- ندوات تلفزيونية / ٠04برنامج ديناً قيماً
- /
- ٠2ديناً قيماً 2 - تركيا
مقدمة :
الدكتور عمر عبد الكافي:
أحمد الله رب العالمين، وأصلي وأسلم على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما بعد؛ أحبتي في الله أينما كنتم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، هذا لقاء متجدد مع شيخنا الجليل وعالمنا الرباني فضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي، مولانا ائذن لنا أن تحدثنا عن التزكية، والإنسان في القرآن الكريم مخلوق مكلف، أو مخلوق مكرم، وفي الفقه مخلوق مكلف، إذاً هل نحن مكلفون تكليفاً بأن نزكي أنفسنا؟ نريد أن نبسط الموضوع ماذا تعني التزكية؟
النّجاح و الفلاح :
الدكتور راتب :
قال تعالى:
﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا ﴾
الحقيقة عندنا نجاح وعندنا فلاح، النجاح أحادي، فلان نجح في جمع المال؛ بيل كيت يملك ثلاثة وتسعين ملياراً، إنسان نجح بارتقاء منصب رفيع، إنسان نجح بتجميع ثروات، إنسان نجح بزواجه، نجاحات مختلفة، أما الفلاح فمجموعة نجاحات، أنا فيما أتصور الفلاح إنسان عرف ربه، فاستقام على أمره، وعبده، وأحسن إلى خلقه، هذا شخص نجح في بيته، زوج ناجح، أو ابن ناجح، أو أخ ناجح، مع زوجته كان ناجحاً، نجح في عمله، نجح مع صحته، فحينما نجح هذه النجاحات المتعددة انقلب هذا الوصف إلى الفلاح، فالفلاح متنوع أي أخذ الأمور من كل الزوايا، نجح في بيته، في عمله، مع ربه، نجح بصحته.
الدكتور عمر عبد الكافي:
ولذلك نحن نقول: أفلح الإنسان الأرض أي أعدها للزراعة، فأفلح الإنسان مع نفسه أي أعدها أيضاً لزراعة الخير..
الدكتور راتب :
لعطاء الله عز وجل، هيأ نفسه للعطاء.
الدكتور عمر عبد الكافي:
الذين يغلقون أبواب التزكية على أنفسهم، يقول: والله أنا لا أستطيع أن أعفو عن أخي، أخي ظلمني، أخي عامل جارك أو زوجتك أو.. يقول: أنا صنعت ما عليّ، عشرون سنة وأنا أقدم، أنا كذا و كذا، هذا الإنسان لم يفلح..
الإنسان مخير :
الدكتور راتب :
إن القرار الذي يتخذه الإنسان في شأن مصيره قلّما تنقضه الأيام، إذا كان صادراً حقاً عن إرادة و إيمان، وأي إنسان يتوهم أن هذا الشيء لا يستطيعه هو في الحقيقة لا يريده، فالإنسان مخير، لو ألغينا الاختيار ألغينا الدين كله، قال تعالى:
﴿ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ﴾
﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ﴾
أما أهل الضلال فقد قال تعالى:
﴿ سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا ﴾
كيفية تزكية النفس :
الدكتور عمر عبد الكافي:
من باب التعليق، إذاً الإنسان يستطيع عندما يرى مثلاً أنه حريص على المال يزكي نفسه بأنه يزور الفقراء وبيوتهم،
وينظر في الدنيا إلى من هو أقل، وينظر في الدين إلى من هو أفضل
كان الصالحون إذا حزبتهم الدنيا وضاقت عليهم سبلها يذهبون إلى زيارة المرضى في المشافي، ويذهبون للمرور على السجون من الخارج، يعرفون أن هناك أناساً على غير حرية سبحان الله! ثم يذهبون إلى المقابر لزيارة الموتى والدعاء لهم، هنا ترق القلوب، هنا بداية التزكية.
حلاوة الإيمان :
الدكتور راتب :
كأنكم تريدون أن تذكروا شيئاً غير الانصياع لأمر الله، هذه اسمها حلاوة الإيمان سيدي، الحديث الشريف الصحيح:
((ثلاثٌ من كُنَّ فيه وجدَ بهنَّ طَعْمَ الإيمان))
الحلاوة تقريباً شخص معه صورة سيارة، هذه حقيقة السيارة، الأحصنة، المظهر الخارجي، ميزاتها، أو معه صورة قصر، أما حلاوة الإيمان فيملك هذه السيارة، والبون كبير جداً بين أن تمتلك صورة سيارة وأن تمتلك السيارة.
الدكتور عمر عبد الكافي:
نحن إلا من رحم ربي نمتلك صورة الإيمان لا حقيقة الإيمان.
الدكتور راتب :
حلاوة الإيمان لها ثمن، أول ثمن:
(( أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا ))
الله في قرآنه، ورسوله في سنته، لو سألت الناس جميعاً لقالوا: نعم، لا عند التعارض، عندما يتعارض النص الشرعي الثابت مع مصلحة مادية متوهمة تركل بقدمك المصلحة المادية المتوهمة، وتكون مع النص الشرعي الثابت دفعت دفعة من حلاوة الإيمان.
الدكتور عمر عبد الكافي:
ربح البيع أبا الدحداح.
الولاء و البراء :
الدكتور راتب :
(( أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا ))
(( ...وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ...))
سيدي هذا اسمه الولاء والبراء، هذه الفريضة السادسة، أن توالي المؤمنين ولو كانوا ضعافاً وفقراء، وأن تتبرأ من الكفار والمشركين ولو كانوا أغنياء وأقوياء..
الدكتور عمر عبد الكافي:
معذرة الناس الآن عندها زهد في الشيوخ والعلماء الذين يدلونهم على الطريق، ولا يريدون منهم أجراً، ولا جزاء، ولا شكوراً، حتى بعض من الذين يقررون قرارات نقول لهم: خلوا بينا وبين الناس، دعونا نعلم الناس، نأخذ بيدهم للخير، الناس عندهم زهد في هذا..
لله أولياء صادقون في كل مكان و زمان :
الدكتور راتب :
أنا ممكن أن أعطي تفسيراً لكنه محدود، 
حينما خاب ظن الناس في الدعاة إلى الله أحياناً، حينما الداعية ارتزق بها، الإمام الشافعي يقول: " لأن أرتزق بالرقص أفضل من أرتزق بالدين". فلما ارتزق بالدعوة سقطت من عين الناس، أما الله عز وجل فلا بد له من أولياء صادقين في كل مكان، وفي كل زمان، لتقام الحجة على البشر.
الدكتور عمر عبد الكافي:
ولهم رائحة زكية تفوح في كل مكان.
الدكتور راتب :
والإنسان حينما يطلب الشيء يصل إليه، مستحيل وألف ألف ألف مستحيل أن تسأل الله شيئاً ثم لا يلبى لك.
الدكتور عمر عبد الكافي:
أريد شيئاً عملياً، رجل خاصم زوجته، أو امرأة غضبت من زوجها، كيف له أن يعطيه معلمنا فضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي كبسولة يقول له قبل أن تنام كيف ترضى أو كيف ترضي ابنتي؟
كيفية إرضاء الإنسان أهله :
الدكتور راتب :
أنا بهذا الموضوع- بارك الله بك على هذا السؤال- أتمنى على الأزواج إذا خرج من البيت غاضباً أن يعود إليه مبتسماً، صار هناك خروج.
الدكتور عمر عبد الكافي:
لا، هو إذا خرج يخرج مبتسماً.
الدكتور راتب :
وإذا نام واستيقظ صباحاً صباح الخير، إذا كل قضية أرادها أن تبقى شهراً أو شهرين هذه ليست حياة، أطول مشكلة نام واستيقظ، خرج ورجع، فقط..
الدكتور عمر عبد الكافي:
فقط أكثر من ثلاثة أيام لا تنفع..
الدكتور راتب :
سيدي البطولة، أنا أقول كلمة دقيقة: الرجل لا يقبل أن يقول: أخطأت، لو قالها مرة أخطأت سامحيني، تذوب المشكلة كالملح.
الدكتور عمر عبد الكافي:
لا، هو يخاف لأنه يزرع في غير أرض، هي سوف تعيره، وتنشر أمام الأولاد، وأمام الجيران، وأمام أهله هو اعترف، هو اعترف بالخطأ.
الدكتور راتب :
لكن يوجد ملمح دقيق جداً جداً في قوله تعالى:
﴿ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ ﴾
لم قال في المضاجع بالذات؟ لئلا يعلم الأولاد المشكلة، مادام لا يوجد شيء ظاهر الأولاد عندهم صحة نفسية.
الدكتور عمر عبد الكافي:
ما دام بيل كيت عنده معلومة ينشرها على الهواء.
إدارة البيت إدارة ذكية :
الدكتور راتب :
الحقيقة أن إدارة البيت إدارة ذكية، هناك إدارة الأعمال، وهناك إدارة البيوت، للمؤمنين.
الدكتور عمر عبد الكافي:
المؤمن كيس فطن.
الدكتور راتب :
الإدارة مهمة جداً.
الدكتور عمر عبد الكافي:
علم الإدارة البيتية.
الدكتور راتب :
أن يخافك من حولك بقدر ما يحبونك، هذه ليس سهلة، يوجد إنسان قوي وفيه غلظة، وإنسان سبهللة، أن يخافك من حولك وأن يحترمك.
الدكتور عمر عبد الكافي:
خوف حب.
الدكتور راتب :
خوف حب، هذه ليست سهلة، جاء بها الأنبياء، إذا قلدنا الأنبياء هناك جانب إيجابي وجانب سلبي.
الدكتور عمر عبد الكافي:
بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يهابه الكبار والعظماء، ويحبه الأطفال الصغار.
نعود إلى التزكية؛ الإنسان من الواجب ألا يضحك على نفسه، أنا عندي عيوب كذا وكذا، مئة بالمئة مولانا البخيل يعرف أنه بخيل، والمتكبر يعرف أنه متكبر، لأنه ينظر إلى الناس من عل، هذا الإنسان أما آن له أن يتوب وأن يزكي نفسه وأن يعود إلى حومة الطريق مرة أخرى ويبدأ بخلق حسن؟
الفطرة تكشف للإنسان خطأه :
الدكتور راتب :
تأكيداً لكلامكم الجليل يقول تعالى:
﴿ بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ ﴾
يمكن أن يخدع الإنسان معظم الناس لبعض الوقت، أو بعضهم لكل الوقت، أما أن تخدع الله ونفسك ولا ثانية، والإنسان فطرته تؤكد له خطأه، الله عز وجل أعطانا عقلاً يكشف لنا خطأنا الفكري، أعطانا فطرة تكشف لنا خطأنا الأخلاقي.
الدكتور عمر عبد الكافي:
التزكية محلها القلب، الإنسان يخرج ورقة ويكتب ما هي الأمراض التي نعاني منها.
الدكتور راتب :
كلمة دقيقة تأكيداً لكلامكم، الإنسان يعاني بحياته من أمراض جسمية كثيرة جداً تنتهي كلها عند الموت، لكن أمراض القلب تبدأ بعد الموت وإلى أبد الآبدين.
التعليم من دون تزكية لا قيمة له :
الدكتور عمر عبد الكافي:
لما رفع الخليل و ابنه إسماعيل القواعد من البيت، ورتبوا مهام الدعوة المحمدية، قال تعالى:
﴿ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾
لما أجاب الله الدعوة رتب التزكية قبل التعليم، لأن التعليم من دون تزكية لا قيمة له، إذاً التزكية، أما لنا من نداء إلى ولاة أمرنا في مناهج التربية والتعليم أن نضع موضوع التزكية موضعاً مهماً جداً، لأن الأمة إن لم تقوّم خلقياً ولم تزكّ لن تصير فيها خيرية، ما خيريتها؟ لا شيء إلا بالتزكية، بارك الله بك.
الدكتور راتب :
الإنسان خلق للجنة وثمن هذه الجنة التزكية، قال تعالى:
﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا ﴾
خاتمة و توديع :
الدكتور عمر عبد الكافي:
نحن نريد من الأحبة المشاهدين ونحن نحبهم في الله وهم يحبوننا في الله، أن يبدأ الإنسان، العالَم يقول لك: هذا أسبوع المرور، وهذا عام المرأة، وهذا عام الطفل، وعام لا أعرف، فليكن هناك أسبوع للتزكية، شخص يقول: هذا الأسبوع سأمسك لساني عن غيبة الناس، أنا لن أنم، ولن أنقل كلاماً، ولن أحقد، عام الأسرة، أو يوم الأسرة.
الدكتور راتب :
يوم الأم بالسنة يوم واحد.
الدكتور عمر عبد الكافي:
الله المستعان، اللهم أصلح حال الأمة، نسأل الله أن يبارك فيكم، ويجعل كلامكم هذا تزكية لكم، شكر الله لك، نسعد بكم دائماً، جزاكم الله كل خير.
أخوتي في الله لا تنسونا من صالح دعائكم، ونستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
إخفاء الصور
