وضع داكن
29-03-2024
Logo
مختلفة - المغرب : 7 - الدار البيضاء - جمعية الرعاية للأعمال الاجتماعية والثقافية - الحياة المطمئنة والطيبة.
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد، وعلى آله وأصحابه الطيّبين الطاهرين، أمناء دعوته، وقادة ألوِيَتِه، وارضَ عنّا وعنهم يا ربّ العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وُحول الشهوات إلى جنّات القربات.

شروط العمل الصالح :

 أيها الأخوة الكرام والأعزاء والأحباب؛ أشكر لكم هذه الدعوة الكريمة التي إن دلت على شيء فعلى تعلق أهل هذا البلد الطيب بالعلم والعلماء، وهذا وسام شرف لهذا البلد، الشيء الآخر أتمنى أن تجدوا ما كنتم تتوقعون، وإلا فحسبكم الله ونعم الوكيل.
 الموضوع الذي أجبرت عليه الحياة الطيبة، قال تعالى:

﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ﴾

[ سورة النحل: 97 ]

 هذا وعد خالق الأكوان، هذا وعد الله رب العالمين، هذا وعد من بيده كل شيء، زوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين، سنن ثابتة، فحينما يرى الإنسان أن شيئاً مما قرأه في القرآن الكريم لا يتحقق فليتهم نفسه وحدها، في الحديث القدسي:

((...فمن وَجَدَ خيراً فليَحْمَدِ الله ومن وجد غير ذلك فلا يَلُومَنَّ إلا نَفْسَهُ ))

[مسلم والترمذي عن أبي ذر الغفاري]

 لذلك:

﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحاً﴾

  العمل الصالح الذي يصلح للعرض على الله، عمل فيه نفاق، عمل فيه كذب، عمل فيه تظاهر، عمل فيه تضخيم للذات، عمل فيه تقليل من شأن الآخرين، هذه أعمال لا ترضي الله، العمل الصالح هو العمل الذي يصلح للعرض على الله.
 شيء آخر قال تعالى:

﴿ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ ﴾

[سورة النمل: 19 ]

 ما العمل الذي يرضاه الله؟ قال: العمل الصالح الذي يرضاه الله عز وجل ما كان خالصاً وصواباً؛ خالصاً ما ابتغي به وجه الله، وصواباً ما وافق السنة. قد يكون العمل مبدئياً إرضاءً لله، لكنه مخالف للسنة، يانصيب خيري، دخلنا في المتاهات، العمل لا يقبل إلا إذا كان خالصاً وصواباً، خالصاً ما ابتغي به وجه الله، وصواباً ما وافق السنة، لذلك قال تعالى:

﴿ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ ﴾

[سورة النمل : 19 ]

مساواة المرأة للرجل في التشريف و التكليف و المسؤولية :

﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى ﴾

[ سورة النحل: 97 ]

 النساء مساويات للرجال في التكليف، وفي التشريف، وفي المسؤولية، لكن حينما قال الله عز وجل:

﴿ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى ﴾

[سورة آل عمران: 36]

 له جواب آخر؛ خصائص الرجل الفكرية والنفسية والاجتماعية والجسمية كمال مطلق للمهمة التي أنيطت به، وخصائص المرأة الفكرية والنفسية والاجتماعية والجسمية كمال مطلق للمهمة التي أنيطت بها، درست في الجامعة في التربية الفروق بين الذكور والإناث، المرجع الأول فرنسي، مؤلفه عالم كبير بياجيه وهو فرنسي الأصل، خصائص المرأة من كل النواحي كمال مطلق للمهمة التي أنيطت بها، وخصائص الرجل من كل النواحي كمال مطلق للمهمة التي أنيطت به، وهذا البحث الطويل الموثق العلمي ينقصه العنوان التالي:

﴿ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى ﴾

[سورة آل عمران: 36]

 اختصاص، للتقريب أنت بحاجة إلى نقل خمسين راكباً من مكان إلى مكان، أنت بحاجة إلى بولمان، في حالة ثانية أنت بحاجة إلى نقل خمسة طن من الخشب، بحاجة إلى شاحنة، أيهما أفضل البولمان أم الشاحنة؟ هذا كلام غلط، لنقل البضاعة الشاحنة، لنقل الأشخاص البولمان، إذاً خصائص الرجل الفكرية والنفسية والاجتماعية والجسمية كمال مطلق للمهمة التي أنيطت به، قال تعالى:

﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ ﴾

[ سورة النحل: 97 ]

 أحياناً الإنسان يعمل عملاً صالحاً ذكاءً ليستقطب الناس، ليدعوهم إلى تأييده، في الانتخابات مثلاً شخص رشح نفسه، كتب: انتخبوا فلاناً فهو خير من يمثلكم، فلما نجح كتب: فلان خير من يُمثّلُ عليكم، فلما صار وزيراً قال: فلان خير من يُمَثِّل بكم، فلذلك العبرة في النتائج لا في المقدمات، قال تعالى:

﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ ﴾

[ سورة النحل: 97 ]

 المنطلق إيمانك لا مصلحة، ولا تكبير حجم، ولا هيمنة، ولا سيطرة، قال تعالى:

﴿ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ﴾

[ سورة النحل: 97 ]

من أخلّ بما كلف به من عبادة فالله في حلّ من وعوده :

 مرة ثانية أيها الأخوة الكرام؛ زوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين، وعود الله مستمرة، إله الصحابة إلهنا، قال تعالى:

﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ ﴾

[ سورة النور: 55 ]

 إن لم نكن مستخلفين فالمشكلة مع أنفسنا، قال تعالى:

﴿ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ ﴾

[ سورة النور: 55 ]

 إن لم نكن ممكنين فالمشكلة مع أنفسنا، قال تعالى:

﴿ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً ﴾

[ سورة النور: 55 ]

 إن لم نكن آمنين فالمشكلة عندنا، آخر كلمة بالآية:

﴿ يَعْبُدُونَنِي ﴾

[ سورة النور: 55 ]

 إذا أخلّ الطرف الثاني بما كلف به من عبادة فالله جلّ جلاله في حلّ من وعوده الثلاثة.
 لذلك كلما رأيت وعوداً لله عز وجل في القرآن الكريم ليست محققة البطولة أن تتهم نفسك.

عظمة هذا الدين أنه دين فردي و جماعي :

 الآن أنا أتكلم كلمتين؛ الأولى للأفراد، والثانية للمجتمعات، أما الأولى فقد قال تعالى:

﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ ﴾

[ سورة النساء : 147]

 هذا الكون مسخر لنا تسخير تعريف، وتسخير تكريم معاً، موقف الإنسان الفرد من تسخير التكريم أن يشكر، فإذا آمن وشكر كفرد حقق الهدف من وجوده، وعندئذ تتوقف جميع المعالجات الإلهية، فزوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده، أنا أخاطب الأفراد، كفرد لوحدك، بالمناسبة عظمة هذا الدين أنه دين فردي، ودين جماعي، إن طبقه الفرد وحده من بين سبعة مليارات مليون يقطف ثماره الفردية، وإن طبقته الأمة تقطف ثماره الجماعية، قال تعالى:

﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾

[ سورة الأنفال : 33 ]

 أي يا محمد مادمت سنتك قائمة في حياتهم فهم في مأمن من عذاب الله، كفرد الإيمان والشكر، كمجموع تطبيق منهج رسول الله.

 

الحياة الطيبة بالمقياس الإلهي :

 أيها الأخوة الكرام؛ الحياة الطيبة بمقياس من؟ بالمقياس الإلهي، أكبر رجل يملك أكبر مبالغ في العالم في بريطانيا دخل إلى غرفة أمواله، لا يوجد عنده صندوق، عنده غرفة بكاملها، أغلق الباب صدفة، ما ترك طريقة و لم يسمعه أحد، جرح يده وكتب: أغنى رجل في العالم يموت جائعاً، الله كبير، إياك أن تعتد بشيء، اعتد بالله عز وجل، مع أن الصحابة الكرام نخبة البشر في بدر افتقروا فانتصروا، وفي حنين اعتدوا بعددهم:

(( لن نغلب من قلة ))

[أبو داود والترمذي والحاكم عن ابن عباس ]

 فلم ينتصروا، قال بعض كتاب السيرة: لو أنهم انتصروا في أحد لسقطت طاعة رسول الله، ولو أنهم انتصروا في حنين لسقط التوحيد، فأنت أمام إله عظيم، تعامل معه بقوانين، يوجد كتاب متواضع اسمه: قوانين القرآن، هذا الكتاب طابعه القانوني بمعنى القانون، علاقة مقطوع بها بين متغيرين تطابق الواقع عليها دليل، إن ألغينا الدليل صار تقليداً، إن ألغينا الواقع صار جهلاً، إن ألغينا القطع أصبحت شكاً، أو وهماً، أو ظناً، أو غلبة ظن.
 أيها الأخوة الكرام؛

﴿ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ﴾

[ سورة النحل: 97 ]

 بالمقياس الإلهي، مسؤول كبير رئيس دولة سأل وزيره: من الملك؟ قال له: هو رجل له بيت يؤويه، ورزق يكفيه، وزوجة ترضيه، إنه إن عرفنا جهل في استرضائنا، وإن عرفناه جهدنا في إذلاله.

 

العبادة علة وجودنا في الدنيا :

 أيها الأخوة الكرام؛ حينما نعرف علة وجودنا في الدنيا نتحرك بحكمة بالغة، أرسلت ابنك إلى باريس لينال الدكتوراه، هذا الابن توقف وقال: إلى أين أذهب؟ نقول: عجباً منك أنت لماذا جئت إلى هنا؟ إن أتيت طالب علم فاذهب إلى السوربون، وإن جئت سائحاً فاذهب إلى برج إيفل، وإن جئت تاجراً فاذهب إلى الأسواق، فأنت كائن متحرك، ما الذي يحركك؟ الحاجة للطعام والشراب، وأنت كائن متحرك بعد الطعام والشراب والأكل والشبع تريد شريك حياة أيضاً، يحركك البحث عن زوجة، ويحرك الفتاة انتظار شاب يخطبها، أكل وشرب وتزوج وأنجب، انتهت حاجاته؟ لا، يوجد حاجة ثالثة وهي أخطر حاجة سماها علماء النفس: تأكيد الذات، أنت بحاجة إلى أن يشار إليك بالبنان، هذا أول طبيب، هذا طبيب جراح، قلب، معه بورد، هذا مهندس كبير.
 وهذه الثلاثة محققة في الدين، لذلك سئل أحدهم: من السعيد؟ أو سئل: من أسعدُ الناس؟ فأجاب من أسعدَ الناس. إن أسعدت الناس فأنت أسعدهم.

 

الناس على اختلاف مللهم و نحلهم ثلاثة أصناف :

 لذلك هؤلاء البشر على اختلاف مللهم، ونحلهم، وانتماءاتهم، وأعراقهم، وأنسابهم، وضعهم ربنا في حقلين اثنين، قال تعالى:

﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ﴾

[سورة الليل5-6]

 أي هذا الذي آمن بالجنة، بناءً على هذا التصديق اتقى أن يعصي الله، وبنى حياته على العطاء، من علمه، من ماله، من جاهه، من قوته، من فكره، قال تعالى:

﴿وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى﴾

[سورة الليل8-9]

 كذب بالجنة فاستغنى عن طاعة الله، بنى حياته على الأخذ، ما الذي يسعدك أن تعطي أم أن تأخذ؟ الأنبياء ملكوا القلوب، والأقوياء ملكوا الرقاب، الأقوياء أخذوا ولم يعطوا، الأقوياء عاش الناس لهم، الأنبياء عاشوا للناس، الأقوياء يمدحون في حضرتهم، والأنبياء يمدحون في غيبتهم، كل البشر تبع لقوي أو نبي، بطولتك أن تكون من أتباع الأنبياء.

 

أنواع اليقين :

 أيها الأخوة الكرام؛ يوجد ملمح بآية دقيقة جداً:

﴿ كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ ﴾

[ سورة التكاثر:5 ]

 العلماء قالوا: هناك يقين حسي، ويقين عقلي، ويقين إخباري، شيء ظهرت عينه وآثاره، كهذه الطاولة، أدوات اليقين به الحواس الخمس واستطالاتها، الميكروسكوب استطالة لحس البصر، والتليسكوب استطالة، أما اليقين العقلي فغابت عينه وبقيت آثاره، يا ترى هل نرى نحن الكهرباء؟ لا نراها، نرى آثارها، نرى تكبير الصوت، نرى دوران المروحة، نرى تألق المصابيح، الذي غابت عينه وبقيت آثاره أداة اليقين به العقل، شيء غابت عينه عنا بقيت آثاره، الكون كله من آثار الله عز وجل، الكون كله ينطق بوجود الله، ووحدانيته، وكماله، فلذلك قال تعالى:

﴿ كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ ﴾

[ سورة التكاثر:5 ]

 يقين حسي لشيء ظهرت عينه وآثاره، و يقين عقلي لشيء غابت عينه وبقيت آثاره، ويقين إخباري لشيء غابت عينه وأخباره، من أخبرنا به؟ الله، لذلك اليقين الإخباري قيمته بالمخبر.
 يوجد سؤال دقيق؛ لماذا قال الله عز وجل:

﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ ﴾

[ سورة الفيل: 1]

 والله نحن ما شاهدنا شيئاً، ولا أنا، كيف قال تعالى ألم تر؟ قال: إخبار الله لك يجب أن تأخذه وكأنك تراه.

 

تعريف الإنسان :

 أيها الأخوة الكرام؛ الآن الإنسان من هو؟ هو نفس هي ذاتك، هي أنت، هي المؤمنة، هي الكافرة، هي المتقية، هي المتفلتة، هي الحافظة، هي الناسية، ذات الإنسان أنت نفسك، قال تعالى:

﴿ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾

[ سورة آل عمران:154 ]

 وجسم هو وعاؤك، ثياب ترتديها، وقوة محركة كهربائية، الروح هي القوة، والجسم الوعاء، وذات النفس أنت، أنت ذاتك هي النفس، قال تعالى:

﴿ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾

[ سورة آل عمران:154 ]

﴿ يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً ﴾

[ سورة الفجر : 27-28]

 إذاً النفس والجسم وعاء والروح قوة محركة، تقريباً مسجلة ذات لون أحمر، مصنوعة من البلاستيك، وفيها راديو، حينما سحبت المأخذ الكهربائي من المأخذ الأصلي لم يعد هناك صوت، ما الذي فقدناه؟ الروح، القوة المحركة، الجسم موجود، لو ميت مات على الميزان لا ينقص غراماً واحداً، القوة الإلهية توقفت، لذلك هذا المصباح إما أن تكسره بمطرقة عطلت فيه قوة الاستقبال هذا هو القتل، وإما أن تنقطع عنه الكهرباء.
 يوجد شيء آخر؛ هذا العقل غذاؤه العلم، وهذا القلب غذاؤه الحب، وهذا الجسم غذاؤه الطعام والشراب، ما لم تغذ عقلك بالعلم، وقلبك بالحب، وجسمك بالطعام والشراب تتطرف، أما إذا غذيت العقل بالعلم، والقلب بالحب، والجسم بالطعام والشراب، إذا غذيتهما تكون متفوقاً، وإلا هناك تطرف، لنا أستاذ في الجامعة من كبار علماء النفس، قال مرة: الإنسان الذي لا يجد رغبة جامحة إلى أن يحِب أو إلى أن يحَب ليس من بني البشر. أنت عقل يدرك، وقلب يحب، وجسم يتحرك.

 

عبادة الهوية :

 الآن ملمح ثاني متعلق بالذكر والأنثى، لأن الآية:

﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى ﴾

[ سورة النحل: 97 ]

 الحقيقة أن كل نوع له مهمة ينجح بها إذا أداها كاملة، المرأة خلقها الله أماً، أن تعبد الله فيما أقامها، كنت أضرب هذا المثل لعله طريف، امرأة تحب الله حباً جماً، قامت الساعة الثانية قيام الليل، وصلت وبكت في الصلاة، وخشع قلبها، وسالت دموعها على الأرض، لكنها في الساعة السادسة تعبت فأوت إلى فراشها، وعندها خمسة أولاد، فطلبت من أولادها أن يتدبروا شأنهم، أحد أولادها ثيابه غير نظيفة فتلقى عقوبة في المدرسة، والثاني لم يكتب وظيفته، والثالث سندويشته ليس فيها كيس نايلون فانتقل الزيت للكتاب فعوقب، الخمسة تعرضوا للعقاب، أنا أقول: هذه المرأة الأم لو استيقظت قبل طلوع الشمس بنصف ساعة، ودفأت الغرفة، واهتمت بأولادها، بثيابهم، بهندامهم، بترجيل شعرهم، بوظائفهم، وضعت الشطائر في أكياس نايلون، هذه المرأة الثانية أقرب إلى الله مليون مرة من التي قامت الليل كله، لأنها عبدت الله فيما أقامها، هذه اسمها عبادة الهوية، ما جعل الله الغني غنياً إلا ليصل بماله إلى أعلى درجات الجنة من خلال إنفاق ماله، عبادته عبادة الهوية إنفاق ماله، وما جعل العالم عالماً إلا ليصل بعلمه إلى أعلى درجات الجنة، الله جعله عالماً لينفق علمه، وما جعل الله القوي قوياً إلا ليصل بقوته إلى أعلى درجات الجنة، إذا كان طريق القوة سالكاً وفق منهج الله ينبغي أن تكون قوياً، لأن خيارات القوي في العمل الصالح لا تعد ولا تحصى، أحياناً القوي بجرة قلم يحق حقاً ويبطل باطلاً، بجرة أخرى يثبت حقاً ويلغي باطلاً، هذه القوة مطلوبة، أما إذا كان طريق القوة على حساب مبادئك وقيمك فالضعف وسام شرف لك.
 أيها الأخوة الكرام؛ للتقريب الله عز وجل ضرب أمثالاً كثيرة في القرآن الكريم، وضرب الأمثال مفيد جداً، الشهوة محرك في السيارة، والعقل هو المقود، والشرع الطريق، فالمركبة تنطلق بقوة المحرك، والمقود يبقيها على الطريق، والطريق هو الشرع، هذه كلها أشياء متكاملة، فنحن بحاجة إلى الحكماء كمقود، وإلى الشباب للاندفاع، الشباب أمل الأمة، الشباب مستقبل الأمة، ما من شيء أحب إلى الله من شاب تائب، انظروا عبدي ترك شهوته من أجلي، لابأس إنسان بالثمانين يتوب إلى الله، لكن لا يوجد به شيء يتحرك، أما هذا الشاب في أول حياته قوي، شديد، عنده الاندفاع، قوي لإرواء شهواته، وضبط نفسه.
 ما من شيء أحب إلى الله من شاب تائب.

 

الحياة الطيبة هي الاتصال بالله عز وجل :

 أيها الأخوة الكرام؛ من الأخير قال تعالى:

﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ﴾

[ سورة النحل: 97 ]

 الحياة الطيبة هي الاتصال بالله، انظر إلى جمال الكون، جبال خضراء، سهول خضراء، بحار زرقاء، عصافير تزقزق، ورود، رياحين، روائح زكية، أشياء جميلة، كل هذا الجمال شيء طفيف من جمال الله، فأنت إذا اتصلت بالله اتصلت مع أصل الجمال.

فـلو شاهدت عيناك من حسننــــا  الذي رأوه لما وليت عنــــــــــا لغـيرنـــا
ولو سمعت أذناك حسن خطابنا  خلعت عنك ثياب العجب وجئتنـــــــــــا
ولو ذقت مـن طعم المحبـــة ذرة  عذرت الذي أضحى قتيلاً بحبنـــــــــــا
ولو نسمت من قربنا لك نسمـة  لمــــت غريباً واشتيـــــــــاقاً لقربنـــــــــــا
فما حبنا سهل وكل من ادعـــى  سهولته قلنا له قــــــــــــد جهلتنـــــــــــــا
***

 أيها الأخوة الكرام؛ قال تعالى:

﴿ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾

[سورة الرعد: 28]

 من الأخير لا يمكن أن تسعد إلا بذكر الله، قال تعالى:

﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴾

[ سورة طه: 124 ]

 شخص سأل سؤالاً حشرياً، قال: فما بال الأقوياء والأغنياء؟ أي معيشة ضنك هذه؟ قال: المعيشة الضنك لهؤلاء ضيق القلب، أذكر مرة في استانبول، أول جسر في البوسفور، ثاني أطول جسر في العالم، الأول في سان فرانسيسكو، المهندس الياباني الذي صممه يوم قص الشريط مع رئيس الجمهورية ألقى بنفسه في البوسفور، فذهبوا إلى غرفته في الشيراتون، كتب ورقة: ذقت كل شيءٍ في الحياة فلم أجد لها طعماً، فأردت أن أذوق طعم الموت.
 تجد مؤمناً بسيطاً بمعاش متواضع، بيته صغير عبارة عن ستين متراً، تجده يعيش في جنة، معك رسالة أنت في جنة، مؤمن أنت في جنة، مرة قال لي شخص في جلسة يوجد فيها ثلاثون أو أربعون شخصاً قال: تقول: المؤمن سعيد، لا، ليس سعيداً- يبدو أنه علماني، هذه ألطف كلمة علماني- قلت له: اشرح؟ قال: إذا كان هناك موجة حر يتحملها كأي إنسان، إذا كان هناك موجة غلاء يتحملها، فالله ألهمني مثلاً مضاداً، قلت له: شخص فقير عنده ثمانية أولاد، ودخله لا يكفي ثمن خبز، وبيته بالأجرة، وعليه دعوى إخلاء، ألهمني الله تفاصيل لا تحتمل، هل هناك أشقى منه؟ قال: لا، قلت له: لديه عم يملك خمسمئة مليون دولار، ومات بحادث وليس عنده أولاد، من وريثه الوحيد؟ ابن أخيه الفقير، خلال ثانية من إعلان وفاة عمه ملك هذا الفقير خمسين مليون دولار، ولكن الإجراءات القانونية، وحصر الإرث والروتين، أي قبل سنة لن يقبض شيئاً، لماذا في هذا العام أسعد إنسان؟ لا يأكل لقمة زيادة، دراجة ما اشترى لكنه دخل في الوعد، قال تعالى:

﴿ أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾

[ سورة القصص :61 ]

 أنت حينما تتعرف إلى الله أقسم بالله ولا أبالغ إن لم تقل: ليس على وجه الأرض من هو أسعد مني إلا أن يكون أحد أتقى مني عندك مشكلة بإيمانك، أنت مع من؟ مع الخالق، مع القوي، مع الغني، مع الجميل، كل ما في الأرض من جمال مسحة من جمال الله، لذلك لو يعلم الملوك ما نحن عليه لقاتلونا عليها بالسيوف، في نفس المؤمن من الأمن والله ما لو وزع على أهل بلد لكفاهم، عنده يقين، عنده أمن، عنده سكينة يسعد بها ولو فقد كل شيء، ويشقى بفقدها ولو ملك كل شيء.

 

قانون الالتفاف والانفضاض

 لذلك دققوا الآن هذه الآية لكل أب، لكل أم، لكل معلم، لكل مدرس، لكل أستاذ، لكل مدير عام، إلى أعلى منصب، قال تعالى:

﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ﴾

[ سورة آل عمران : 159 ]

 أي يا محمد بسبب رحمة استقرت في قلبك من خلال اتصالك بنا كنت ليناً معهم، فلما كنت ليناً معهم التفوا حولك وأحبوك، هذه الآية يحتاجها كل أب، وكل معلم، وأي منصب قيادي، قال تعالى:

﴿ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾

[ سورة آل عمران: 159 ]

 أي لو كنت منقطعاً عنا، يمتلئ القلب قسوة، وهذه القسوة تنعكس على الناس غلظة وفظاظة، عندئذ ينفض الناس من حولك، كأن هذه الآية بالضبط قانون الالتفاف والانفضاض، لذلك تخلقوا بأخلاق الله، الله رحيم:

(( إن كنتم تحبون رحمتي فارحموا خلقي ))

[ الديلمي عن أبي بكر]

 الله لطيف، كن لطيفاً مع من حولك، لذلك الآية الدقيقة:

﴿ وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾

[ سورة الأعراف: 180 ]

 هذه الباء باء الاستعانة كأن تقول: أكلت بالملعقة، فادعوه بها، أي تعرف إلى الله أولاً، واستقم على أمره ثانياً، واعمل صالحاً تقرباً إليه ثالثاً، واتصل به رابعاً، عندئذ تتنزل على قلبك الرحمات، وقد تتخلق بأخلاق الله، وقد تشع في قلبك أنوار الله عز وجل، الآن إن دعوت الله بأسمائه هو رحيم أنت رحمت من حولك، هو لطيف كنت لطيفاً مع من حولك، أذكر قصة في جامع عندنا في الشام، هذا الجامع بحيّ تراثيّ سوق ساروجا، اسمه جامع الورد، خطيب هذا المسجد رأى النبي عليه الصلاة والسلام في المنام، وأنا ليس من عادتي أبداً ذكر الأحلام، أو المنامات، لكن سامحوني بهذا المنام الوحيد، قال له النبي في الرؤيا: قل لجارك فلان إنه رفيقي في الجنة، جاره بقال، إنسان بسيط جداً، فهذا الذي يخطب على المنبر، وإمام تأثرَ تأثراً سلبياً جداً، هو شريعة، فقه، أحكام تجويد، علوم قرآن، علوم سنة، وجاره بقال، طرق بابه، قال له: لك عندي بشارة، لن أقولها لك إلا إذا أخبرتني ماذا فعلت مع ربك؟ فامتنع، فبعد إلحاح شديد، وأغراه بالبشارة النبوية فذكر له، قال له: تزوجت إنسانة، بالشهر الخامس من زواجي كان حملها في الشهر التاسع، قال له: بإمكاني أن أسحقها، وأن أفضحها، وأن أطلقها، والشرع معي، وأهلها معي، والمجتمع معي، والقانون معي، لكن أردت أن أعينها على التوبة، جاء لها بمن يولدها، ولدت، وحمل المولود تحت عباءته، وتوجه إلى جامع الورد، وبقي واقفاً أمام الباب حتى نوى الإمام الصلاة، قال: الله أكبر، دخل ووضعه إلى جانب الباب والتحق بالمصلين، فلما انتهت الصلاة بكى هذا الصغير، تحلق المصلون حوله، وتأخر كثيراً حتى ضمن أن كل من في الجامع تحلق حول هذا الصغير، ثم اقترب، قال: ما القصة؟ قال: تعال انظر! جنين مولود لقيط، قال: أنا أكفله، فأخذه أمام أهل الحي على أنه لقيط، ودفعه إلى أمه.
 أيها الأخوة الكرام؛ الإحسان فوق العدل بكثير، أحياناً أنت بإمكانك أن تحسن لإنسان وتنقله إلى البطولة، وأحياناً تعاقبه بالعدل لكن هناك مشكلة.

 

من يتبع شهوته وفق هدى الله لا شيء عليه :


 لذلك أيها الأخوة الكرام؛ هذه الشهوات التي أودعها الله فينا، ممكن أن نمارسها مئة وثمانين درجة، لكن الله سمح لنا بمئة درجة فقط، سوف أقول لكم كلمة دقيقة: ما من شهوة أودعها الله فينا إلا جعل لها قناة نظيفة تسري خلالها، بالإسلام لا يوجد حرمان، والدليل دققوا في الآية دقة بالغة:

﴿ وَمَن أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ ﴾

[سورة القصص: ٥٠]

 عند علماء الأصول المعنى المخالف الذي يتبع شهوته وفق منهج الله لا شيء عليه.
 أخواننا الشباب؛ بالدين لا يوجد حرمان، هناك تصعيد للشهوة، تنظيم لها، فلذلك الإنسان أؤكد لكم يقيناً هذه الشهوة مثل صفيحة البنزين، إذا وضع في المستودع المحكم في السيارة، وسال في الأنابيب المحكمة، وانفجر في الوقت المناسب، والمكان المناسب، ولّد حركة نافعة قد تقلك إلى بلد مجاور في العيد مثلاً، ما الذي يجري في المركبة؟ انفجارات، هذه الصفيحة نفسها إن صبت على المركبة، وأصابتها الشرارة، أحرقت المركبة ومن فيها، إما أن الشهوات قوة دافعة أو قوة مدمرة، وصدقوا ولا أبالغ وأنا أخاطب الشباب، والله استمتاع الشاب بما أحل الله له مليون ضعف عن استمتاع العاصي بشهوة لا ترضي الله، أنت مع الله، أنت ضمن منهجه، ضمن طاعته، لذلك أجمل شيء بالدين معاملة الله لك بعد أن تصطلح معه، أجمل شيء على الإطلاق، لذلك ما أودعها فينا إلا لنرقى بها إلى رب الأرض والسموات، الشهوات قوى دافعة إلى الله.

 

اتباع تعليمات الصانع انطلاقاً من حرص الإنسان على سلامته و سعادته :

 الآن قال تعالى:

﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴾

[ سورة طه: 124 ]

 أقول لكم هذه الكلمة: مستحيل وألف ألف ألف مستحيل أن ترى إنساناً معرضاً عن الله وهو سعيد، مستحيل، فإن له معيشة ضنكاً، أحياناً يكون الضنك ألماً نفسياً، قلقاً، خوفاً، قال تعالى:

﴿ سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا ﴾

[ سورة آل عمران: 151]

 والمؤمن، قال تعالى:

﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ* الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾

[ سورة الأنعام: 81-82 ]

 أيها الأخوة الكرام؛ القضية ليست قضية وردة تتزين بها، هواء تستنشقه، هذا الدين خيار أصلي، خيار رئيس، خيار حتمي، هذا الدين يسعدك لأنه تعليمات الصانع، أنت أعقد آلة في الكون، ولك صانع عظيم، ولهذا الصانع العظيم تعليمات التشغيل والصيانة، فانطلاقاً من حرصك على ذاتك وسلامتك وسعادتك تتبع تعليمات الصانع، هذا الاتباع صون لك ولمستقبلك، والحديث طويل، والدين عظيم جداً.

 

الحكمة أكبر عطاء إلهي للإنسان :

 لكن هذه ومضات قليلة جداً في طريق الحياة الطيبة، الحياة الطيبة حياة فيها اتصال بالله، هو الغني، هو القوي، هو الرحيم، هو الحليم، هو العدل، يدافع عنك، يسعدك في بيتك والله، يسعدك مع أولادك، يعينك على تربيتهم، لك علاقات اجتماعية طيبة، لك مكانة اجتماعيةن عندك قرار حكيم، رؤية ثاقبة، عندك حكمة، الحكمة أكبر عطاء إلهي، بالحكمة تسعد بزوجة من الدرجة العاشرة، ومن دون حكمة تشقى بزوجة من الدرجة الأولى، بالحكمة تتدبر أمرك بالمال القليل، ومن دون حكمة تتلف المال الكثير، بالحكمة تجعل العدو صديقاً، ومن دون حكمة تجعل الصديق عدواً، المسافة كبيرة جداً، قال تعالى:

﴿ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيراً ﴾

[ سورة البقرة: 269 ]

 لا يوجد ومن يكن حكيماً، ولا يوجد من يأخذ الحكمة، إنها تؤتى ولا تأخذ، أكبر هدية من الله الحكمة والسكينة، والسكينة تسعد بها ولو فقدت كل شيء، وتشقى بفقدها ولو ملكت كل شيء، لعلي أطلت عليكم سامحوني، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 جزاك الله خيراً وبارك فيك شيخنا الفاضل، الآن ننتقل إلى الأسئلة إن شاء الله تعالى.

 

الأسئلة و الأجوبة :

 السؤال الأول: يطول بنا الأمل ونحن في الدنيا ونغفل عن نهاية الرحلة بماذا سنلقى الله فكيف نكافح تلك الغفلة؟

كيفية مكافحة الغفلة :

الدكتور راتب :
 النبي صلى الله عليه وسلم أجاب عن هذا السؤال قال:

(( أكثروا من ذكر هادم اللذات ـ مفرق الأحباب ـ مشتت الجماعات ))

[الترمذي والنسائي عن أبي هريرة ]

(( عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به ))

[الشيرازي عن سهل بن سعد و البيهقي عن جابر ]

 وهذا الذي نؤمر به يقربنا من الدار الآخرة، ويدفعنا إلى طاعة الله عز وجل، عفواً هذا البيت أربعمئة متر، غرف ضيوف، وغرف طعام، وغرف جلوس، وإطلالة شرفة، سيارتان أو ثلاث، وبعد ذلك هل يوجد غير القبر؟ هناك قبر، هذا القبر ما أدخلناه في حساباتنا، رجعوا وتركوك، وفي التراب دفنوك، ولو بقوا معك ما نفعوك، ولم يبقَ لك إلا أنا، وأنا الحي الذي لا يموت، لذلك شخص بمصر سمع هذا النص، والده توفى وهو غني جداً، ما الطريقة؟ رجوا إنساناً فقيراً جداً يكاد يموت من الجوع من شدة فقره يرتدي كيس خيش، فتحه من مكان من أجل رأسه ومن الطرفين من أجل يديه، وربطه بحبل، من شدة فقره أعطوه عشرة جنيهات لينام في هذه الليلة مع أبيهم في القبر- القصة رمزية - جاء الملكان رأيا شخصين، قال أحدهما للآخر: عجيب، اثنان، يبدو أن الحي خاف فتحرك، فقال له: هذا حي وليس بميت، بدؤوا به أجلسوه، بدؤوا بالحبلة هذه من أين جئت بها؟ قال: من البستان، كيف دخلت إلى البستان؟ تلعثم، انهالوا عليه ضرباً حتى كادوا يقتلونه، ففي صبيحة اليوم خرج من القبر وقال: أعان الله أباكم. قال تعالى:

﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾

[ سورة الحجر: 92-93]

 الله كبير.

***

 السؤال الثاني: سيدي من منظور تربوي كيف النهوض بروح المسؤولية عند الشباب؟

 

كيفية النهوض بروح المسؤولية عند الشباب :

الدكتور راتب :
 أنا أرى أن الشباب هم عماد الأمة، وهم مستقبل الأمة، وهم القوة الفعالة في الأمة، هؤلاء الشباب طلباتهم متواضعة جداً، أنا أنوب عنهم في هذه الطلبات، يحتاج إلى فرصة عمل فقط، وزوجة، ومأوى صغير، أمن له حاجاته الثلاث يعطيك كل طاقة الأمة، لكن لا يوجد أمل يتزوج ولا يشتغل ولا عنده دخل، سوف تضيعه، يقع بأحد تطرفين؛ تطرف تفلتي إباحية، تشددي تكفير ثم تفجير، هذا الواقع.

***

 سؤال: قد يوفقنا الله إلى أعمال خيرية إلا أنه قد يشوبها رياء وسمعة، فكيف السبيل إلى الصدق والإخلاص في الأعمال؟

 

السبيل إلى الصدق والإخلاص في الأعمال :

الدكتور راتب :
 قل: الله، ثم أعرض عن هذه الوسوسات، ترك العمل الصالح خوف الرياء هو قمة الرياء، قل: الله ثم ذر الموسوسين، أنا هذا رأيي، تعامل خالق الأكوان طبعاً إذا أنت عملت جيداً يحبك الناس.

***

 سؤال: هناك من الشباب من يكون على طريق الالتزام منذ وقت بعيد إلا أنه قد ينتكث ويفقد حلاوة الأيام الأولى من التزامه فكيف معالجة هذا الأمر؟

 

معالجة من يبتعد عن الالتزام بالدين :

الدكتور راتب :
 هذا الشاب إذا بنى إيمانه تقليداً لا تحقيقاً، وكان عنده أشياء مرغبة في الدين، فلما تقدمت به العمر ضعفت هذه المرغبات، هذه حالة موجودة، أما أنت فابدأ إيمانك بقوله تعالى:

﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ﴾

[ سورة محمد: 19 ]

 ما قال: فقل، لا يقبل الله عز وجل عقيدة ولو أنها صحيحة تقليداً، إذاً حينما تبني إيمانك على العلم وأنت تطبق تماماً قطفت الثمار، إذا شخص فتح محلاً صغيراً وربحه في اليوم مئة ألف، يتركه؟ مستحيل أن يتركه، مادمت أنت قطفت ثمار الدين مستحيل أن تبتعد عنه، هذا إيماني انا، مادمت ذقت طعم القرب من الله، قال النبي صلى الله عليه وسلم:

(( ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ... ))

[ متفق عليه عن أنس بن مالك ]

 حلاوة الإيمان إذا ذقتها تصبح إنساناً آخر.

***

 سؤال: الخوف من الموت هل يعني ذلك ضعف الإيمان؟

الخوف من الموت ليس ضعفاً في الإيمان :

الدكتور راتب :
 لا الخوف من الموت طبيعي، لكن هناك إنساناً يستعد للموت وإنساناً لا يستعد، أحد التابعين قال: التقيت بأربعين صحابياً ما منهم واحد حين وافته المنية إلا كان في أسعد لحظات حياته. وا كربتاه يا أبتِ، قال: لا كرب على أبيك بعد اليوم غداً نلقى الأحبة محمداً وصحبه.

***

 سؤال: كيف نعد الولد الصالح الذي يدعو لنا بعد مماتنا؟

كيفية إعداد الولد الصالح :

الدكتور راتب :
 هذا الولد الصالح يحتاج إلى بيئة صالحة، هيئ له بيتاً صالحاً، هيئ له برامج صحيحة فيصبح صالحاً، هناك قوانين، أما بيت فيه أشكال ألوان، أنا كنت أقول كلمة قديمة: كلما اتسعت الصحون على السطوح ضاقت صحون المائدة، وكلما رخص لحم النساء ارتفع لحم الضأن، وكلما قلّ ماء الحياء قلّ ماء السماء.

***

 سؤال: أنا أخت مسلمة والحمد لله وكنت أعاني من وسواس واضطرابات نفسية والحمد لله ذهبت ولكن الآن رجعت لي هذه الأعراض هل هو تقصير مني أم ابتلاء من الله؟

 

الوسواس تقصير أم ابتلاء ؟

الدكتور راتب :
 أنا أقول لهذه الأخت: إن الله لا يحاسب إلا على العمل، إذا كان هناك وسواس لا تحاسبين عليه، حتى تطمئني، الحساب على العمل فقط، لكن هذه الوساوس من لم يستعذ بالله منها ويتابعها ممكن أن تنقلب إلى عمل.

***

 سؤال: هل الخوف من ضيق الرزق يعتبر من سوء الظن بالله.

 

حسن الظن بالله ثمن الجنة :

الدكتور راتب :
 لا، حسن الظن بالله ثمن دخول الجنة، لكن أنت يجب أن تعلم علم اليقين أن هناك حكمة بالغة في الرزق، هذه الحظوظ، المال حظ، والوسامة حظ، والذكاء حظ، والنسب حظ، والعلم حظ، الحظوظ موزعة في الدنيا توزيع ابتلاء، وسوف توزع في الآخرة توزيع جزاء، قال تعالى:

﴿ انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ ﴾

[ سورة الإسراء: 21 ]

 يوجد بائع متجول على عربة ورئيس غرفة تجارة، جندي خدمة إلزامية ورئيس أركان عنده خمس سيارات، أستاذ جامعي له كرسي ومعلم أبتدائي في قرية، قال تعالى:

﴿ انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً ﴾

[ سورة الإسراء: 21 ]

 أين بطولتك؟ يكون لك مقعد ثابت في الآخرة، المقعد الثابت بيدك كله، بيدك، باستقامتك، وبعملك الصالح.
 واحد وثلاثة أصفار ألف، ثلاثة أخرى مليون، ثلاثة أخرى ألف مليون، ثلاثة رابعة مليون مليون، للحائط، لا، من الأرض إلى الشمس وكل ميلي صفر، مئة و ستة و خمسون مليون كيلومتر وكل ميلي صفر، هذا الرقم إذا نسب إلا اللانهاية قيمته صفر، أنت مدعو إلى اللانهاية، إلى أبد الآبدين في الجنة، تتخلى عنها من أجل عدة سنة؟!

***

 سؤال: تقول: زوجي كثير السهر خارج البيت فكيف أتصرف ولدي أربعة أطفال وأبقى وحدي طيلة اليوم والليل؟

 

الدكتور راتب :
 السؤال لزوجها وليس لي.

***

 سؤال: كيف نرقى من خلال الابتلاء بديننا وإيماننا وما هي آلية ذلك؟

 

الارتقاء من خلال الابتلاء بديننا وإيماننا :

الدكتور راتب :
 أولاً أيها الأخوة الكرام؛ ممكن تتصور جامعة من دون امتحان؟ لا، ولا تتصور حياة من دون ابتلاء، قال تعالى:

﴿ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ ﴾

[ سورة المؤمنون : 30]

﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ﴾

[ سورة الملك : 2 ]

 الابتلاء علة وجودنا، الآن ليست البطولة ألا تبتلى، هذه مستحيلة، البطولة أن تنجح في الابتلاء، قبولك هذا الابتلاء بل أن تشكر الله عليه، إذا أحبّ الله عبده ابتلاه، عفواً يأتي إنسان إلى طبيب معه غرغرين، رجله بحاجة إلى قطع، شخص ثان معه التهاب معدة، الأول لا يوجد أمل لا بد من قطع رجله، و الثاني يشفى بالحمية، الذي معه غرغرين سأل: ماذا آكل؟ قال له: كُل ما شئت، أي أفضل أن تؤتى الدنيا كما تشتهي وأنت مخالف لمنهج الله أم يسوق الله لك بعض الشدائد ثم تستحق الجنة؟ من أحبنا أحببناه، ومن طلب منا أعطيناه، ومن اكتفى بنا عما لنا كنا له وما لنا.

***

 سؤال: عندي خمسة ملايين درهم جمعتها بالحلال والحمد لله نفسي تريد بيتاً فخماً للأسرة، والروح تريد بيتاً لله عز وجل.
الدكتور راتب :
 أين هذا الأخ؟ يبني مسجداً.

***

 سؤال: هناك كلام كثير عن الحجاب، فما رأيكم في بعض علماء الأزهر الذي أكدوا أن الحجاب فقط هو عرف وليس بشرع؟

 

الدكتور راتب :
 هذا عالم أزهري؟ لذلك كان هناك خطيب في مصر يقول: الأزهر الشريف سابقاً.

***

 سؤال: كيف أعرف أن الله عز وجل يحبني؟

 

من خطب ود الله فالله يحبه :

الدكتور راتب :
 لا يمكن أن تخطب ود الله إلا وأن الله يحبك، أي أب في الأرض جاء ابنه أخذ عشرات تامة بكل علاماته، وثناء على أخلاقه، يقول له: اجلس فقط أم يقبله ويكرمه بجائزة؟ مستحيل إله يراك تخطب وده، تطيع أمره، تحارب شهواتك كلها، بار بوالديك، ناصح، صادق، لا يوجد شيء أبداً، يلقي بروعك سعادة لا توصف، وإذا لم تقل: لا يوجد على وجه الأرض من هو أسعد مني، عندك مشكلة بإيمانك، أنت مع الله، مع الجميل، مع القوي، مع اللطيف، مع الرحيم، مع من بيده كل شيء، حياتك بيده، رزقك بيده، الأقوياء بيده، الضعفاء بيده، إله أنت معه تخطب وده، يكون الشخص له صاحب في الدولة يمشي بالعرض فكيف مع الله عز وجل؟

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور