وضع داكن
29-03-2024
Logo
الدرس : 2 - سورة الزخرف - تفسير الآيتان 9-14، تسخير كل شيء للإنسان بقدرة الله تعالى
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمدُ للهِ ربِّ العالَمين، والصّلاةُ والسّلامُ على سيّدِنا محمد الصّادقِ الوعدِ الأمينِ، اللهمّ لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

 أيها الإخوة المؤمنون، مع الدرس الثاني من سورة الزخرف.


العلم ليس هدفاً وإنما وسيلة للعمل:


 مع الآية التاسعة وهي قوله تعالى: 

﴿  وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ(9)﴾ 

[ سورة الزخرف ] 

 أيها الإخوة، العلم ليس هدفاً في ذاته إنما هو وسيلة، فتعلّموا ما شئتم فوالله لن تُؤجَروا حتى تعملوا بما علِمتم، إذا نمت ثقافة الإنسان ولم ينمُ مع ثقافته عمله لم يزددْ من الله إلا بعداً، من ازداد علماً ولم يزددْ هدىً أي لم يستفد من علمه لم يزدد من الله إلا بعداً، فالعلم في الإسلام ليس هدفاً بذاته إنما هو وسيلة للعمل، والعمل ثمن الجنة.

 الأصل أن الإنسان خُلِق لجنَّة عرضها السماوات والأرض، هذه الجنة يُؤَهّل إليها بالعمل الصالح، والعمل الصالح سببه العلم الصحيح، فالعلم أول الطريق، وهو الباب الرئيسي، ولكن العلم وحده إذا اكتفينا به فلا قيمة له والدليل: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ﴾ 


الإنسان يرتقي عند الله بعمله الصالح وانضباطه وفق منهج الله:


 ومع ذلك لم يستقيموا، ولم يتوبوا، ولم يُقبلوا، لذلك قال بعض العلماء: هذا الإيمان إيمانٌ إبليسيٌّ (منسوب إلى إبليس)  لأنه قال: ربي، وقال:

﴿  قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ(82)﴾ 

[  سورة ص  ] 

 إذاً الإنسان لا يرتقي عند الله بحجم معلوماته، وحجم ثقافته الإسلامية، بل يرتقي عند الله عز وجل بحجم عمله الصالح وانضباطه وفق منهج الله، هذا أول معنى يُستفاد من هذه الآية، لذلك العلم وحده لا يكفي: 

وعالمٌ بعلمِهِ لمْ يعمَلَنْ    مُعَذَّبٌ مِنْ قَبْلِ عُبّادِ الوَثَن

[ ابن رسلان ] 

 يعني لو أن إنساناً على وشك الموت عطشاً، وعلمَ أن في هذه الجهة نبع ماء عذْب فرات ولم يتحرك إليه، ومات عطشاً فندمه أشد ممن لم يعرف ومات عطشاً، لذلك قال الله عز وجل:  

﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا(145)﴾ 

[  سورة النساء ] 

 الذين علموا ولم يعملوا هم المغضوب عليهم، الذين لم يعلموا ولم يعملوا هم الضالون، قال تعالى:

﴿  اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ(6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ(7)﴾ 

[  سورة الفاتحة ] 

 المغضوب عليهم:  علموا ولم يعملوا فهلكوا. 

الضالون: لم يعلموا ولم يعملوا فهلكوا، النتيجة واحدة. 

بل ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ﴾ 


لا يُقبل الإنسان في الآخرة إلا بحدّ أدنى من معرفة الله وطاعته:


 لذلك قال تعالى: 

﴿ مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا ۚ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ۚ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ ۖ وَمَكْرُ أُولَٰئِكَ هُوَ يَبُورُ(10)﴾ 

[  سورة فاطر ] 

 وقال تعالى:

﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110)﴾ 

[  سورة الكهف ] 

 وبهذا جاءت الآية الكريمة واضحة الدلالة:

﴿ وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا(19)﴾ 

[  سورة الإسراء ] 

 لا يكفي أنك تريد الآخرة، فلم يقل سبحانه: وسعى لها، قال ﴿وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا﴾ ، فلها سعي خاص، لها شروط خاصة فلا يُقبَل الإنسان في الآخرة إلا بحدّ أدنى من معرفة الله وطاعته، هؤلاء قالوا: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ﴾ 

[ سورة الزخرف ] 


الانتماء الشكلي للدين لا يقدم ولا يؤخر:


 وأنت لو تجولت في أرجاء العالم الإسلامي، فهل تجد فيه من أدناه إلى أقصاه من ينكر وجود الله عز وجل؟ لا أبداً، وهناك من يؤدي بعض العبادات، وهناك من يَتزَيَّا بِزِيّ المسلمين، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح:

(( وَلَنْ يُغْلَبَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا مِنْ قِلَّةٍ.  )) 

[  أبو داود عن ابن عباس  ] 

 ونحن اليوم ألف ومئتا مليون مسلم وليست كلمتنا هي العليا، معنى ذلك الانتماء الشكلي للدين لا يُقدم ولا يؤخر، حينما قال الله عز وجل:

﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ(55)﴾ 

[  سورة النور ] 


حجمك عند الله بحجم عملك الصالح الذي يحتاج إلى نية خالصة وهي ملخص التوحيد:


 إذاً مختصر الكلام، وملخص الملخص، والكلام المجدي: حجمك عند الله لا بحجم معرفتك الدينية؛ ثقافتك، واطلاعاتك، ومعلوماتك، ومدى ما تعرف من كتب، ومدى ما قرأت، بل حجمك عند الله بحجم عملك الصالح، والعمل الصالح يحتاج إلى نيّة خالصة، والنية الخالصة ملخص التوحيد ، تسعى في طريق التوحيد فتُخلص لله رب العالمين فتعمل الأعمال الصالحة فترقى عند الله، أما كثقافة إسلامية فمتوافرة والحمد لله، وهي كثيرة جداً، لكن هذه الثقافة الإسلامية وتلك العواطف الإسلامية لا تقدم ولا تؤخر.

 يا إمام (والكلام للإمام الجنيد)  من ولي الله؟ أهو الذي يطير في الهواء؟ قال: لا، أهو الذي يمشي على وجه الماء؟ قال: لا، قالوا: مَن إذاً؟ قال: الولي كل الولي من تجده عند الحلال والحرام، أن يجدك حيث أمرك وأن يفتقدك حيث نهاك.

يعني بكل بساطة اقرأ قول الله تعالى:

﴿  أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ(62)الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ(63)﴾ 

[ سورة يونس ] 

 بكل بساطة:

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ(13)﴾ 

[  سورة الحجرات  ] 


الإخلاص والعمل الصالح هما المقياس الحقيقي عند الله عز وجل:


 تعليق قريب من موضوع الآية، النبي عليه الصلاة والسلام ألم يكن أعظم الخطباء قاطبة؟ بلى، ألم يكن عالماً؟ بلى، هو أعلم العلماء، أفصح الفصحاء، أبلغ البلغاء، أعظم الخطباء، كان قائداً مُحنَّكاً، سياسياً ماهراً، كل الصفات كانت متوافرةً فيه، لما أراد الله عز جل أن يثني عليه بماذا أثنى؟ بأخلاقه، قال:

﴿  وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ(4)﴾ 

[  سورة القلم ] 

 فالمهارات التي يكتسبها الإنسان بحكم عقله، وذكائه، وقوة إدراكه هذه لا ترفعه عند الله، ما الذي يرفعه؟ إخلاصه وعمله الصالح، هذا المقياس الحقيقي عند الله عز وجل، فإذا أردنا أن نرتقي عند الله عز جل وقد أمرنا النبي عليه الصلاة و السلام للطريق، فقال: 

((  ابتغوا الرفعة عند الله.  )) 

[ الألباني بسند ضعيف ] 

 إذا أردنا أن نرتقي عند الله هذا هو المقياس، فالكلام كثير، والكلام لا يقدم ولا يؤخر، كلامٌ لا ينتهي، دعوةٌ باطلة: 

رَضُوا بالأماني وابتُلوا بحظُوظهم    وخاضوا بحار الحبّ دعوى فما ابتلّوا

[ ابن الفارض ] 

كـل يدعــــــــي وصــــلاً بليلـــى    وليلـــى لا تقـــــــــر لهــــــم بذاكـــــا

[ لقائله ] 

 حجمك عند الله بحجم عملك الصالح الخالص لوجه الله، هذا كلام مختصر مفيد والدليل: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ﴾ 


الإخلاص محصلة التوحيد:


 ومع ذلك لم يستقيموا، ومع ذلك لم يتوبوا، ومع ذلك لم يُقبِلوا، فهذا الكلام لنا جميعاً، حجمك عند الله لا بحجم معلوماتك بل بحجم أعمالك الخالصة، والإخلاص محصلة التوحيد، والتوحيد معرفة الله موجوداً وواحداً وكاملاً، من خلقه ومن كلامه ومن أفعاله.

 ثم إن ربنا عز وجل يعرّفنا بذاته قال: ﴿لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ﴾  مَن هو العزيز العليم؟ الآن الكلام اختلف: 

﴿ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ(10)﴾ 

[ سورة الزخرف ] 

 إذاً هذا تعريف الله لذاته، لو كانت الآية (الذي جعل لنا) لكان هذا الكلام متابعةً لكلام المشركين؛ لا بل قال: ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الْأَرْضَ مَهْدًا﴾ 


الأرض (مهد) لها عدة معانٍ: 


 والآن دقق النظر أيها الأخ في كلمة (مهد) المهد لمن؟ للطفل الصغير، ومن الطفل الصغير بالنسبة لأبويه؟ ما من شيء أغلى على الأب والأم من الطفل الصغير، لذلك المهد يُهيَّأ ليُحقِّق له كل وسائل راحته، الفراش وثير، القماش ناعم، الغرفة دافئة، يعني يقدم المهد للطفل الصغير كل وسائل الراحة، فربنا عز وجل شبه الأرض التي نحن عليها بالمهد، فما وجه الشبه؟ هذه الأرض سطحها مهد، إن الإنسان قد يركب طائرة يطير بها فوق مناطق وعرة لا يمكن أن يعيش عليها الإنسان، جبال كرؤوس المُسنَّنات، انحدارات قوية جداً، هذه المنطقة لا يمكن أن يُعاش عليها، فلو أن الأرض كلها بهذا الشكل يستحيل أن نعيش عليها.

1 ـ المعنى الأول أنها مسطحة:

 فأولاً معنى (مهد) أن الله سبحانه وتعالى جعل مساحات شاسعة منبسطة من أجل أن يسهل علينا أن نبني، وأن نتحرك، وأن نكسب رزقنا، فالأرض مسطحة من معاني: ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الْأَرْضَ مَهْدًا﴾  

2 ـ المعنى الثاني أنها ذات تربة زراعية قابلة للإنبات:

 وأما التربة التي إذا زرعتها تنبت لك النبات الذي هو قِوام حياتك فهذا من معاني أن الأرض (مهد) للإنسان، لو أن الأرض من صخر ماذا نـأكل؟ كيف نعيش؟ كيف نبني البيوت؟ لكن الأرض جعلها الله تربة قابلة للإنبات، وقد مرت الأرض بحِقَب كثيرة حتى أصبحت بهذه الحالة التي نحن عليها. 

3 ـ المعنى الثالث أن الأرض مستقرة:

 شيء آخر، هذا السكون التام، فلو أن الأرض تهتز دائماً لمَا استقر عليها بناء، والأبنية تتصدع، لكن الأرض جعلها الله (مهداً) بمعنى أنها منبسطة، وأن قِوامها تربة تصلح للإنبات، وأنها مستقرة مع أنها تدور حول الشمس بسرعة تُقدَّر بـثلاثين كيلو متراً في الثانية الواحدة، طبعاً الطائرة تهتز، والقطار يهتز، والسيارة تهتز ومع الاهتزاز فالأشياء لا تستقر عليها إذا كانت قلقة في وجودها، لكن الأرض تبني عليها البناء فيبقى إلى ما شاء الله، لكن نعمة الاستقرار نعمة من خلق الله عز وجل، وإذا لم نعرف قيمة هذه النعمة فقد رأينا ماذا تفعل الزلازل ببعض البلاد، بناء شامخ بأقل من ثلاثين ثانية يصبح أنقاضاً بعضها فوق بعض.  

4 ـ المعنى الرابع أن الأشياء التي على الأرض مستقرة أيضاً بفعل قوة جذب الأرض لها:

 وشيء آخر؛ الأرض مستقرة، وقد قال الله عز وجل: 

﴿ أَمَّن جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا ۗ أَإِلَٰهٌ مَّعَ اللَّهِ ۚ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ(61)﴾ 

[  سورة النمل ] 

 حركة مع سكون، سكون حركي، حركة ساكنة، هذه أرقى أنواع الحركة، تتحرك بثلاثين كيلو متراً في الثانية ومع ذلك الأرض مستقرة استقراراً تاماً.

 شيء آخر، هذا القلم إذا وضعته على الطاولة يبقى في مكانه ولا يطير، ما الذي جعله في المكان لا يتزحزح عنه؟ قوة جذب الأرض له، إذاً من نعم الله الكبرى أن الأرض تجذب كل شيء على سطحها إلى مركزها، فهذه نعمة أخرى.

 إذاً معنى أن الأرض (مهد): 

1. أولاً  هي مسطحة. 

2. ثانياً ذات تربة زراعية تنبت لنا الطعام والشراب. 

3. ثالثاً  مستقرة. 

4. رابعاً  الأشياء التي عليها أيضاً مستقرة بفعل قوة جذب الأرض لها،ثم إن هذه الأرض تتحرك، ومن حركتها ينشأ الليل والنهار، ومن دورتها حول الشمس تنشأ الفصول الأربعة، ومن ميل محورها ينشأ اختلاف الليل والنهار، هذه كلها من معاني قوله تعالى: ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الْأَرْضَ مَهْدًا﴾

 شيء آخر، هذه الطبقة الهوائية التي تلفُّ الأرض من أوجدها؟ فالهواء قد لا نعرف قيمته، إن الهواء قد يحمل طائرة وزنها 350 طن وعلى متنها خمسمئة راكب مع أمتعتهم على ارتفاع أربعين ألف قدم، هذا هو الهواء، والله سبحانه لطيف والهواء يمثل لطف الله عز وجل، لا يحول بينك وبين الآخرين فلا يشكل حاجزاً، لكنه شيء مهم جداً، بحيث لو أن مركبة فضائية دخلت مجال جو الأرض لاحترقت من احتكاكها بالهواء، فالهواء نستنشقه، ونسبه ثابتة؛ أكسجين وغاز الفحم، هذه النسب الثابتة بفضل أن النبات يعمل عكس عمل الإنسان، النبات يأخذ غاز الفحم ويطرح الأكسجين، نحن نأخذ الأكسجين ونطرح غاز الفحم، فالهواء إذاً آية تندرج تحت قوله تعالى: ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الْأَرْضَ مَهْدًا﴾


الماء، الهواء، الحركة، الحرارة وغيرها من معاني أنها ( مهد ) للإنسان:

 وكذلك الماء الذي على سطح الأرض، هذه المساحات الواسعة جداً من المياه التي تحويها المحيطات من أجل أن تتبخر فتكون غيوماً، فتكون أمطاراً تحيا بها الأرض في بقاع أخرى إذاً: 

ماؤها  من معاني أنها مهد  للإنسان.

وهواؤها  من معاني أنها مهدٌ  للإنسان. 

وحركتها  التي ينشأ عنها الليل والنهار والفصول الأربعة من معاني أنها مهد  للإنسان.

وجاذبيتها  للأشياء التي عليها من معاني أنها مهد  للإنسان. 

واستقرارها مع حركتها من معاني أنها مهد  للإنسان.

وسطحها المستوي  من معاني أنها مهد للإنسان.

وتربتها  التي تنبت من معاني أنها مهدٌ للإنسان.

 وكلمة (مهد) هو الفراش الوثير المُهيَّأ خصيصى للطفل الصغير، الطفل يحتاج إلى عناية فائقة، وهذه العناية الفائقة أساسها المحبة الفائقة والرحمة الفائقة، وهذا الفراش يهيئ له كل أسباب الراحة، وكذلك الأرض.

 ثم إن الحرارة معتدلة، يعني أحياناً 18، 20، 30،35، 6، 7، 0، كلها مقبولة، أما لو أن الأرض توقفت عن الحركة لأصبحت الحرارة في النهار 350 درجة فوق الصفر، وفي الطرف الآخر 270 درجة تحت الصفر، ولانتهت الحياة، فالحرارة أيضاً (مهدٌ)، حرارة إضافة إلى ماء، إلى هواء، إلى حركة ساكنة، إلى استقرار، إلى جاذبية، إلى تربة، إلى تسطح، وفوق هذا كله هذا الضياء، فالله جعل الشمس ضياء، وجعل القمر نوراً، والشمس والقمر آيتان من آيات الله الدالتان على عظمته.


معانٍ أخرى لكلمة ( مهد ):


 ثم إن هذه الجبال الشامخة مستودعات للمياه ورواسي للأرض، ثم إن هذه البحار المالحة، وهناك حكمة بالغة من ملوحة البحار، وكل النظريات التي تتحدث عن سبب ملوحة البحار نظريات ليس لها دليل علمي أكيد، فمن الذي جعل هذا البحر عذباً فراتاً، وجعل هذا البحر ملحاً أجاجاً؟ الله سبحانه وتعالى، والبحيرات والأنهار والينابيع، بعض الأنهار كنهر الأمازون منسوبه يُقدَّر بثلاثمئة ألف متر مكعب بالثانية، دمشق فيها خمسة ملايين، نبع الفيجة كثافته في أعلى درجاته 24 متراً مكعباً بالثانية ومع ذلك فهذا النبع يكفي دمشق كلها، فثلاثمئة ألف متر مكعب بالثانية هذا من عطاء الله عز وجل.

 وبالتربة معادن؛ منها معادن الحديد والنحاس والألمنيوم والقصدير والرصاص، معادن لا يعلم عددها إلا الله وأشباه معادن، فهذه التربة فيها فِلْزات، وفيها طاقة، وهذا البترول الذي أودعه الله في باطن الأرض أيضاً من معنى قوله تعالى: ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الْأَرْضَ مَهْدًا﴾ .

 ثم إن هذه النباتات، الغابات نباتات رعوية، نباتات غابات، نباتات أشجار مثمرة، أنواع النباتات لا يعلم عددها إلا الله، تكاد هذه النباتات تغطي كل حاجات الإنسان، فنبات للّيف، نبات للسِّواك، نبات للخُلّة، نبات للألوان، نبات للمواد اللّدِنَة، نبات للصناعات، نبات للغذاء، نبات للزينة، أنواع النبات لا يعلمها إلا الله، هناك أوعية أساسها نباتي كالنحاس تماماً، هناك مسابح من نبات خاص حباته صغيرة كروية مثقوبة أيضاً كله نبات، فالنبات من معاني قوله تعالى: ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الْأَرْضَ مَهْدًا﴾  والحيوانات؛ حيوانات مفترسة، حيوانات أهلية، حيوانات مُذلَّلة، الأنعام، الجمال، الأغنام، الأبقار، البقرة وحدها آية من آيات الله الدالة على عظمته، الجمل وحده آية، الخروف الذي نأكله مَن جعله مُذلّلاً لنا؟ 

﴿ وَذَلَّلْنَٰهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ(72)﴾ 

[ سورة يس ] 

كلٌ فيه خير لنا، هذه كلها آيات، هذا معنى قوله تعالى: ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الْأَرْضَ مَهْدًا﴾  الأطيار، الأسماك، النباتات، المعادن، الينابيع، الأنهار، البحيرات، البحار، الجبال، الوديان، السهول، الأغوار، الأغوار كلها بيوت بلاستيكية، تجد الحرارة في الشتاء ثلاثين أو خمساً وثلاثين، يعطيك جميع أنواع الخضراوات في غير موسمها، هذه الأغوار، يعني هذا الحديث يطول، ويندرج كله تحت قوله تعالى: ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الْأَرْضَ مَهْدًا﴾ 


الله عز وجل مهد لحياة الإنسان وفيها كل مستلزماته:


 الأرض مُهِّدت لحياة الإنسان وفيها كل حاجاته، كل أنواع المعادن هناك معادن ثمينة القيم، هناك باخرة غرقت قبل مئة عام والآن أخرجوها سبائك الذهب التي فيها كأنها الآن سُبِكت، المعدن لا يتأثر لا بالماء ولا بالهواء ولا بالملوحة ولا بأي أعراض الجو، الذهب له وظيفة، البلاتين له وظيفة، الحديد له وظيفة، الألمنيوم له وظيفة، النحاس له وظيفة، القصدير له وظيفة، الرصاص له وظيفة، فالإنسان لو تأمل بخصائص المعادن الفيزيائية والكيميائية لأخذه العجب العُجاب، معدن ينصهر في حرارة ألف وخمسمئة درجة، الرصاص ينصهر في درجة مئة، ينصهر وإذا برد يتمدد، يعني إذا احتاج الإنسان أن يعامل الحديد مع الحجر يكفي أن يحفر حفرة في الحجر لها شكل الإناء ويضع الحديد فيها، ثم يصب الرصاص فإذا برد الرصاص تمدد وأصبح الحديد والحجر كتلة واحدة.


لو تبحر الإنسان بالعلم لوجد ما يبهر العقول ويذهلها:


 قد تجد محلاً تجارياً الغلَق مربوط بكتلة من الحديد مغروزة في الحجر عن طريق الرصاص، الرصاص ينصهر بدرجة مئة ويتمدد بالتبريد، فمن أعطاه هذه الخاصة؟ فالإنسان إذاً بحاجة إليها، بحاجة إلى معدن سريع الانصهار يتمدد عند البرودة، وينفرد هذا المعدن بهذه الخاصة، النحاس ناقل شديد للحرارة، طبعاً هذه معلومات بدائية جداً وبسيطة يدرسها الطلاب في مرحلة التعليم الثانوي، لكن لو تبحّر الإنسان بالعلم وكان مختصاً في الفيزياء أو الكيمياء ودرس خصائص المعادن خاصة خاصة لوجد شيئاً لا يُصدّق.

 الفضة من شأنها أن تطهر المياه، في معامل تكرير المياه آخر مرحلة يسيل الماء بأنابيب من الفضة الخالصة لأن فيها إشعاعات معقِّمة للمياه، إذاً الفضة لها دور، بعض المعادن تعدّ علاجاً للجسم توضع على شكل أساور، فعلم المعادن لا حدّ له، ونحن في مجال العلم في البداية، وقد قال بعض العلماء: "لم تبتل بعدُ أقدامنا ببحر المعرفة." 

 طبعاً هذه معلومات موجزة حول قوله تعالى: ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الْأَرْضَ مَهْدًا وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ إلى الله.


الله عز وجل جعل في الأرض سبلاً لكسب الرزق:


 ما معنى السبل هنا؟ المعنى دقيق جداً، هذا الإنسان أولاً فطره الله فطرة، وخلق فيه دوافع وحاجات، خلق فيه حاجة إلى الطعام، ودافعاً إلى طلب هذا الطعام، فهما حاجة ودافع، وخلق فيه حاجة إلى الشراب، كما خلق فيه حاجة إلى الطرف الآخر نصفه الثاني، كما خلق فيه حاجات كثيرة جداً، هو بحاجة إلى الطعام وإلى الشراب وإلى الكساء وإلى السكن، لكن أكبر دافع هو الجوع ويحتل المرتبة الأولى.

