وضع داكن
20-04-2024
Logo
تركيا - ديناً قيماً 2 - الحلقة : 05 - الفرح والسرور.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

الدكتور عمر عبد الكافي:
 نحمد الله رب العالمين، وصلاة وسلاماً على رسوله صلى الله عليه وسلم، و بعد؛ حلقة جديدة من برنامج: " ديناً قيماً "، ومع شيخنا الجليل وعالمنا فضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي، بورك لنا في عمره، ونفعنا فيما يقول، نتحدث فضيلة الشيخ بعد أن نرحب بك وبالمشاهدين عن الفرح والسرور، فرحنا بارك الله بك..

الفرح و السرور :

الدكتور راتب :
 قل لي ما الذي يفرحك أقل لك من أنت؟ المؤمن يفرح بطاعة الله، يفرح بالتزامه منهج الله، يفرح بعمله للآخرة، يفرح باستقامته، يفرح بأسرته المؤمنة، يفرح بمن حوله من المؤمنين، عنده مليون باب للفرح حقيقي.
الدكتور عمر عبد الكافي:
 ويفرح بالإسلام أصلاً.
الدكتور راتب :
أما الذي يفرح بمال فقط سوف يتركه، سبحان الله ما سمح الله للدنيا أن تمد الإنسان بسعادة متزايدة ولا مستمرة بل متناقصة، ولحكمة بالغة محبة بنا الدنيا لا تملأ نفوسنا لأن الإنسان لا نهائي، لأنه هو اختار الله في عالم الأزل، فلما اختار معرفة الله لا بد من نفس استثنائية، النفس بالإنسان لا نهائية، لذلك حينما تختار هدفاً نهائياً تسقط، لو شخص اختار المال بيل كيت يملك تسعين ملياراً، مادام هدف الإنسان مادياً انتهى، كل شيء ينتهي إذا وصلت إليه، عظمة هذا الدين أنك إذا عملت للآخرة شيء لا متناه.
الدكتور عمر عبد الكافي:
 قال تعالى:

﴿ وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى ﴾

[ سورة النجم:42 ]

الدكتور راتب :
 أبداً أما الدنيا فتنتهي، اشترى بيتاً أول أسبوع كلما جاء ضيف يريه البيت، وبعد ذلك ألفه، المركبة كذلك، أي كل شيء بعد الوصول إليه تألفه، كأن في الدنيا شيئاً قبل أن تصل إليه يتألق، فإذا وصلت إليه صار من دون لمعان.

 

الفرح للآخرين دعم للدين :

الدكتور عمر عبد الكافي:
 الله أعلم أرى أن الإنسان يضع ميزاناً لأفراحه، بينت فضيلتكم أن المؤمن يفرح إذا صلى خاشعاً زمناً، ويحزن إذا ولى الخشوع من صلاته، يسأل نفسه: أنا آخر مرة متى بكيت خشية من الله؟ متى استشعرت أنه يكلمني؟

سبحان الله العظيم الله عندما جعل لنا الصلاة والتحيات لله والصلوات والطيبات هذا أسلوب الغائب، ثم السلام عليك أيها النبي، أسلوب المخاطب، وكأن النبي صلى الله عليه وسلم أمامي أفرح أنه موجود أسلم عليه في الصلاة لأنتقل لهذه المعاني، هذه الفرحة الحقيقية، أفرح لأنني فرجت كرب مسلم، لأنني أعنت على حلّ مشكلة إنسان، لم تغب عني قضية أن الفريضة الغائبة لإدخال السرور على المسلمين، البنات لا نقهرهن في البيوت، وإنما نزوجهن ممن يقبلن به، نزوج البنت ممن تقبل به، ولا نقهرها على ابن عمها، وابن خالها، ونحن نعرف مصلحتها وهي لا تعرف مصلحتها، أن نفرح عندما نرى صديق ابننا حفظ القرآن، بنت قريب لنا تحجبت، لماذا الأخوات لا يذهبن إلى البنت الجديدة المحجبة ويأخذن لها حلوى و غطاء رأس ملون؟
الدكتور راتب :
 هذا دعم للدين.
الدكتور عمر عبد الكافي:
 حتى في عالم النمل إذا وجدت النملة جرادة ميتة وأرادت أن تجرها لا تستطيع، تذهب وتأتي بطابور من النمل يحملنها، وهي تقودهم إلى الجحر، فإذا دخلت هذه المجموعة من النمل بالصيد الثمين هذا كل النمل يرفه عن النملة المتعبة، ويعطيها وساماً، أنها عملت عملاً، لكن نحن لا نقدر، كما يقول ابن عباس: " والله إنني أسمع بالحاكم العادل ليس لي عنده قضية فأفرح به، وأسمع بالغيث أصاب أرضاً ليس لي فيها سائمة أفرح " سبحان الله! الإنسان يفرح بتوبة إنسان بعيد عن طريق الله.
 الآن هل هناك فرح مذموم كما في قوم قارون، قال تعالى:

﴿ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ ﴾

[ سورة القصص: 76 ]

 ما هذا الفرح؟

 

الفرح في الدنيا يمد الإنسان بسعادة متناقصة :

الدكتور راتب :
 يقابلها قوله تعالى:

﴿ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا ﴾

[ سورة يونس: 58 ]

﴿ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ ﴾

[ سورة القصص: 76 ]

أي افرح بعمل الآخرة، افرح بعمل يستمر بعد الموت، افرح بأسرة متماسكة، افرح بدعوة صادقة، أما الفرح في الدنيا فلحكمة أرادها الله هذه الدنيا لم يسمح الله لها أن تمد الإنسان بسعادة متزايدة ولا مستمرة بل متناقصة..
الدكتور عمر عبد الكافي:
 لكي لا يركن إليها، حتى يقال في الأثر: يا دنيا اشتدي على أصفيائي حتى يزدادوا شوقاً إلى لقائي، لأن العبد لو أن الدنيا سبحان الله انغمس فيها يصاب بالعمى.
الدكتور راتب :

(( لو كانت الدنيا تَعْدِلُ عند الله جَناح بعوضة ما سَقَى كافراً منها شَربة ماء ))

[ مسلم وأبو داود عن جابر بن عبد الله ]

 لأنها ماضية، نحن في موضوع الأبد سيدي لو فرضنا واحداً هنا وأصفاراً إلى نهاية البستان، ما هذا الرقم؟ إذاً واحد بالأرض وأصفار للشمس، مئة و ستة و خمسون مليون كيلومتر، وكل ميلي صفر، ما هذا الرقم؟ إذا نسب إلا اللانهاية قيمته صفر، أكبر رقم تتصوره إذا نسب إلا اللانهاية قيمته صفر، فالله دعانا إلى اللانهاية، إلى الأبد، أبد الآبدين، ونحن في سنوات معدودة، الدنيا ساعة اجعلها طاعة.

 

حقيقة محب الدنيا :

الدكتور عمر عبد الكافي:
 ولذلك حقيقة محب الدنيا كشارب البحر لا يزيده الشرب إلا عطشاً، هو بطبيعته يشرب، لا يقنع، لو كان له واد يريد اثنين، ولو كان له سبحان الله يريد أكثر..
الدكتور راتب :
 الإنسان يعمل حتى يرتزق لكن في مرحلة ثانية ليجمع، قال تعالى:

﴿ وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾

[ سورة الزخرف: 32 ]

وليس مما يرتزقون..
الدكتور عمر عبد الكافي:
 لما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " يا سعد أن تدع ورثتك أغنياء خير لك من أن تدعهم فقراء يتكففون ". ما الملمح هنا؟

 

التوازن بالحياة :

الدكتور راتب :
 الحقيقة يوجد توازن بالحياة، هذا الابن من له غير أبيه؟
الدكتور عمر عبد الكافي:
بعد الله..
الدكتور راتب :
 أنا ماذا أقول؟ الآخر أنت له وغيرك له، أما ابنك فمن له غيرك؟ بمعنى من يرعاه؟ يمده بحاجة؟ يعلمه مهنة؟ مصلحة؟ شهادة جامعية؟ هذا الأب قيّم، فالأب عندما يقوم بواجبه عنده سعادة سماها القرآن: قرة العين، لا يعرفها إلا من ذاقها، أن يرى ابنته صالحة، محجبة، مستقيمة، ابنه صالح يؤدي الصلوات الخمس، يغض بصره، هذا يدخل لقلب الأب سروراً..
الدكتور عمر عبد الكافي:
 ندعو الله أن يكون كل أبنائنا وبناتنا هكذا..
الدكتور راتب :
 لذلك الإنسان عندما يربي أولاده يعجل سعادته بهم هو..
الدكتور عمر عبد الكافي:
 وبعد ذلك يعينونه على دخول الجنة..

