وضع داكن
20-04-2024
Logo
مختلفة - الأردن - المحاضرة : 05 - جرش - رسالة الإسلام منهج الحياة وإيجابيات بلادنا .
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الأخوة الكرام؛ أهل العلم وأهل الفضل وأصحاب القرار بادئ ذي بدء، أشكر الأخوة الكرام الذين دعوني إلى هذا اللقاء الطيب، وإن دلت دعوتهم على شيء فإنما تدل على حسن الظن بي، وأسأل الله أن أكون عند حسن ظنكم.

الإيجابيات التي يتمتع بها المسلمون في عالم الشرق :

 أيها الأخوة الكرام؛ القصة أحد أبرز فنون الأدب العربي، لكن القصة منها ما هو رواية، أو قصة، ومنها ما هو أقصوصة، أو حكاية، وسأروي لكم أربع حكايات قصيرة تمثل نماذج المسلمين في أنحاء الأرض.
 ففي الشرق الأوسط في هذه البلاد الطيبة التي بارك الله حولها؛ رجل فقير جداً، عنده أولاد كثر، ودخله محدود جداً، ورث فجأة أرضاً بعدة ملايين، هناك محسن كبير أراد أن يبني مسجداً، فإذا بهذه الأرض تعد مناسبة جداً بمساحتها، واتجاهاتها، وشكلها، فجاؤوا إلى صاحبها، وقد ورثها من شهر، وهو من أفقر الفقراء، اتفقوا على سعر، وكتب له المحسن شيكاً بنصف القيمة، قال له: أين الباقي؟! قال له: عند التنازل، قال: أي تنازل؟! قال: تذهب إلى الأوقاف وتتنازل عنها للأوقاف، وعندئذ نسدد بقية الثمن، قال له: هذه الأرض سوف تصبح مسجداً؟ قال له: نعم، قال له: والله أستحي من الله أن أبيعها، أنا أولى منك أن أقدمها لله، يقول هذا المحسن الكبير: في كل حياتي ما صغرت أمام إنسان كما صغرت أمام هذا الفقير الذي لا يملك من حطام الدنيا شيئاً.
 يوجد في بلادنا صيت كبير، نحن عندنا عقدة مرضية اسمها جلد الذات، نجلد ذواتنا دائماً، وعندنا والله من الإيجابيات في العلاقات الأسرية والعلاقات الاجتماعية، وعندنا إن صح التعبير بقية من مكارم الأخلاق والمروءة والفضل ما ينبغي أن نعتز به.
 أخواننا الكرام؛ ينبغي أن نكون موضوعيين، لأن الموضوعية قيمة مشتركة بين العلم وبين الأخلاق، إذا كنت موضوعياً فأنت عالم، وإن كنت موضوعياً فأنت أخلاقي، أتمنى أن تبحثوا عن إيجابيات بلادنا، عن إيجابيات مجتمعاتنا، عن الأخلاق التي تربينا عليها، هذه كلها قيم عظيمة، على أية حال من الأحوال ينبغي أن أذكر قصة متعلقة بهذه البلاد الطيبة، قال له: أنا أولى منك أن أقدمها إلى الله، هذا الغني الكبير يقول: والله ما صغرت في حياتي كما صغرت أمام هذا الإنسان الذي لا يملك من حطام الدنيا شيئاً.

 

من أخلّ بما عليه من عبادة فالله في حلّ من وعوده :

 أخواننا الكرام؛ مسلم في بريطانيا، إمام مسجد يركب مركبة كل يوم ليؤدي واجبه الديني في هذا المسجد، في أحد المرات أعطى السائق ورقة نقدية كبيرة، فأعطاه السائق بقية المبلغ، جلس في المقعد وعدّ هذه البقية فإذا هي تزيد عشرين بنساً عما يستحق، فقال بينه وبين نفسه: إنها شركة عملاقة كبيرة، وهذا مبلغ ضئيل ينفعني، ولا يضرها ألا تأخذه، لكن بعد أن جلس دخل مع نفسه في صراع، وفي النهاية في أثناء المغادرة مدّ يده إلى جيبه، وأعطى السائق تتمة المبلغ الذي أخذه خطأ، فابتسم السائق وقال: ألست إمام هذا المسجد؟ قال: بلى، قال: والله أردت أن أتعبد الله عندك، ولكن أردت أن أمتحنك قبل أن آتي إليك، وقع هذا الإمام مغشياً عليه فلما استيقظ من غشيته قال: يا رب كدت أبيع الإسلام كله بعشرين بنساً.
 أخواننا الكرام؛ مغزى هذه الحكاية كم إنسان يبيع دينه بمبلغ بسيط يأخذه حراماً؟! هذه المشكلة:

(( ولن يُغْلَبَ اثنا عَشَرَ ألفا مِنْ قِلَّةٍ ))

[أخرجه أبو داود والترمذي عن عبد الله بن عباس ]

 الله عز وجل يقول:

﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي ﴾

[ سورة النور: 55 ]

 فإذا أخلّ الفريق الآخر بما عليه من عبادة لله فالله جل جلاله في حلّ من وعوده الثلاثة.
 أيها الأخوة الكرام؛ الآيات في القرآن التي تعد المؤمين بالنصر كثيرة:

﴿ وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾

[ سورة الروم: 47]

﴿ وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ ﴾

[سورة الصافات: 173]

 والواقع لا يتناسب مع هذه الوعود، أين الخلل؟! عندنا، البطولة أن تكشف الخلل عندك، هذه بطولة في الإنسان، وهناك مرض نفسي كل الأخطاء والسلبيات تعزوها إلى غيرك، ينبغي أن نعزو بعض مشكلاتنا إلى أخطائنا.

 

البحث عن إيجابيات بلادنا و التمسك بها :

 إنسان آخر في أمريكا خطب فتاة، استأذن والده في الشام أن يتزوج هذه الفتاة، هذه ليست مسلمة، فلما علم أبوه أنها ليست مسلمة، أقام عليه الدنيا وهدده بحرمانه من الإرث، فامتثل الابن لرغبة أبيه، لكن بعد شهر أرسل لأبيه رسالة قال: يا أبت لو أنها أسلمت ماذا تقول؟ قال: أوافق، فجاء لها بكتب إسلامية كثيرة وأعطاها إياها، وقال: إذا كنت حريصة على الزواج مني اقرئي هذه الكتب وأسلمي، وعندئذ يوافق والدي، طلبت مهلة لأربعة أشهر، أربعة أشهر وقد مضت عليه كأربع سنين، اتصل بها وأخبرته بأنها قد أسلمت، فكاد يختل توازنه، لكنها قالت له: ولكنني لن أتزوجك، لأنك بحسب ما قرأت لست مسلماً، هذه مشكلة.

﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ﴾

[ سورة النور: 55 ]

 أخواننا الكرام؛ الحقيقة العالم المتفلت يعاني ما يعاني، حدثني صديق قال لي: فتاة خطبها شاب في أمريكا، فقال له أبوه: لا يا بني إنها أختك وأمك لاتدري، فلما خطب الثانية قال له كلاماً آخر مشابهاً للأول: إنها أختك وأمك لا تدري، فلما خطب الثالثة كانت أخته فضجر وحدث أمه، قالت له: خذ أيا شئت فأنت لست ابنه وهو لا يدري.
 أيها الأخوة الكرام؛ ابحث عن إيجابيات بلادنا؛ عن المروءة، عن الحياء، عن الوفاء، عن التواصل الأسري، ابحث عن هذه الإيجابيات من أجل أن تتوازن.