 وجعل الله عز وجل -وهنا المعنى دقيق جداً- جعل الحَر، كم إنسان يعيش على الحر، عُدَّ المعامل المختصة في صناعة المراوح، والمكيفات، ومعامل المرطبات في العالم، كم أداة يستخدمها الإنسان إذا شعر بالحر؟ والبرد سبب للعيش، كم إنسان يعيش على البرد؟ صناعة المدافئ، والوسائد، والأغطية الصوفية، كل ما يتعلق بالحر، فهناك ملايين يعيشون بسبب ارتفاع درجات الحرارة، المصائف تعمل، والمرطبات، وصنع الثلج، المكيفات، المراوح، الألبسة القطنية الخفيفة، هذا كله للحر، الشتاء يحتاج إلى ألبسة ثقيلة؛ إلى صوف، إلى مدافئ، إلى وقود، إلى...إلخ، ملايين من الناس يعيشون بسبب الحر وبسبب البرد. 

 المرض؛ كم إنسان يعيش بسبب الإصابات المرضية؟ ما عدد الأطباء بالعالم؟ إحصاء قرأته مرة يقول: إن مئتين وخمسين ألف طبيب من البلدان النامية يقيمون في بلد متقدم، الأطباء في العالم عددهم كثير جداً، والطبيب من أين دخله؟ دخله من ذوي الأمراض.

 كذلك فإن الخلافات بين الناس هناك من يعيش عليها إنهم المحامون، هذا معنى السبل، أي أن الله عز وجل جعل السبل لكسب الرزق، كل إنسان الله يرزقه، قد يتهور الابن فيقوم بحادث سير يؤدي إلى عمل مصلح السيارات ومصلح الكهرباء، كلهم يعملون، أردت من هذا الكلام أن الله عز وجل جعل أسباب كثيرة لكسب الرزق، هذا قد تقرؤه في تفسير القرطبي حيث يقول: "السبل هي المعايش التي هي أسباب لكسب الرزق." 


المقصود من كلمة ( معايش ):


 أنت تحتاج إلى بيت، كم إنسان يعمل في إنشاء البيوت؟ بدءاً من العمال، إلى المهندسين، إلى المصممين، إلى المنفذين، إلى المهندس المعماري، والمهندس المدني، وعامل الكهرباء، وعامل التمديدات الصحية، وعمال الطلاء، وعمال التبليط، وعمال المفروشات، وعمال الديكور، هذا البيت الذي تسكنه انظر كم إنسان عمل فيه! وكذلك الطعام الذي تأكله! ولكل مادةٍ من مواد الزراعة معامل وخبرات متراكمة لسنوات عديدة، تحسين الإنتاج من أجل أن تأكل طبقاً من السلطة مثلاً، فإنتاج المأكولات يعمل فيها الملايين، والكساء، فكم إنسان يعمل في المنسوجات؟ بدءاً من غزل الخيوط إلى غزلها إلى نسجها إلى صبغها إلى تفصيلها إلى بيعها جاهزة، لو أحصيت تجد الملايين يعملون في تأمين حاجة اللباس، ملايين يعملون في تأمين حاجة الطعام، هذا الرغيف الذي تأكله كم إنسان عمل به؟ اشتُريَت البذور وفُلحت الأرض وألقيت البذور وألقي السماد، ثم حُصِد، ثم دُرس، ثم غُسِل، ثم طُحن، ثم خُبز، كم إنسان يعمل في هذا الرغيف؟ هذا معنى معايش.

 الشَّعر كم إنسان يعمل في حلق الشعر في العالم؟ تسوُّس الأسنان كم إنسان يعيش على تسوس أسنان البشر؟ ملايين، أجهزة وأدوات واستيراد ومواد سنية، حتى يبقى الإنسان نظيفاً كم إنسان يعيش على منتجات تستخدم في الحمامات؟ المواد الأولية، الصنابير، الأحواض وغيرها. فالله عز وجل خلق في الإنسان حاجات، وجعل تأمين هذه الحاجات عن طريق الإنسان


الله تعالى جعل خيرات الأرض قابلة للانتفاع بعد تدخل الجهد البشري فيها:


 النقطة الثانية، لو أن الله سبحانه وتعالى خلق هذه المواد جاهزة للاستعمال من غير تدخل اليد البشرية إذاً لما كان هناك حاجة للعمل والعمال، الخبز جاهز خلقه الله، جاهز وتام، الفاكهة جاهزة ومعبأة بعلبها تعبئة كاملة، ولا تفسد إلى ما شاء الله، انتهت الحياة، لكن تحتاج إلى أن تزرع هذه البذرة، ثم ترعى نبتتها ثم تسمّدها ثم تحصدها ثم تجلبها للسوق، فهناك تدخل من الجهد البشري، وهذا المعنى دقيق جداً، البئر تحتاج إلى أن تحفرها والفلزات تحتاج إلى أن تستخرجها، والنبات تحتاج إلى أن تزرعه.

إذاً لحكمة أرادها الله كل خيرات الأرض لم يجعلها الله عز وجل قابلة للانتفاع بها إلا بعد تدخل جهد بشري، لو كان هناك بيوت جاهزة لمَا كان هناك حاجة لبنائها، ولكن لا بد من أن نبني البيوت، ولا بد من أن نحفر الآبار، ولا بد من أن نوصل المياه، لا بد من أم نزرع النبات. 

 فما دام هناك جهد بشري فمن خلال هذا الجهد البشري يُبتلَى الإنسان، يعني بشكل ملخص، أودع فيك الدافع إلى الطعام والشراب، فالإنسان يحتاج إلى أن يعمل، وجعل لك معايش، هذا مجال عمله بالتعليم، وهذا مجاله بالطب، وهذا صيدلة، وهذا هندسة، وهذا محامٍ، وهذا عامل، وهذا صانع، وهذا تاجر، وهذا مزارع، وهذا بالمكتبات، وهذا بالتأليف، هذا بالتعليم، كل إنسان الله عز وجل يسرّ له عملاً يقتات منه ويكسب منه رزقه، كل هذا الكلام يندرج تحت قوله تعالى: ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الْأَرْضَ مَهْدًا وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾  والعوام يقولون: "سبحان من يسّر على كل إنسان عمله"  فكل إنسان مرتاح بعمله، ويؤديه بشكل مريح وسريع، لكن لو كُلِّفت أن تعمل عمل إنسان آخر تجده شاقاً وصعباً ويكاد يكون مستحيلاً، فهذا العمل أيضاً من خلق الله عز وجل. 


الدافع إلى الطعام والشراب هو المحرك الأول عند الإنسان:


  مثلاً: لو أُلغي دافع الجوع فرضاً لما كان هناك حاجة لأعمال كثيرة، فيقعد الإنسان ولا يتحرك، لماذا العمل؟ لا حاجة له، لكنه مادام يجوع فلا بدّ من أن يتحرك حتى يأكل، فهذا يعمل في البناء، هذا في التعليم، هذا في الطب، هذا في الهندسة، إذاً دافع الجوع أساس الحركة، وأساس حركة البشر الدافع إلى الطعام والشراب.

ثم إن الإنسان يتقن حاجة ويحتاج إلى الكثير من الحاجات، يتقن عملاً واحداً ويحتاج إلى الكثير من الأعمال، ولذلك فإن الله عز وجل أراد للإنسان أن يكون اجتماعياً بالطبع، لا أحد يقدر أن يعيش وحده، لو الإنسان أحبّ أن يعيش لوحده ينبغي أن يتعلم كيف يعلم أولاده، لا يستطيع، يجب أن يتعلم كيف يزرع الأرض ليحضر الخبز، لا يستطيع، إذاً ألف إنسان يقدمون لك الرغيف جاهزاً، ألف إنسان يقدمون لك البدلة جاهزة، ألف إنسان يحضر لك الماء إلى البيت، ألف إنسان يقدم لك الحاجات، وأنت تقدم حاجة واحدة، فهذا معنى قول الله تعالى: ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الْأَرْضَ مَهْدًا وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾  ثم ها نحن مع الدافع كي نبقى كأفراد؛ فلنستمع لله تعالى يقول: 

﴿  وَالَّذِي نَزَّلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ(11)﴾ 

[ سورة الزخرف ] 


الحفاظ على بقاء النوع لأن الحياة أساسها ازدواجي:


 بعد أن خلق الله الأرض، وجعلها مهداً، وجعل فيها إمكانات لكسب الرزق، وجعلنا نحتاج إلى الرزق كي نبقى أحياء، والرزق من السماء، فهذه الأمطار تهطل، والينابيع تتفجر، والنبات ينبت، والحيوان يعيش، والإنسان يأخذ طعامه من النبات والحيوان إذاً الآن: ﴿وَالَّذِي نَزَّلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ﴾  فالبند الثاني إذاً الحفاظ على بقاء الفرد. 

﴿ وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ(12)﴾ 

[ سورة الزخرف ] 

 الآن الحفاظ على بقاء النوع، ذكر وأنثى، على مستوى الإنسان وعلى مستوى الحيوان وعلى مستوى النبات، بنية الحياة ازدواجية، في عالم البشر ذكر وأنثى، وفي عالم النبات ذكر وأنثى، وفي عالم الحيوان ذكر وأنثى. 

﴿وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا﴾  بعضهم قال: الحياة الإنسانية أساسها مزدوج، خير وشر، حق وباطل، جمال وقبح، عطاء ومنع، فقر وغنى، صحة وسقم، دنيا وآخرة، شيطان وملك، يعني الحياة الدنيا أساسها ازدواجي هذا معنى قوله تعالى: ﴿وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا﴾ والمعنى القريب أن الله عز وجل جعل الحياة البشرية قائمة على أساس أن الإنسان ذكر وأنثى، فما المعنى هنا؟ إنه استمرار الحياة، كيف يستمر البشر؟ عن طريق التزاوج، لولا التزاوج لانقرض النوع البشري، كيف يستمر النبات؟ عن طريق اللقاح والتزاوج، كيف يستمر الحيوان؟ عن طريق التزاوج، قد تجد للسمكة الواحدة مثلاً ملايين البيض، يعني أن الله أعطى السمك وغيره خاصية التكاثر والتزاوج، وكل المخلوقات تتكاثر عن طريق اللقاح. 


الفلك والأنعام من آيات الله الدالة على عظمته:


  وهناك حاجات للسفر والانتقال، لقد أكل الإنسان وشرب، وسكن البيت، أكل وشرب ولبس، والآن تزوج، وأحب أن يسافر، قال: ﴿وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ﴾ الفلك سفن في البحر، والماء من طبيعته أن يدفع الأجسام التي تطفو عليه نحو الأعلى (مبدأ أرخميدس)  لولا هذا المبدأ لما كانت هناك ملاحة على وجه الأرض، فهذه الفُلك من آيات الله الدالة على عظمته، والأنعام.

﴿  وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ(8)﴾ 

[  سورة النحل ] 

 والآن هناك طائرة، وقطار، وسيارة، وهذا من تسخير الله للإنسان. 

﴿   لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ(13) وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ(14)﴾ 

[ سورة الزخرف ] 


الآيات تؤكد أن الذي يخلق ما لا تعلمون هو الله تعالى:


 هذه الآية دقيقة المعنى جداً، فالنبي عليه الصلاة والسلام جعلها دعاءً للسفر، يعني أن الإنسان إذا استخدم دابة من دوابّ الأرض فينبغي أن يذكر نعمة الله عز وجل، حتى ولو ركب سيارة فمن خلقَ موادها الأساسية؟ ومن أودع في الأرض هذه الطاقة التي تتحرك بها؟ حتى إن بعض الآيات تؤكد أن هذا الذي يخلق ما لا تعلمون هو الله عز وجل، فكأن الله عزا صنع الأجهزة الحديثة للتنقلات إلى ذاته عزّ وجل، فالإنسان إذا ركب طائرةً أو سيارةً أو قطاراً أو دابةً بحسب العصر والتطورات قال: ﴿لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ﴾ .

 بعض المفسرين قالوا: مقرنين بمعنى مطيقين، الإنسان لا يطيق أن يمشي إلى الحجاز مشياً، فجعل له هذه الدواب وهذه الإبل ثم أصبح في زماننا يركب الطائرة، أو السيارة. 


إنجازات البشر من آيات الله الدالة على عظمته وفي رأسها العقل البشري:


﴿وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ﴾  ما كنا نطيق الوصول إلى هذه الأهداف البعيدة لولا هذه الوسائل التي منّ الله بها علينا، وبعضهم قال: ﴿وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ﴾ بالفضل لأحد سواه، يعني هذا الفضل لله وحده، والإنسان العاقل إذا تمتع ببعض النعم التي هي من صنع الإنسان يجب ألا ينسى الله عز وجل؛ لأنها في الحقيقة لولا توفيق الله لما كانت، ولولا أن الله ألقى في نفس المخترع هذا الاختراع لما كان هذا الاختراع، فحتى إنجازات بني البشر إنما هي في الحقيقة من آيات الله الدالة على عظمة نعمه وفي رأسها العقل البشري، قد تجد آلة تختصر الوقت والجهد، فإن هذه الآلة من إنتاج هذا العقل البشري الذي أودعه الله فينا، إذاً فمن أودع هذا العقل فينا؟ الله عز وجل، من أعطاه هذه الإمكانات كي يخترع؟ الله جلّ جلاله، انظروا أصنافاً أخرى من المخلوقات هل اخترعت هذه الأجهزة؟ لا، إذاً لولا أنِ امتنّ الله علينا بهذا العقل لما كانت هذه الإنجازات التي أمامكم.

﴿وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ﴾  وهذا المعنى دقيق جداً، الإنسان حين يركب طائرة فاحتمال سقوطها قائم ولو كانت من أحدث الشركات وأعظمها، وفيها احتياطات إلى ما لا نهاية ومع ذلك قد تسقط ويغلب على الظن أن يموت جميع ركابها، فالإنسان إذا ركب مركبة أو دابة فالدابة قد تجنح به، والناقة قد تدق عنقه، والسيارة قد تتحطم، والطائرة قد تسقط، فالإنسان إذا أراد أن يسافر ينبغي أن يصطلح مع الله، وأن ينهي كل المشكلات بحيث لو جاءت منيته كان سليماً معافى عند الله عز وجل، كأن الله يذكرنا أن يا أيها الإنسان حينما تركب هذه الدابة، أو تركب هذه الوسيلة من وسائل النقل لتنقلك إلى بلد آخر فلا تنسَ: ﴿وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ﴾ 


على الإنسان أن يهيئ نفسه دائماً للقاء الله تعالى:


 والحقيقة أيها الإخوة أن الذي يفكر بالعودة إلى الله عز وجل دائماً فإنه ينجو من عذاب الله، فليهيئ الإنسان نفسه للقاء الله دائماً، وتعلمون أن لقاء الله عز وجل لا يتعلق بعمر معين، هناك أناس يموتون شباباً، وأناس يموتون كهولاً، وأناس يموتون في سن متأخرة جداً، فالموت لا يعرف صغيراً ولا كبيراً، ولا مقيماً ولا مسافراً، ولا متزوجاً ولا أعذبَ، ولا غنياً ولا فقيراً، فالإنسان إذا ركب مركبة فهناك احتمال أن يحدث حادث ويلقى الله عز وجل، فهو هو مهيأ للقائه؟ أحياناً نسمع أنه قد مات فلان وفلان وزوجته وأولاده وفلان وفلان إثر حادث أليم، هذه نقرؤها كثيراً، ولا يمر أسبوعان أو أكثر إلا ونسمع بسقوط طائرة وموت جميع ركابها، فالإنسان عندما يمتطى هذه المركبات، أو تلك الدواب فهناك احتمال  أن يلقى الله عز وجل وهو على ظهرها، فالمفروض أن يكون الإنسان جاهزاً للقاء الله عز وجل.

 أيها الإخوة بهذه المناسبة أذكركم أنه لا يوجد إنسان أعقل من الذي يستعد دائماً للقاء الله عز وجل، يستعد لهذا اللقاء بالاستقامة، يستعد لهذا اللقاء بالأعمال الصالحة، يستعد لهذا اللقاء بإنفاق المال، يستعد لهذا اللقاء بطلب العلم، يستعد لهذا اللقاء بالتضحية والإيثار، فالإنسان كلما كان عمله أقرب إلى مرضاة الله عز وجل كان شوقه إلى الله أكبر، لقاء الله مُحبّب، لكن الناس من جِبِلَّتهم أنهم يخافون الموت، والحقيقة أن الناس يخافون الموت لا لأنه مخيف ولكن لأن الله يقول:

﴿  وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ(158)﴾ 

[  سورة آل عمران ] 


على الإنسان أن يبني آخرته على حساب دنياه:


 يعني إذا أُلقِي القبض على إنسان وساقوه إلى أمه، فماذا عند أمه؟ لا يوجد شيء، ولما سئل أحد العلماء: لماذا نكره الموت؟ قال لأنكم عمّرتم الدنيا وخرّبتم الآخرة، والإنسان بطبيعته يكره أن ينتقل من العمار إلى الخراب، فالإنسان إذا أصلح دنياه على حساب آخرته فإنه ترتعد فرائصه من الموت، يكره نباتاً معيناً يوضع على القبور، يكره سماع القرآن لأنه صار يُتلى في المناسبات الحزينة، الإنسان إذا عمّر دنياه على حساب آخرته يرتجف قلبه من ذكر الموت، أما إذا بنى آخرته على حساب دنياه يقول: مرحباً بلقاء الله، ولو رأيت الصالحين في ساعات احتضارهم لرأيت العجب العجاب، لرأيت أن هذا الإنسان في أسعد لحظات حياته حينما يلقى ربه.


دعاء السفر:


 الإنسان إذا ركب هذه المركبات فليتلُ قوله تعالى: ﴿سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين﴾ فما قولكم الآن ببعض بلاد العالم الإسلامي يركبون الطائرات ويشربون الخمور على متنها، أنت تحت رحمة الله عز وجل، فغلط بسيط يؤدي إلى سقوط الطائرة وموت جميع ركابها، أنت على متن الطائرة تشرب الخمر أيعقل هذا! أتُقترَف المعصية في الأرض وفي البحر وفي الجو؟

﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ(41)﴾ 

[ سورة الروم ] 

 أيعقل هذا أن يتم أثناء الانتقال من بلد إسلامي إلى بلد إسلامي، والشركة مسجلة في أحد هذين البلدين والخمر يُدار على ركاب الطائرة وكأنه شيء عادي جداً، سبحان الله أيعقل أن يكون هذا! قال تعالى: ﴿وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ﴾.


على العاقل أن يتهيأ للقاء الله بطلب العلم والعمل الصالح:


  الإنسان لا ينجو من هذه الساعة الأليمة إلا إذا كان مستعداً لها، والاستعداد لها بطاعة الله، والعاقل هو الذي يتهيأ للقاء الله دائماً، ولو كان شاباً، يتهيأ لهذا اللقاء بضبط تحرير دخله، وضبط بيته، وضبط جوارحه، وطلب العلم، والعمل الصالح.

﴿  وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ الْإِنسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ(15)﴾ 

[ سورة الزخرف ] 


الله عز وجل خلق كل حيوان مهيئاً لبيئته الخاصة:


 الآن دخلنا في موضوع الشرك، لقد خلق الله عز وجل الإنسان في أحسن تقويم، وهيّأ له هذه الأرض التي جعلها مهْداً له، وجعل له أسباباً لكسب الرزق، وأنزل له الماء من السماء ليكون قِوام رزقه، جعل له نظام الزوجية، وجعله يتنقل على مخلوقات أعدها له خصيصى.

 فالجمل مثلاً أيها الإخوة بإمكانه أن يعيش ثلاثة أشهر من دون ماء وهو في عرض الصحراء، يقول العلماء: إن الجمل يستطيع أن يأخذ الماء من خلاياه، وليس في الأرض الآن وسيلة نقل في الصحراء إلا الجمل، في أرقى الدول الجمل أداة أساسية للتنقل في الصحراء، هذا من خلق الله عز وجل، الجمل له عين تريه البعيد قريباً والصغير كبيراً، وللجمل رموش تقي عينيه إذا ثار الغبار في الصحراء، والله عز وجل قال:

﴿  أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ(17)﴾ 

[  سورة الغاشية ] 

 يعني رقبة الجمل، سنام الجمل، والسفينات على بطن الجمل وعلى قوائمه الأمامية والخلفية من آيات الله الدالة على عظمته وعظمة خلقه، وإن جِلسة الجمل النظامية آية من آيات الله الدالة على عظمته، فالإنسان إذا نظر إلى كيفية خلق الجمل يأخذه العجب العُجاب، كل حيوان مهيأ لبيئته الخاصة. 


الشرك أن تتخذ مخلوقاً نداً لله وتجعله إلهاً:


  ومع ذلك رغم أنه جعل الأرض مهداً للإنسان، وأن المعايش قد خلقها الله عز وجل، ورزقه هذا الرزق السماوي، وجعل له زوجاً من طبيعته ومن شاكلته، وهيّأ له ما ينتقل به من مكان إلى مكان، ومع ذلك جعلوا له من عباده جزءاً، فأشركوا معه شركاء، والشرك أن تتخذ مخلوقاً نداً لله وتعطيه ودّك وطاعتك وحبك وتجعله إلهاً، هذا هو الشرك، لذلك قال الله تعالى:

﴿ وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ ۖ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13)﴾ 

[  سورة لقمان ] 

 المشرك كأنما هوى من السماء إلى الأرض، قال تعالى:

﴿  إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (116)﴾ 

[ سورة النساء ] 

 وقال تعالى:

﴿  إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَىٰ إِثْمًا عَظِيمًا (48)﴾ 

[  سورة النساء ] 

 وقال: 

﴿  وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ الْإِنسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ(15) أَمْ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُمْ بِالْبَنِينَ (16)﴾ 

[ سورة الزخرف ] 


الكراهية للبنات هي نظرة جاهلية:


  قالوا: الملائكة بنات الله، وهو يحبون الذكور أيعقل هذا!

﴿  وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ(17)﴾ 

[ سورة الزخرف ] 

 يعني هذه الكراهية للبنات نظرة جاهلية رعناء، النبي عليه الصلاة والسلام حينما ولدت فاطمة الزهراء أمسكها وتشممها وضمها، والنبي عليه الصلاة والسلام علمنا أنه: 

((  من كن له ثلاث بنات فعالهن وآواهن وكفهن، وجبت له الجنة. قلنا: وبنتين؟ قال: وبنتين قلنا: وواحدة؟ قال: وواحدة. )) 

[  رواه الطبراني عن أبي هريرة بسند ضعيف ] 

 ذلك أن البنات سبب في دخول آبائهن الجنة، والإنسان كلما ارتقى إيمانه يحتفل بالبنات أكثر وأكثر، ولا يعبأ بهذه التفرقة غير العادلة بين الذكور والإناث. 


نوع الجنين يحدده الرجل:


  الله عز وجل قال حينما تحدث عن امرأة عمران:

﴿ فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَىٰ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنثَىٰ ۖ وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ(36)﴾ 

[  سورة آل عمران  ] 

 ولكن هذه الأنثى أنجبت السيد المسيح وهو نبي عظيم، إذاً النظرة إلى البنات بشكل غير عادل نظرة جاهلية لا تليق بالمؤمن، وكل إنسان يكره امرأته لأنها أنجبت البنات فهو جاهل جهلاً مطبقاً، لأنه ثبت بالعلم أن نوع الجنين لا تحدده بويضة الأنثى بل يحدده حُوين الرجل:

﴿  وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى(45) مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى(46)﴾ 

[  سورة النجم ] 

 فالذكر والأنثى لا علاقة لهما بالبويضة بل علاقتهما بالحوين ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ﴾ .

والحمد لله رب العالمين.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور