وضع داكن
28-03-2024
Logo
ندوة : البلاء والابتلاء وأنواعه.
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

المذيع:
  هذا السر الذي ينبغي أن نشيعه بين شبابنا اليوم أستاذنا الفاضل، لأننا في بعض الأحيان نجد أن هذا التيهان الذي تعيش به الأمة كأنها لم توجه إلى الجهة الصحيحة، كأنها تستقي من جهات أخرى، نريد أن نركز على هذا.

قيمة المنهج تفوق قيمة الإنسان :

الدكتور راتب :
 سيدي لو فرضنا أن إنساناً اشترى آلة غالية جداً بالملايين، ونفعها كبير، كأن تكون فرضاً مخبراً لتحليل الدم، بكبسة زر يحصل على اثني عشر تحليلاً، عندك مئة زبون فرضاً رقم فلكي، هذه الآلة عظيمة النفع، غالية الثمن، معقدة التركيب، أهم شيء بهذه الآلة تعليمات الصانع، لو أن فرضاً شركة لخطأ ما لم ترسل لشاري هذه الآلة التعليمات، إن استخدمها من دون كاتالوج يتلفها، وإن خاف عليها جمد ثمنها، أليست التعليمات أهم من الآلة؟ ما الدليل؟ قال تعالى:

﴿ الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ﴾

[ سورة الرحمن: 1-4]

 أيعقل أن يعلم قبل أن يخلق؟ قال: لا، هذا الترتيب ليس ترتيباً زمنياً بل ترتيباً رتبياً، لا معنى لوجود الإنسان من دون منهج يسير عليه، فقيمة المنهج تفوق قيمة الإنسان، لأنه من دون منهج سوف يرتكب الأخطاء، يتبع شهواته، هذا واقع العالم الغربي يتبع شهواته.
المذيع:
 وكلما مارس الشهوات يبتعد عن نداء العقل الذي كبح الإنسان، وأعجبني أنكم تحدثتم في بعض الأحيان عن القوة التي ترفع، والقوة التي تدفع، والقوة التي تكبح، كل هذه من الأسرار التي أودعها الله في القرآن الكريم.

 

طرق هداية الله للبشر :

الدكتور راتب :
 الله عز وجل بالتعبير المعاصر له قوانين، القانون علاقة بين متغيرين، مقطوع بها، تطابق الواقع، عليها دليل، لو ألغيت الدليل من القانون صار تقليداً، لو ألغيت الواقع صار جهلاً، لو ألغيت القطع صار شكاً أو وهماً أو ظناً، التعريف الدقيق للعلم: علاقة مقطوع بها بين متغيرين، تطابق الواقع، عليها دليل. يقابل القانون بالإسلام السنن، قال تعالى:

﴿ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً ﴾

[سورة الأحزاب: 62]

﴿ وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلاً ﴾

[سورة فاطر: 43]

 هذه السنة قانون، أنا لعله اجتهاد هناك قوانين الهداية الدفع، وقوانين الردع، الهداية الهدى البياني، أنت مرتاح في بيتك، أمامك زوجتك وأولادك، لا يوجد عندك مشكلة صحية ولا اجتماعية ولا مالية، أنت بحالة رائعة جداً، الموقف الكامل مع الله في هذه الحالة أن تتصل به، وأن تستجيب لأمره، قال تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكم ﴾

[ سورة الأنفال : 24 ]

 فالهدى البياني شرح، معلومة، خطبة، كتاب، تفسير، ندوة إسلامية، لقاء ديني، هذا الموقف اسمه الهدى البياني، أنا موقفي الكامل الاستجابة، قال تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكم ﴾

[ سورة الأنفال : 24 ]

 ما استجاب يخضع لحالة ثانية تماماً كأن يقول طبيب الهضمية لإنسان معه التهاب معدة حاد: يجب أن تخضع لحمية قاسية ستة أشهر على الحليب فقط تشفى شفاء تام، وإلا لا بد من عمل جراحي، فعندما لم يستفد من الهدى البياني و لم يستقم، الآن الموضوع الثاني صار المعالجة المادية تدخل الجراحة، قال تعالى:

﴿ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾

[ سورة السجدة : 21]

 أول شيء هدى بياني استجابة، ما استجبنا لا سمح الله يأتي التأديب التربوي، تبنا، إذا لم نتب الثالثة الإكرام الاستدراجي، قد تفتح الدنيا تأتي بشكل غريب، أنا اجتهادي الشخصي الناجون بالتأديب التربوي ثمانون بالمئة، أما الناجون بالإكرام الاستدراجي فعشرة بالمئة، فإذا لم يستجب ولم يتأدب ولم يشكر بقي القصم، هذه قوانين الدفع إلى الله، كالمحرك في السيارة، دفع، هدى بياني، تأديب تربوي، إكرام استدراجي، ثم القصم.

 

أنواع المصائب :

 الآن لو صار هناك ردع من الله بالمصيبة، مصائب الأنبياء مصائب كشف فقط، عنده كمال كبير جداً لا يبدو إلا بحالة المصيبة، النبي صلى الله عليه وسلم ذهب للطائف مشياً على قدميه مسافة تقدر بثمانين كيلو متراً، دعاهم إلى هذا الدين العظيم، كذبوه، سخروا منه، ضربوه بالحجارة، جاء ملك الجبال وقال له:

(( إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمْ الْأَخْشَبَيْنِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا ))

[ متفق عليه عن عائشة]

المذيع:
 أشدّ الناس بلاء الأنبياء ثم الصالحون ثم الأمثل فالأمثل.
الدكتور راتب :
 سيدي البلاء هو الامتحان، معناه حيادي، أنا قد أمتحن بالمال وأنجح، وقد امتحن بالفقر ولا أنجح، والمؤمنون دفع ورفع، أي هناك تقصير بالعبادات، بإتقان الصلوات، تقصير بغض البصر، يلوح له شبح مصيبة، يتوب إلى الله، يحسن علاقته مع الله، يصلي قيام الليل، يقرأ قرآناً، يغض بصره تماماً، هذه سنن الدفع إلى الله، وأحياناً يكون بعيداً عن الله بعداً كبيراً جداً يأتي القصم مباشرة، عندنا سنن الدفع، والردع المصيبة، الآن للمؤمنين المصيبة دفع ورفع.
المذيع:
 بنفس الوقت.
الدكتور راتب :
 لا، الدفع استطاع أن يقنع إنساناً بالإسلام لماذا قبلت بشخص واحد؟ الثالثة القصم، ما استفاد إطلاقاً، أنا أعرف كل أخ مؤمن يعرف أين موقعه من هذه بالدفع والرفع، المصائب للأنبياء كشف، للمؤمنين دفع ورفع، لغير المؤمنين ردع وقصم.
المذيع:
 دكتور ألا ترى أن في بعض الأحيان الإنسان لا يجد الشيفرة لهذا البلاء الذي يتحدث عنه سيدنا علي لو كشف لي الغيب لاخترت الواقع.

 

تعلق إرادة الله بالحكمة المطلقة :

الدكتور راتب :
 أنا أعتقد يقيناً أن الله عز وجل لا شيء يقع في الكون إلا إذا سمح به، كل شيء وقع أراده الله، أي سمح به، لم يأمر به ولم يرضه، لكن سمح به، مثلاً أب طبيب تزوج، ولم ينجب إلا بعد عشر سنوات، أنجب طفلاً آية في الجمال، تعلق به تعلقاً مذهلاً، ثم اكتشف الطبيب الأب أن ابنه الذي يموت في محبته يعاني من التهاب الزائدة، الأب بنفسه يسمح بتخديره، وشق بطنه، واستئصال الزائدة، فكل شيء وقع أراده الله بمعنى سمح به، لم يأمر ولم يرض، وكل شيء أراده الله وقع، وإرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة، والحكمة المطلقة متعلقة بالخير المطلق.
 أخي الكريم بارك الله بكم على هذه الأسئلة، لا يوجد بالكون شر مطلق، لأن هذا يتناقض مع وجود الله، الشر للشر، أما الشر فموظف للخير، قال تعالى:

﴿ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾

[ سورة السجدة : 21]

المذيع:
 أستاذنا يوجد تعبير قوله تعالى:

﴿ فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ ﴾

[سورة الفجر: 13]

 هو سوط وليس أسواط، حتى في التأديب سبقت رحمة الله غضبه؟

 

أكبر إنجاز للإنسان أن يصل للدار الآخرة نقياً :

الدكتور راتب :

 هذا أكبر إنجاز للإنسان أن يصل للدار الآخرة نقياً، لذلك أهل النار والعياذ بالله حينما يرون مكانهم في النار يقولون: لم نر خيراً قط، وأهل الجنة حينما يرون مقامهم في الجنة يقولون: لم نر شراً قط، لذلك الآية تقول قال تعالى:

﴿ وآخِرُ دَعْوَاهُمْ أنِ الحَمْدُ لِلَّه رَبّ العالَمِينَ ﴾

[ سورة يونس : 10 ]

المذيع:
 أستاذنا كدعوة ربما للباحثين والأئمة والدعاة دعني أقول: كل من يشتغل بالتعريف بالله عز وجل، والعمل لاستجابة الناس لهذا الوحي يحتاج لمثل هذا الخطاب، لأنه أحياناً المخاطب يحتاج إلى هذه الروح وهذه القوة وهذا العيش مع الله، لأن خطابه يصل متلقيه ولكنه بارد ولا يحيي الناس أصلاً.

 

ضرورة التخلق بأخلاق الله عز وجل :

الدكتور راتب :
 هناك أثر قدسي:" تخلقوا بأخلاق الله" الله له أخلاق، رحيم، حليم، فالإنسان لا ينجح مع الآخرين إلا إذا اقتدى بأخلاق الله، تخلقوا بأخلاق الله.
المذيع:
 ومن التخلق بأخلاق الله أن يكون الإنسان مشفقاً على هذه الأمة، لأن بعض الناس يقضي على الأمة ولا يدعوها مع الأسف، هناك خطاب يجعلنا نتمسك بالنص دون فهم الروح والمقصد والمآل؟

 

قانون الالتفاف و الانفضاض :

الدكتور راتب :
 من هو الإنسان المعصوم الأول في الكون؟ النبي صلى الله عليه وسلم، كأنه قال له: أنتَ أنت يا محمد، على عظم مكانتك:

﴿ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾

[ سورة آل عمران: 159 ]

 أقول لكم هذا القانون أنا أسميه: قانون الالتفاف والانفضاض، إنسان يتصل بالله يمتلئ قلبه رحمة، تنعكس الرحمة ليناً، إن كان أباً أو أماً أو معلماً أو رئيس دائرة، تنعكس رحمته الذي اشتقها من الله ليناً، فإذا كان ليناً مع من حوله يلتفون حوله، فإن كان مقطوعاً عن الله يمتلئ القلب قسوة، فتنعكس القسوة غلظة، فينفض الناس من حوله، الآية تقول:

﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾

[ سورة آل عمران : 159 ]

 هذه الباء باء السبب، أي يا محمد بسبب رحمة استقرت في قلبك من خلال اتصالك بنا كنت ليناً معهم، فلما كنت ليناً معهم التفوا حولك، ولو كنت منقطعاً عنا، يمتلئ القلب قسوة، وهذه القسوة تنعكس على الناس غلظة وفظاظة، ينفضون من حولك، هذه الآية يحتاجها الأب والأم والمعلم وأي منصب قيادي، من خفير لأمير.
المذيع:
 أستاذنا في ختام هذا المجلس جلست إليكم في جلسات خاصة مع بعض الأحبة والأخوان وحدثتنا عن أن العالم الذي تلقى الوحي في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كان عالماً المثل والمبادئ والآن صار ...

 

العصور ثلاثة ؛ مبادئ و أشخاص و أشياء :

الدكتور راتب :

(( إن الله تبارك وتعالى اختارني واختار لي أصحابا ))

[ الحاكم عن عويم بن ساعدة ]

 أعظم تكريم للنبي أن الله اختار له أصحاباً قريبين منه كثيراً، أقول لك كلمة دقيقة: إذا كان حول الإنسان أخوة كرام على تقدير لدعوتهم وتمثل لها يسعد بهم، لأن هناك تفاهماً، وإذا وجد نفسه مع أناس بعيدين جداً يشقى بهم، أنا أقول: من إكرام الله لنبيه أن جعل لهم أصحاباً على مستوى عال جداً.
المذيع:
 ثم انتقل هذا العالم الذي فيه مبادئ وحفظ كما تفضلتم بذكره إلى عالم الأشخاص...
الدكتور راتب :
 صلاح الدين الأيوبي، قال له أخوه: لو أبرزت كرديتك، فقال له: والله لولا أنك أخي لقتلتك، أنا مسلم ولا أزيد على إسلامي شيئاً.
المذيع:

أبي الإسلام لا أب لي سواه  إذا افتخروا بقيسٍ أو تميمِ
***

الدكتور راتب :
 نحن الآن بعصر الأشياء، و كان هناك عصر مبادئ، وعصر أشخاص، أما عصر الأشياء فيستمد مكانته من سيارته، أو من مساحة بيته، أو من دخله، أو من أناقة ثيابه.
المذيع:

إذا قلَّ مالي فما خِلٌّ يصاحبنـي  وفي الزِّيادة كلُّ النـاس خلاَّني
***

خاتمة و توديع :

 فضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي الذي نحبك ونجلك وندعو الله لكم بالصحة والعافية ونشكر لكم إجابة دعوتنا، جزاك الله خيراً وهذا شرف لنا، واستجابتك كذلك لدعوة الوزارة والجزائريين وهم على قدر كبير..
الدكتور راتب :
 أشكر الوزارة مرة ثانية على دعوتها الكريمة التي أتاحت لي أن أجلس مع من أحب والله.
المذيع:
 بارك الله بك، وأسأل الله عز وجل أن يبارك في جهدكم، وأن يعطيكم الصحة والعافية حتى تبلغوا ما أنتم بصدد بلاغه.
 أما أنتم أعزائي المشاهدين فلم يبق لي في ختام هذا المجلس الكريم إلا أن أودعكم على أمل اللقاء بكم في فرصة أخرى، أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور