المستمع لا تساوي أن تكون في بطن حوت.
الدكتور عمر عبد الكافي:
ولذلك الليل البهيم مع الاستقامة والذكر يصير صباحاً مشرقاً..
الدكتور راتب :
سيدي إن مكارم الأخلاق مخزونة عند الله تعالى، فإذا أحبّ الله عبداً منحه خلقاً حسناً. فالخلق الحسن الأصيل يأتي من الاتصال برب العالمين، هذا الأصيل في تصنع..
الدكتور عمر عبد الكافي:
فضيلة الشيخ، أنا أحصيت آيات الأخلاق في القرآن الكريم وجدتها ألفاً وخمسمئة وأربع آيات- ربع آيات القرآن تقريباً- عن الأخلاق، الكارثة في المسلمين أنهم ينظرون إلى الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم العابد وليس عن الرسول الإنسان، الاستقامة من العبادة ومن الإنسانية..
الدكتور راتب :
سيدي تأكيداً لمقولتكم الرائعة، النبي صلى الله عليه وسلم أوتي خصائص لا تعد ولا تحصى، استثني بها عن بقية المخلوقات، لكن الله عندما مدحه مدحه بخلقه العظيم، الخلق العظيم من الإنسان، قرار اتخذه الإنسان لطاعة الله، بالإحسان إلى الخلق، الخلق العظيم ثمرة قرار حكيم.
الدكتور عمر عبد الكافي:
فضيلة الشيخ دائماً إذا قلنا للمرأة: تحملي الزوج وأحسني إليه، تقول: والله أنا عندما أرى أمامي رجلاً سوف أحترمه، عندما رأى أمامي شهامة سوف أحترمه، والرجل كذلك يقول: يا أخي اهتم بها، هذه بنت الناس، يقول: والله عندما أرى أنثى سأحترمها، متى ترى الأنثى الرجل ومتى يرى الرجل زوجته أنثى؟ من بند الاستقامة..
من اتصل بالله اشتق منه الكمال :
الدكتور راتب :
سيدنا سعد بن أبي وقاص: " ثلاثة أنا فيهن رجل، وفيما سوى ذلك أنا واحد من الناس" الرجل هنا بمعنى بطل، كأن بالقرآن والسنة كلمة رجل لا تعني أنه ذكر، لأن ما كل ذكر برجل، لكنه بطل.
الدكتور عمر عبد الكافي:
لكن نحن عندنا وفرة في الذكورة، وندرة في الرجولة، بقانون الاقتصاد.
الدكتور راتب :
الموضوع الإنسان عندما يكون له اتصال بالله اشتق منه الكمال، إن مكارم الأخلاق مخزونة عند الله تعالى، فإذا أحبّ الله عبداً منحه خلقاً حسناً.
الدكتور عمر عبد الكافي:
فتح له خزائنه.
الدكتور راتب :
الحقيقة أن عندنا أخلاقاً أصيلة وأخلاق المنافقين، تلك لا قيمة لها، تنهار أمام أي ضغط.
الدكتور عمر عبد الكافي:
مفاتيح الخزائن، ألا ندخل نحن برقم سري على الحسابات والبنوك والمصارف؟ خزائن الله عز وجل هذه ما مفاتيحها؟
مفاتيح خزائن الله :
الدكتور راتب :
مفتاحها الصلاة، والصلاة مفتاحها الاستقامة، من الأخير، الإنسان حينما يطبق منهج الله عز وجل..
الدكتور عمر عبد الكافي:
الصلاة التي تحتاج إلى استغفار؟
الدكتور راتب :
لا، ليست هذه، حينما يتصل هذا الكائن الضعيف الحادث مع الذات الإلهية الكاملة المطلقة يشتق منه الكمال..
(( إن كنتم تحبون رحمتي فارحموا خلقي ))
الإنسان إذا اتصل بالله يرحم من تحته، فلذلك إن مكارم الأخلاق مخزونة عند الله تعالى، فإذا أحبّ الله عبداً منحه خلقاً حسناً.
الدكتور عمر عبد الكافي:
يستطيع الإنسان أن يطور من خلقه السيئ إلى خلق حسن إذا استقام على طريق الإيمان.
الدكتور راتب :
إذاً آخر كلمة؛ الذي يتوهم أنه لا يستطيع أن يستقيم، في الحقيقة لا يريد أن يستقيم.
الدكتور عمر عبد الكافي:
لا يوجد عنده إرادة، ولذلك الاستقامة في النية من البداية، بارك الله بك، وشكر الله لك.
خاتمة و توديع :
الدكتور راتب :
بارك الله بكم، ونفع بكم، وأعلى قدرك.
الدكتور عمر عبد الكافي:
أكرمك الله..
إخفاء الصور