 

اختلاف سرور المؤمن عن سرور عبد الدنيا :

الدكتور راتب :
 قال تعالى:

﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ﴾

[ سورة الطور : 21 ]

 قال العلماء: ألحقنا بهم أعمال ذريتهم.
الدكتور عمر عبد الكافي:
 الإنسان يسر ويشعر بالسرور، لكن سرور المؤمن غير سرور عبد الدنيا، تعس عبد الدينار, تعس عبد الدرهم، لكن العبد المؤمن، قال العلماء: إن لم تجد من تفرح به فافرح بالإسلام.
الدكتور راتب :
 سيدي تأكيداً لكلامكم هو يسر بعمله المستمر بعد الموت، العمل الصالح لبعد الموت، والاستقامة، وتربية الأولاد، عفواً ربى ابنه ليكون عالماً، كل أعمال ابنه ليوم القيامة بصحيفته، قال تعالى:

﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ﴾

[ سورة الطور : 21 ]

 التجارة مع الله كبيرة جداً، فعندنا أبواب للفرح لا تعد ولا تحصى، ولو كان الإنسان فقيراً.
الدكتور عمر عبد الكافي:
 الفرح الحقيقي، قال تعالى:

﴿ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ ﴾

[ سورة الروم: 4-5]

 هل هذا الفرح تثبيت لعقيدة الإنسان أنه يجب أن يفرح بما يعود على الإسلام بالخير أم هو الفرح الأناني الذي مجرد أن أرزق بكذا وكذا؟

 

من ارتفع مقامه اتسعت رؤيته :

الدكتور راتب :
 سيدي الله أعلم مرة أنا جئت من المغرب إلى الشام بطائرة، ربان الطائرة كان تلميذي، وضعني معه في الغرفة، عندما دخلنا إلى سوريا من طرابلس رأيت بعيني هذه طرابلس و صيدا، بينهما خمسمئة كيلو متر، تعلمت درساً كلما ارتفع مقام الإنسان اتسعت رؤيته، أنا أرى أن الأنبياء إنسانيون، هناك أشخاص لقومهم، لأمتهم فقط، أو لأسرتهم، أو لمن حولهم..
الدكتور عمر عبد الكافي:
 محدود..
الدكتور راتب :
 كلما اتسعت الدائرة ارتقى الإنسان.
الدكتور عمر عبد الكافي:
 لذلك نحن نهيب بأبنائنا وبناتنا ليرفعوا سقف أمانيهم، قال تعالى:

﴿ وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى ﴾

[ سورة النجم:42 ]

 لا تقف عندما تحصل على إجازة علمية معينة، وعمل معين، وراتب معين، وإنما اجعل هذا الأفق أفقاً متسعاً.
الدكتور راتب :
 أذكر مرة أثناء افتتاح جسر اسطنبول الأول، ألقى المهندس المصمم بنفسه في البوسفور، فذهبوا إلى غرفته في الشيراتون، كان قد كتب ورقة يقول فيها: ذقت كل شيءٍ في الحياة فلم أجد لها طعماً، فأردت أن أذوق طعم الموت. وبيل كيت الذي يملك ثلاثة وثمانين ملياراً قال: هذا الرقم لا يعنيني. سبحان الله ما سمح الله للدنيا أن تمد الإنسان بسعادة مستمرة.

 

خاتمة و توديع :

الدكتور عمر عبد الكافي:
 لا يملأ جوف العبد حقيقة إلا أن يكون مؤمناً، ولا يملأ صدره سعادة إلا التقوى:

ولست أرى السعادة جمع مال  ولكن التقي هو السعيد
* * *

 أي أجدادنا كانت إمكانياتهم قليلة، وكان الرضا، وكانوا سعداء لأن سبحان الله العظيم الناس كلهم في ود، وفي محبة، نسأل الله عز وجل أن ينزل السرور والفرح على بلادنا، وأن يؤمن الخائفين، وأن يعيد اللاجئين، وأن يؤمن المدن والدول، وأن يرفع عنا الظلم الخاص والعام، وأن يتولى أمر هذه الأمة، وأن يردها إلى دينها رداً جميلاً، وأن يربي لنا أولادنا وبناتنا على الكتاب والسنة، وأن يرزق بناتنا الأزواج الصالحين، وأبناءنا الزوجات الصالحات، عسى أن تكون دعوة يؤمن عليها فضيلة الشيخ مستجابة إن شاء الله جزاكم الله خيراً.
الدكتور راتب :
 إن شاء الله، بارك الله بكم، ونفع بكم.
الدكتور عمر عبد الكافي:
 جزاكم الله كل خير، بوركتم وبورك لنا ولكم في القرآن العظيم، ولا تنسونا من صالح دعائكم، نستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. 

إخفاء الصور