 

تخطيط أعداء الإسلام لخمسة أشياء :

 أيها الأخوة الكرام؛ لكن أنا أنطلق أحياناً من أن الحقيقة المرة أفضل ألف مرة من الوهم المريح، من الحقائق المرة أن أعداء المسلمين يخططون لخمسة أشياء، يخططون لإفقار المسلمين، وهذا الكلام لا يحتاج إلى أدلة، ويخططون لإضلالهم، ويخططون لإفسادهم، ويخططون لإذلالهم، ويخططون في النهاية لإبادتهم، هذه حقيقة مرة ينبغي أن نعلمها، لذلك قال تعالى:

﴿ هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ ﴾

[ سورة آل عمران: 119]

 بل إن الله جلّ جلاله حينما قال:

﴿ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى ﴾

[ سورة البقرة: 256]

 أي لن تؤمن بالله إلا إذا كفرت بالطاغوت أو بالطواغيت.
 أيها الأخوة الكرام؛ قيل: إن لم تخطط يُخَطط لك، وإن لم تكن رقماً صعباً في خطة عدوك تكن رقماً سخيفاً في خطتك، إن لم تكن رقماً صعباً في خطة عدوك، يكون الإنسان المقصر رقماً سخيفاً في خطة هذا العدو.

 

تسخير الكون للإنسان تسخير تعريف و تكريم :

 أيها الأخوة الكرام؛ ندخل في صلب هذا اللقاء الطيب، من أنت أيها الإنسان؟ هل تصدق أنك المخلوق الأول عند الله، من عرف نفسه عرف ربه، لماذا؟! قال تعالى:

﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ﴾

[ سورة الأحزاب : 72 ]

 لأن الإنسان قبِل أن يحمل الأمانة، ما الأمانة؟ دقق نفسك التي بين جنبيك جعلها الله أمانة عندك:

﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا *وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ﴾

[ سورة الشمس: 9-10]

 زكيتها أي عرفتها بربها، حملتها على طاعته، تقربت إلى الله بالأعمال الصالحة، أقلبت عليه، استنرت بنوره، اشتققت الكمال منه فقد زكيتها، وإذا بعد الإنسان عن ربه شقي، فلذلك الله عز وجل يقول:

﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ﴾

[ سورة الأحزاب : 72 ]

 بعضهم قرأ هذه الآية استفهاماً:

﴿ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً ﴾

[ سورة الأحزاب: 72 ]

 عندما قبِل حمل الأمانة؟ لا والله، أما إذا حملها في عالم الأزل وجاء إلى الدنيا وقصر في أدائها فنقرؤها تقريراً:

﴿ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً ﴾

[ سورة الأحزاب: 72 ]

 أيها الأخوة الكرام؛ لأنك أيها الإنسان المخلوق الأول قبلت حمل الأمانة، سخر الله لك ما في السموات وما في الأرض جميعاً منه تسخير تعريف وتكريم، كل ما تقع عينك عليه مسخر لك، وسخر لكم خصيصاً لكم ما في السموات وما في الأرض جميعاً منه تسخير تكريم وتسخير تعريف، أي الله عز وجل لا تدركه الأبصار ولكن العقول تصل إليه، لذلك سخر لك هذه الكون ليكون دالاً على أسمائه الحسنى وصفاته الفضلى، هذا التسخير تسخير تعريف.
 شيء آخر؛ هناك تسخير تكريم، كأن يقدم لك صديق متفوق له اختراعات جهازاً من اختراعه، وهذا الجهاز قدمه لك هدية، فأنت تنطوي على شعورين، شعور الإكبار والتعظيم لهذا الاختراع، وشعور الامتنان لهذا التكريم، لذلك قال تعالى:

﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ ﴾

[ سورة النساء : 147]

 أنت حينما تؤمن وحينما تشكر تحقق الهدف من وجودك، فإذا شكرت وآمنت توقفت معالجة الله لك:

﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً ﴾

[ سورة النساء : 147]

آيات الله في الآفاق :

 أيها الأخوة الكرام؛ كيف نؤمن؟ الله جلّ جلاله لا تدركه الأبصار، ولكن العقول تصل إليه، ولا تحيط به، قد تركب مركبة – سيارة - تأخذك إلى شاطئ البحر، لكن هذه المركبة لا تستطيع أن تغوص بها في أعماق البحر، تصل إليه ولا تحيط به، لذلك قالوا: لا يعرف الله إلا الله، لكن أعلى معرفة لبشر بالله عز وجل معرفة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
 يوجد في القرآن ألف وثلاثمئة آية تتحدث عن الكون، لماذا؟ آية الأمر تقتضي أن نأتمر، وآية النهي تقتضي أن ننتهي، وقصص الأنبياء السابقين تقتضي أن نتعظ، ولكل آية موقف ينبغي أن تقف منها، فإذا وجد في القرآن ألف وثلاثمئة آية قرآنية ما الموقف الذي ينبغي أن تقفه منها؟ قال تعالى:

﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾

[ سورة آل عمران : 190-191 ]

 لذلك من اللقطات والومضات الكونية أن أقرب نجم ملتهب إلى الأرض يبعد عنا أربع سنوات ضوئية فقط، ما معنى سنة ضوئية؟ السنة الضوئية تعني أن الضوء يقطع في الثانية الواحدة ثلاثمئة ألف كيلو متر، في الدقيقة ضرب ستين، بالساعة ضرب ستين، في اليوم ضرب أربع وعشرين، بالسنة ضرب ثلاثمئة وخمسة وستين، بأربع سنوات ضرب أربع، ابنك الصغير بالإعدادي مع آلة حاسبة بدقيقتين يحسب لك كم يبعد هذا النجم الذي هو أقرب نجم ملتهب إلى الأرض، أربع سنوات ضوئية، ثلاثمئة ألف ضرب ستين ضرب ستين ضرب أربع وعشرون ضرب ثلاثمئة وخمسة وستين ضرب أربع، هذه المسافة، الآن دققوا لو أردنا أن نصل إلى هذا النجم بمركبة أرضية لاحتجنا إلى خمسين مليون عام، خمسون مليون عام لكي نصل إلى أقرب نجم ملتهب، متى نصل إلى نجم القطب الذي يبعد عنا أربعة آلاف سنة ضوئية؟ الأول أربع سنوات الثاني أربعة آلاف سنة، متى نصل إلى المجرة التي تبعد عنا مليوني سنة ضوئية؟ ومتى نصل إلى بعض المجرات التي اكتشفت حديثاً و التي تبعد عنا أربعة وعشرين ألف مليون سنة ضوئية؟ الآن اقرأ القرآن:

﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ﴾

[سورة الواقعة: 75-76]

 إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم، وإذا أردتهما معا فعليك بالعلم، لكن العلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً، ويظل المرء عالماً ما طلب العلم، فإذا ظن أنه قد علم فقد جهل، طالب العلم يؤثر الآخرة عن الدنيا فيربحهما معا، لكن الجاهل يؤثر الدنيا عن الآخرة فيخسرهما معاً.
 أيها الأخوة الكرام؛

﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ﴾

[سورة الواقعة: 75-76]

 لذلك التفكر في خلق السموات والأرض أقصر طريق إلى الله، وأوسع باب ندخل منه على الله، لأن التفكر في خلق السموات والأرض يضعك وجهاً لوجه أمام عظمة الله.
 شيء آخر أخواننا الكرام؛ كلكم يعلم أن الأرض تدور حول نفسها دورة كل يوم، وتدور حول الشمس دورة كل عام، وفي أثناء دورتها حول الشمس المسار ليس دائرياً لكنه بيضوي أي إهليلجي، مسار الأرض حول الشمس بيضوي، والشكل البيضوي له قطران، قطر أطول وقطر أصغر، فإن كانت الأرض في جهة القطر الأكبر واتجهت نحو القطر الأصغر ما الذي يحصل؟ المسافة قلت، بينما الجاذبية قد ازدادت، يقيناً تنجذب الأرض إلى الشمس، وإذا انجذبت الأرض إلى الشمس تتبخر في ثانية واحدة، لأن درجة حرارة الشمس عشرون مليون درجة، فما الذي يحصل؟ ترفع الأرض سرعتها لينشأ من رفع السرعة قوة نابذة تكافئ القوة الجاذبة فتبقى على مسارها:

﴿ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا ﴾

[ سورة فاطر: 41 ]

 هذا الزوال أن تزول عن مسارها حول الشمس، فلذلك من آيات الله الدالة على عظمته أن الأرض تبقى على مسارها حول الشمس، فإذا وصلت إلى القطر الأطول المسافة ازدادت، فالآن سرعتها مع ضعف الجاذبية قد تخرجها من مسارها حول الشمس، وإذا سارت في الفضاء الخارجي أصبحت الحرارة بالصفر المطلق مئتين وستين تحت الصفر فتنتهي الحياة، تنتهي الحياة مرتين؛ إذا انجذبت إلى الشمس تتبخر في ثانية، وتنتهي إذا ابتعدت عنها فتصبح الحرارة مئتين وستين تحت الصفر، هنا تبطئ الأرض سرعتها، لينشأ من بطء السرعة قوة نابذة أقل تكافئ القوة الجاذبة الأقل فتبقى على مسارها، الآن اقرأ قوله تعالى:

﴿ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا ﴾

[ سورة فاطر: 41 ]

 قال بعض العلماء: لو أن هذه الأرض تفلتت من جاذبية الشمس وأردنا أن نعيدها إلى الشمس، قال: نحتاج إلى مليون مليون حبل فولاذي، قطر الحبل خمسة أمتار، فإذا زرع المليون مليون حبل على الأرض كانت المسافة بين كل حبلين خمسة أمتار، تعطلت الزراعة والسقاية والمواصلات والحركات، لذلك:

﴿ اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ﴾

[سورة الرعد: 2]

 أي رفعها بعمد لا ترونها هي قوى الجاذبية.
 أيها الأخوة الكرام؛ الله عز وجل يقول:

﴿ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ﴾

[ سورة فصلت: 53 ]

 هذه آيات الآفاق، هذه بعض آيات الآفاق، هذه ومضات من آيات الآفاق، فماذا في آيات النفس؟

 

آيات الله في النفس :

 أخواننا الكرام؛ نحن جميعاً نرى والفضل لله عز وجل، لكن في العين ماء، هذا الماء يتجمد في الدرجة صفر، لو ذهب أحدنا إلى اسكندنافيا، أو إلى دول الشمال، الحرارة سبعون تحت الصفر، فما الذي يجب أن يحصل؟ يتجمد ماء العين، و إن تجمد ماء العين فقد سكان كل هذه المنطقة النظر، فلماذا لا يفقدون أبصارهم؟ قال: لأن الله عز وجل وضع في ماء العين مادة مضادة للتجمد:

﴿ هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ ﴾

[ سورة لقمان : 11 ]

 أيها الأخوة الكرام؛ الطفل يولد اليوم، لمجرد أن يولد يضع شفتيه على ثدي أمه ليمص الحليب، والعلماء قالوا: المص آلية معقدة، يجب أن يحكم شفتيه على حلمة ثدي الأم، ثم يسحب الهواء، من علمه؟ هل هناك أب في الأرض يستطيع أن يعلم ابنه الذي ولد لتوه كيف يمص الحليب؟! العلماء قالوا: هذا المنعكس الوحيد في خلق الإنسان سموه منعكس المص، لولا هذا المنعكس لما كانت هذه المحاضرة، ولما كانت عمان، ولا شرق الأردن، ولا الشرق الأوسط، ولا بلد في العالم، هذا المنعكس البسيط منعكس المص، أعرف أنا أحد الأخوة الكرام ابنه لم يملك هذا المنعكس فتوفي، يموت الإنسان، إذاً هنالك أشياء دقيقة جداً.
 الإنسان في بطن أمه في الرحم لا يوجد هواء، هناك رئتان لكن لا يوجد هواء، فما الذي يحصل؟ يوجد ثقب بين الأذينين كشفه عالم فرنسي اسمه بوتال، هذا الثقب يسمح بمرور الدم من الأذين إلى الأذين بدل من الأذين إلى الرئة إلى البطين، الدورة الصغرى ملغاة في رحم الأم، عند الولادة - هكذا قال العلماء- تأتي جلطة فتغلق هذا الثقب، يد من؟ علم من؟ حكمة من؟ قدرة من؟ لولا إغلاق هذا الثقب لما كانت هذه المحاضرة مرة ثانية.
 أيها الأخوة الكرام؛ الله عز وجل هيأ لنا جيشاً دفاعياً بكل معاني الكلمة في جسم الإنسان، إنها الكريات البيضاء، هذا الجيش من الكريات البيضاء جندي معه سلاح خطير، فما الذي يحصل؟
 أخواننا الكرام؛ هذه الكريات البيضاء تدخل إلى غدة اسمها التيموس، إلى عشرين سنة الأطباء يتوهمون أنها لا وظيفة لها، لماذا؟ قال: لأنها تضمر بعد عامين، تلتغي كلياً، هي أخطر غدة في الإنسان، لأن الكريات البيضاء تدخل إلى هذه الغدة التيموس تتعلم من هو الصديق، ومن هو العدو، قد تعلم عشرات ألوف الأصدقاء والأعداء، ولكن بعد التعلم هنالك امتحان، أثناء خروجها من التيموس تمتحن، تعطى عنصراً صديقاً فإذا قتلته ترسب وتقتل، وأحياناً تعطى عنصراً عدواً فإن لم تقتله ترسب وتقتل، فالكريات البيضاء المتخرجة تتولى تعليم الأجيال.
 أخواننا الكرام؛ هذه الغدة من عشرين عاماً توهم الأطباء أن ليس لها وظيفة، لأنها تضمر، فإذا تعلم الجيل الأول هذه المعلومات الدقيقة عن الأعداء والأصدقاء يتولى الجيل المتخرج تعليم الأجيال الصاعدة حتى الموت، لكن في سن السبعين أو الثمانين يضعف التعليم، ينشأ شيء اسمه: الخرف المناعي، الخرف المناعي معناه حرب أهلية ضمن الجسم، بعض الكريات تدمر بعضها، شيء دقيق جداً:

أتحسب أنك جرم صغير  وفيك انطوى العالم الأكبر؟
***

 أخواننا الكرام؛ المرأة حينما تلد ينزل مع الجنين قرص لحمي، اسمه المشيمة، يوجد في المشيمة شيء لا يصدق، هذه المشيمة يجتمع فيها دم الأم مع دم الجنين، وكلكم يعلم إذا خلطنا دماً بدم وكل دم زمرة تموت الأم مع جنينها معاً، لو أعطينا المريض خطأ دماً من زمرة أخرى يموت فوراً بانحلال الدم، والأخوة الأطباء يعلمون ذلك، فيجتمع في المشيمة دم الأم مع دم الجنين ولا يختلطان، كيف لا يختلطان؟ بينهما غشاء سماه الأطباء: الغشاء العاقل، لأنه يقوم بأعمال تعجز عنها العقلاء، ماذا يفعل هذا الغشاء العاقل؟ يأخذ السكر من دم الأم يضعه في دم الجنين، ثم يأخذ الأكسجين من دم الأم ويضعه في دم الجنين، ثم يأخذ الأنسولين من دم الأم ويضعه في دم الجنين، أصبح يوجد في دم الجنين سكر وأنسولين وأوكسجين، يحترق السكر بالأوكسجين عن طريق الأنسولين فتتولد حرارة في الجسم، حرارة الطفل سبع وثلاثون من أين أتت؟ من هذه العملية.
 الغشاء العاقل ينقل للجنين كل عوامل مناعة الأم، أي جميع الأمراض التي أصابت الأم وشفيت منها تكونت مناعة عندها، هذه المناعة تنتقل إلى الجنين، فالجنين محصن من جميع الأمراض التي أصيبت بها أمه، الآن غشاء العاقل يقدم للجنين عشرات ألوف المواد بنسب دقيقة جداً ومتغيرة كل ساعة بحسب نمو الجنين، وهذا الشيء يعجز عنه أطباء الكون، أطباء العالم، ولكن أحياناً الأم لسبب أو لآخر يوجد طعام لا تأكله، والجنين بحاجة إليه، ينشأ عند الأم أثناء الحمل رغبة بهذا الطعام، هذا الطعام الذي تشتهيه الأم أثناء الحمل هو الذي يحتاجه الجنين، أي هل يوجد طريقة أخرى يخبرها أنه يريد هذا الطعام؟! مستحيل، فشهوة الأم أثناء الحمل هذا تعبير عن حاجة الأم لهذا الطعام.

 

حرص كل إنسان على سلامته و سعادته و استمرار وجوده :

 أيها الأخوة الكرام؛ الحقيقة أن في الأرض سبعة مليارات إنسان، وأنا أشهد الله أنه ما من واحد من هؤلاء البشر إلا وحريص على سلامته، وعلى سعادته، وعلى استمراره ، سلامتنا جميعاً باتباع تعليمات الصانع لأنك أعقد آلة في الكون، تعقيد إعجاز لا تعقيد عجز، ولهذه الآلة صانع حكيم، ولهذا الصانع الحكيم تعليمات التشغيل و الصيانة، فإذا اتبعت تعليمات الصانع سلمت وسعدت.
 شيء ثان؛ أنت بحاجة إلى استمرار وجودك، وكمال وجودك، وسلامة وجودك، السلامة بالاستقامة، والكمال باتباع تعليمات الصانع، والاستمرار بتربية أولادك، قلت في أمريكا هذه الكلمة من عشرين سنة، قلت لهم: لو بلغت منصباً ككلينتون الزوج، وثروة كأوناسيس، وعلماً كأنشتاين، ولم يكن ابنك كما تتمنى فأنت أشقى الناس.
 أخواننا الكرام؛ أخطر شيء بحياتنا أبناؤنا، أبناؤنا هم المستقبل، والأمة بشبابها، شباب الأمة يحتاجون إلى أشياء ثلاثة بتواضع جمّ؛ يحتاجون إلى مأوى وزوجة وفرصة عمل، أتمنى على المجتمعات الإسلامية أن تفكر تفكيراً جاداً في تأمين حاجات هؤلاء الشباب، فإن لم نؤمن لهم هذه الحاجات ضعفوا، وقعوا في التطرف، ونوعا التطرف تطرف تفلتي إباحية، وتطرف تشددي تكفير وتفجير، التفلتي إباحية، التشددي تكفير وتفجير، حاجته إلى فرصة عمل، وحاجته إلى زوجة، وحاجته إلى مأوى، فنحن إذا ساعدنا الشباب على الزواج نكون قد قدمنا لهم أكبر هدية.
 أخواننا الكرام؛ سلامة وجودنا في الاستقامة، كمال وجودنا في الاتصال بالله، استمرار وجودنا بتربية الأولاد، ولعلي أطلت عليكم، وأسأل الله العلي القدير أن يحفظكم جميعاً، ويحفظ بلادكم من كل شر، وأن يحفظ بلاد الشام أيضاً، وأن يحقن دماء المسلمين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور